عرض مشاركة واحدة
  #22  
قديم 09-02-2022, 12:52 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 134,060
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير "محاسن التأويل"محمد جمال الدين القاسمي متجدد إن شاء الله


تفسير "محاسن التأويل"
محمد جمال الدين القاسمي
سورة البقرة
المجلد الثانى
صـ 116 الى صـ 120
الحلقة (22)

تنبيه:

كثيرا ما يستدل مجادلة أهل الكتاب على عدم تحريف كتبهم بهذه الآية وأمثالها ، كآية : ولما جاءهم رسول من عند الله مصدق لما معهم وآية : ولكن [ ص: 116 ] تصديق الذي بين يديه وغيرهما . مع أنه ثبت بالبراهين القاطعة ذهاب قدر كبير من كتبهم ، واختلاط حقها بباطلها فيما بقي ، كما صنفت في ذلك مصنفات عدة ، وقد رد استدلالهم بهذه الآية وأمثالها على ما ادعوه ، بأن معنى كون القرآن مصدقا لما معهم ، ما ذكرناه قبل في تأويلها ; وحاصله أن ما أنزل عليه صلى الله عليه وسلم هو طبق ما عندهم من حقية نبوته ، وصحة البشائر عنه ، كما قال تعالى : ولما جاءهم رسول من عند الله مصدق لما معهم أي : أنه عليه السلام جاء طبق ما عندهم عنه في التوراة والإنجيل ، بمعنى أن أحواله جميعا توافق البشائر .

ولا تكونوا أول كافر به يعني من جنسكم أهل الكتاب ، بعد سماعكم بمبعثه . فالأولية نسبية ، فإن يهود المدينة أول بني إسرائيل خوطبوا بالقرآن ، أو هو تعريض بأنه كان يجب أن يكونوا أول من يؤمن به لمعرفتهم به وبصفته ، ولأنهم كانوا المبشرين بزمان من أوحى إليه ، والمستفتحين على الذين كفروا به ، وكانوا يعدون أتباعه أول الناس كلهم ، فلما بعث كان أمرهم على العكس ، لقوله : فلما جاءهم ما عرفوا كفروا به

ولا تشتروا بآياتي ثمنا قليلا أي : لا تعتاضوا عن الإيمان بآياتي وتصديق رسولي، بالدنيا وشهواتها ، فإنها قليلة فانية ، فالاشتراء استعارة للاستبدال وإياي فاتقون بالإيمان واتباع الحق ، والإعراض عن حطام الدنيا .
[ ص: 117 ] القول في تأويل قوله تعالى :

[42 ] ولا تلبسوا الحق بالباطل وتكتموا الحق وأنتم تعلمون [43 ] وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة واركعوا مع الراكعين

ولا تلبسوا الحق بالباطل وتكتموا الحق وأنتم تعلمون وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة واركعوا مع الراكعين اللبس الخلط ، وقد يلزمه الاشتباه بين المختلطين . والمعنى لا تخلطوا الحق المنزل بالباطل الذي يخترعونه أو يذكرونه في تأويله حتى يشتبه أحدهما بالآخر ، وقوله "وتكتموا" مجزوم داخل تحت حكم النهي . وتكرير الحق ، لزيادة تقبيح المنهي عنه ; إذ في التصريح باسم الحق ، ما ليس في ضميره ، والتقييد بقوله "وأنتم تعلمون" لزيادة تقبيح حالهم ; إذ الجاهل عسى يعذر ، وقوله "وأقيموا الصلاة" الآية ، أمر بلزوم الشرائع عليهم بعد الإيمان ، وذلك إقامة الصلاة بأدائها بفروضها ، والمحافظة عليها . وإعطاء الصدقة المفروضة ، والركوع لله ، أي : الخضوع لأوامره بإطاعتها .

قال ابن جرير : هذا أمر من الله جل ثناؤه ، لمن ذكر من أحبار بني إسرائيل ومنافقيها بالإنابة والتوبة إليه ، وبإقام الصلاة وإيتاء الزكاة ، والدخول مع المسلمين في الإسلام ، والخضوع له بالطاعة ، ونهي منه لهم عن كتمان ما قد علموه من نبوة محمد صلى الله عليه وسلم ، بعد تظاهر حججه عليهم ، وبعد الإعذار لهم والإنذار . وبعد تذكيره نعمه إليهم ، وإلى أسلافهم تعطفا منه بذلك عليهم ، وإبلاغا إليهم في المقدرة . اهـ.

وقد قيل في قوله : "واركعوا مع الراكعين" حث على إقامة الصلاة في الجماعة لما فيها من تظاهر النفوس في المناجاة .
[ ص: 118 ] القول في تأويل قوله تعالى :

[44 ] أتأمرون الناس بالبر وتنسون أنفسكم وأنتم تتلون الكتاب أفلا تعقلون

"أتأمرون الناس بالبر" أي : بما فيه لله رضا من القول أو الفعل . وجماع البر كل ما فيه طاعة لله تعالى . والهمزة للتقرير مع التوبيخ والتعجيب من حالهم : "وتنسون أنفسكم" أي : تتركونها من البر كالمنسيات . والمعنى تخالفون ما تأمرون به من ذلك إلى غيره . وقوله "وأنتم تتلون الكتاب" تبكيت مثل قوله "وأنتم تعلمون" يعني تتلون التوراة ، وفيها الوعيد على الخيانة وترك البر ومخالفة القول العمل . "أفلا تعقلون" توبيخ عظيم بمعنى أفلا تفطنون لقبح ما أقدمتم عليه حتى يصدكم استقباحه عن ارتكابه وكأنكم في ذلك مسلوبوا العقول ، لأن العقول تأباه وتدفعه .

روى الحافظ ابن كثير الدمشقي في تفسيره عن إبراهيم النخعي قال : إني لأكره القصص لثلاث آيات : قوله تعالى : أتأمرون الناس بالبر وتنسون أنفسكم وقوله : يا أيها الذين آمنوا لم تقولون ما لا تفعلون كبر مقتا عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون وقوله إخبارا عن شعيب : وما أريد أن أخالفكم إلى ما أنهاكم عنه إن أريد إلا الإصلاح ما استطعت وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت وإليه أنيب
[ ص: 119 ] القول في تأويل قوله تعالى :

[45 ] واستعينوا بالصبر والصلاة وإنها لكبيرة إلا على الخاشعين

"واستعينوا بالصبر" أي : على الوفاء بالعهد "والصلاة" أي التي سرها خشوع القلب للرب . فإنها من أكبر العون على الثبات في الأمر . قال ابن جرير : أي : استعينوا على الوفاء بعهدي الذي عاهدتموني في كتابكم من طاعتي واتباع أمري وترك ما تهوونه من الرياسة وحب الدنيا إلى ما تكرهونه من التسليم لأمري ، واتباع رسولي محمد صلى الله عليه وسلم بالصبر عليه ، والصلاة . فالآية متصلة بما قبلها . كأنهم لما أمروا بما شق عليهم لما فيه من الكلفة وترك الرياسة والإعراض عن المال عولجوا بذلك "وإنها" الضمير للصلاة . وتخصيصها برد الضمير إليها لعظم شأنها واشتمالها على ضروب من الصبر ؛ وجوز عود الضمير على الاستعانة بهما "لكبيرة" لشاقة ثقيلة كقوله تعالى : كبر على المشركين ما تدعوهم إليه إلا على الخاشعين
القول في تأويل قوله تعالى :

[46 ] الذين يظنون أنهم ملاقو ربهم وأنهم إليه راجعون

الذين يظنون أنهم ملاقو ربهم أي محشورون إليه يوم القيامة للجزاء . والظن [ ص: 120 ] هنا بمعنى اليقين ، ومثله : إني ظننت أني ملاق حسابيه

قال ابن جرير : العرب قد تسمي اليقين ظنا ، نظير تسميتهم الظلمة سدفة ، والضياء سدفة ، والمغيث صارخا ، والمستغيث صارخا ، وما أشبه ذلك من الأسماء التي يسمى بها الشيء وضده .

والشواهد على ذلك من أشعار العرب أكثر من أن تحصر : وأنهم إليه راجعون أي : بعد الموت فيجازيهم .
القول في تأويل قوله تعالى:

[47 ] يا بني إسرائيل اذكروا نعمتي التي أنعمت عليكم وأني فضلتكم على العالمين

يا بني إسرائيل اذكروا نعمتي التي أنعمت عليكم كرر التذكير للتأكيد ولربط ما بعده من الوعيد الشديد به "وأني فضلتكم" عطف على نعمتي ، عطف الخاص على العام لكماله . أي : فضلت آباءكم "على العالمين" أي عالمي زمانهم بإنزال الكتاب عليهم ، وإرسال الرسل فيهم وجعلهم ملوكا ، وهم آباؤهم الذين كانوا في عصر موسى عليه السلام وبعده قبل أن يغيروا ، وتفضيل الآباء شرف الأبناء .

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 21.28 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 20.65 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (2.95%)]