عرض مشاركة واحدة
  #783  
قديم 13-10-2021, 03:43 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 134,061
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )

تفسير قوله تعالى: (وهذا صراط ربك مستقيماً ...)
ثم قال تعالى: ( وَهَذَا صِرَاطُ رَبِّكَ مُسْتَقِيمًا )[الأنعام:126]، بين الآن فقال: هذا هو صراط ربك يا رسولنا مستقيماً، من سلكه نجا ومن أعرض عنه خسر وهلك، ( وَهَذَا صِرَاطُ رَبِّكَ مُسْتَقِيمًا )[الأنعام:126] لا اعوجاج فيه، ألا وهو الإسلام، وهو المراد من قوله تعالى من سورة الفاتحة: ( اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ )[الفاتحة:6] الذي لا اعوجاج فيه عن يمين ولا عن شمال.وقد بينا للصالحين والصالحات أنك إذا أردت سلوك هذا الطريق فآمن أولاً، آمن بأن هذا صراط الله المستقيم، أي: ادخل في الإسلام بشهادة أن لا إله إلا اله وأن محمداً رسول الله.
ثانياً: لا تنحرف يميناً ولا شمالاً وامش، أي: أد الفرائض والواجبات، انهض بها لا تترك واحدة منها وأنت قادر على القيام بها.
ثالثاً: دع الجهة اليسرى، لا تلتفت إلى معصية الله بارتكاب ما حرم أو فعل ما نهى عنه وكره، وواصل سيرك إلى باب الجنة دار السلام، ما إن يأتي ملك الموت وأعوانه حتى تبشر في نفس اللحظة بأنك من أهل دار السلام.
وكثيراً ما أكرر وأقول: يا أبنائي! الإسلام أن تسلم قلبك ووجهك لله، فلا يكن في قلبك حب ولا ميل ولا رغبة إلا لله، هو الذي ترهب وهو الذي تحب وهو الذي من أجله تحيا ومن أجله تموت، ثم وجهك لا تلتفت به أيضاً إلى غير دين الله، فإذا أسلمت قلبك ووجهك لله هداك الله، وشرح صدرك وزاد في نورك وهدايتك.
(وَهَذَا صِرَاطُ رَبِّكَ مُسْتَقِيمًا )[الأنعام:126]، الخطاب هنا لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو صالح لنا ولكل مؤمن، ( وَهَذَا صِرَاطُ رَبِّكَ مُسْتَقِيمًا )[الأنعام:126] لا اعوجاج فيه ولا انحراف، لا في العقائد ولا في الآداب ولا في الأخلاق ولا في العبادات ولا في الأحكام، والله لا اعوجاج فيه؛ إذ كل عبادة من شأنها أنها تزكي النفس وتطهرها، وكل منهي عنه ومحرم من شأنه أن يخبث النفس ويلوثها، فمنع الله منه وحرمه، وأوجب هذا وأمر به، كل هذا لنصل إلى ربنا ونحن أطهار أصفياء، فيقبلنا ولا يردنا.
معنى قوله تعالى: (قد فصلنا الآيات لقوم يذكرون)
قال تعالى: ( قَدْ فَصَّلْنَا الآيَاتِ )[الأنعام:126] إي والله، انظر فقط إلى هذه السورة من بدايتها، كل الآيات تفصيل عجب حتى تلوح أنوار الهداية لمن أراد الله هدايته، وحتى تلوح أيضاً ظلمات الشقاء لمن أراد الله شقاوته؛ إذ بينت كفر الكافرين ونفاق المنافقين، وشك الشاكين وترددهم، كما بينت أيضاً أنوار الهداية والإيمان لأهل الإيمان، من أولها إلى هذه الآية وإلى نهايتها. (وَهَذَا صِرَاطُ رَبِّكَ مُسْتَقِيمًا قَدْ فَصَّلْنَا الآيَاتِ )[الأنعام:126] لمن؟ ( لِقَوْمٍ يَذَّكَّرُونَ )[الأنعام:126]، أما الأموات الذين لا يذكرون ولا يذّكرون، تذكره فما يذكر، تفكره فما يفكر، جئ إلى هابط وذكره بالله فهل يذكر؟ قل له: من أين أتيت أنت؟ أمك من أين أتت؟ هل تموت أم لا تموت؟ كيف أنت حي؟ كيف تنطق؟ كيف تسمع؟ من أنت؟ فهل سيذَّكر؟ لا يذكر، ولكن الآيات فصلها الله وبينها وشرحها لمن ينتفع بها وهم الذين يتذكرون فيذكرون، أما أهل الغفلة والإعراض والأضاحيك والباطل طول الحياة فأنى لهم أن يذكروا.
(قَدْ فَصَّلْنَا الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَذَّكَّرُونَ )[الأنعام:126] أي: هم الذين ينتفعون بها.
تفسير قوله تعالى: (لهم دار السلام عند ربهم وهو وليهم بما كانوا يعملون)
ثم قال تعالى: ( لَهُمْ دَارُ السَّلامِ عِنْدَ رَبِّهِمْ )[الأنعام:127]، اللهم اجعلنا منهم، دار السلام: الجنة، ( لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ )[يونس:26]، لهم دار السلام والنظر إلى وجه الله الكريم، والدار: هي الجنة، والسلام اسم من أسماء الله تعالى، ولك أن تقول لهم: دار السلامة من كل عاهة، من كل آفة، فلا كبر، ولا هرم، ولا مرض ولا سقم، ولا موت.. السلامة بكاملها، فهي دار السلامة من كل العيوب والنقائص، من كل العاهات والآفات والآلام، وهي أيضاً قبل ذلك دار الله، والقرآن حمال الوجوه، وكلا الوجهين -والله- صحيح، هي دار الله أم لا؟ والله من أسمائه الحسنى: السلام، ودار السلامة أليست هي الجنة؟ هل فيها الصداع أو ألم الضرس؟ هل فيها كبر؟ فيها موت؟ فيها مرض؟ لا والله أبداً، فأية سلامة أعظم من هذه؟(لَهُمْ دَارُ السَّلامِ عِنْدَ رَبِّهِمْ )[الأنعام:127] أين ربنا؟ في السماء، كما في حديث الجارية حين سألها رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( أين الله؟ قالت: في السماء. قال: اعتقها فإنها مؤمنة )، وجاء الزنادقة وأصحاب الباطل بحيث لو أشرت إلى السماء قائلاً: الله قطعوا يدك؛ يقولون: لأنك حددت المكان! وهذه فلسفة كاذبة، ربنا فوق سماواته وفوق عرشه، والجنة سقفها عرش الرحمن. ‏
حاجتنا إلى الولاية وطريق تحقيقها
(لَهُمْ دَارُ السَّلامِ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَهُوَ وَلِيُّهُمْ )[الأنعام:127]، ما معنى وليهم؟ وليهم: ناصرهم ومحبهم، أليس وليك ناصرك ومحبك؟ وهل يكون وليك وأنت عدوه؟ إذاً: والوه بالإيمان به وبتقواه، فوالاهم بنصرهم وأكرمهم، فهم أولياؤه وهو وليهم، هؤلاء أولياء الله لهم دار السلام عند ربهم والحال أنه وليهم، لو أنزلهم دار السلام وهو غضبان عليهم فهل سيسعدون؟ والله ما يسعدون، إذاً: وهو وليهم بسبب ماذا؟ بفعل المحاب وترك المكاره، وليهم بسبب ماذا؟ هل لأنهم أبناء أشراف؟ أبناء أنبياء؟ قال: ( بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ )[الأنعام:127] الباء سببية، هل بما كانوا يعملونه من اللعب في المقاهي والمراقص؟ من الرقص والشطح والباطل؟ إنما بما كانوا يعملون من محاب الله، ما كان عقيدة عقدوه في قلوبهم، وما كان قولاً رددوه على ألسنتهم وعاشوا عليه، وما كان عملاً بجوارحهم اكتسبوا وكسبوا.. هذا الذي خولهم ولاية الله، وهذا الذي تدرسونه، ولاية الله عز وجل متوقفة على أن تحب ما يحب وتكره ما يكره، وتفعل المحبوب ما دمت قادراً على فعله، وتترك المكروه وأنت قادر دائماً على فعله، بذلك تظفر بولاية الله.
ومن هنا نقول: لا بد من معرفة ما يحب الله وما يكره من العقائد، والأقوال، والأفعال، والصفات والذوات أيضاً، والذي لا يسأل عن هذا والله لا يكون ولياً لله، الذي لا يسأل عن محاب الله ليفعلها كيف يكون ولياً لله؟ هل رأيتم جهالاً ضلالاً طول حياتهم ما يسألون عن الله ولا يعرفون ما يحب يصبحون أولياء الله؟ فهم شر الخلق في الخيانة والتلصص والإجرام والكذب والكفر، لا بد من أن نعرف.
أهمية تعليم الكتاب والسنة في المساجد لتحقيق الولاية
ومرات نكرر القول -والله يشهد- أنه لا بد لأهل القرية من أن يجتمعوا كل ليلة في مسجدهم الجامع بنسائهم وأطفالهم، حتى نخرج من هذه الظلمة وننجو من هذه المحنة والفتنة، لا بد من العودة الصادقة إلى الله إن كنا حقاً نريد ولاية الله، ويجلس لنا عالم بكتاب الله وهدي رسوله، فليلة آية وليلة حديثاً، يتعلمون ويطبقون ويعملون، ففي سنة واحدة تتحقق ولاية الله، ونصبح لو رفعنا أكفنا إلى الله على أن يزيل الجبال لأزالها، أما أن نعيش على هذه الصورة الضائعة الهابطة فكيف نتعلم؟ كيف نعرف ولاية الله؟ كيف نحققها؟ هل بالتخمين والحزر، أو بالظن والخرص؟ لا بد من التعلم، إنما العلم بالتعلم.وقررنا للحكام والمسلمين أجمعين وقلنا: انظروا نظرة صادقة: أعلم أهل القرية أتقاهم لله، أقلهم جريمة، أقلهم فسقاً، أقلهم ظلماً وشراً، أليس كذلك؟ كيف لا نفهم -إذاً- أنه لا بد أن نجمع الأمة على كتاب الله وسنة رسوله، كيف تنتهي الفرقة المذهبية والطائفية والعنصرية إذا لم نجتمع على كلام الله؟
وذكرنا ألف مرة وقلنا: لما بدأت الشيوعية تقرر مذهبها المادي الإلحادي كانوا يجمعون أهل القرى في أماكنهم العامة والخاصة، في عدن فقط كانوا يجلسون من العصر إلى نصف الليل وهم يغسلون أدمغتهم من الإيمان بالله، ونحن نريد أن نظفر ونفوز ونحن نائمون غافلون! كيف تزول قساوة القلوب وهذا الجمود، وهذا الشح وهذا البخل، وهذا الإسراف، وهذا وهذا كيف يعالج؟ هل يعالج بالحيلة؟ والله لا علاج إلا على نور الله:كتابه وهدي رسوله صلى الله عليه وسلم.
من يقوم بهذا؟ هل المسئولون، ما قام به المسئولون، فأنتم أيها المؤمنون لماذا لا تفعلون؟ لنفرض أننا في ظل حكومة روسيا، هل نحن مؤمنون أم لا؟ هيا نجمع نساءنا وأطفالنا ونعرفهم بالله ليحبوه وليطيعوه، ولتفيض أنوار الهداية علينا، فما يصبح بيننا كئيب ولا حزين، ولا عار ولا مكشوف السوأة ولا فقير.. إنا لله وإنا إليه راجعون.
(لَهُمْ دَارُ السَّلامِ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَهُوَ وَلِيُّهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ )[الأنعام:127] ليلاً ونهاراً، طول العمر في عمل، ما هذا العمل؟ هل يبنون العمارات، هل يعبدون الطرق، هل يحفرون الآبار؟ هذا عمل خاص، العمل هذا أن يعملوا بطاعة الله ورسوله، بالنهوض بالتكاليف والواجبات، وتعبيد الطرق وبناء المنازل قضية تابعة، نطفة من بحر، لا أن نوقف الحياة كلها على الدنيا ونعرض عن الآخرة.

وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 22.34 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 21.71 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (2.81%)]