عرض مشاركة واحدة
  #319  
قديم 20-03-2023, 03:07 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 134,074
الدولة : Egypt
افتراضي رد: رمضانيات يوميا فى رمضان إن شاء الله

رمضان دورة تدريبية رائدة في حسن تدبير العلاقات (1)
د. محمد ويلالي




انتشَر هذه الأيامَ ما يسمى بـ"الدورات التدريبية" التي يتوخَّى أصحابها التقوية والمهارة في مختلف المجالات والميادين: الاجتماعية والصحية، والتنشيطية والتقنية، والتدبيرية والتربوية، وفي ميدان سُبل السعادة، وقصص النجاح، وتحفيز العقل نحو الذكاء والعطاء، مما يُنفَق عليه أحيانًا آلاف من الدراهم للفرد الواحد الذي قد يَستسهل السفرَ إلى بلد آخرَ، من أجل أحد هذه التدريبات التي يُستدعى لها كبارُ الخبراء والمختصين.

ولعل بعضنا نسِي أن رمضان هو أحد أعظم المدرِّبين الذين شهِدتهم البشرية جمعاء، فلا يقتصر تدريبه على ميدان واحد، بل يشمل ميادينَ عديدة؛ منها: التعبديُّ، والتربوي، والاجتماعي، والصحي، والاقتصاديُّ، وغيرها، ولا يُحوجك إلى أن تُعِد العُدة للسفر إليه، بل هو يأتيك، فيَحُل ضيفًا عليك، ولا يطالبك بمقابل، بل يعرض عليك خدمتَه في دورة مجانية، ولا يفرض عليك نفسه باعتبار تخصُّص معيَّن، أو ميدان معين، أو بقصدِ جنس معين، أو بلد معين، بل يُفسِح خِدماته للمسلمين جميعًا - ذكورَهم وإناثهم، غنيَّهم وفقيرهم - وفي كل المجالات التي تُصلح دينَك ودنياك، قاصدًا أن تَغمُرك السعادةُ الحقيقية، وتَملأَ حياتَك النجاحاتُ التي تعتبر بمثابة شهادات عليها توقيعُ سيد المرسَلين صلى الله عليه وسلم عن ربِّ العالمين.

ونريد أن يكون عنوان دورة رمضان التدريبية لنا في هذه السَّنة إن شاء الله: "رمضان: دورة تدريبية رائدة في حسن تدبير العلاقات".

ولأن لكل دورة هدفًا، فإننا نريد أن يكون هدفنا المتوقَّع هذه السنة إن شاء الله: "غفران الذنوب مع نهاية شهر رمضان"، وهو هدف واضح، قابلٌ للقياس، وقابل للتنفيذ.

أما أهمية هذا المدرب الربانيِّ، فتتجلى في استبشار النبي صلى الله عليه وسلم بقدومه، وتهنئة صحابته بإدراكه؛ يقول النبي صلى الله عليه وسلم: ((أَتاكُم رمضانُ، شهرٌ مُبارك، فَرَضَ الله عَزَّ وَجَلَّ عليكم صيامَه))؛ صحيح سنن النسائي.

ذلك أن رمضان شِحنة إيمانية قوية، تُمِدُّك بالجُرعات الكافية للاستمرار على طريق السعادة والنجاح إلى رمضانَ المقبل؛ كما بين الصلاة إلى الصلاة، وصلاة الجمعة إلى الجمعة الأخرى، والعمرة إلى العمرة.

وهذا الشعور هو الذي حمَل السلف على حب رمضان، فأكَنُّوا له ما يَستحقه من التوقير والتقدير، فأعَدُّوا له عُدته، واحترَزوا من كل عمل يَخدِش صفاءه، ويَحول دون أهدافه.

قال مُعَلَّى بن الفضل: "كانوا يدْعون الله ستة أشهر أن يُبلِّغهم رمضان، ثم يدْعونه ستة أشهر أن يَتقبَّله منهم".
وكان يحيى بن أبي كثير يقول: "اللهم سلِّمنا إلى رمضان، وسلِّم لنا رمضان، وتسلَّمه منا متقبَّلًا".
وقال ابن رجب: "بلوغُ شهر رمضان وصيامُه: نعمة عظيمة على مَن أقدَره الله عليه".

وأما هدف الدورة - وهو السعي إلى غفران الذنوب مع نهاية الشهر إن شاء الله - فإن الله تعالى مهَّد له أسبابه، ويسَّر طريقه، وهيَّأ العوامل التي تساعد على تحقيقه؛ بحيث إنه لا مناص للمؤمن من أن ينجح في هذه الدورة، ولا عذر له في الرسوب، حتى قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((بَعُدَ مَن أدرَك رمضانَ فلم يُغفر له))؛ صحيح الترغيب.
وهي عواملُ يمكن تسميتها بالخارجية، كما طولِب المسلمُ بالاجتهاد في عوامل أخرى يمكن تسميتها بالداخلية.

أما العوامل الخارجية المساعِدة على تحقيق هدف مغفرة الذنوب التي تسمى في موضوع الدورات التدريبية بـ"معينات الاشتغال"، فتُحددها دورة رمضان في أربعة عوامل:
1- فتح أبواب الجنة:
قال صلى الله عليه وسلم في رمضان: ((تُفتح فيه أبوابُ السماء))، وفي لفظ: ((تُفَتَّحُ فيه أبوابُ الجنة))؛ صحيح سنن النسائي.

2- إغلاق أبواب جهنم:
قال صلى الله عليه وسلم: ((تُغْلَقُ فيه أبوابُ الجحيم))، وفي لفظ: ((تُغَلَّقُ فيه أبوابُ النار))؛ صحيح سنن النسائي.

3- تصفيد الشياطين دفعًا لوسوستها وتشويشها على الصائمين:
قال صلى الله عليه وسلم: ((تُغَل فيه مَرَدَةُ الشياطين))، وفي لفظ: ((ويُصَفَّدُ فيه كُلُّ شيطان مَريد))، وفي لفظ آخر: ((وتُسَلْسَلُ فيه الشياطينُ))؛ صحيح سنن النسائي.

وفي صحيح سنن ابن ماجه يقول النبي صلى الله عليه وسلم: ((إذا كانت أولُ ليلة من رمضان، صُفِّدَت الشياطينُ ومَرَدَةُ الجِنِّ))؛ قال الحَليمي: "يَحتمل أن يكون المراد أن الشياطين لا يَخلُصون من إفساد المؤمنين إلى ما يَخلُصون إليه في غيره؛ لاشتغالهم بالصيام الذي فيه قمع الشهوات، وبقراءة القرآن والذِّكر".

4- تخصيص غلاف غفرانيٍّ في كل ليلة من رمضان لعدد من المسلمين الفائزين:
قال صلى الله عليه وسلم: ((ولله عُتقاءُ من النار، وذلك في كُلِّ ليلةٍ))؛ صحيح سنن ابن ماجه.

وأما العوامل الداخلية في طريق تحقيق هدف المغفرة، فتُحددها دورة رمضان في أربعة عوامل أيضًا:
1- الصيام الحقيقيُّ لرمضان:
قال صلى الله عليه وسلم: ((مَن صامَ رمضانَ إيمانًا واحْتِسابًا، غُفِرَ له ما تَقَدَّمَ مِن ذنبه))؛ متفق عليه، وهو سبيلٌ للتدريب على الصيام خارج رمضان.

يقول النبي صلى الله عليه وسلم: ((مَن صام يومًا في سبيل الله، جعَل الله بينه وبين النار خَندقًا كما بين السماء والأرض))؛ صحيح سنن الترمذي.

بل إن صيام يوم واحد ابتغاء وجه الله، كفيلٌ بأن يكون سببًا لدخول الجنة:
يقول صلى الله عليه وسلم: ((من قال: لا إله إلا الله؛ ابتغاء وجه الله - خُتِم له بها - دخل الجنة، ومن صام يومًا ابتغاء وجه الله - خُتِم له به - دخل الجنة، ومن تصدَّق بصدقة ابتغاء وجه الله - خُتم له بها - دخل الجنة))؛ صحيح الترغيب.

ويكفيك أن يأتي الصيام شفيعًا لك يوم القيامة، يدافع عنك يوم لا ينفعك أهلُك، ولا مالُك، ولا جاهُك، فيقول صيامك: ((أيْ رَبِّ، منَعتُه الطعام والشهوات بالنهار، فشفِّعْني فيه، فيَشفع))؛ صحيح الترغيب.

2- القيام الحقيقي لرمضان أن تؤدي صلاة التراويح بما تستحقه من الإخلاص والخشوع:
قال صلى الله عليه وسلم: ((مَن قام رمضان إيمانًا واحتسابًا، غُفِر له ما تقدَّم من ذنبه))؛ متفق عليه.

3- وضمن قيام رمضان، وجَب التركيز على ليلة القدر التي قال فيها النبي صلى الله عليه وسلم: ((للهِ فيه ليلةٌ خيرٌ من ألف شهر، مَن حُرِم خيرَها فقد حُرِم))؛ صحيح سنن النسائي.
فقُصِدت بحُسنِ القيام؛ قال صلى الله عليه وسلم: ((من قام ليلة القدر إيمانًا واحتسابًا، غُفِر له ما تقدَّم من ذنبه))؛ متفق عليه.

4- استغلال رمضان في أنواع الطاعات، ومختلف أعمال البر؛ تأسِّيًا بالنبي صلى الله عليه وسلم؛ قال ابن القيم رحمه الله: "وكان مِن هدْيه صلى الله عليه وسلم في شهر رمضان: الإكثار من أنواع العبادات.. فكان أجود الناس، وأجود ما يكون في رمضان، يُكثر فيه من الصدقة والإحسان، وتلاوة القرآن، والصلاة والذكر والاعتكاف، وكان يَخُصُّ رمضان من العبادة بما لا يَخص غيره به من الشهور".
لا تَقُلْ: أين طريقي؟
شِرْعَةُ الله الهدايهْ

لا تَقُلْ: أين نعيمي؟
جَنَّةُ الله كفايهْ


أما العلاقات التي يريد رمضان أن يُدربنا على حسن تدبيرها، فثلاثة أنواع: العلاقة مع الله تعالى، والعلاقة مع النفس، والعلاقة مع الغير، ونقتصر اليوم إن شاء الله تعالى على النوع الأول، وهو حسن تدبير العلاقة مع الله تعالى.

إن رمضان يُدربنا على توثيق الصلة بالله، ويُذكرنا برباط التوحيد بالعبادة، وذلك قوله تعالى: ﴿ وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى ﴾ [الأعراف: 172]، وهذا الجانب القلبيُّ الإيمانيُّ من المعادلة، وقوله تعالى: ﴿ وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ ﴾ [الذاريات: 56]، وهذا الجانب العمليُّ التعبُّدي، وهما جانبان متكاملان لا يَفترقان، غير أن أحدنا قد يصيبه من التقصير والتهاون ما يحتاج إلى ترميمٍ وإعادة نظرٍ، فيكون رمضان فرصة لإصلاح ما فسَد، وتدارُك ما نقص.

فالمسلم في رمضان لا يُحرِّك لسانه إلا بذكر الله، ولا يَنطِق إلا بما يرضي الله، ولا يترك الطعام والشراب إلا قصدًا لتقوى الله؛ فتتوثَّق الصلة بين العبد وربه، فيرتقي إلى درجة التخصيص التي بشَّر بها الله سبحانه في الحديث القدسي: ((يترك طعامه وشرابه وشهوته من أجلي، الصيام لي وأنا أَجزي به، والحسنة بعشر أمثالها))؛ متفق عليه.

ولذلك وجب أن يكون رمضان عبادة خالصة، يخلو فيها المؤمن بربِّه، فلا يجعله شهرَ ولائمَ وتسوُّقٍ، ولقاءات وأسفار، وشواطئ وبرامجَ تلفزية، ونكات ولعب؛ فذلك يَخدِش حقيقةَ الصيام، وما يَستوجبه من إرساء علاقة المحبة بين الصائم وربه؛ كان يحيى بن معاذ رحمه الله يقول: "ليس بصادقٍ مَن ادَّعى حبَّه ولم يَحفظ حَدَّه"، وكان عمرو بن قيس إذا دخل شهر شعبان أغلَق حانوته، وتفرَّغ لقراءة القرآن.


فهلَّا جعلنا رمضان شهرَ تصالُح مع الخالق الدَّيَّان، وسبيلًا لِمَلْءِ القلوب بالإيمان، وطريقًا لهجر الذنوب والعصيان!
فاللهم إنا نسألك أن تُهِلَّ علينا هلال رمضان باليُمْن والإيمان، والسلامة والإسلام، وأن تَجعله مناسبة لسعادة الدنيا والفوز بالجنة.


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 24.23 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 23.60 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (2.59%)]