عرض مشاركة واحدة
  #25  
قديم 09-02-2022, 12:53 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 134,060
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير "محاسن التأويل"محمد جمال الدين القاسمي متجدد إن شاء الله


تفسير "محاسن التأويل"
محمد جمال الدين القاسمي
سورة البقرة
المجلد الثانى
صـ 131 الى صـ 135
الحلقة (25)

القول في تأويل قوله تعالى :

[57 ] وظللنا عليكم الغمام وأنـزلنا عليكم المن والسلوى كلوا من طيبات ما رزقناكم وما ظلمونا ولكن كانوا أنفسهم يظلمون

وظللنا عليكم الغمام وأنـزلنا عليكم المن والسلوى كلوا من طيبات ما رزقناكم وما ظلمونا ولكن كانوا أنفسهم يظلمون

لما ذكر تعالى ما دفعه عنهم من النقم شرع يذكرهم أيضا بما أسبغ عليهم من النعم ، فمنها تظليل الغمام عليهم ، وذلك أنهم كانت تظلهم سحابة إذا ارتحلوا . لئلا تؤذيهم حرارة الشمس ، وقد ذكر تفصيل شأنها في توراتهم في الفصل التاسع من سفر العدد ، ومنها إنزال المن .

وقد روي في التوراة أنهم لما ارتحلوا من إيليم وأتوا إلى برية سين ، التي بين إيليم وسيناء ، في منتصف الشهر الثاني بعد خروجهم من مصر ، تذمروا على موسى وهارون في البرية ، وقالوا لهما : ليتنا متنا في أرض مصر إذ كنا نأكل خبزا ولحما ، فأخرجتمانا إلى هذه البرية لتهلكا هذا الجمع بالجوع . فأوحى تعالى لموسى عليه السلام إني أمطر عليكم خبزا من السماء . فليخرج الشعب ، ويلتقطوا حاجة اليوم بيومها طعامهم من أجل أني أمتحنهم ، هل يمشون في شريعتي أم لا ، وليكونوا في اليوم السادس أنهم يهيئون ضعف ما يلتقطونه يوما فيوما . لأن اليوم السابع يوم عيد لا يشخص فيه لأمر المعيشة ولا لطلبة شيء .

فقال لهم موسى : إن الرب تعالى يعطيكم عند المساء لحما تأكلون ، وبالغداة تشبعون خبزا . فكان في المساء أن السلوى صعدت وغطت المحلة ، وبالغداة أيضا وقع الندى حول المحلة . ولما غطى وجه الأرض تباين في البرية شيء رقيق كأنه مدقوق بالمدقة ، يشبه الجليد على الأرض . فلما نظر إليه بنو إسرائيل قالوا : ما هذا ؟ لأنهم لم يعرفوه . فقال لهم موسى : هذا هو الخبز الذي أعطاكم الرب لتأكلوا . وقد أمركم أن يلقط كل واحد على قدر ما في بيته ، وقدر مأكله . ففعل بنو إسرائيل كذلك ، ولقطوا ما بين مكثر ومقلل ، وقال لهم موسى : لا تبقوا منه شيئا إلى الغد . فلم يطيعوا [ ص: 132 ] موسى ، واستفضل منه رجال إلى الغد ، فضرب فيه الدود ونتن ، فغضب عليهم موسى ، وكانوا يلقطون غدوة ، كل إنسان يلقط على قدر ما يأكل ، فإذا أصابه حر الشمس ذاب . وقد أعطوا في اليوم السادس خبز يومين ليجلس كل رجل منهم في مكانه في اليوم السابع ، راحة وتقديسا له . وكان إذا خرج بعض الشعب ليلقط ، يوم السابع ، لا يجد في الأرض منه شيئا . ودعا آل إسرائيل اسمه المن ، وكان مثل حب الكزبرة أبيض ، وطعمه كرقاق بعسل ، وأكل بنو إسرائيل المن أربعين سنة حتى أتوا إلى الأرض العامرة ، ودنوا من تخوم أرض كنعان . وروي في ترجمة التوراة أيضا أن المن كان يشبه لون اللؤلؤ . وكان يطوف الشعب ويلتقطونه ويطحنونه بالرحى . ويدقونه في الهاون ويطبخونه في القدور ، ويعملون منه رغفا طعمها كالخبز المعجون بالدهن . ومتى نزل الندى على المحلة ليلا كان ينزل المن معه اهـ.

هذا ما كان من أمر المن . وأما السلوى فروي أيضا : أن جماعة ممن صعد مع بني إسرائيل من مصر تاقت أنفسهم للحم وجلسوا يبكون ، ووافقهم بنو إسرائيل على اشتهائه أيضا . وقالوا : من يطعمنا لحما لنأكل ؟ قد تذكرنا السمك الذي كنا نأكله بمصر من غير ثمن ، والقثاء والبطيخ والكراث والبصل والثوم . والآن قد يبست نفوسنا ولا تنظر عيوننا إلا المن . فلما سمع موسى الشعب يبكون بعشائرهم ، وعلم غضب الرب عليهم ؛ لذلك ، ابتهل إلى ربه وقال : من أين لي لحم أطعم منه هذا الجمع وهم يبكون علي ويقولون أعطنا لحما لنأكل ؟ فأوحى إليه ربه أن يجمع سبعين رجلا من شيوخ شعبه وعرفائه ، ويقبل بهم إلى خيمة الاجتماع فيكونوا معه ، ثم كلمه ربه ووعده أن يعطيه لحما يأكلون منه شهرا حتى يأنفوا منه . فأخبر موسى الشعب بذلك . ثم انحاز إلى المحلة هو وشيوخ قومه ، فخرجت ريح وحملت السلوى من البحر وألقتها على المحلة مسيرة يوم حول المحلة من كل جانب ، وكانت تطير بالجو ذراعين على الأرض ، وقام الشعب يومهم ذلك كله والليل . وفي غد اليوم الثاني ، فجمعوا السلوى أقل من جمع عشرة أكرار ، سطحوه سطيحا ويبسوه حول المحلة . [ ص: 133 ] وقبل أن ينقطع اللحم من عندهم غضب الرب تعالى على الشعب ; فضربه ضربة عظيمة جدا ، ودعي اسم ذلك الموضع قبور الشهوة . لأنهم هناك دفنوا القوم الذين اشتهوا . ثم خرجوا من قبور الشهوة ، وارتحلوا لغيره . انتهى .

وقوله تعالى "كلوا" على إرادة القول أي قائلين لهم أو قيل لهم كلوا . وقوله "وما ظلمونا" كلام عدل به عن نهج الخطاب السابق للإيذان باقتضاء جنايات المخاطبين للإعراض عنهم وتعداد قبائحهم عند غيرهم على طريق المباثة . معطوف على مضمر قد حذف للإيجاز ، والإشعار بأنه أمر محقق غني عن التصريح به . أي : فظلموا بأن أكثروا من التضجر والتذمر على ربهم وشكوى سكناهم في البرية وفراقهم مصر ، وما ظلمونا بذلك ، ولكن كانوا أنفسهم يظلمون ، بالعصيان . إذ لا يتخطاهم ضرره ، وبذلك حق عليهم العذاب الذي ضربوا به كما ذكرناه .
القول في تأويل قوله تعالى :

[58 ] وإذ قلنا ادخلوا هذه القرية فكلوا منها حيث شئتم رغدا وادخلوا الباب سجدا وقولوا حطة نغفر لكم خطاياكم وسنـزيد المحسنين [59 ] فبدل الذين ظلموا قولا غير الذي قيل لهم فأنـزلنا على الذين ظلموا رجزا من السماء بما كانوا يفسقون

وإذ قلنا ادخلوا هذه القرية فكلوا منها حيث شئتم رغدا وادخلوا الباب سجدا وقولوا حطة نغفر لكم خطاياكم وسنـزيد المحسنين فبدل الذين ظلموا قولا غير الذي قيل لهم فأنـزلنا على الذين ظلموا رجزا من السماء بما كانوا يفسقون هذا إشارة إلى ما حل ببني إسرائيل لما -نكلوا عن الجهاد- ودخولهم الأرض [ ص: 134 ] المقدسة -أرض كنعان- لما قدموا من بلاد مصر صحبة موسى عليه السلام ، وإنما أطلق على الأرض المذكورة قرية ; لأن القرية : كل مكان اتصلت به الأبنية واتخذ قرارا . وتقع على المدن وغيرها -كذا في "كفاية المتحفظ"- ثم إن ما قص- هنا -ذكر في سورة المائدة في قوله تعالى : وإذ قال موسى لقومه يا قوم اذكروا نعمة الله عليكم إذ جعل فيكم أنبياء وجعلكم ملوكا وآتاكم ما لم يؤت أحدا من العالمين يا قوم ادخلوا الأرض المقدسة التي كتب الله لكم ولا ترتدوا على أدباركم فتنقلبوا خاسرين قالوا يا موسى إن فيها قوما جبارين وإنا لن ندخلها حتى يخرجوا منها فإن يخرجوا منها فإنا داخلون الآيات .

وقوله تعالى "ادخلوا الباب سجدا" في التأويلات : يحتمل المراد من الباب حقيقة الباب ، وهو باب القرية التي أمروا بالدخول فيها . ويحتمل من الباب القرية نفسها ، لا حقيقة الباب- كقوله "وإذ قلنا ادخلوا هذه القرية" ذكر القرية ولم يذكر الباب- ، وذلك في اللغة جائز . (ويقال : فلان دخل في باب كذا - لا يعنون حقيقة الباب ، ولكن كونه في أمر هو فيه .

وقوله "سجدا" يحتمل المراد من السجود : حقيقة السجود . فيخرج على وجوه: على التحية لذلك المكان ، ويحتمل على الشكر له لما أهلك أعداءهم الجبارين ؛ ويحتمل الكناية عن الصلاة -إذ العرب قد تسمي السجود (صلاة)- كأنهم أمروا بالصلاة فيها ؛ ويحتمل أن الأمر بالسجود -لا على حقيقة السجود والصلاة- ولكن أمر بالخضوع له والطاعة والشكر على أياديه. والله أعلم .

وقوله تعالى "وقولوا حطة" خبر محذوف، أي مسألتنا حطة -والأصل النصب- بمعنى : حط عنا ذنوبنا حطة، وإنما رفعت لتعطي معنى الثبات .

[ ص: 135 ] وقوله سبحانه : فبدل الذين ظلموا قولا غير الذي قيل لهم أي : بدلوا أمره تعالى لهم -بدخول الأرض مجاهدين- بالإحجام عنه ، وتثبيط الناس . ولذا قال أبو مسلم "قوله تعالى "فبدل" يدل على أنهم لم يفعلوا ما أمروا به ، لا على أنهم أتوا له ببدل. والدليل عليه : أن تبديل القول قد يستعمل في المخالفة . قال تعالى : سيقول المخلفون إذا انطلقتم إلى قوله : يريدون أن يبدلوا كلام الله ولم يكن تبديلهم إلا الخلاف في الفعل لا في القول . فكذا هنا ، فيكون المعنى : إنهم لما أمروا بدخول الأرض -وما ذكر معه- لم يمتثلوا أمر الله ، ولم يلتفتوا إليه" .

وفي تكرير "الذين ظلموا" زيادة في تقبيح أمرهم ، وإيذان بأن إنزال الرجز عليهم لظلمهم . و(الرجز) : هو الموت بغتة ، كما تقدم .

قال الراغب : وتخصيص قوله "رجزا من السماء" هو أن العذاب ضربان : ضرب قد يمكن -على بعض الوجوه- دفاعه ، أو يظن أنه يمكن فيه ذلك ، وهو كل عذاب على يد آدمي ، أو من جهة المخلوقات كالهدم والغرق . وضرب لا يمكن -ولا يظن- دفاعه بقوة آدمي كالطاعون ، والصاعقة ، والموت- وهو المعني بقوله "رجزا من السماء" اهـ.


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 22.98 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 22.35 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (2.73%)]