عرض مشاركة واحدة
  #2  
قديم 27-11-2021, 03:51 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 134,095
الدولة : Egypt
افتراضي رد: إضاءات على رثاء شوقي لـ (سليمان باشا أباظة)

سارت جنازةُ كلِّ فضلٍ في الورى[6]
لما ركبتَ الآلة الحَدْباءَ

وتيتَّمَ الأَيتامُ أَوّلَ مرَّةٍ
ورمى الزمانُ بِصَرفه الفقراءَ

ولقد عَهدتُكَ لا تُضيِّع راجيًا
واليومَ ضاع الكلُّ فيك رجاءَ

وعلمْتُ أَنك مَنْ يَوَدُّ ومَنْ يَفِي
فقف الغداةَ لو استطعتَ وفاءَ

وذكرتُ سعيَكَ لي مريضًا فانيًا
فجعلتُ سَعْيِيَ بالرثاءِ جزاءَ

والمرءُ يُذْكَر بالجمائل بعدَه
فارفع لذِكْرِك بالجميل بِناءَ

واعلمْ بأَنك سوف تُذْكَر مَرةً
فيقالُ: أَحسنَ، أَو يقالُ: أَساءَ

أَبَنِيه، كونوا للعِدَى مِن بَعده
كيدًا، وكونوا للْوَلِيِّ عَزَاءَ

وتجلَّدُوا لِلخطْب مثلَ ثَباته
أَيامَ كان يُدافع الأَرْزاءَ

والله ما مات الوزيرُ وكنتمُ
فوقَ الترابِ أَعزَّةً أَحياءَ



[1] سليمان باشا أباظة : أحد سُرَاة مصر الكبار ، تولى نظارة المعارف (٢ يونيو ١٨٨٢ - ٢٧ أغسطس ١٨٨٢) في وزارة إسماعيل راغب باشا قصيرة العُمر جدًّا و التي خلفت وزارة البارودي و كانت موالية للخديو توفيق و كانت تحميها و تحمي الخديو الأساطيل الأجنبيه الرابضة أمام الإسكندرية؛ و هي التي مهَّدَت لتمكين الاحتلال الإنجليزي من مصر؛ و الذي بدأ عمليًّا في نفس شهر تشكيل الوزارة (يونيو 1882) ، و قد خلَّف المرثيُّ وراءه مكتبة فيها قرابة الألف و خمسمائة مُجلَّد تضمَّنت قرابة الألف مخطوطة جلُّها بخطِّ أكابر النسَّاخ كابن مقلة و بن هلال و منها مئة مخطوطة بخطِّ مؤلفيها كما أخبر بذلك محمد رشيد رضا في مجلة المنار (1/ 481) مادحًا الباشا بحرصه على جمع الكُتُب و الإنفاق في سبيل ذلك بعد أن تبرَّع ورثتُه بها كلها للجامع الأزهر .. و لكن هل تشفع ألف و خمسمائة كتاب في ثلاثة أشهر أسس فيها لتمكين الانجليز من أرض مصر و من عقول أبنائها عبر وزارته "المعارف" تمكينا استمر أربعًا و سبعين سنة منها ثلاث و خمسون سنة بعد وفاة الباشا ؟ فأقول : لا و الله لا يشفع و لا ألف ألف ألف كتاب في ضياع عقل مُسلمٍ واحِد و تدجينه لعَدُوِّه فضلا عن ملايين المسلمين !!.. فبينما كان المرثيُّ يتخبَّط في إقرار جدوى تعليم مفهوم الوطنية الجديد للناشئة في المدارس كما صاغة "المرصفيُّ" في كتابه "رسالة الكَلِمِِ الثمان" الذي شكَّل أساسًا لفلسفة الثورة العرابية و أساسًا لمفهوم الوطنية الجديدة .. و بينما كان المرثيُّ منشغلا بهدم ما أعلنه عُرابي من غاية لثورته و هو "توسيع نطاق التهذيب" و بيان "فائدة و ضرورة التربية الجيدة" كوسيلة لتعديل وعي المصريين .. و بينما كانت حكومة إسماعيل راغب باشا كلها تفتخر بإنجازها قوانين جديدة لتنظيم الزراعة في مصر !!.. بينما كانت تلك الحكومة التخديرية التي أبقَت على عُرابي صورةً في وزارة الحربية بعد عزله عن البارودي و سائر شركائِه في ثورته تصنع ذلك ؛ كانت بريطانيا قد قرَّت عينُها بضمان احتلال مصر بعد اعتمادها على أحدث سلاح حربي و هو "مدفع جاتلينج سريع الطلقات" و ضمان التواصل بين جيوشها عبر إشارات التلغراف و قد "اتخُذت الترتيبات لتقديم الخيام ، و الخشب للوقود لعشرين ألف رجل لمدة ستين يومًا من قُبرص ، و الاستعداد لشراء البغال . و تم التوصل إلى قرار بشأن تشكيل فرقة مهندسين لإنشاء الخطوط الحديدية ، و تنظيم سلاح للشرطة العسكرية ، و وضع قواعد لمراسلي الصحف . و كان لابد من دراسة إنشاء مستشفيات في جوزو (مالطة) و قبرص ، و الإمداد بالمياه ، و المسدسات ، و العربات ، و مد خدمة الرجال الذين كانوا يخدمون في الفصائل من ست سنوات إلى سبع سنوات . و تم التوصل إلى قرار بشأن إنشاء سلاح للبريد صُمِّمَ نظام له . و تقرر الترتيب مع الحكومة الهندية لإرسال قوات من هناك . كانت كل هذه النقاط قد حُسِمَت و دُرست التفاصيل في الإدارات ، بحلول العاشر من يوليو" [استعمار مصر ، 218] .. و لربما التبسَ على كثيرٍ من الناس في كل عصرٍ فساد أقوامٍ فظنوهم أهل صلاح بسبب خيراتٍ ظاهرة و سمات صالحة و سجايا كريمة يتمتعون بها !!.. و لربما هذا ما غرَّ شوقي فقال ما قال في سائر القصيدة مما يُبدي فيه حُزنه و تأسفه على غياب المكرمات و المجد بموت المرثيِّ !!.. يُعجب الناس بما ينفعهم من الشخص و يتناسون ما يضر الأمة بأسرها !!.. و يعظِّمون الرجل لإحسانه إليهم و يغفلون عن موالاته لأعداء الله العظيم و سيبقى الأصنامٌ أصنامًا ما لم يكُن مقياس تقدير الناس هو الشرعُ الحنيف لا المنفعة الزائلة .. قال ابنُ عقيل الحنبليّ رحمه الله: ‹إذا أردت أن تنظر إلى مَحِلِّ الإسلام من أهل الزمان فلا تنظر إلى زحامهم في أبواب الجوامع، و لا ضجيجهم في الموقِفِ بِلَبَّيْك ، و إنما انظر إلى مواطأتهم أعداء الشريعة‹ [الآداب الشرعية، ابن مفلح، 1/210] ، توفي سنة (1901) .

[2] "أبو محمد" هي كُنية المرثيّ ، و محمدٌ هو "محمد بك أباظة" نجل الباشا الأكبر ، و هو الذي زار الجامع الأزهر بتاريخ (10 ربيع الآخر سنة 1316) على إثر وفاة أبيه فأهدى إليهم مكتبته و استقبله شيخُ الأزهر بنفسه و أنجز له الإجراءات محمد عبدُه بيده –حيث كان لا يزال عُضوا عاملا في إدارة الأزهر- و كتبوا له خِطاب شُكر فخم تضمَّن الدعاءٍ له و لأبيه المتوفىَّ و لسائر الأسرة الأباظية.

[3] النَّوى : الرحيل . و الشطرةُ فيها رجاءٌ من الميت أن يتروَّى و لا يموت !! و هذا هو الـمُحال بعينه ؛ و لا يجوز ذلك القول و لو على سبيل التشبيه أو الكناية ؛ فإنما الأجل بيد الله – تبارك و تعالى – وحده ؛ ﴿ قُلْ فَادْرَءُوا عَنْ أَنفُسِكُمُ الـمَوْتَ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ ﴾ [ آل عمران : 168] . و لربما قيل أن هذه استعاراتٌ لا يعنيها شوقي و لكن سيظهر جليا في مُستقبل المراثي أن الاعتدء على الغيب من سماتِ نظمِه رحمه الله –و البرزخُ الذي فيه المرثيَّ حين خاطبه شوقي بل و فيه شوقي نفسه الآن من الغيب- و ستأتي أمثلة كثيرة لا تقبل التأويل و اللهَ أسألُ أن يغفر لنا و له.

[4] يظن شوقي أن موت العائل ليس فيه رفق بالآل و لا رحمة بالأبناء !! و هذا باطلٌ ؛ فقضاء الله عاقبته الخبر و لوكرهته النفوس ؛ ﴿ فَعَسَى أَن تَكْرَهُوا شَيْئاً وَيَجْعَلَ اللهُ فِيهِ خَيْراً كَثِيراً ﴾ [ النساء : 19 ] .


[5] طهراء : بلد المرثيّ ، وهي في محافظة الشرقية بمصر .

[6] أما غلوّ شوقي في المرثيِّ بتقريره انقطاع كل فضل في الناس بموته فهذا لا يُقال و لا حتى في الأنبياء !! فقد قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : «إِذَا قَالَ الرَّجُلُ: هَلَكَ النَّاسُ فَهُوَ أَهْلَكُهُمْ» فهذا نهيٌ عن مثل قوله (سارت جنازةُ كلِّ فضلٍ في الورى) بل يبقى في الناس أفضالٌ كثيرة على كل حال يقوم بها أهلُ الفضل و إن عمَّ الفسادُ و طَمَّ.


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 21.95 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 21.32 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (2.86%)]