عرض مشاركة واحدة
  #790  
قديم 26-10-2021, 04:55 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 134,060
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )



تفسير القرآن الكريم
- للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
تفسير سورة الانعام
الحلقة (403)
تفسير سورة الأنعام (36)



إن الله عز وجل حينما أمر الناس بعبادته وإخلاص التوحيد له لم يكن لفقره إليهم، ولا لحاجته لهم، فهو سبحانه غني عنهم وعن كل الخلائق، ولكنه سبحانه أراد اختبارهم وامتحانهم؛ ليعلم من منهم يعمل بطاعته سبحانه فيما أمر، وينتهي عما نهى عنه وزجر، فتكون عاقبته إلى خير، ويدخل جنة ربه العزيز المتعال، أما من عصى الله وجحد الحق فإن عاقبته إلى بوار، ولن يجد له من دون عذاب الله من ملجأ ولا واق.
تفسير قوله تعالى: (وربك الغني ذو الرحمة إن يشأ يذهبكم ويستخلف من بعدكم ما يشاء ...)
الحمد لله، نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له.وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه ولا يضر الله شيئاً.
أما بعد:
فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمدٍ صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة.
ثم أما بعد:
أيها الأبناء والإخوة المستمعون! ويا أيتها المؤمنات المستمعات! إننا على سالف عهدنا في مثل هذه الليلة -ليلة الأربعاء من يوم الثلاثاء- ندرس كتاب الله عز وجل؛ رجاء أن نفوز بذلكم الموعود على لسان سيد كل مولود؛ إذ قال صلى الله عليه وسلم: ( ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده ).
وها نحن مع سورة الأنعام المكية المباركة الميمونة، تلكم السورة التي زفت بسبعين ألف ملك من السماء ولهم زجل وتسبيح، تلكم السورة التي تقرر المبادئ العظمى: التوحيد، إثبات النبوة المحمدية، تقرير البعث الآخر والجزاء فيه، شرائع الله التي بها تسعد البشرية وتكمل عليها، وها نحن مع هذه الآيات الثلاث، فهيا نصغي ونستمع إليها مجودة مرتلة ثم نأخذ في شرحها وبيان مراد الله تعالى منها.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم. ( وَرَبُّكَ الْغَنِيُّ ذُو الرَّحْمَةِ إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَسْتَخْلِفْ مِنْ بَعْدِكُمْ مَا يَشَاءُ كَمَا أَنشَأَكُمْ مِنْ ذُرِّيَّةِ قَوْمٍ آخَرِينَ * إِنَّ مَا تُوعَدُونَ لَآتٍ وَمَا أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ * قُلْ يَا قَوْمِ اعْمَلُوا عَلَى مَكَانَتِكُمْ إِنِّي عَامِلٌ فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ مَنْ تَكُونُ لَهُ عَاقِبَةُ الدَّارِ إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ )[الأنعام:133-135].
معاشر المستمعين والمستمعات من المؤمنين والمؤمنات! هذا خبر الله عز وجل عن نفسه وهو أعلم بنفسه، يقول جل جلاله: ( وَرَبُّكَ الْغَنِيُّ ذُو الرَّحْمَةِ )[الأنعام:133]، وربك يا رسول الله، وربك يا من يستمع إلى كلامه من المؤمنين والمؤمنات، ربك الغني الغنى المطلق، وهو غنىً ذاتي ليس كغنى المخلوقات يعطون ويوهب لهم، غناه ذاتي ليس لأحد له عليه منة؛ إذ هو خالق كل شيء وبيده ملكوت كل شيء، يحيي ويميت ويعز ويذل، يعطي ويمنع، فغناه مطلق.
عظم رحمة الله تعالى ووسعها وآثارها
(وَرَبُّكَ )[الأنعام:133] أيها المستمع ( الْغَنِيُّ ذُو الرَّحْمَةِ )[الأنعام:133]، صاحب الرحمة، فـ(ذو) بمعنى: صاحب.هذه الرحمة الإلهية أخبرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم عنها فقال: ( إن الله خلق يوم خلق السموات والأرض مائة رحمة، كل رحمة طباق ما بين السماء والأرض، فجعل منها في الأرض رحمة فيها تعطف الوالدة على ولدها والوحش والطير بعضها على بعض، فإذا كان يوم القيامة أكملها بهذه الرحمة ).
ومن أراد أن ينظر إلى ذلك بعين البصيرة والبصر فلينظر إلى الدجاجة كيف تزق أفراخها، كيف تشرح نفسها وتدخلهم تحتها، كيف تعلمهم نقر الحب.
وأظهر من ذلك أن الدم القاني الأحمر الخالص يتحول إلى لبن أبيض خالص في ضرع الأنثى من النساء أو في ضرع الحيوان من الحيوانات، أليست هذه هي رحمة الله؟
وقد قال تعالى: ( وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ )[الأعراف:156]، والخليقة كلها تتراحم برحمة الله، هذا هو الله الذي يجب أن يحب، ويجب أن يعبد، ويجب أن يطاع، ويجب أن نتحاب فيه ونتوالى فيه، لا المخلوقات التي تموت وتفنى وهي أفقر ما تكون إلى الله عز وجل، فويل للمشركين، وويل للكافرين، المشركون يشركون غير الله في العبادة ظلماً وعدواناً، والكافرون يجحدون هذا الكمال الإلهي ويتنكرون له وهو موجود في أنفسهم، لولا الله ما نطقوا ولا سمعوا ولا قاموا ولا قعدوا، لولا الله ما وجدوا، فكيف يكفرونه ويجحدون؟!
(وَرَبُّكَ الْغَنِيُّ ذُو الرَّحْمَةِ إِنْ يَشَأْ )[الأنعام:133]، ومشيئته خاصة به لا سلطان لأحد عليها، ( إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ )[الأنعام:133] أيها البشر، وإن كان الخطاب للمشركين وللكافرين العادلين بربهم المعاندين الذين السياق فيهم، ( إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ )[الأنعام:133] نهاية، ( وَيَسْتَخْلِفْ مِنْ بَعْدِكُمْ مَا يَشَاءُ )[الأنعام:133]، لو شاء الله لقال للبشرية كلها الآن: موتوا فوالله ما يبقى أحد، ثم تأكلها الحيوانات وتفنى ويأتي بخلق أعظم وأكمل وأحسن من هؤلاء، ( إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ )[إبراهيم:19].
قدرة الله تعالى على إذهاب الخلق والمجيء بآخرين
(إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَسْتَخْلِفْ مِنْ بَعْدِكُمْ مَا يَشَاءُ )[الأنعام:133]، وقد فعل ذلك بمشركي مكة وعتاتها وطغاتها، أما أهلكم وأتى بأحفادهم وأولادهم خيراً منهم؟إذاً: يجب أن يعبد وحده وأن يحب لجلاله وكماله، وأن يطاع لقدرته، وأن ترفع إليه الأكف لغناه وفقر العباد إليه، ( إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَسْتَخْلِفْ مِنْ بَعْدِكُمْ مَا يَشَاءُ )[الأنعام:133]، والدليل: ( كَمَا أَنشَأَكُمْ مِنْ ذُرِّيَّةِ قَوْمٍ آخَرِينَ )[الأنعام:133]، نحن الآن أنشأنا الله من أين؟ من آبائنا وأجدادنا وهم ذرية لآبائهم وأجدادهم، وهكذا في كل مائة سنة تجيء بشرية جديدة، كل رأس مائة سنة تتغير، ( إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ )[إبراهيم:19]، وهنا يقول: ( وَيَسْتَخْلِفْ مِنْ بَعْدِكُمْ مَا يَشَاءُ كَمَا أَنشَأَكُمْ )[الأنعام:133] وأوجدكم ( مِنْ ذُرِّيَّةِ قَوْمٍ آخَرِينَ )[الأنعام:133]، أبي من الذرية وجدي من الذرية، وجد جد جدي من الذرية، وكلهم ذرية، ذرأنا الله في الأرض وفرقنا فيها.
إذاً: لهذا يجب أن يعظم ويبجل ويكبر ويعبد ولا يلتفت إلى غيره، هذا العظيم الجليل، ( وَرَبُّكَ الْغَنِيُّ ذُو الرَّحْمَةِ إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَسْتَخْلِفْ مِنْ بَعْدِكُمْ مَا يَشَاءُ )[الأنعام:133]، لا في العدد ولا في الهيئة ولا في الغنى ولا في الفقر ولا في العزة ولا في الذل، بل ما يشاء، ( كَمَا أَنشَأَكُمْ مِنْ ذُرِّيَّةِ قَوْمٍ آخَرِينَ )[الأنعام:133] غيركم أنتم، فمن ينكر هذا الواقع؟

يتبع
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 30.46 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 29.83 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (2.06%)]