عرض مشاركة واحدة
  #318  
قديم 23-11-2022, 09:40 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 134,095
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد


تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن
الإمام محمد بن جرير الطبري
الجزء الرابع
تَفْسِيرِ سُّورَةِ الْبَقَرَة(304)
الحلقة (318)
صــ 415إلى صــ 422





ولو قال له : " أنى يحيي الله هذا الميت؟ " ، لكان الجواب أن يقال : " من وجه كذا ووجه كذا " ، فيصف قولا نظير ما وصف الله تعالى ذكره للذي قال : ( أنى يحيي هذه الله بعد موتها ) [ سورة البقرة : 259 ] فعلا حين بعثه من بعد مماته . [ ص: 415 ]

وقد فرقت الشعراء بين ذلك في أشعارها ، فقال الكميت بن زيد :


تذكر من أنى ومن أين شربه؟ يؤامر نفسيه كذي الهجمة الأبل
وقال أيضا :


أنى ومن أين - آبك - الطرب؟ من حيث لا صبوة ولا ريب
فيجاء ب " أنى " للمسألة عن الوجه ، وب " أين " للمسألة عن المكان ، فكأنه قال : من أي وجه ، ومن أي موضع راجعك الطرب؟

والذي يدل على فساد قول من تأول قول الله تعالى ذكره : " فأتوا حرثكم أنى شئتم " ، كيف شئتم - أو تأوله بمعنى : حيث شئتم أو بمعنى : متى شئتم أو بمعنى : أين شئتم أن قائلا لو قال لآخر : " أنى تأتي أهلك؟ " ، لكان الجواب [ ص: 416 ] أن يقول : " من قبلها ، أو : من دبرها " ، كما أخبر الله تعالى ذكره عن مريم إذ سئلت : ( أنى لك هذا ) أنها قالت : ( هو من عند الله ) .

وإذ كان ذلك هو الجواب ، فمعلوم أن معنى قول الله تعالى ذكره : " فأتوا حرثكم أنى شئتم " ، إنما هو : فأتوا حرثكم من حيث شئتم من وجوه المأتى - وأن ما عدا ذلك من التأويلات فليس للآية بتأويل .

وإذ كان ذلك هو الصحيح ، فبين خطأ قول من زعم أن قوله : " فأتوا حرثكم أنى شئتم " ، دليل على إباحة إتيان النساء في الأدبار لأن الدبر لا محترث فيه ، وإنما قال تعالى ذكره : " حرث لكم " ، فأتوا الحرث من أي وجوهه شئتم . وأي محترث في الدبر فيقال : ائته من وجهه؟ وبين بما بينا ، صحة معنى ما روي عن جابر وابن عباس : من أن هذه الآية نزلت فيما كانت اليهود تقوله للمسلمين : " إذا أتى الرجل المرأة من دبرها في قبلها ، جاء الولد أحول " .
القول في تأويل قوله تعالى ( وقدموا لأنفسكم )

قال أبو جعفر : اختلف أهل التأويل في معنى ذلك :

فقال بعضهم : معنى ذلك : قدموا لأنفسكم الخير .

ذكر من قال ذلك : [ ص: 417 ]

4349 - حدثني موسى قال : حدثنا عمرو قال : حدثنا أسباط عن السدي : أما قوله : " وقدموا لأنفسكم " ، فالخير .

وقال آخرون : بل معنى ذلك : وقدموا لأنفسكم ذكر الله عند الجماع وإتيان الحرث قبل إتيانه .

ذكر من قال ذلك :

4350 - حدثنا القاسم قال : حدثنا الحسين قال : حدثني محمد بن كثير عن عبد الله بن واقد عن عطاء - قال : أراه عن ابن عباس : - " وقدموا لأنفسكم " ، قال : يقول : " بسم الله " ، التسمية عند الجماع .

قال أبو جعفر : والذي هو أولى بتأويل الآية ما روينا عن السدي وهو أن قوله : " وقدموا لأنفسكم " أمر من الله تعالى ذكره عباده بتقديم الخير والصالح من الأعمال ليوم معادهم إلى ربهم ، عدة منهم ذلك لأنفسهم عند لقائه في موقف الحساب ، فإنه قال تعالى ذكره : ( وما تقدموا لأنفسكم من خير تجدوه عند الله ) [ سورة البقرة : 110 \ وسورة المزمل : 20 ] . [ ص: 418 ]

وإنما قلنا : ذلك أولى بتأويل الآية ، لأن الله تعالى ذكره عقب قوله : " وقدموا لأنفسكم " بالأمر باتقائه في ركوب معاصيه . فكان الذي هو أولى بأن يكون قبل التهدد على المعصية - إذ كان التهدد على المعصية عاما - الأمر بالطاعة عاما .

فإن قال لنا قائل : وما وجه الأمر بالطاعة بقوله : " وقدموا لأنفسكم " ، من قوله : " نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم " ؟

قيل : إن ذلك لم يقصد به ما توهمته : وإنما عنى به : وقدموا لأنفسكم من الخيرات التي ندبناكم إليها بقولنا : " يسألونك ماذا ينفقون قل ما أنفقتم من خير فللوالدين والأقربين " ، وما بعده من سائر ما سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فأجيبوا عنه ، مما ذكره الله تعالى ذكره في هذه الآيات . ثم قال تعالى ذكره : قد بينا لكم ما فيه رشدكم وهدايتكم إلى ما يرضي ربكم عنكم ، فقدموا لأنفسكم الخير الذي أمركم به ، واتخذوا عنده به عهدا ، لتجدوه لديه إذا لقيتموه في معادكم واتقوه في معاصيه أن تقربوها ، وفي حدوده أن تضيعوها ، واعلموا أنكم لا محالة ملاقوه في معادكم ، فمجاز المحسن منكم بإحسانه ، والمسيء بإساءته .
[ ص: 419 ] القول في تأويل قوله تعالى ( واتقوا الله واعلموا أنكم ملاقوه وبشر المؤمنين ( 223 ) )

قال أبو جعفر : وهذا تحذير من الله تعالى ذكره عباده : أن يأتوا شيئا مما نهاهم عنه من معاصيه وتخويف لهم عقابه عند لقائه ، كما قد بينا قبل ، وأمر لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم أن يبشر من عباده ، بالفوز يوم القيامة وبكرامة الآخرة وبالخلود في الجنة ، من كان منهم محسنا مؤمنا بكتبه ورسله ، وبلقائه ، مصدقا إيمانه قولا بعمله ما أمره به ربه ، وافترض عليه من فرائضه فيما ألزمه من حقوقه ، وبتجنبه ما أمره بتجنبه من معاصيه .
القول في تأويل قوله تعالى ( ولا تجعلوا الله عرضة لأيمانكم أن تبروا وتتقوا وتصلحوا بين الناس )

قال أبو جعفر : اختلف أهل التأويل في تأويل قوله : " ولا تجعلوا الله عرضة لأيمانكم " .

فقال بعضهم : معناه : ولا تجعلوه علة لأيمانكم ، وذلك إذا سئل أحدكم الشيء من الخير والإصلاح بين الناس قال : " علي يمين بالله أن لا أفعل ذلك " - أو" قد حلفت بالله أن لا أفعله " ، فيعتل في تركه فعل الخير والإصلاح بين الناس بالحلف بالله .

ذكر من قال ذلك : [ ص: 420 ]

4351 - حدثنا الحسن بن يحيى قال أخبرنا عبد الرزاق قال أخبرنا معمر عن ابن طاوس عن أبيه : " ولا تجعلوا الله عرضة لأيمانكم " ، قال : هو الرجل يحلف على الأمر الذي لا يصلح ، ثم يعتل بيمينه ، يقول الله : " أن تبروا وتتقوا " هو خير له من أن يمضي على ما لا يصلح ، وإن حلفت كفرت عن يمينك وفعلت الذي هو خير لك .

4352 - حدثنا المثنى قال : حدثنا سويد بن نصر قال : أخبرنا ابن المبارك عن معمر عن ابن طاوس عن أبيه مثله إلا أنه قال : وإن حلفت فكفر عن يمينك ، وافعل الذي هو خير .

4353 - حدثني محمد بن عمرو قال : حدثنا عبيد الله عن إسرائيل عن السدي عمن حدثه عن ابن عباس في قوله : " ولا تجعلوا الله عرضة لأيمانكم أن تبروا وتتقوا وتصلحوا بين الناس " ، قال : هو أن يحلف الرجل أن لا يكلم قرابته ولا يتصدق ، أو أن يكون بينه وبين إنسان مغاضبة فيحلف لا يصلح بينهما ويقول : " قد حلفت " . قال : يكفر عن يمينه : " ولا تجعلوا الله عرضة لأيمانكم " .

4354 - حدثنا بشر بن معاذ قال : حدثنا يزيد بن زريع قال : حدثنا سعيد عن قتادة قوله : " ولا تجعلوا الله عرضة لأيمانكم أن تبروا وتتقوا " ، يقول : لا تعتلوا بالله ، أن يقول أحدكم إنه تألى أن لا يصل رحما ، ولا يسعى في صلاح ، ولا يتصدق من ماله . مهلا مهلا بارك الله فيكم ، فإن هذا القرآن إنما جاء بترك أمر الشيطان ، فلا تطيعوه ، ولا تنفذوا له أمرا في شيء من نذروكم ولا أيمانكم .

4355 - حدثنا محمد بن بشار قال : حدثنا ابن مهدي قال : حدثنا سفيان عن أبي حصين عن سعيد بن جبير : " ولا تجعلوا الله عرضة لأيمانكم " ، قال : هو الرجل يحلف لا يصلح بين الناس ولا يبر ، فإذا قيل له ، قال : " قد حلفت " . [ ص: 421 ]

4356 - حدثني القاسم قال : حدثنا الحسين قال : حدثني حجاج عن ابن جريج قال سألت عطاء عن قوله : " ولا تجعلوا الله عرضة لأيمانكم أن تبروا وتتقوا وتصلحوا بين الناس " ، قال : الإنسان يحلف أن لا يصنع الخير ، الأمر الحسن ، يقول : " حلفت " ! قال الله : افعل الذي هو خير وكفر عن يمينك ، ولا تجعل الله عرضة .

4357 - حدثت عن الحسين قال : سمعت أبا معاذ قال : أخبرنا عبيد بن سليمان قال سمعت الضحاك يقول في قوله : " ولا تجعلوا الله عرضة لأيمانكم " الآية : هو الرجل يحرم ما أحل الله له على نفسه ، فيقول : " قد حلفت! فلا يصلح إلا أن أبر يميني " ، فأمرهم الله أن يكفروا أيمانهم ويأتوا الحلال .

4358 - حدثنا موسى قال : حدثنا عمرو قال : حدثنا أسباط عن السدي : " ولا تجعلوا الله عرضة لأيمانكم أن تبروا وتتقوا وتصلحوا بين الناس " ، أما " عرضة " ، فيعرض بينك وبين الرجل الأمر ، فتحلف بالله لا تكلمه ولا تصله . وأما " تبروا " ، فالرجل يحلف لا يبر ذا رحمه فيقول : " قد حلفت! " ، فأمر الله أن لا يعرض بيمينه بينه وبين ذي رحمه ، وليبره ، ولا يبالي بيمينه . وأما " تصلحوا " ، فالرجل يصلح بين الاثنين فيعصيانه ، فيحلف أن لا يصلح بينهما ، فينبغي له أن يصلح ولا يبالي بيمينه . وهذا قبل أن تنزل الكفارات .

4359 - حدثنا المثنى قال : حدثنا سويد قال : أخبرنا ابن المبارك عن هشيم عن مغيرة عن إبراهيم في قوله : " ولا تجعلوا الله عرضة لأيمانكم " ، قال : يحلف أن لا يتقي الله ، ولا يصل رحمه ، ولا يصلح بين اثنين ، فلا يمنعه يمينه . [ ص: 422 ]

وقال آخرون : معنى ذلك : ولا تعترضوا بالحلف بالله في كلامكم فيما بينكم ، فتجعلوا ذلك حجة لأنفسكم في ترك فعل الخير .

ذكر من قال ذلك :

4360 - حدثني المثنى بن إبراهيم قال : حدثنا أبو صالح قال : حدثني معاوية عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله : " ولا تجعلوا الله عرضة لأيمانكم " ، يقول : لا تجعلني عرضة ليمينك أن لا تصنع الخير ، ولكن كفر عن يمينك واصنع الخير .

4361 - حدثني محمد بن سعد قال : حدثني أبي قال : حدثني عمي قال : حدثني أبي ، عن أبيه عن ابن عباس قوله : " ولا تجعلوا الله عرضة لأيمانكم أن تبروا وتتقوا وتصلحوا بين الناس " ، كان الرجل يحلف على الشيء من البر والتقوى لا يفعله ، فنهى الله عز وجل عن ذلك فقال : " ولا تجعلوا الله عرضة لأيمانكم أن تبروا " .

4362 - حدثني يعقوب بن إبراهيم قال : حدثنا هشيم قال : أخبرنا مغيرة عن إبراهيم في قوله : " ولا تجعلوا الله عرضة لأيمانكم " ، قال : هو الرجل يحلف أن لا يبر قرابته ، ولا يصل رحمه ، ولا يصلح بين اثنين . يقول : فليفعل ، وليكفر عن يمينه .

4363 - حدثنا ابن حميد قال : حدثنا جرير عن مغيرة عن محمد بن عبد الرحمن بن يزيد عن إبراهيم النخعي في قوله : " ولا تجعلوا الله عرضة لأيمانكم أن تبروا وتتقوا وتصلحوا بين الناس " ، قال : لا تحلف أن لا تتقي الله ، ولا تحلف أن لا تبر ولا تعمل خيرا ، ولا تحلف أن لا تصل ، ولا تحلف أن لا تصلح بين الناس ، ولا تحلف أن تقتل وتقطع .




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 34.36 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 33.74 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (1.83%)]