عرض مشاركة واحدة
  #12  
قديم 07-01-2022, 06:03 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 135,016
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير (الجامع لأحكام القرآن) الشيخ الفقيه الامام القرطبى


تَّفْسِيرِ
(الْجَامِعِ لِأَحْكَامِ الْقُرْآنِ ، وَالْمُبَيِّنِ لِمَا تَضَمَّنَهُ مِنَ السُّنَّةِ وَآيِ الْفُرْقَانِ )
الشَّيْخُ الْفَقِيهُ الْإِمَامُ الْعَالِمُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ الْقُرْطُبِيُّ
المجلد (1)
القول في الاستعاذة
من صــ 81 الى صــ 85
الحلقة (12)



حدثني أبي نبأنا نصر بن داود الصاغاني نبأنا أبو عبيد قال : ما يروى من الحروف التي تخالف المصحف الذي عليه الإجماع من الحروف التي يعرف أسانيدها الخاصة دون العامة فيما نقلوا فيه عن أبي : ( وما كان الله ليهلكها إلا بذنوب أهلها ) ; وعن ابن عباس ( ليس عليكم جناح أن تبتغوا [ ص: 81 ] فضلا من ربكم في مواسم الحج ) . ومما يحكون عن عمر بن الخطاب أنه قرأ : ( غير المغضوب عليهم وغير الضالين ) مع نظائر لهذه الحروف كثيرة ، لم ينقلها أهل العلم على أن الصلاة بها تحل ، ولا على أنها معارض بها مصحف عثمان ; لأنها حروف لو جحدها جاحد أنها من القرآن لم يكن كافرا ; والقرآن الذي جمعه عثمان بموافقة الصحابة له لو أنكر بعضه منكر كان كافرا ، حكمه حكم المرتد يستتاب ; فإن تاب وإلا ضربت عنقه . وقال أبو عبيد : لم يزل صنيع عثمان رضي الله عنه في جمعه القرآن يعتد له بأنه من مناقبه العظام ; وقد طعن عليه فيه بعض أهل الزيغ فانكشف عواره ، ووضحت فضائحه . قال أبو عبيد : وقد حدثت عن يزيد بن زريع عن عمران بن جرير عن أبي مجلز قال : طعن قوم على عثمان رحمه الله - بحمقهم - جمع القرآن ، ثم قرءوا بما نسخ . قال أبو عبيد : يذهب أبو مجلز إلى أن عثمان أسقط الذي أسقط بعلم كما أثبت الذي أثبت بعلم . قال أبو بكر : وفي قوله تعالى : إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون [ الحجر : 9 ] دلالة على كفر هذا الإنسان ; لأن الله عز وجل قد حفظ القرآن من التغيير والتبديل ، والزيادة والنقصان ; فإذا قرأ قارئ : تبت يدا أبي لهب وقد تب ما أغنى عنه ماله وما كسب سيصلى نارا ذات لهب ومريته حمالة الحطب في جيدها حبل من ليف . فقد كذب على الله جل وعلا وقوله ما لم يقل ، وبدل كتابه وحرفه ، وحاول ما قد حفظه منه ومنع من اختلاطه به ; وفي هذا الذي أتاه توطئة الطريق لأهل الإلحاد ، ليدخلوا في القرآن ما يحلون به عرا الإسلام ، وينسبونه إلى قوم كهؤلاء القوم الذين أحالوا هذا بالأباطيل عليهم . وفيه إبطال الإجماع الذي به يحرس الإسلام ، وبثباته تقام الصلوات ، وتؤدى الزكوات وتتحرى المتعبدات .

وفي قول الله تعالى : الر كتاب أحكمت آياته [ هود : 1 ] دلالة على بدعة هذا الإنسان وخروجه إلى الكفر ، لأن معنى " أحكمت آياته " : منع الخلق من القدرة على أن يزيدوا فيها ، أو ينقصوا منها أو يعارضوها بمثلها ، وقد وجدنا هذا الإنسان زاد فيها : وكفى الله المؤمنين القتال بعلي وكان الله قويا عزيزا . فقال في القرآن هجرا ، وذكر عليا في مكان لو سمعه يذكره فيه لأمضى عليه الحد ، وحكم عليه بالقتل . وأسقط من كلام الله " قل هو " ، وغير " أحد " ، فقرأ : الله الواحد الصمد . وإسقاط ما أسقطه نفي له وكفر ، ومن كفر بحرف من القرآن فقد كفر به كله وأبطل معنى الآية ; لأن أهل التفسير قالوا : نزلت الآية جوابا لأهل الشرك لما قالوا لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - : صف لنا ربك ، أمن ذهب أم من نحاس أم من صفر ؟ فقال الله جل وعز ردا عليهم : قل هو الله أحد ففي ( هو ) دلالة على موضع الرد ومكان الجواب ; فإذا سقط بطل معنى الآية ، ووضح الافتراء على الله عز وجل ، والتكذيب لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - . ويقال لهذا الإنسان ومن ينتحل نصرته : أخبرونا عن القرآن الذي نقرأه ولا نعرف نحن ولا من كان قبلنا من أسلافنا سواه ; هل هو مشتمل على جميع القرآن من أوله إلى آخره ، صحيح الألفاظ والمعاني عار عن الفساد والخلل ؟ أم هو واقع على بعض القرآن والبعض الآخر غائب عنا كما غاب عن أسلافنا والمتقدمين من أهل ملتنا ؟ فإن أجابوا بأن القرآن الذي معنا مشتمل على جميع القرآن لا يسقط منه شيء ، صحيح اللفظ والمعاني ، سليمها من كل زلل وخلل ; فقد قضوا على أنفسهم بالكفر حين زادوا فيه ( فليس له اليوم هاهنا حميم وليس له شراب إلا من غسلين من عين تجري من تحت الجحيم ) فأي زيادة في القرآن أوضح من هذه ، وكيف تخلط بالقرآن وقد حرسه الله منها ومنع كل مفتر ومبطل من أن يلحق به مثلها ، وإذا تؤملت وبحث عن معناها وجدت فاسدة غير صحيحة ، لا تشاكل كلام الباري تعالى ولا تخلط به ، ولا توافق معناه ، وذلك أن بعدها : لا يأكله إلا الخاطئون [ الحاقة : 37 ] فكيف يؤكل الشراب ، والذي أتى به قبلها : فليس له اليوم هاهنا حميم وليس له شراب إلا من غسلين من عين تجري من تحت الجحيم لا يأكله إلا الخاطئون . فهذا متناقض يفسد بعضه بعضا ، لأن الشراب لا يؤكل ، ولا تقول العرب : أكلت الماء ; لكنهم يقولون : شربته وذقته وطعمته ; ومعناه فيما أنزل الله تبارك وتعالى على الصحة في القرآن الذي من خالف حرفا منه كفر . ولا طعام إلا من غسلين [ الحاقة : 36 ] لا يأكل الغسلين إلا الخاطئون أو لا يأكل الطعام إلا الخاطئون . والغسلين : ما يخرج من أجوافهم من الشحم وما يتعلق به من الصديد وغيره ; فهذا طعام يؤكل عند البلية والنقمة ، والشراب محال أن يؤكل . فإن ادعى هذا الإنسان أن هذا الباطل الذي زاده من قوله ( من عين تجري من تحت الجحيم ) ليس بعدها ( لا يأكله إلا الخاطئون ) ونفى هذه الآية من القرآن لتصح له زيادته ، فقد كفر لما جحد آية من القرآن . وحسبك بهذا كله ردا لقوله ، وخزيا لمقاله . وما يؤثر عن الصحابة والتابعين أنهم قرؤوا بكذا وكذا إنما ذلك على جهة البيان والتفسير ، لا أن ذلك قرآن يتلى ، وكذلك ما نسخ لفظه وحكمه أو لفظه دون حكمه ليس بقرآن ، على ما يأتي بيانه عند قوله تعالى : ما ننسخ من آية [ البقرة : 106 ] إن شاء الله تعالى .
[ ص: 83 ]

القول في الاستعاذة

وفيها اثنتا عشرة مسألة :

الأولى : أمر الله تعالى بالاستعاذة عند أول كل قراءة فقال تعالى : فإذا قرأت القرآن فاستعذ بالله من الشيطان الرجيم [ النحل : 98 ] أي إذا أردت أن تقرأ ; فأوقع الماضي موقع المستقبل كما قال الشاعر :
وإني لآتيكم لذكري الذي مضى من الود واستئناف ما كان في غد


أراد ما يكون في غد ; وقيل : في الكلام تقديم وتأخير ، وأن كل فعلين تقاربا في المعنى جاز تقديم أيهما شئت ; كما قال تعالى : ثم دنا فتدلى [ النجم : 8 ] المعنى فتدلى ثم دنا ; ومثله : اقتربت الساعة وانشق القمر [ القمر : 1 ] وهو كثير .
الثانية : هذا الأمر على الندب في قول الجمهور في كل قراءة في غير الصلاة . واختلفوا فيه في الصلاة . حكى النقاش عن عطاء : أن الاستعاذة واجبة ، وكان ابن سيرين والنخعي وقوم يتعوذون في الصلاة كل ركعة ، ويمتثلون أمر الله في الاستعاذة على العموم ، وأبو حنيفة والشافعي يتعوذان في الركعة الأولى من الصلاة ويريان قراءة الصلاة كلها كقراءة واحدة ; ومالك لا يرى التعوذ في الصلاة المفروضة ويراه في قيام رمضان .
الثالثة : أجمع العلماء على أن التعوذ ليس من القرآن ولا آية منه ، وهو قول القارئ : أعوذ بالله من الشيطان الرجيم . وهذا اللفظ هو الذي عليه الجمهور من العلماء في التعوذ لأنه لفظ كتاب الله تعالى . وروي عن ابن مسعود أنه قال : قلت أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم ; فقال لي النبي صلى الله عليه وسلم : يا ابن أم عبد أعوذ بالله من الشيطان الرجيم هكذا أقرأني جبريل عن اللوح المحفوظ عن القلم .
الرابعة : روى أبو داود وابن ماجه في سننهما عن جبير بن مطعم أنه رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي صلاة فقال عمرو : لا أدري أي صلاة هي ؟ فقال : " الله أكبر كبيرا الله أكبر كبيرا - ثلاثا - الحمد لله كثيرا الحمد لله كثيرا - ثلاثا - وسبحان الله بكرة وأصيلا - ثلاثا - أعوذ بالله من الشيطان من نفخه ونفثه وهمزه . قال عمرو : همزه المؤتة ، ونفثه الشعر ، ونفخه الكبر . وقال ابن ماجه : [ ص: 84 ] المؤتة يعني الجنون . والنفث : نفخ الرجل من فيه من غير أن يخرج ريقه . والكبر : التيه . وروى أبو داود عن أبي سعيد الخدري قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قام من الليل كبر ثم يقول : سبحانك اللهم وبحمدك تبارك اسمك وتعالى جدك ولا إله غيرك - ثم يقول : لا إله إلا الله - ثلاثا ثم يقول : - الله أكبر كبيرا - ثلاثا - أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم من همزه ونفخه ونفثه ثم يقرأ . وروى سليمان بن سالم عن ابن القاسم رحمه الله أن الاستعاذة : أعوذ بالله العظيم من الشيطان الرجيم إن الله هو السميع العليم بسم الله الرحمن الرحيم . قال ابن عطية : " وأما المقرئون فأكثروا في هذا من تبديل الصفة في اسم الله تعالى وفي الجهة الأخرى ، كقول بعضهم : أعوذ بالله المجيد ، من الشيطان المريد ; ونحو هذا مما لا أقول فيه : نعمت البدعة ، ولا أقول : إنه لا يجوز " .
الخامسة : قال المهدوي : أجمع القراء على إظهار الاستعاذة في أول قراءة سورة " الحمد " إلا حمزة فإنه أسرها . وروى السدي عن أهل المدينة أنهم كانوا يفتتحون القراءة بالبسملة . وذكر أبو الليث السمرقندي عن بعض المفسرين أن التعوذ فرض ، فإذا نسيه القارئ وذكره في بعض الحزب قطع وتعوذ ، ثم ابتدأ من أوله . وبعضهم يقول : يستعيذ ثم يرجع إلى موضعه الذي وقف فيه ; وبالأول قال أسانيد الحجاز والعراق ; وبالثاني قال أسانيد الشام ومصر .
السادسة : حكى الزهراوي قال : نزلت الآية في الصلاة وندبنا إلى الاستعاذة في غير الصلاة وليس بفرض . قال غيره : كانت فرضا على النبي صلى الله عليه وسلم وحده ، ثم تأسينا به .
السابعة : روي عن أبي هريرة أن الاستعاذة بعد القراءة ; وقاله داود . قال أبو بكر بن العربي : انتهى العي بقوم إلى أن قالوا : إذا فرغ القارئ من قراءة القرآن يستعيذ بالله من الشيطان الرجيم . وقد روى أبو سعيد الخدري أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يتعوذ في صلاته قبل القراءة ، وهذا نص . فإن قيل : فما الفائدة في الاستعاذة من الشيطان الرجيم وقت القراءة ؟ قلنا : فائدتها امتثال الأمر ، وليس للشرعيات فائدة إلا القيام بحق الوفاء لها في امتثالها أمرا أو اجتنابها نهيا ; وقد قيل : فائدتها امتثال الأمر [ ص: 85 ] بالاستعاذة من وسوسة الشيطان عند القراءة ; كما قال تعالى وما أرسلنا من قبلك من رسول ولا نبي إلا إذا تمنى ألقى الشيطان في أمنيته [ الحج : 52 ] . قال ابن العربي : ومن أغرب ما وجدناه قول مالك في المجموعة في تفسير هذه الآية : فإذا قرأت القرآن فاستعذ بالله من الشيطان الرجيم [ النحل : 98 ] قال : ذلك بعد قراءة أم القرآن لمن قرأ في الصلاة ، وهذا قول لم يرد به أثر ، ولا يعضده نظر ; فإن كان هذا كما قال بعض الناس : إن الاستعاذة بعد القراءة ، كان تخصيص ذلك بقراءة أم القرآن في الصلاة دعوى عريضة ، ولا تشبه أصل مالك ولا فهمه ; فالله أعلم بسر هذه الرواية .
الثامنة : في فضل التعوذ . روى مسلم عن سليمان بن صرد قال : استب رجلان عند النبي صلى الله عليه وسلم فجعل أحدهما يغضب ويحمر وجهه فنظر إليه النبي صلى الله عليه وسلم فقال : إني لأعلم كلمة لو قالها لذهب ذا عنه ، أعوذ بالله من الشيطان الرجيم . فقام إلى الرجل رجل ممن سمع النبي صلى الله عليه وسلم فقال : هل تدري ما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم آنفا ؟ قال : إني لأعلم كلمة لو قالها لذهب ذا عنه أعوذ بالله من الشيطان الرجيم فقال له الرجل : أمجنونا تراني ! أخرجه البخاري أيضا . وروى مسلم أيضا عن عثمان بن أبي العاص الثقفي أنه أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : يا رسول الله ، إن الشيطان قد حال بيني وبين صلاتي وقراءتي يلبسها علي ، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : ذاك شيطان يقال له خنزب فإذا أحسسته فتعوذ بالله منه واتفل عن يسارك ثلاثا قال : ففعلت فأذهبه الله عني . وروى أبو داود عن ابن عمر قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا سافر فأقبل عليه الليل قال : يا أرض ربي وربك الله أعوذ بالله من شرك [ وشر ما فيك ] [ و ] شر ما خلق فيك ومن شر ما يدب عليك [ وأعوذ بالله ] من أسد وأسود ومن الحية والعقرب ومن [ ساكن ] البلد ووالد وما ولد وروت خولة بنت حكيم قالت : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : من نزل منزلا ثم قال أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق لم يضره شيء حتى يرتحل . أخرجه الموطأ ومسلم والترمذي وقال : حديث حسن غريب صحيح . وما يتعوذ منه كثير ثابت في الأخبار ، والله المستعان .




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 28.71 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 28.08 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (2.19%)]