عرض مشاركة واحدة
  #1  
قديم 01-03-2022, 07:22 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 134,062
الدولة : Egypt
افتراضي بين السير الشعبية والملاحم

بين السير الشعبية والملاحم


د. إبراهيم عوض




فنون الأدب في لغة العرب (14)



ووجه الشبه بين السِّير الشعبية والملاحم، أنها شديدة الطول، وأن الأبطال فيها يتميزون بالشجاعة الخارقة، كما تختلط الأحداث التاريخية بكثيرٍ من الخُرافات والأساطير، فضلاً عن اتساع رقعة الميدان الذي تتحرك فيه الوقائع والشخصيات، كذلك فللجن والسحر والمعجزات والكرامات، والرؤى والنبوءات الصادقة - وجود في تلك السِّير، وقد أشار إليها روجر ألن في كتابه: "An Introduction to Arabic Literature"، بوصفها ملاحمَ شعبيةً، وللدكتور عبدالحميد يونس، ود. نبيلة إبراهيم، والأستاذ فاروق خورشيد وغيرهم، دراسات هامة حول تلك الأعمال.

أما في العصر الحديث، فقد ظهَرت بعض الأعمال الشعرية العربية التي أطلق عليها: "ملاحم"، رغم أنها لا تتطابق والملاحم القديمة التي نَعرفها، إلا أن فيها مع ذلك بعض السِّمات التي تَصلها على نحو ما بها:
فهي أعمال قَصصية طويلة يقع بعضها في عدة آلاف من الأبيات كـ"ملحمة الغدير"؛ لبولس سلامة اللبناني النصراني، الذي لم تَمنعه نصرانيَّته من الإعجاب ببطولة خَتْن الرسول الكريم - صلوات الله عليه - والعكوف على سيرته وشخصيته، يدرسهما ويستوحيهما؛ حتى أخرج لنا في نهاية الأمر عملاً ملحميًّا يصوِّر بطولاته - رضي الله عنه - وإنجازاته الخارقة، على حين يكتفي البعض الآخر بعدة مئات من الأبيات كـ "ترجمة شيطان"، التي صوَّر بها العقاد ما حاق بنفسه عَقِب الحرب العالمية الأولى من شكوك في قدرة البشرية على مصارعة عوامل الشر والانتصار عليها، ويأسٍ من انتصار الخير في دنيانا هذه؛ بسبب الأهوال وألوان الدمار والتقتيل التي أنزلتها تلك الحرب بجنس الإنسان، والأولى تتناول سيرة بطل عربي مسلم مشهور بالشجاعة غير الاعتيادية، وله إنجازاته الحربية التي أسهَمت في تغيير مجرى التاريخ، وهو الصحابي الجليل علي بن أبي طالب - كرَّم الله وجهه - على حين تحكي الثانية قصة الشيطان في تمرُّده المستمر على ربِّ العباد، وعمله على بثِّ الغَواية في كل مكان، رغم معرفته بما ينتظره من عقاب رهيب في نهاية المطاف، فهي إذًا تدور حول قضية فلسفية ودينية خطيرة، هي قضية الخير والشر والصراع بينهما، ووقوع الإنسان بين شقي الرحى، وقد أثارت قصيدة العقاد إعجاب ناقد كالدكتور زكي نجيب محمود إلى أبعد مدًى؛ حتى إنه ترجَمها إلى الإنجليزية ترجمةً مرموقةً في تقدير مَن اطَّلعوا عليها، كما لفت النظر إلى أن العقاد بقصيدته هذه قد فتَح في الشعر العربي فتحًا سبَق به قصيدة "الأرض الخراب"؛ لإليوت، تلك القصيدة التي كان لوقْعها من الدَّوي، ما جعَلها مَعلمًا من معالم القرن العشرين الأدبية.

وكما يرى القارئ، فإن في هاتين الملحمتين العنصر الخارق، وهناك أيضًا ملحمة "عبقر"؛ لشفيق المعلوف، و"محمد"؛ لعلي شلق، و"الإلياذة الإسلامية"؛ لأحمد محرم، الذي جاء عمله أقرب إلى السرد التاريخي منه إلى الملحمة، رغم أن الأسلوب الذي كُتِب به ذلك العمل أسلوب شعري؛ إذ ينقصه البناء القصصي تمامًا، فهو من هذه الناحية يُشبه أرجوزة ابن عبدربه التي بلغت أربعمائة وخمسة وأربعين بيتًا في تَعداد مآثر الخليفة الأموي عبدالرحمن الثالث بقرطبة، وأرجوزة ابن المعتز في الخليفة العباسي المعتضد بالله، والتي نيَّفت على أربعمائة بيت بنحو عشرين بيتًا، وإن كان عمل محرم أطولَ من ذلك كثيرًا.

ولا مانع أن تُعَد تلك الأعمال الحديثة من الملاحم، ما عدا "الإلياذة الإسلامية"؛ لافتقارها إلى أهم عناصر الملحمة، وهو العنصر القصصي.

ولا ريب أن من الصعب استمرار ملامح جنس أدبي ما، دون تغييرٍ أو تعديلٍ، أو تطور طوال كل هاتيك القرون الشاسعة، وهناك مقال لماتيا كافانيا (Mattia Cavagna) يتناول بعض الأعمال الأدبية الفرنسية المعاصرة، فيَعدها من الملاحم، رغم أنها لا تتوفَّر فيها كل العناصر الملحمية؛ ذلك أن هذه الأعمال قد ساهمت في إحداث ذلك التغيير الذي كان من جرَّائه أن أصبحت الملاحم تُكتب نثرًا بعد أن كانت على الدوام تُصَب في قالب الشعر، علاوةً على غلبة الطابع العاطفي عليها، وهذا نص الكلام:
Plusieurs contributions montrent en effet comment le genre epique evolue en absorbant de plus en plus d'elements romanesques، L'evolution imteresse a la fois la forme et le contenu، Quant a la forme، la premiere et la plus evidente des evolutions est la mise en prose qui implique، selon 1'heureuse definition proposee par Damien de Carne، un "contrat de lecture" qui detache fortement les textes de leur forme d'origine، fondee bien evidemment sur le "chant"، Dans son article concentre sur le prologue du Guillaume en Prose، Damien de Carne insiste sur les elements de continuite et de rupture entre la mise en prose et la chanson en vers، Encore sur le Guillaume en prose، Nadine Henrard analyse l'episode de Clarisse et Esmeree، un episode interpole، de caractere sentimental et romanesque، qu'elle rapproche de maniere tres convaincante du roman de Floire et Blanchefleur.


D'autres contributions analysent، inversement، 1'influence exercee par le genre epique sur d'autres genres litteraires، romanesques ou historiques، Bernard Ribemont analyse la Prise d'Alexandrie، oeuvre historiographique de Guillaume de Machaut qui contient plusieurs elements d'inspiration epique، comme par exemple le titre، qui renvoie a de nombreuses chansons de geste bien connues ; l'enchainement des episodes، base sur une suite d'ambassades، traites، discussions etc.; le but du recit، qui est la glorification d'un homme (Pierre ler de Lusignan) dans sa dimension guerriere et le lien indissoluble، typique du personnage epique، entre le heros et le lieu (Alexandrie) qui 1'identifie، Carol Chase se penche sur le cycle du Lancelot- Graal en soulignant l'episode ou Lancelot decouvre le tombeau de Narbaduc، un mythique roi sarrasin، qui s'inscrit dans un reseau de "lieux de memoire" et donne lieu a une serie de recits retrospectifs renvoyant aux batailles des Chretiens contre les Sarrasins، theme fondamental de 1' epopee medievale.


ويبقى الضرب الثالث من الإبداع الشعري، وهو الشعر المسرحي.

ولأننا سوف نتناول هذا الفن قائمًا برأسه شعرًا ونثرًا، فلا داعي للحديث عنه هنا؛ حتى لا يتكرَّر الكلام مرتين.



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 20.11 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 19.48 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (3.12%)]