عرض مشاركة واحدة
  #785  
قديم 13-10-2021, 03:45 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 134,060
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )

المراد بالجن في قوله تعالى: (يا معشر الجن)
والآن النداء لهم: ( يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ قَدِ اسْتَكْثَرْتُمْ مِنَ الإِنسِ )[الأنعام:128]، ما المراد من الجن هنا؟ الشياطين، ومعلوم أن إبليس أو المكنى بأبي مرة كان من عالم الجن، ولكن لما تمرد وتكبر وأبى أن يطيع الله بالسجود لآدم سلبه الله كل النور وأصبح كله ظلمة وخبثاً، واقرءوا: ( وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ كَانَ مِنَ الْجِنِّ )[الكهف:50]، لا من الملائكة، ( فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ )[الكهف:50]، أي: خرج عن طاعته فأبلسه الله عز وجل وأيأسه، وذريته منه، وهم يتوالدون كالجراد كلهم ملة واحدة طابع واحد صورة واحدة، وهل تلد الحية سوى الحية؟ العقرب لا تلد إلا عقرباً.إذاً: فذرية إبليس شياطين، ومن فسق من الجن وخرج عن طاعة الرب وتمرد يدخل في ضمن الشياطين، والذين يخرجون منا عن طاعة ربنا ويفسقون عن أمره ويواصلون الغي والشر والفساد يمسخون شياطين من الإنس.
معنى قوله تعالى: (قد استكثرتم من الإنس)
واستمعوا إلى هذا النقاش: ( يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ قَدِ اسْتَكْثَرْتُمْ مِنَ الإِنسِ )[الأنعام:128]، ما معنى استكثرتم؟ بمعنى: أخذتم منهم بلايين فحولتموهم من آدميين إلى شياطين، فالذين يفسقون ويواصلون الفسق، الزنا، اللواط، الربا، الفجور، قتل النفس، الكذب، الخيانة، خلف الوعد، الضحك، اللعب، الفرح بالكفر والباطل، هؤلاء من مسخهم هكذا؟ من حولهم إلى هذا؟ الشياطين استكثروا منهم أم لا؟ ولماذا يستكثرون؟ حتى لا يدخلوا النار وحدهم، يقولون: لماذا ندخل نحن النار وأنتم لا تدخلون؟ إذاً: فهم يعملون على تضليل بني آدم والجن أيضاً وتكفيرهم وتفسيقهم؛ حتى يشاركوهم في عالم الشقاء ويكونوا معهم في عالم العذاب والخلد الأبدي، فهل استكثروا منهم أم لا؟ ما هي نسبة الأطهار الأصفياء في العالم؟ (قَدِ اسْتَكْثَرْتُمْ مِنَ الإِنسِ )[الأنعام:128]، أخذتم ما لا يحصى من أعداد لا حد لها.
معنى قوله تعالى: (وقال أولياؤهم من الإنس ربنا استمتع بعضنا ببعض وبلغنا أجلنا الذي أجلت لنا)
(وَقَالَ أَوْلِيَاؤُهُمْ مِنَ الإِنسِ )[الأنعام:128] إذ الكل في ساحة واحدة، يسمع نطق أوليائهم من الإنس، أولياء الشياطين، كيف يوالونهم؟ بالحب والنصرة، أحبوهم ونصروهم فكانوا أولياءهم، ويدل على ذلك أن شياطين الإنس يعملون على إفساد الإنس أكثر مما يعمل الآخرون، وأكثر من ضل وفسق وفجر وأشرك وكفر بواسطة شياطين الإنس، بتضليلهم والتغرير بهم وحملهم على الضلال وصرفهم عن الحق كما هو مشاهد صباح مساء.(وَقَالَ أَوْلِيَاؤُهُمْ مِنَ الإِنسِ رَبَّنَا )[الأنعام:128]، أي: يا ربنا! ( اسْتَمْتَعَ بَعْضُنَا بِبَعْضٍ )[الأنعام:128]، كالمعتذرين، يعني: انتفعنا بهم وانتفعوا بنا، أعانونا وأعناهم، خدمونا وخدمناهم، وهو الواقع أم لا؟
(اسْتَمْتَعَ بَعْضُنَا بِبَعْضٍ وَبَلَغْنَا أَجَلَنَا الَّذِي أَجَّلْتَ لَنَا )[الأنعام:128]، ألا وهو الموت والبعث الآخر، والوقوف في ساحة فصل القضاء. ( وَبَلَغْنَا أَجَلَنَا )[الأنعام:128]، الوقت المحدد لنا للقاء والوقوف بين يديك، كالمعتذرين التائبين، ولا ينفعهم اعتذار ولا تقبل منهم توبة.
(رَبَّنَا اسْتَمْتَعَ بَعْضُنَا بِبَعْضٍ )[الأنعام:128]، تذوقتم هذا أم لا؟ الشيطان حين يوسوس لك ويخرجك من المسجد لتسرق أو تفجر يتلذذ بذلك، يقول: كسبت الليلة كسباً. وشيطان الإنس حين يصرفك عن المسجد ويذهب بك إلى الحانة وإلى المزناة يفرح أيضاً لأنه جاء بك وفعل كذا، فهم يعملون كلهم على يد واحدة.
الحكم على كفرة الجن والإنس بالخلود في النار
(رَبَّنَا اسْتَمْتَعَ بَعْضُنَا بِبَعْضٍ وَبَلَغْنَا أَجَلَنَا الَّذِي أَجَّلْتَ لَنَا )[الأنعام:128]. واسمعوا حكم الله عز وجل: ( قَالَ النَّارُ مَثْوَاكُمْ خَالِدِينَ فِيهَا )[الأنعام:128]. (قَالَ النَّارُ )[الأنعام:128]، أي: عالم الشقاء ( مَثْوَاكُمْ )[الأنعام:128]، والمثوى: مكان الثواء، أي: الاستقرار والنزول، ثوى بالمكان يثوي إذا قام فيه بغير خروج ولا رحلة، والمأوى والمثوى بمعنى واحد.
(مَثْوَاكُمْ خَالِدِينَ فِيهَا )[الأنعام:128]، والخلود معروف: الإقامة الدائمة، والبقاء المستمر الدائم.
توجيه الاستثناء من الخلود في النار وبيان مدى دلالته على فنائها

وقوله: ( إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ )[الأنعام:128]، هنا مسألة علمية: هل دار السلام تفنى أو لا تفنى؟الجواب: اعتقد -يا عبد الله- أن الجنة لا تفنى وأهلها لا يفنون ولا يموتون، باقية أبداً بلا نهاية.
وعالم الشقاء النار دار البوار هل تفنى أو لا تفنى؟
الصحيح أننا نقول: لا تفنى، فقد يوجد من يقول بفناء النار بعد بلايين السنين والدهور حين يأتي عليها يوم تنتهي وتنطفئ، أحببت أن تفهموا هذا القول، أما معتقدكم فهو أن النار خالدة وأن الجنة خالدة، دار الفناء هي هذه المؤقتة المحدود بالزمن وتنتهي، وعالم البقاء والخلد لا يقبل الفناء ولا يفنى.
والذين قالوا بالفناء استدلوا بقوله تعالى: ( إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ )[الأنعام:128]، هذا الاستثناء، ( خَالِدِينَ فِيهَا إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ )[الأنعام:128].
والجواب عن ذلك أن هذا لمطلق الإرادة؛ لنعرف أن الله لا يكره على شيء، ولا سلطان فوق سلطان الله، ولا قدرة فوق قدرة الله، فهو يقول: ( إِلَّا مَا شَاءَ )[الأنعام:128]؛ ليفهم البشر والإنس والجن أن مشيئة الله عز وجل ليس فوقها مشيئة، لو أراد أن لا يدخل أحد الجنة فعل أو يكره؟ لو أراد ألا يدخل أحداً النار فهل يكره على هذا؟ مشيئته مطلقة، حتى لا يفهم أن هناك سلطاناً فوق الله يلزمه بأن يبقى أهل الجنة في الجنة، أو يلزمه بأن يخرج أهل النار من النار، هذا كله يمحى بكلمة: ( إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ )[الأنعام:128]، فالمشيئة المطلقة له عز وجل.
ومع هذا نقول: أهل التوحيد أهل الإيمان يدخلون النار إذا فسقوا وفجروا وارتكبوا كبائر الذنوب، ويعذبون في النار ويمتحشون فيها ويحترقون، وأخبرنا رسول الله أن الله يخرجهم من النار، ما يخلدون فيها؛ لأن الله يقول: ( إِنَّ اللَّهَ لا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا وَيُؤْتِ مِنْ لَدُنْهُ أَجْرًا عَظِيمًا )[النساء:40]، وبلغنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أهل لا إله إلا الله، أي: الموحدون الذين ما اعترفوا بألوهية مخلوق من المخلوقات ولا كائن من الكائنات، وترجموا ذلك بقولهم: لا إله إلا الله، ولم يعبدوا غير الله لا بكلمة ولا بإشارة ولا بأي عمل، ولكن فسقوا وماتوا على فسقهم وهم في النار، هؤلاء بشروهم بالخروج من النار ودخول الجنة والخلود فيها، ويتفاوتون في البقاء في النار، منهم من يلبث أحقاباً، ومنهم دون ذلك بحسب ذنوبهم وما ارتكبوه، أما غير الموحدين من أهل الشرك والكفر فهم لا يخرجون من النار أبداً ولا يدخلون الجنة أبداً، بأخبار الله تعالى وأحكامه في كتابه وعلى لسان رسوله صلى الله عليه وسلم.
معنى قوله تعالى: (إن ربك حكيم عليم)
(إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ )[الأنعام:128]، هذا تعليل للحكم، إن ربك حكيم يا رسول الله، عليم يا عبد الله، فحكمته هي التي اقتضت أن من مات على الشرك والكفر لا يرى النعيم ولا يدخله، وأن من عبد الله وغوت نفسه وأضلته ودخل النار وهو من أهل الإيمان فحكم الله يقتضي ألا يخلد في النار وقد عبد الله وآمن به.وقوله: ( عَلِيمٌ )[الأنعام:128] بخلقه وأحوالهم، عليم بالمطيعين بالعصاة بالكافرين بالمؤمنين بالموحدين بالمشركين، فلتمام علمه وكماله ينفذ حكمه، يدخل أهل الإيمان الجنة، وأهل الكفر النار، لو كان لا حكمة له فسيخلط، غذ وقد عرفنا الحكمة، فمن هو الحكيم؟
الذي يضع الشيء في موضعه، أين يضع الطبيب الدواء؟ إذا كان الجرح في كتفه هل يضعه في قمة رأسه؟ ما هو بحكيم أبداً، فالحكيم الذي يضع الشيء في موضعه.
الآن الذي يتزحزح بينكم وينام هل هو حكيم؟ أهذا موضع نوم؟ ما وضع النوم في موضعه، الذي يقف عند باب المسجد ويصهل كالحمار أو يبول هل هو حكيم؟
ولهذا نطلب من الله أن يهبنا الحكمة، وأن يجعلنا من أهلها، وهذه الحكمة لا بد لها من العلم والمعرفة، تعرف أين يقال كذا وأين يقال كذا، أين يؤكل في وقت كذا ويؤكل في وقت كذا.
قراءة في كتاب أيسر التفاسير

هداية الآيات
الآن مع هداية هذه الآيات؛ علكم تصلون إلى نتيجة، فتأملوا.[ أولاً: بيان سنة الله تعالى في الهداية والإضلال ]، بيان سنة الله المتخذة المسلوكة في الإضلال والهداية، من يرد الله هدايته يهده، ومن يرد إضلاله يضله، ولكن كيف يهدي الله وكيف يضل؟ من طلب الهداية هداه الله، ومن طلب الغواية أغواه الله وأضله، لا أن الناس كلهم في مستوى واحد والله يهدي هذا ويضل هذا، فلهذا يجب أن نطلب الهداية بقرع بابه والبكاء بين يديه طول حياتنا، ونتجنب طرق الضلال وكلام الضلال ومسالك الضلال حتى ننجو منه.
[ ثانياً: بيان صعوبة وشدة ما يعاني الكافر إذا عرض عليه الإيمان] لشره، انظر إلى كافر فرنسي بريطاني إيطالي ياباني هندوسي واعرض عليه الإيمان، فسيظهر عليه كرب وهم عظيم؛ لأن القلب -والعياذ بالله- مظلم، فلو تعرض الإيمان على مائة واحد لا يقبله إلا واحد أو اثنان، والذي يقبله أيضاً لا بد أن يعاني من شدة نفسه، من أين أخذنا هذا؟
من قوله تعالى: ( وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا )[الأنعام:125]، كأنما يريد أن يصعد إلى السماء، هل هناك أصعب من هذا؟ اطلع واهبط وحاول أن تطير، فلن تستطيع، فلهذا لا بد من اللجأ إلى الله عز وجل، ما هو بالذكاء ولا بالفطنة، إذ يوجد عالم بالذرة ما يقوى على أن يقول: لا إله إلا الله، ولا يقدر عليها أبداً، وصدق الله العظيم.
[ ثالثاً: القلوب الكافرة يلقى فيها كل ما لا خير فيه من الشهوات والشبهات، وتكون مقراً للشيطان ]، قلب الكافر كالمزبلة، تقذف الأقذار والأوساخ فيها، قلب الكافر كهذا كمزبلة يلقى فيه كل باطل وشر وفساد، والشياطين هي التي تلقي فيها، من أين أخذنا هذا؟
من قوله تعالى: ( كَذَلِكَ يَجْعَلُ اللَّهُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ )[الأنعام:125].
[ رابعاً: فضيلة الذكر المنتج للتذكر الذي هو الاتعاظ فالعمل ]، لقوله تعالى: ( لِقَوْمٍ يَذَّكَّرُونَ )[الأنعام:126]، فإذا ذُكّر ذكر، فإذا ذكر اتعظ وقبل الطاعة وعمل بها، أما ذكر مع الغفلة فما ينفع إذا ما أنتج العظة.
[ خامساً: ثبوت التعاون بين أخباث الإنس والجن على الشر والفساد ]، قال تعالى: ( رَبَّنَا اسْتَمْتَعَ بَعْضُنَا بِبَعْضٍ )[الأنعام:128]، هذا اعترافهم بين يدي الله: ( رَبَّنَا اسْتَمْتَعَ بَعْضُنَا بِبَعْضٍ 9[الأنعام:128].
لو أن الإنس ما ساعدوا الجن والله لقل الفسق والفجور في الأرض، ولو أن الجن أيضاً ما أضلوا لما وقع ضلال، لكن التعاون بين الإنس والجن هو الذي أوجد الخبث والشر والفساد في الأرض، الجن يريدون أن يكون الإنس مثلهم في النار، والإنس كذلك عندما يفسقون يريدون أن يكون الناس كلهم مثلهم، وهذا مشاهد، أهل الفسق والفجور بودهم أن يكون الناس مثلهم، ولذا يعلمون على إضلالهم وإغوائهم ونشر الخبث بينهم؛ حتى لا يكونوا غرباء وحدهم.
[ سادساً: إرادة الله مطلقة يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد، فلا يؤثر فيها شيء ].
أخذنا هذا من قوله تعالى: ( إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ )[الأنعام:128]، إرادة مطلقة لا يعجزها شيء ولا يقف في وجهها شيء، بخلاف إرادات غير الله تعالى.
والله تعالى أسأل أن يجعلنا من أهل دار السلام، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 26.05 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 25.43 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (2.41%)]