عرض مشاركة واحدة
  #152  
قديم 01-04-2021, 04:40 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,617
الدولة : Egypt
افتراضي رد: القدس اسلامية رغم أنف امريكا متابعة لملف القدس وفلسطين المحتلة وكل ما يستجد من اح

حوار المسلمين لليهود.. والتجاوز عن التجارب الأليمة












أ. د. عبدالحليم عويس




بعيدًا عن المشاعر الشخصية الأليمة التي عانى منها المسلمون في المدينة من اليهود؛ بعد أن عقد محمدٌ رسول الله صلى الله عليه وسلم معهم معاهدةً؛ فإذا بهم يحاولون - مرة - الاعتداءَ على عِرض امرأة مسلمة في أسواقهم (2هـ)، ومرة أخرى يتآمرون على قتل الرسول نفسِه (4هـ)، ومرة ثالثة يُقدِمون على خيانة جماعية عظمى للمسلمين، وهم في محنة حرب الخندق (بنو قريظة سنة 5هـ)...








بعيدًا عن كل هذه الخيانات، وعن (الحرب التآمرية الباردة الدائمة المتآزرة مع مشركي الجزيرة)، ومخالفتها للدستور...








بعيدًا عن كل ذلك؛ يفتح المسلمون لليهود صفحة جديدة للسلام؛ حتى لا يظلَّ المستقبل يَدفعُ ثمنَ أخطاء الماضي.



♦ ♦ ♦








كانت الأمة الإسلامية قد نجَتْ من الإبادة بأعجوبة وقت حصار المشركين للمدينة في غزوة الخندق، في السنة الخامسة للهجرة، وقد أوشَكَ بنو قريظة (اليهود) أن يدمِّروا المدينة، بعد خيانتهم للدستور، الذي يُلزِمُهم - كمواطنين - بحماية المدينة مع المسلمين.








ولو أن محمدًا أطلَقَ سراحهم، لَعَمِلوا على زيادة معارضة اليهود في خَيْبَرَ، ولَنظَّموا هجومًا آخر ضد المدينة؛ حيث لم يكن هناك ضمان لأنْ يُحالِفَ الحظُّ المسلمين مرة أخرى، كما أن المعركة الدمويَّة من أجل البقاء كانت ستستمرُّ إلى ما لا نهاية، ويستمرُّ معها المعاناة والموت، ولا بد أن أحكام الإعدام ضد الخيانة العظمى ليهود بني قريظة قد ترَكتْ أثرها المطلوب[1] في نفوس أعداء الإسلام، كما أنه لا يبدو أن أحدًا قد صدَمتْه المذبحة؛ (لأنها عدل بكل القوانين)، بالإضافة إلى أن القُرَظيِّينَ أنفسَهم يبدو أنهم كانوا قد ارتقبوا حتميَّتَها؛ فهم يعرفون معنى الجريمة التي ارتكَبوها.








ومع ذلك، فمن الأهمية بمكان - كما تقول أرمسترونج كاترين - أن نسجِّل هنا أن تلك البداية المأساوية لم تؤثِّر بصفة دائمة في موقف المسلمين من اليهود؛ فبمجرد أن أقام المسلمون إمبراطوريتهم العالمية الخاصة، وطوَّروا نظامًا متقدِّمًا في شريعتهم، أسَّسوا نظام تسامُحٍ، ظلَّ يسود الأجزاء المتمدينة في الشرق العربي لمدة طويلة؛ حيث تعايشت مجموعات دينية في ظلِّه




جنبًا إلى جنب. إن المعاداة للسامية خطيئة مسيحية غربية، وليست خطيئة إسلامية، ويجب أن يكون ذلك حاضرًا في أذهاننا؛ كي لا نخضع لإجراء التعميمات.









ففي ظل الإمبراطورية الإسلامية تمتَّعَ اليهود - مثلهم مثل المسيحيين - بحرية دينية كاملة، وعاش اليهود في المنطقة في سلام، حتى إقامة دولة إسرائيل في سنة 1947م.








ولم يعانِ اليهود في ظل الإسلام - قط - ما عانوه في ظل المسيحية!!








أما الأساطير الأوربية المعادية للسامية، فقد قَدِمَتْ إلى الشرق العربي في نهاية القرن الماضي، على يد البعثات التبشيرية المسيحية، وكانت الجماهير عادةً ما تُقابِلُها بالازدراء[2].








ومن الجدير بالذكر هنا أن نقول: إن تغاضي المسلمين عن إساءات اليهود البالغة لهم عبر التاريخ، وتغاضيَهم عن خيانتهم للدستور الذي وضَعَه رسولُ الإسلام، وأعطاهم فيه حقَّ المواطنة الكاملة في المدينة المنورة (وطنهم)، ومع ذلك خانوا الدستور والوطن، في محنة شديدة، كاد المسلمون - لولا رعاية الله - يُبادُونَ فيها...








إن هذا التغاضي من المسلمين عن صفحات خيانة اليهود الكثيرة ضدهم يؤكِّد أن المسلمين ينظُرون إلى الحرب على أنها أمر استثنائيٌّ بغيض، وأنه لا ينبغي على المسلمين أن يبدؤوا بالعداوات؛ لأن الحرب العادلة هي التي تُشَنُّ للدفاع عن النفس فقط، ومع ذلك فمتى دخَلوا الحرب وجب عليهم أن يقاتِلوا بالتزامٍ أخلاقيٍّ مطلق؛ لكي ينتهي القتال في أسرع وقت ممكن




- كما تقول أرمسترونج كاترين - وإذا اقترح العدوُّ هدنة، أو أبدى استعدادًا للسلم؛ فإن القرآن يأمر المسلمين ألا تكون شروطُ السلام غير أخلاقية أو مخزية، لكن القرآن يؤكِّد - أيضًا - على أن إنهاء الصراع الحربيِّ أمرٌ مقدَّس، على أن تتم مواجهة العدوِّ بحزم، وأنه يجب تحاشي أي تردُّد؛ لأن ذلك يعني أن يستمر الصراع لأجلٍ غير مسمى.









إن هدف أي حرب في الإسلام هو إحلال السلام والوفاق في أسرع وقت[3].








وهذا ما انتهت إليه وأكَّدته أرمسترونج كاترين.. الباحثة المنصفة.. ونحن نعتقد أن هذا هو ما فعله المسلمون مع اليهود؛ فسرعان ما حاوَروهم واستعملوهم في الوظائف الكبيرة، بل وفتحوا لهم قصور الخلفاء، واستعانوا بهم في كل مجالات (الترجمة، والطب، والاقتصاد، وغيرها).







[1] أرمسترونج كاترين: محمد، ط2، 1988م، مسطور، مصر، ص308.




[2] أرمسترونج كاترين: محمد، ط2، 1988م، مسطور للنشر، مصر، ص309.





[3] المرجع السابق، ص310.










__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 21.00 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 20.37 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (2.99%)]