عرض مشاركة واحدة
  #2  
قديم 16-09-2021, 07:00 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 134,060
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تخريج حديث: سئل عن الفأرة تقع في السمن

وقال أبو نعيم: «غريب من حديث الزهري؛ لم يروه عن ابن جريج، إلا يحيى بن أيوب».

وقال الدارقطني في «أطراف الغرائب والأفراد» (3/ 365): «كذا رواه عبدالجبار بن عمر الأيلي عن الزهري عن سالم، ورُوي عن ابن جريج والزهري كذلك؛ وكلاهما وهمٌ؛ والصحيح عن عبيدالله عن ابن عباس، تفرد بحديث ابن جريج: شعيب بن يحيى، عن يحيى بن أيوب، عنه.

ورواه ابن لهيعة عن أبي الأسود، عن سالم، عن أبيه، وتفرد به عنه، ولا أعلم حدث به غير خداش الدخداج الغوري»اهـ.

وقد سئل الدارقطني في «العلل» (13/ 146)، عن حديث سالم، عن أبيه: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن فأرة وقعت في سمن... الحديث.

فقال: «يرويه الزهري، واختلف عنه؛ فرواه عبدالجبار بن عمر الأيلي، عن الزهري، عن سالم، عن أبيه.

وتابعه يحيى بن أيوب، رواه عن ابن جريج، عن الزهري كذلك.

وخالفهما أصحاب الزهري؛ فرووه عن الزهري، عن عبيدالله بن عبدالله، عن ابن عباس؛ وهو الصحيح»اهـ.

قلت: وقد ورد عدة شواهد لرواية معمر:
الشاهد الأول: أخرجه عبدالرزاق في «المصنف» (282)، عن إبراهيم بن محمد، عن شريك بن أبي نمر، عن عطاء بن يسار، قال: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الفأرة تقع في السمن؟ قال: «إِنْ كان جامِدا أُخِذ ما حوْلها قدْر الْكف وأُكِل بقِيتُهُ».

الشاهد الثاني: أخرجه عبدالرزاق (283)، عن إبراهيم بن محمد، عن أبي جابر البياضي، عن ابن المسيب، قال: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الفأرة تقع في السمن؟ قال: «إِنْ كان جامِدا أُخِذ ما حوْلها قدْر الْكف، وإِذا وقعتْ فِي الزيْتِ اسْتُصْبِح».

وإبراهيم بن محمد بن أبي يحيى، كذاب متروك.
والحديث مرسل في كلا الطريقين.

الشاهد الثالث: أخرجه أحمد في «المسند» (14683)، قال: حدثنا حسن، قال: حدثنا ابن لهيعة، قال: حدثنا أبو الزبير، قال: سألت جابرا عن الفأرة تموت في الطعام، أو الشراب، أطعمه؟ قال: لا، زجر رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك، كنا نضع السمن في الجِرار، فقال: «إِذا ماتتِ الْفأْرةُ فِيهِ فلا تطْعمُوهُ».

وابن لهيعة ضعيف غير محتج به، وقد جاء بمتن منكر مخالف حتى لرواية معمر، فلا يُعد شاهدا لها؛ حيث فيه عدم الانتفاع بالسمن مطلقا سواء كان جامدا أو مائعا.

الشاهد الرابع: أخرجه الدارقطني في «سننه» (4790)، قال: حدثنا عمر بن محمد بن القاسم النيسابوري، قال: حدثنا محمد بن أحمد بن راشد الأصبهاني، قال: حدثنا محمد بن عبدالرحيم البرقي، قال: حدثنا عمرو بن سلمة، عن سعيد بن بشير، عن أبي هارون، عن أبي سعيد رضي الله عنه، قال: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الفأرة تقع في السمن والزيت؟ قال: «اسْتصْبِحُوا بِهِ ولا تأْكُلُوهُ».

وفيه عمر بن محمد بن القاسم النيسابوري، وهو مجهول.

وأبو هارون العبدي، هو عمارة بن جُوين. أجمع الأئمة على أنه متروك، وقال الجوزجاني: كذاب مفتري.

وقال ابن حجر في «التقريب»: «متروك، ومنهم من كذبه».

وسعيد بن بشير الأزدي، ضعيف.

وقد رُوي من طريق أبي هارون العبدي أيضا موقوفا على أبي سعيد.

قال الدارقطني: «ونحو ذلك رواه الثوري، عن أبي هارون، موقوفا على أبي سعيد.

حدثنا عبدالله بن أبي داود، قال: حدثنا يونس بن حبيب، وأسيد بن عاصم الأصبهاني، قالا: حدثنا الحسين بن حفص، قال: حدثنا سفيان الثوري، عن أبي هارون العبدي، عن أبي سعيد، أنه قال في الفأرة تقع في السمن أو الزيت: «اسْتنْفعُوا بِهِ ولا تأْكُلُوهُ».

وقد جاء في بعض الروايات: «سئل عن فأرة وقعت في سمن جامد»؛ وهذا مما يشهد لرواية معمر، غير أن فيها شذوذا أيضا.

فقد رُوي ذلك عن مالك.

كما قد أخرجه النسائي في «المجتبى» (4259)، قال: أخبرنا يعقوب بن إبراهيم الدورقي، ومحمد بن يحيى بن عبدالله النيسابوري، عن عبدالرحمن [أي: ابن مهدي]، عن مالك، عن الزهري، عن عبيدالله بن عبدالله، عن ابن عباس، عن ميمونة، أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن فأرة وقعت في سمن جامد، فقال: «خُذُوها وما حوْلها فألْقُوهُ».

ويعقوب بن إبراهيم الدورقي، ومحمد بن يحيى بن عبدالله النيسابوري، ثقتان كبيران؛ فالحديث صحيح عن ابن مهدي؛ ولكن ابن مهدي تفرد بهذه اللفظة عن مالك، وقد رواه الجمع من الثقات عن مالك بدونها كما تقدم؛ فاللفظة شاذة عن مالك.

وقد رواه النسائي في «الكبرى» (4571) من نفس الطريق، دون لفظة «جامد»، هكذا في جميع طبعات «السنن الكبرى».

ورُوي أيضا عن ابن عيينة.

فقد أخرجه الطيالسي في «مسنده» (2839)، حدثنا سفيان بن عيينة، عن الزهري، عن عبيدالله بن عبدالله، عن ابن عباس رضي الله عنهما، أن فأرة وقعت في سمن جامد لآل ميمونة، فأمر النبي صلى الله عليه وسلم أن تؤخذ الفأرة وما حولها.

وأخرجه البيهقي في «معرفة السنن» (19359)، عن علي بن أحمد بن عبْدان، قال: حدثنا أحمد بن عبيد، قال: حدثنا إسماعيل بن إسحاق، قال: حدثنا حجاج بن المنهال، عن ابن عيينة، عن الزهري، عن عبيدالله بن عبدالله، سمع ابن عباس، يخبر عن ميمونة، أن فأرة وقعت في سمن وهو جامد، فماتت فيه، فسئل رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: «خُذُوها وما حوْلها فألْقُوها وكُلُوا ما بقِي».

علي بن أحمد بن عبْدان.

قال الذهبي في «السير» (17/ 397، 398): «الشيخ، المحدث، الصدوق.. ثقة مشهور، عالي الإسناد».

وقال في «تاريخ الإسلام» (9/ 257): «كان ثقة».

وأحمد بن عبيد بن إسماعيل الصفار.

قال الذهبي في «تذكرة الحفاظ» (3/ 62): «الحافظ الثقة مصنف «السنن»، الذي يكثر أبو بكر البيهقي من التخريج منه في «سننه». قال الدارقطني: كان ثقة ثبتا، صنف المسند وجوده».

وإسماعيل بن إسحاق بن حماد بن زيد القاضي.

قال أبو حاتم في «الجرح والتعديل» (2/ 158): «ثقة صدوق».

وذكره ابن حبان في «الثقات» (8/ 105).

وحجاج بن المنهال.

جاء في «الجرح والتعديل» (3/ 167): «قال أحمد بن حنبل: ثقة، ما أرى به بأسا.

وقال أبو حاتم: ثقة فاضل».

ووثقه البخاري، والنسائي، كما في «تهذيب الكمال» (5/ 459).

قلت: وهذه اللفظة - مع ثقة رجالها - إلا أنها شاذة؛ حيث قد رواه الجمع الكبير من الأثبات الكبار من أصحاب ابن عيينة بدون هذه اللفظة.

وقد جعل الطيالسي الحديث من مسند ابن عباس، وهذا خطأ ثان منه؛ فجميع أصحاب ابن عيينة الذين رووه عنه جعلوه من مسند ميمونة.

ورويت هذه اللفظة أيضا عن الأوزاعي.

فقد أخرجه أحمد (26803)، عن محمد بن مصعب، عن الأوزاعي، عن الزهري، عن عبيدالله بن عبدالله، عن ابن عباس، عن ميمونة زوج النبي صلى الله عليه وسلم، أنها استفتت رسول الله صلى الله عليه وسلم في فأرة سقطت في سمن لهم جامد، فقال: «ألْقُوها وما حوْلها، وكُلُوا سمْنكُمْ».

وهذا إسناد لا يثبت.
محمد بن مصعب القُرقُساني.

قال البخاري في «التاريخ الكبير» (1/ 239): «محمد بن مصعب القُرقُساني أبو عبدالله، سمع الأوزاعي، وكان يحيى بن معين سيئ الرأي فيه»اهـ.

وقال يحيى بن معين كما في «الجرح والتعديل» (8/ 103): «لم يكن محمد بن مصعب من اصحاب الحديث، كان مغفلا».

وفيه أيضا: قال أبو حاتم: «ليس بقوي».

وقال أبو زرعة: «صدوق في الحديث، ولكنه حدث بأحاديث منكرة».

وفي «تاريخ بغداد» (4/ 447): «قال صالح بن محمد البغدادي: محمد بن مصعب، ضعيف في الأوزاعي».

وفيه أيضا: «قال عبدالرحمن بن يوسف بن خراش: محمد بن مصعب القرقساني منكر الحديث».
وضعفه النسائي.

وقال ابن حبان في «المجروحين» (2/ 310): «كان ممن ساء حفظه حتى كان يقلب الأسانيد ويرفع المراسيل، لا يجوز الاحتجاج به إذا انفرد، فأما فيما وافق الثقات فإن احتج به محتج وفيما لم يخالف الأثبات إن اعتبر به معتبر لم أر بذلك بأسا»اهـ.

أقوال الأئمة في تخطئة معمر في روايته عن الزهري، وكذا تخطئتهم للفظة: «سئل عن سمن جامد»:
قال الإمام الترمذي في «الجامع» (4/ 256): «وروى معمر، عن الزهري، عن سعيد بن المسيب، عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم نحوه، وهو حديث غير محفوظ، وسمعت محمد بن إسماعيل يقول: وحديث معمر عن الزهري عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم، وذكر فيه أنه سئل عنه، فقال: «إِذا كان جامِدا فألْقُوها وما حوْلها، وإِنْ كان مائِعا فلا تقْربُوهُ»، هذا خطأ؛ أخطأ فيه معمر، قال: والصحيح حديث الزهري عن عبيدالله عن ابن عباس عن ميمونة»اهـ.

وقال الترمذي في «العلل الكبير» (ص298): «سألت محمدا عن حديث الزهري، عن عبيدالله، عن ابن عباس، عن ميمونة، أن فأرة وقعت في سمن؟

فقال: هو الصحيح؛ إن معْنا قال: حدثنا به مالك بن أنس ثلاث مرات عن ميمونة.

وحدثنا به إسماعيل بن أبي أويس، عن مالك، عن الزهري، عن عبيدالله عن ابن عباس عن ميمونة.

قال محمد: وحديث معمر، عن الزهري، عن ابن المسيب، عن أبي هريرة، وهِم فيه معمر، ليس له أصل»اهـ.

وقال ابن أبي حاتم في «الجرح والتعديل» (4/ 391- 394): «وسألت أبي عن حديث رواه ابن أبي مريم، عن عبدالجبار بن عمر الأيلي، عن الزهري، عن سالم، عن أبيه، عن النبي صلى الله عليه وسلم؛ في الفأرة تقع في السمن؛ قال: إنْ كان جامدا... الحديث؟

قال ابن أبي حاتم: ورواه معمر، عن الزهري، عن سعيد بن المسيب، عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم؟

قال أبي: كلاهما وهمٌ، والصحيح: الزهري، عن عبيدالله بن عبدالله، عن ابن عباس، عن ميمونة، عن النبي صلى الله عليه وسلم»اهـ.

وقال البزار في «مسنده» (14/ 176): «وهذا الحديث لا نعلم أحدا رواه عن الزهري، عن سعيد، عن أبي هريرة إلا معمر، وقد خولف في إسناده ومتنه».

وقال العقيلي في «الضعفاء» (4/ 13): «والمحفوظ حديث الزهري، عن عبيدالله، عن ابن عباس، عن ميمونة رواية مالك، وابن عيينة، و[رواية] ابن بُوذويْه، عن معمر».

وقال أبو العباس العُصْمي في «جزئه» (ص167): «غريب من حديث الزهري عن ابن المسيب، لم يروه عنه إلا معمر، ويقال: إنه أخطأ فيه.

ورواه عبدالجبار بن عمر الأيلي عن الزهري؛ فقال عن سالم، عن أبيه، وهو أيضا وهمٌ.

والصحيح من حديث الزهري: ما هو عن عبيدالله بن عبدالله بن عتبة عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم، ومنهم من قال فيه: عن ابن عباس عن ميمونة»اهـ.

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية في «مجموع الفتاوى» (21/ 492- 495): «وقد ذكر عبدالرزاق أن معمرا كان يرويه أحيانا من الوجه الآخر فكان يضطرب في إسناده، كما اضطرب في متنه، وخالف فيه الحفاظ الثقات الذين رووه بغير اللفظ الذي رواه معمر، ومعمر كان معروفا بالغلط، وأما الزهري فلا يُعرف منه غلط؛ فلهذا بين البخاري من كلام الزهري ما دل على خطأ معمر في هذا الحديث... وهذا الحديث رواه الناس عن الزهري كما رواه ابن عيينة بسنده ولفظه، وأما معمر فاضطرب فيه في سنده ولفظه؛ فرواه تارة عن ابن المسيب عن أبي هريرة، وقال فيه: «وإن كان جامدا فألقوها وما حولها وإن كان مائعا فلا تقربوه»، وقيل عنه: «وإن كان مائعا فاستصبحوا به»، واضطرب على معمر فيه، وظن طائفة من العلماء أن حديث معمر محفوظ فعملوا به؛ وممن يثبته محمد بن يحيى الذهلي فيما جمعه من حديث الزهري، وكذلك احتج به أحمد لما أفتى بالفرق بين الجامد والمائع؛ وكان أحمد يحتج أحيانا بأحاديث ثم يتبين له أنها معلولة.

وأما البخاري والترمذي وغيرهما فعللوا حديث معمر وبينوا غلطه، والصواب معهم.

فذكر البخاري هنا عن ابن عيينة أنه قال: سمعته من الزهري مرارا لا يرويه إلا عن عبيدالله بن عبدالله. وكذلك رواه مالك وغيره، وذكر من حديث يونس أن الزهري سئل عن الدابة تموت في السمن الجامد وغيره فأفتى بأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بفأرة ماتت في سمن فأمر بما قرب منها فطرح. فهذه فتيا الزهري في الجامد وغير الجامد؛ فكيف يكون قد روى في هذا الحديث الفرق بينهما وهو يحتج على استواء حُكْم النوعين بالحديث؟! والزهري أحفظ أهل زمانه؛ حتى يقال: إنه لا يُعرف له غلط في حديث ولا نسيان، مع أنه لم يكن في زمانه أكثر حديثا منه، ويقال: إنه حفظ على الأُمة تسعين سُنة لم يأت بها غيره، وقد كتب عنه سليمان بن عبدالملك كتابا من حفظه ثم استعاده منه بعد عام فلم يخط منه حرفا؛ فلو لم يكن في الحديث إلا نسيان الزهري أو معمر لكان نسبة النسيان إلى معمر أولى باتفاق أهل العلم بالرجال مع كثرة الدلائل على نسيان معمر؛ وقد اتفق أهل المعرفة بالحديث على أن معمرا كثير الغلط على الزهري؛ قال الإمام أحمد رضي الله عنه فيما حدثه به محمد بن جعفر غندر عن معمر عن الزهري عن سالم عن أبيه أن غيلان بن سلمة أسلم وتحته ثمان نسوة، فقال أحمد: هكذا حدث به معمر بالبصرة وحدثهم بالبصرة من حفظه وحدث به باليمن عن الزهري بالاستقامة. وقال أبو حاتم الرازي: ما حدث به معمر بن راشد بالبصرة ففيه أغاليط، وهو صالح الحديث، وأكثر الرواة الذين رووا هذا الحديث عن معمر عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة هم البصريون؛ كعبدالواحد بن زياد، وعبدالأعلى بن عبدالأعلى الشامي.

والاضطراب في المتن ظاهر؛ فإن هذا يقول: «إن كان ذائبا أو مائعا لم يؤكل، وهذا يقول: «وإن كان مائعا فلا تنتفعوا به واستصبحوا به»، وهذا يقول: «فلا تقربوه»، وهذا يقول: «فأمر بها أن تؤخذ وما حولها فتطرح»، فأطلق الجواب، ولم يذكر التفصيل؛ وهذا يبين أنه لم يروه من كتاب بلفظ مضبوط؛ وإنما رواه بحسب ما ظنه من المعنى، فغلط»اهـ.

وقال الحافظ ابن عبدالهادي في «التنقيح» (4/ 82) بعد ذِكْره للفظة «سئل عن سمن جامد»: «ورجاله وإن كانوا رجال «الصحيحين» فإنه خطأ من وجوه كثيرة، ذكرتها في غير هذا الموضع، والصواب حديث الزهري عن عبيدالله»اهـ.

وقال الحافظ ابن عبدالهادي أيضا في «التنقيح» (4/ 81): «وقد روى هذه اللفظة - وهي قوله: «جامد» -: النسائي من رواية ابن مهدي عن مالك عن الزهري، والبيهقي من رواية حجاج بن منهال عن سفيان؛ والظاهر أنها خطأ، فإن أكثر أصحاب مالك وسفيان لم يذكروا هذه اللفظة، ولأن الغالب على سمن الحجاز أن يكون مائعا، وكونه جامدا نادر، والسؤال في الغالب لا يقع إلا على الغالب، ولأن حكم الجامد ظاهر، وإنما المشكل المائع، فالظاهر أن السؤال كان عنه، أو عن أعم منه، فأجاب النبي صلى الله عليه وسلم ولم يستفصل. والله أعلم»اهـ.

وقال الحافظ ابن حجر في «الفتح» (1/ 344): «ولم يذكر أحد منهم [أي: من الرواة عن مالك] لفظة «جامد»؛ إلا عبدالرحمن بن مهدي، وكذا ذكرها أبو داود الطيالسي في «مسنده»، عن سفيان بن عيينة عن بن شهاب، ورواه الحميدي والحفاظ من أصحاب بن عيينة بدونها، وجودوا إسناده؛ فذكروا فيه ابن عباس وميمونة، وهو الصحيح»اهـ.

وقال الحافظ ابن حجر أيضا في «الفتح» (9/ 669): «وقع عند النسائي من رواية ابن القاسم عن مالك وصف السمن في الحديث بأنه جامد، وتقدم التنبيه عليه في الطهارة، وكذا وقع عند أحمد من رواية الأوزاعي عن الموسري، وكذا عند البيهقي من رواية حجاج بن منهال عن بن عيينة، وكذا أخرجه أبو داود الطيالسي في «مسنده»، عن سفيان، وتقدم التنبيه على الزيادة التي وقعت في رواية إسحاق بن راهويه عن سفيان، وأنه تفرد بالتفصيل عن سفيان دون حفاظ أصحابه؛ مثل أحمد والحميدي ومسدد وغيرهم، ووقع التفصيل فيه - أيضا - في رواية عبدالجبار بن عمر عن الزهري عن سالم عن أبيه، وقد تقدم أن الصواب في هذا الإسناد أنه موقوف، وهذا الذي ينفصل به الحكم فيما يظهر لي بأن التقييد عن الزهري عن سالم عن أبيه من قوله، والإطلاق من روايته مرفوعا؛ لأنه لو كان عنده مرفوعا ما سوى في فتواه بين الجامد وغير الجامد، وليس الزهري ممن يقال في حقه: لعله نسي الطريق المفصلة المرفوعة؛ لأنه كان أحفظ الناس في عصره، فخفاء ذلك عنه في غاية البُعد»اهـ.

فائدة:
اختلف رواة «الموطأ» عن مالك، فرووا الحديث على أوجه في الإسناد مختلفة، وهو اختلاف لا يضر.

قال الإمام الدارقطني في «أحاديث الموطأ، وذكر اتفاق الرواة عن مالك، واختلافهم فيه، وزيادتهم ونقصانهم» (ص71، 72): «سئل عن فأرة وقعت في سمن.

عن ابن عباس: القعنبي، وأبو قرة، ومحمد بن الحسن، وأرسله ابن بكير، وأبو مصعب، ولم يذكره معن، وابن عفير، وابن القاسم.

وقال ابن مهدي، وإبراهيم بن طهمان، وزيد بن يحيى، وزياد بن يونس، وابن الطباع، والفروي، والزبيري، وابن أبي أويس: عن ابن عباس عن ميمونة.

وقال جويرية، ومعن، وابن وهب: عبيدالله عن ميمونة»اهـ.

وقال الحافظ ابن حجر في «الفتح» (1/ 344): «وإنما أورد البخاري كلام معْن [وهو قوله: حدثنا مالك ما لا أحصيه يقول: عن ابن عباس، عن ميمونة]، وساق حديثه بنزول بالنسبة للإسناد الذي قبله مع موافقته له في السياق؛ للإشارة إلى الاختلاف على مالك في إسناده؛ فرواه أصحاب «الموطأ» عنه، واختلفوا؛ فمنهم من ذكره عنه هكذا؛ كيحيى بن يحيى، وغيره، ومنهم من لم يذكر فيه ميمونة؛ كالقعنبي، وغيره، ومنهم من لم يذكر فيه ابن عباس؛ كأشهب، وغيره، ومنهم من لم يذكر فيه ابن عباس ولا ميمونة؛ كيحيى بن بكير، وأبي مصعب... وقد استشكل ابن التين إيراد البخاري كلام معْن هذا مع كونه غير مخالف لرواية إسماعيل، وأجيب بأن مراده أن إسماعيل لم ينفرد بتجويد إسناده، وظهر لي وجه آخر: وهو أن رواية معن المذكورة وقعت خارج «الموطأ» هكذا، وقد رواها في «الموطأ» فلم يذكر ابن عباس ولا ميمونة، كذا أخرجه الإسماعيلي وغيره من طريقه؛ فأشار المصنف إلى أن هذا الاختلاف لا يضر؛ لأن مالكا كان يصله تارة ويرسله تارة، ورواية الوصل عنه مقدمة قد سمعه منه معن بن عيسى مرارا، وتابعه غيره من الحفاظ. والله أعلم»اهـ.

قلت: ومن الاختلاف على مالك أيضا: ما أخرجه الدارمي في «سننه» (2130)، قال: حدثنا خالد بن مخلد، حدثنا مالك، عن ابن شهاب، عن عبيدالله بن عبدالله، عن ابن عباس قال: سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن فأرة وقعت في سمن فماتت، فقال: «خُذُوها وما حوْلها فاطْرحُوهُ».

فجعله خالد بن مخلد هنا من مسند ابن عباس؛ وهو خطأ منه، وقد خالف في ذلك الجمع من الثقات الذين رووه عن مالك، فجعلوه من مسند ميمونة.


وخالد بن مخلد الكوفي القطواني.

جاء في الجرح والتعديل» (3/ 354): «قال أحمد: له أحاديث مناكير.

وقال ابن معين: ما به بأس.

وقال أبو حاتم: يكتب حديثه».

وقال ابن حجر في «التقريب»: «صدوق، يتشيع، وله أفراد».





__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 33.96 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 33.33 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (1.85%)]