عرض مشاركة واحدة
  #4  
قديم 27-09-2021, 10:47 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 134,102
الدولة : Egypt
افتراضي رد: المحرر في أسباب نزول القرآن ___ متجدد



المحرر في أسباب نزول القرآن
المؤلف: خالد بن سليمان المزيني
المجلد الاول
التمهيد
من صــ 32 الى صـ 37
الحلقة (4)


الفائدة الثالثة: أن معرفة سبب النزول تبين الحكمة الداعية إلى تشريع الحكم.
قال الزركشي: (وأخطأ من زعم أنه لا طائل تحته - يعني العلم بأسباب النزول - لجريانه مجرى التاريخ وليس كذلك بل له فوائد:
منها: وجه الحكمة الباعثة على تشريع الحكم). اهـ.
قال الزرقاني مبينًا فائدة العلم بحكمة التشريع:
(وفي ذلك نفع للمؤمن وغير المؤمن. أما المؤمن فيزداد إيماناً على إيمانه، ويحرص كل الحرص على تنفيذ أحكام اللَّه، والعمل بكتابه لما يتجلى له من المصالح والمزايا التي نيطت بهذه الأحكام، ومن أجلها جاء هذا التنزيل، وأما الكافر فتسوقه تلك الحكم الباهرة إلى الإيمان إن كان منصفًا حين يعلم أن هذا التشريع الإسلامي قام على رعاية مصالح الإنسان، لا على الاستبداد، والتحكم، والطغيان؛ خصوصًا إذا لاحظ سيرَ ذلك التشريع وتدرجه في موضوع واحد. وحسبك شاهدًا على هذا تحريم الخمر وما نزل فيه). اهـ.
ومن الأمثلة التي يبين فيها السببُ الحكمة الداعية إلى تشريع الأحكام ما يلي:1 - أخرج البخاري وأحمد ومسلم والترمذي والنَّسَائِي عن ابن عبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - في قوله تعالى:
(وَلَا تَجْهَرْ بِصَلَاتِكَ وَلَا تُخَافِتْ بِهَا) قال: نزلت ورسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مختفٍ بمكة، وكان إذا صلى بأصحابه رفع صوته بالقرآن فإذا سمعه المشركون سبوا القرآن، ومن أنزله، ومن جاء به فقال الله لنبيه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:
(وَلَا تَجْهَرْ بِصَلَاتِكَ) أي: بقراءتك، فيسمع المشركون فيسبوا القرآن، (وَلَا تُخَافِتْ بِهَا) عن أصحابك فلا تسمعهم (وَابْتَغِ بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلًا).
فالآية خلت من ذكر الحكمة الداعية إلى التشريع، بينما السبب نص عليها، وهي كف المشركين عن سب القرآن، ومن أنزله، ومن جاء به.
2 - أخرج مسلم وأحمد والدارمي والترمذي والنَّسَائِي عن عبد اللَّه بن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - أنه سُئل عن المتلاعنين أيفرق بينهما؟ قال:
سبحان الله نعم إن أول من سأل عن ذلك فلان بن فلان. قال:
يا رسول اللَّه أرأيت أن لو وجد أحدنا امرأته على فاحشة كيف يصنع؟ إن تكلم تكلم بأمر عظيم، وإن سكت سكت على مثل ذلك ... الحديث.
فآيات اللعان خلت من ذكر الحكمة الداعية إلى التشريع، لكن السبب بيّنها، ذلك أن الزوج هنا بيْن أمرين أحلاهما مرّ، فإن تكلم فحد القذف أمامه، وإن سكت سكت على أمر عظيم كما قال.
ولن يطيق هذا مؤمن فكانت مشروعيةُ اللعان مخرجاً من حد القذف، أو السكوت على الريبة، واللَّه أعلم.
3 - أخرج مسلم وأحمد والبخاري عن جابر بن عبد اللَّه - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - قال: دخل أبو بكر يستأذن على رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فوجد الناس جلوساً ببابه، لم يؤذن لأحد منهم، قال:
فأُذن لأبي بكر فدخل، ثم أقبل عمر فاستأذن فأُذن له، فوجد النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جالسًا حوله نساؤه، واجمًا، ساكتًا، قال: لأقولن شيئًا أُضحك النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقال: يا رسول الله، لو رأيت بنت خارجة سألتني النفقة، فقمت إليها فوجأت عنقها، فضحك رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وقال:
(هن حولي كما ترى يسألنني النفقة)، فقام أبو بكر لعائشة يجأ عنقها، فقام عمر إلى حفصة يجأ عنقها كلاهما يقول: تسألن رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ما ليس عنده، فقلن: واللَّه لا نسأل رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - شيئًا أبدًا ليس عنده ثم اعتزلهن شهرًا ثم نزلت عليه هذه الآية:
(يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ) - حتى بلغ (أَجْرًا عَظِيمًا).
فسبب النزول بيَّن الحكمة الباعثة على تخييرهن بهذه الآية، وهي سؤالهن النفقة من رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، أما الآية فلم تتناول الحكمة بالحديث عنها، والله أعلم.
الفائدة الرابعة: أن يخصص الحكم بالسبب الذي نزل من أجله.
قال الزركشي: (ومنها: تخصيص الحكم به - أي بالسبب - عند من يرى أن العبرة بخصوص السبب). اهـ.
وتخصيص الحكم بالسبب لا ينافي العموم، لكنّ القائلين به يقولون:
أخذنا ذلك العموم من القياس، أي قياس الحوادث المشابهة على الحوادث الواقعة في العهد النبوي، ولم نأخذ العموم من طريق اللفظ العام؛ لأن هذا اللفظ العام مختص بسببه، وكل سبب نزول يصح أن يكون مثالاً لهذا عند من يرى أن العبرة بخصوص السبب.
الفائدة الخامسة: دفع توهم الحصر.
قال الزركشي: (قال الشافعي في معنى قوله تعالى: (قُلْ لَا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا ... ) الآية:
إن الكفار لما حرموا ما أحل الله، وأحلوا ما حرم اللَّه، وكانوا على المضادة والمحادة، جاءت الآية مناقضة لغرضهم فكأنه قال: لا حلال إلا ما حرمتموه، ولا حرام إلا ما أحللتموه نازلاً منزلة من يقول:
لا تأكل اليوم حلاوة، فتقول: لا آكل اليوم إلا الحلاوة، والغرض: المضادة لا النفي والإثبات على الحقيقة، فكأنه قال: لا حرام إلا ما حللتموه من الميتة، والدم، ولحم الخنزير، وما أُهل لغير اللَّه به، ولم يقصد حِلَّ ما وراءه، إذ القصد إثبات التحريم لا إثبات الحل). اهـ.
الفائدة السادسة: بيان أخصية السبب بالحكم.
قال الطوفي: (أي أن السبب أخص بالحكم من غيره من صوره لأن اللفظ ورد بياناً لحكم السبب فكان مقطوعًا به فيه فيمتنع تخصيصه بالاجتهاد). اهـ بتصرف.
الفائدة السابعة: معرفة التاريخ.
قال الطوفي: (معرفة تاريخ الحكم بمعرفة سببه، مثل أن يقال: قذف هلال بن أمية امرأته في سنة كذا فنزلت آية اللعان فيعرف تاريخها بذلك، وفي معرفة التاريخ فائدة معرفة الناسخ من المنسوخ). اهـ.
الفائدة الثامنة:
قال الطوفي: (ومنها توسعة علم الشريعة بمعرفة الأحكام بأسبابها، فيكثر ثواب المصنفين، كالذين صنفوا أسباب نزول القرآن، والمجتهدين بسعة محل اجتهادهم). اهـ.
الفائدة التاسعة: التأسي والاقتداء بما وقع للسلف من حوادث في الصبر على المكاره واحتمال الأقدار المؤلمة.
قال الطوفي:
(ومنها: التأسي بوقائع السلف وما جرى لهم، فيخف حكم المكاره على الناس، كمن زنت زوجته فلاعنها، فهو يتأسى بما جرى لهلال بن أُمية، وعويمر العجلاني في ذلك، ويقول: هؤلاء خير مني، وقد جرى لهم هذا فلي أُسوة بهم). اهـ.
الفائدة العاشرة: تعيين المبهم.
قال السيوطي: (ومنها معرفة اسم النازل فيه الآية وتعيين المبهم فيها). اهـ.
قال الزرقاني: (معرفة من نزلت فيه الآية على التعيين، حتى لا يشتبه بغيره فيتهم البريء ويبرأُ المريب). اهـ.
وسأذكر بعض الأمثلة الدالة على هذا فأقول:
1 - أخرج البخاري عن البراء بن عازب - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: وقال السفهاء من الناس - وهم اليهود -:
(مَا وَلَّاهُمْ عَنْ قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كَانُوا عَلَيْهَا ... )، فقد فسر السفهاء هنا بأنهم اليهود.
2 - أخرج النَّسَائِي عن ابن عبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - قال: لما قدم كعب بن الأشرف مكة قالت له قريش: ألا ترى إلى هذا المنبتر من قومه يزعم أنه خير منا؟
قال: أنتم خير منه فنزلت:
(أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِنَ الْكِتَابِ يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ وَيَقُولُونَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا هَؤُلَاءِ أَهْدَى مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا سَبِيلًا (51).
3 - أخرج البخاري عن يوسف بن ماهك قال: كان مروان على الحجاز، استعمله معاوية، فخطب فجعل يذكر يزيد بن معاوية لكي يبايع له بعد أبيه فقال له عبد الرحمن بن أبي بكر شيئاً فقال: خذوه، فدخل بيت عائشة فلم يقدروا، فقال مروان: إن هذا الذي أنزل الله فيه: (وَالَّذِي قَالَ لِوَالِدَيْهِ أُفٍّ لَكُمَا أَتَعِدَانِنِي) فقالت عائشة من وراء الحجاب: ما أنزل اللَّه فينا شيئاً من القرآن إلا أن اللَّه أنزل عذري).
الفائدة الحادية عشر: تيسير الفهم والحفظ.
قال الزرقاني: (تيسير الحفظ وتسهيل الفهم، وتثبيت الوحي في ذهن كل من يسمع الآية إذا عرف سببها، وذلك لأن ربط الأسباب بالمسببات،والأحكام بالحوادث، والحوادث بالأشخاص والأزمنة والأمكنة كل أولئك من دواعي تقرر الأشياء، وانتقاشها في الذهن، وسهولة استذكارها عند استذكار مقارناتها فى الفكر وذلك هو قانون تداعي المعاني المقرر في علم النفس). اهـ.
هذه أبرز الفوائد الناشئة عن معرفة أسباب النزول، وأهمها الثلاثة الأول، واللَّه أعلم.
* * *



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 22.84 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 22.21 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (2.75%)]