عرض مشاركة واحدة
  #158  
قديم 27-01-2022, 01:01 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 134,095
الدولة : Egypt
افتراضي رد: شرح زاد المستقنع في اختصار المقنع للشيخ محمد الشنقيطي

شرح زاد المستقنع في اختصار المقنع
(باب صلاة الاستسقاء)
شرح فضيلة الشيخ الدكتور
محمد بن محمد المختار بن محمد الجكني الشنقيطي
الحلقة (153)

صـــــ(1) إلى صــ(29)



[الأمور التي يحث الإمام الناس عليها قبل خروجهم للاستسقاء]

قال رحمه الله: [وإذا أراد الإمام الخروج لها وعد الناس وأمرهم بالتوبة من المعاصي والخروج من المظالم وترك التشاحن، وبالصيام والصدقة].

أي: إذا أراد الإمام الخروج لصلاة الاستسقاء وعد الناس، فيقول لهم: في يوم كذا سنخرج للاستسقاء.فإذا حدد لهم يوما يخرجون فيه للاستسقاء فإن الناس تتهيأ لهذا اليوم بالتوبة والاستغفار وإصلاح أحوالهم، ويكون ذلك بما ذكره المصنف رحمه الله، وقد جاء عن أم المؤمنين عائشة حديث يشير إلى هذا، فلا يغير الله أحوال الناس مما هم فيه من البلاء حتى يقلعوا عما هم فيه من المعصية،
كما قال بعض السلف: (ما نزل بلاء إلا بذنب، ولا رفع إلا بتوبة)، فإذا تاب الناس تاب الله عليهم، وإذا استغفروه غفر لهم، وإذا استرحموه رحمهم،
قال تعالى: {إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم} [الرعد:11].فإذا قحط المطر وتأخر فإن هذا إشارة إلى ما هم فيه من البعد عن الله وكثرة الذنوب والمعاصي، وكأنه نذير لهم أن يتوبوا إلى الله، وأن يراجعوه قبل أن يعمهم بعذاب، فإذا راجعوا أنفسهم شرع لهم أن يتوبوا فيما بينهم وبين الله، فالحقوق الواجبة كالصلوات ونحوها يحافظون عليها، والحدود المحرمة كالفواحش ونحوها يقلعون عنها، وحقوق العباد ينتبهون لها، كحقوق الأقارب من بر الوالدين وصلة الأرحام والإحسان إلى الجيران، وتفقد أصحاب الحقوق كالعمال والمستخدمين ونحوهم، فليغير الإنسان من حاله حتى يغير الله ما به، ويصلح الله حاله؛

لقوله تعالى: {إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم} [الرعد:11]، فإذا غير العبد من حاله غير الله ما به، ولذلك لما رأى قوم يونس أمارات العذاب وأمارات السخط والغضب من الله عز وجل حين تغيرت السماء وتلبدت خرجوا إلى الله رجالا ونساء، كبارا وصغارا، حتى أخرجوا دوابهم وبهائمهم، وما زالوا في البكاء والتضرع والاستغفار حتى رفع الله عنهم العذاب، وهي القرية الوحيدة التي رأت أمارات العذاب وسلمها الله من عذابه،

كما قال تعالى عنها: {فلولا كانت قرية آمنت فنفعها إيمانها إلا قوم يونس لما آمنوا كشفنا عنهم عذاب الخزي في الحياة الدنيا ومتعناهم إلى حين} [يونس:98]، فهذا من رحمة الله عز وجل ولطفه بالعباد.

قوله: (وأمرهم بالتوبة).التوبة ترفع وتدفع عن الإنسان البلاء، ولذلك إذا تاب العبد تاب الله عليه، وبالتوبة يزول البلاء؛ لأن سببه الذنب،

وكان صلى الله عليه وسلم يقول في خطبته: (ونعوذ بالله من شرور أنفسنا)، فشرور النفس هي التي تجلب البلاء، فإذا تاب من شرور النفس تاب الله عليه، ورفع البلاء عنه،
فقد قال تعالى حكاية عن صالح عليه السلام: {لولا تستغفرون الله لعلكم ترحمون} [النمل:46]، فالتوبة سبب من أسباب الرحمة، ولذلك إذا أكثر الإنسان من الاستغفار رحمه الله عز وجل، فمن أسباب رحمة الله بعبده أن يكثر العبد من الاستغفار، فإذا أكثر من الاستغفار رحمه الله عز وجل.
وقوله: (والخروج من المظالم) معناه أنه إذا كان هناك مسلم يعلم أنه أكل مال أحد، أو شتمه، أو سبه، أو عابه،

أو آذاه فليذهب إليه وليقل له: يا فلان! إني ظلمتك في كذا، فإن شئت أن تأخذ حقك أعطيتك حقك، وإن شئت أن تعفو فجزاك الله خيرا، ونحو هذا من الكلام الذي يكون به تطييب خاطر المظلوم، فإذا أخذ الناس حقوقهم وردت المظالم إلى أهلها رفع الله البلاء عن الناس، ورفع الله البلاء عمن ابتلاه بسبب ظلمه للناس وأذيته لهم.
قوله: (وترك التشاحن).أي: ويوصي الإمام الناس بترك التشاحن؛ إذ الخلاف والفتن التي تقع بين الناس وتفرق جماعة المسلمين وتؤذيهم من السباب والشتائم ونحو ذلك من الأمراض التي تقع بين الناس بسبب ما يكون من فتن الدنيا،

كما قال عليه الصلاة والسلام: (ما الفقر أخشى عليكم، ولكن أخشى عليكم ما يفتح الله من زهرة الدنيا، فتنافسوها كما تنافسها من قبلكم فتهلككم كما أهلكتهم)، فهذا يدل على أن الناس إذا انشغلوا بالدنيا ألهتهم عن الآخرة، فتقع بينهم الشحناء والبغضاء، فعلى الإمام والخطيب أن يوصي الناس أن يتركوا الشحناء، وأن يصلحوا ذات بينهم؛
لأن الله أمر بذلك فقال: {فاتقوا الله وأصلحوا ذات بينكم} [الأنفال:1]، فالمسلمون كالجسد الواحد، وينبغي أن يعطف بعضهم على بعض، فإذا كان الناس في قحط وشدة، أو أصاب الناس القحط والشدة فلينظروا إلى ما هم فيه، فإذا نظروا إلى اثنين بينهما خصومة سعوا في الصلح بينهما وجمع الشمل وإزالة ما بينهما من الشحناء والبغضاء، وهذا واجب في سائر أيام السنة، وفي سائر أحوال المسلمين، فضلا عن مثل هذه الحالة التي فيها شدة وبلاء.فعلى المسلمين دائما أن تكون مجالسهم معمورة بالصلح بين الناس.

وقد كان الناس في خير ورحمة حينما كان بعضهم يوصي بعضا بالصلح، حتى قل أن تجد المشاكل الزوجية والأمور التي تقع بين الناس تصل إلى القضاة، بسبب وجود أهل الحل والعقد والفضل والنبل الذين كانوا يسعون للصلح بين الناس، فكان الناس في رحمة مع أنهم كانوا يعيشون في فقر وشدة وحاجة، ولكن كانوا في رحمة من الله بسبب حفاظهم على المودة وإصلاح ذات البين، ولما فقد الناس هذا كثر الشر بينهم.

يقول بعض العلماء: إن وجود الشحناء بين الناس يرفع الخير عن الأمة.
والأصل في ذلك ما ثبت في الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم: (أنه لما كان معتكفا أري ليلة القدر، فتلاحى رجلان في الدين - أبي وابن أبي حدرد الأسلمي رضي الله عن الجميع- فقال النبي صلى الله عليه وسلم لصاحب الدين: ضع هكذا.

ثم قال للمدين: قم فاقضه.ثم قال للصحابة صبيحتها: أريت ليلتكم هذه فتلاحى رجلان، فرفعت وعسى أن يكون خيرا)، أي: أثناء الخصومة رفعت ليلة القدر، حتى كان بعض العلماء يقول: إن هذا مثال على ما جعل الله في الخصومة من البلاء على الأمة، حتى إن ليلة القدر مع ما فيها من عظيم الأجر والخير للناس رفع علمها عن الناس بسبب الخصومة والشحناء.وقد جعل الله الشحناء سبب الفشل والخيبة،

فقال سبحانه وتعالى: {ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم} [الأنفال:46].فينبغي للإمام أن ينصح الناس باجتماع القلوب وتآلفها وتراحمها وتعاطفها،

وهو الخير الذي ذكره الله تعالى في قوله: {لا خير في كثير من نجواهم إلا من أمر بصدقة أو معروف أو إصلاح بين الناس ومن يفعل ذلك ابتغاء مرضاة الله فسوف نؤتيه أجرا عظيما} [النساء:114]، وعظيما من الله ليست بالهينة، فإزالة الشحناء مطلوبة عند الاستسقاء، ومتأكدة في كل وقت، فينبغي للمسلمين أن يتواصوا، وأن يوصي بعضهم بعضا لإزالة ما بينهم من الشحناء والخلاف.قوله: (وبالصيام).الصيام من أفضل القربات وأحبها إلى الله عز وجل، وذلك لما فيه من الإمساك عن شهوتي البطن والفرج قربة إلى الله سبحانه وتعالى، ولما فيه من الإخلاص لله عز وجل، فهو العبادة الخفية التي استأثر الله بثوابها وأجرها.فعلى الإمام أن يحثهم على أن يصوموا ويستكثروا من الصيام والصدقات والصلوات وذكر الله عز وجل، حتى يكون حالهم أدعى للإجابة من الله سبحانه وتعالى.
قال رحمه الله تعالى: [ويعدهم يوما يخرجون فيه].أي: يحدد لهم يوما فيقول: في يوم كذا سيكون استسقاؤنا.ويخرج الناس في صبيحة ذلك اليوم للاستسقاء وسؤال الله عز وجل الغيث.
[الآداب التي ينبغي مراعاتها عند الخروج لصلاة الاستسقاء]

[ويتنظف ولا يتطيب ويخرج متواضعا متخشعا متذللا متضرعا].
قوله: (ويتنظف) أي أن له أن يغتسل، وأن لا يكون على ثيابه القذر والنتن، خاصة مع اجتماع الناس، فكما أنه يتنظف الإمام فليتنظف المأموم؛ لأن الناس يتضررون من الروائح الكريهة، ولذلك نهى النبي صلى الله عليه وسلم من أكل الثوم والبصل أن يقرب المصلى.
قوله: (ولا يتطيب) لأن الطيب فيه بالغ زينة، وليس الاستسقاء بعيد، كالحال في الجمعة والعيدين؛ إذ يشرع له التطيب فيهما، ولم يتطيب عليه الصلاة والسلام، ولذلك يخرج على حالته، وظاهر قوله في الحديث: (متبذلا) يدل على أنه لم يكن متطيبا عليه الصلاة والسلام.قوله: (ويخرج متواضعا) التواضع: المراد به توطئة الكنف، والتواضع مندوب إليه،

وأمر به النبي صلى الله عليه وسلم فقال: (إن الله أوحى إلي أن تواضعوا حتى لا يبغي أحد على أحد)، فالتواضع مطلوب، وكلما كان الإنسان في نعمة من الله عز وجل فإنه ينبغي أن يتواضع لها، وكلما طابت نفس الإنسان كلما كمل تواضعه، ومن كانت سريرته على خير أظهر الله تلك السريرة الطيبة المباركة من خلال شمائله وآدابه التي تدل على سماحته وتواضعه،

ولو لم يكن في التواضع إلا قوله عليه الصلاة والسلام: (ألا أنبئكم بأقربكم مني مجلسا يوم القيامة، أحاسنكم أخلاقا، الموطئون أكنافا، الذين يألفون ويؤلفون)، لكفاه فضلا، فهذه سمات لا توجد إلا عند المتواضعين، وكلما زاد خير الإنسان كلما تواضع،

كما قيل: إن كريم الأصل كالغصن كلما ازداد من خير تواضع وانحنى فالإنسان إذا طاب أصله وطابت سريرته ظهر ذلك الطيب على شمائله وآدابه فيتواضع.

فقوله: (ويخرج متواضعا) ممعناه: أنه لا يتكبر، ولا يصعر خده إذا خرج للصلاة، ولكن يخرج على صفة تدل على ذلته لله سبحانه وتعالى وانكساره؛ لأنه يوم فاقة وفقر وحاجة إلى الله عز وجل،

وقد جاء هذا اللفظ في حديث ابن عباس: (خرج متواضعا).أي: خرج عليه الصلاة والسلام وعليه شعار المتواضعين، ويتأكد هذا في حق الأخيار والعلماء والصالحين كطلاب العلم ونحوهم، فهم أحق الناس بهذه الخلة الكريمة التي يحبها الله ويرفع أهلها،

فقد قال صلى الله عليه وسلم: (ما تواضع أحد لله إلا رفعه).وقوله: (متخشعا) أي: متعاطيا أسباب الخشوع من السكينة ونحوها، وأصل الشيء الخاشع: الذي فيه سكون وهدوء.فالمعنى أن الإمام لا يكون فيه صخب ولا لغط ولا لغو، ولكن فيه سكينة ووقار يدل على حالة من الذلة لله سبحانه وتعالى والانكسار.وقوله: (متذللا) من الذلة، وذلك كما قلنا؛ لأن الحال والمقام يقتضي هذا، فالمقام مقام سؤال، والسائل إذا سأل ربه ينبغي أن يظهر لله عز وجل الذلة والانكسار، كأن يطأطئ رأسه وتظهر عليه آثار الخوف والوجل من الله سبحانه وتعالى حتى يرحمه ولا يخيبه فيرد عليه سؤاله ولا يجيب استسقاءه، فكل إنسان أراد الخروج فعليه أن يخرج وكله أمل أن الله يرحمه، وما يدريك فلعل الله أن يجعل دعوتك هي المجابة، ويرحم بك هذه الأمة، ويكون لك أجر هذا الدعاء وأجر هذا الخير الذي تصاب به الأمة، وما ذلك على الله بعزيز،
وفي الحديث الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (رب أشعث أغبر ذي طمرين مدفوع بالأبواب لو أقسم على الله لأبره)، فالله لا ينظر إلى الصور ولا إلى الأشكال، ولكن ينظر إلى القلوب، فإذا خرج الإنسان بذلة واستكانة وفاقة إلى الله عز وجل فإنه حري أن يجاب.(متضرعا) من الضراعة: وهي بالغ السؤال.
[أصناف الناس الذين يخرجون مع الإمام للاستسقاء]

[ومعه أهل الدين والصلاح والشيوخ والصبيان والمميزون].أثر عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه استسقى بعم رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو العباس بن عبد المطلب.فيكون مع الإمام أهل الدين والصلاح، كالعلماء والأخيار الذين عرفوا بالاستقامة والتمسك بالكتاب والسنة والعبادة على منهج السلف بعيدا عن البدع والأهواء،
وأهل الخير وأهل التمسك بالدين، فمثل هؤلاء ترجى إجابة دعوتهم بإذن الله عز وجل لما فيهم من الخير والاستقامة والالتزام بدين الله عز وجل، وكلما كان الإنسان أكثر صلاحا واستقامة كلما كانت دعوته أرجى للإجابة؛ لأن الله سبحانه وتعالى يذكر من ذكره، ووعد الذي يكون على استقامة بالطاعة والخير وذكر لله عز وجل أن يذكره، فمن ذكر الله في الرخاء ذكره في الشدة، فلذلك يخرج بأمثال هؤلاء من العلماء وطلاب العلم والأخيار الصالحين ونحوهم من أهل الفضل والنبل، وهذا أدعى لإظهار الحاجة لله سبحانه وتعالى، على خلاف ما إذا خرج بأهل الدنيا من الأغنياء والأثرياء فإن الحال يكون على عكس هذا تماما.

قوله: [والشيوخ].أي: يخرج معه الشيوخ؛ لأن كبار السن قلوبهم منكسرة، ولذلك لما ذكر النبي صلى الله عليه وسلم الإمامة قال: (فإن كانوا في الهجرة سواء فأكبرهم سنا)، وكبر السن مظنة أن يكون الإنسان أقرب إلى الآخرة؛ لأن كبار السن فيهم خشوع، فقد جبروا الزمان، وعزفت نفوسهم عن الدنيا، وأقبلوا على الآخرة، فالخشوع منهم أكثر، ولذلك يكون الدعاء منهم أرجى إجابة من غيرهم، فالمهم أن يتعاطى أسباب إجابة الدعاء.

وبعض العلماء يستدل لهذا بحديث ابن ماجة: (لولا شيبان ركع، وصبيان رضع، وبهائم رتع لصببت العذاب عليكم صبا)، إلا أن هذا الحديث تكلم العلماء رحمهم الله على إسناده.

قوله: [والصبيان المميزون].

أي: ويخرج معه الصبيان المميزون، وذلك لقلة ذنوبهم؛ لأنهم غير مكلفين، فدعاؤهم وسؤالهم الله عز وجل أرجى إجابة، مع أن خروج الصبيان فيه نوع استرحام لله عز وجل، فإن خروج الإنسان بأطفاله من الصغار فيه نوع من الذلة لله عز وجل.
[خروج أهل الذمة مع المسلمين للاستسقاء]

قال رحمه الله: [وإن خرج أهل الذمة منفردين عن المسلمين لا بيوم لم يمنعوا].أهل الذمة هم اليهود والنصارى الذين فتحت بلادهم وأحبوا أن يبقوا على دينهم ويدفعوا الجزية.أما من جاء من الكفار إلى بلاد المسلمين، ودخل بأمان من واحد منهم فإن أمانه يكون ماضيا على جميع المسلمين،

لحديث علي في الصحيح: (ذمة المسلمين واحدة يسعى بها أدناهم وهم حرب على من سواهم)، فالكافر إذا دخل بلاد المسلمين يسمى مستأمنا، وإن كان من اليهود والنصارى الذين يدفعون الجزية فهو من أهل الذمة.فإن أراد أهل الذمة الخروج للاستسقاء فقد اتفق العلماء على عدم السماح لهم أن يخرجوا منفردين في يوم معين؛ لأنهم إذا خرجوا منفردين في يوم معين ربما امتحن الله العباد فنزل الغيث في اليوم الذي استسقوا فيه فتحصل الفتنة للناس، وربما ظنوا أنهم سقوا باستسقائهم، ولذلك لا يشرع أن يمكنوا من الاستسقاء منفردين.
واختلف العلماء إذا طلبوا الخروج مع المسلمين المستسقين: فقال بعض العلماء -كما اختاره المصنف رحمه الله-: يجوز أن يخرجوا مع المسلمين، ولكن يعتزلون المسلمين، ولا يصلون معهم، حتى لا تكون لهم يد منة، فإذا ظهر الفضل كانت نسبته للمسلمين، وهم أحق بذلك وأولى به؛ لأنهم على دين الله الصحيح، وأولئك على غير دين الإسلام، ولذلك لا يشرع أن يكونوا مع المسلمين في نفس المصلى، وإنما يعتزلون ويكونون بناحية غير ناحية المسلمين.
[كيفية الخطبة والدعاء في الاستسقاء]

قال رحمه الله تعالى: [فيصلي بهم، ثم يخطب واحدة يفتتحها بالتكبير كخطبة العيد، ويكثر فيها الاستغفار وقراءة الآيات التي فيها الأمر به].ما ذكره المصنف في شأن الخطبة هو كما ذكر بعض العلماء إلحاقا لها بصلاة العيد على ظاهر حديث ابن عباس حينما وصف صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم في الاستسقاء أنها كصلاة العيد.

وقوله: (يفتتحها بالتكبير).الأولى والأقوى أن يستفتح بحمد الله عز وجل، لكن لو كبر وهو يتأول فهو قول له سلف من العلماء قالوا به، وإن كان الأولى والأقرب للسنة أن يبدأ بحمد الله عز وجل والثناء على الله سبحانه وتعالى، على ظاهر حديث أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها الذي تقدمت الإشارة إليه، وهو عند أبي داود وغيره.قوله [ويكثر فيها الاستغفار وقراءة الآيات التي فيها الأمر به].

آيات الاستغفار كقوله تعالى: {فقلت استغفروا ربكم إنه كان غفارا * يرسل السماء عليكم مدرارا * ويمددكم بأموال وبنين ويجعل لكم جنات ويجعل لكم أنهارا} [نوح:10 - 12]، فلما ورد هذا النص في كتاب الله عز وجل دل دلالة واضحة على أن الاستغفار من أعظم الأسباب التي يرحم الله بها عباده فيسقيهم الغيث.ولا يقف الأمر عند هذا، بل إنه سبب في وضع البركة في الأموال والأولاد، فمن أكثر الاستغفار فإنه يخرج من ذنوبه، وإذا خرج الإنسان من ذنوبه خرج من أسباب البلاء، وكان ذلك من أعظم الأمور التي يجعل الله بها خير دينه ودنياه وآخرته.
قال رحمه الله تعالى: [ويرفع يديه فيدعو بدعاء النبي صلى الله عليه وسلم، ومنه: (اللهم اسقنا غيثا مغيثا ... ) إلى آخره].رفع اليدين في دعاء الاستسقاء ثبتت به النصوص الصحيحة، ومن أقواها حديث أنس في الصحيحي وأنه وصف رفعه حتى ذكر أنه كان يبالغ حتى يرى بياض إبطيه.وكذلك رفع يديه في استسقائه عليه الصلاة والسلام يوم الجمعة، وقد ذكرنا في صلاة الجمعة أنه يشرع للإمام إذا دعا للاستسقاء أن يرفع يديه، وقد جاء رفع اليدين عند الدعاء عن النبي صلى الله عليه وسلم فيما لا يقل عن ثلاثين حديثا، وذكر الإمام النووي أنه جمع نحو ذلك من الصحيحين أو أحدهما كلها في رفعه عليه الصلاة والسلام ليديه في الدعاء، وهذا في مواضع مختلفة.فرفع اليدين في الدعاء لا حرج فيه إلا في العبادات التوقيفية كالحج والعمرة ونحو ذلك، فيتقيد فيها بالوارد، ولا يرفع إلا حيث ورد الرفع.فلو أن إنسانا في لحظة ما أراد أن يدعو فرفع يديه ففي هذا عدد من الأحاديث الكثيرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم الصحيحة والحسنة التي تدل على رفعه، حتى أفردها الإمام النووي بالتصنيف، وأفردها كذلك الإمام البخاري رحمه الله في صحيحه بعد كتاب الدعوات،

وأفردها أيضا السيوطي في كتابه: (فض الوعاء بمشروعية رفع اليدين في الدعاء)، وذكر الأحاديث في الصحيحين وغيرهما، وهي ثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم، لكن في العبادات التوقيفية لا يشرع رفع اليدين إلا في المواطن التي ورد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه رفع يديه فيها، فهذا هو السنة والثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم.وبناء على ذلك: فإذا أراد أن يستسقي يشرع له أن يرفع يديه في الاستسقاء، ويرفع يديه مبالغا في الرفع حتى يرى بياض إبطيه، وإذا كان عليه الثوب يكون في حكم من انكشف إبطه، بمعنى أنه يبالغ في رفع اليدين حتى يظهر شدة الفاقة لله سبحانه وتعالى.وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قلب كفيه صلوات الله وسلامه عليه في الدعاء،
وللعلماء في هذا القلب وجهان: فمنهم من يقول: هو سنة توقيفة لا تشرع إلا في هذا الموضع.وبناء على ذلك لا يشرع أن يقلب الإنسان كفيه إلا في هذا الموضع من دعاء الاستسقاء، وتكون مناسبته -كما ذكر بعض العلماء- أن النبي صلى الله عليه وسلم عد هذا من الفأل، والفأل تقره الشريعة، كما في الصحيحين: (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يحب الفأل ويكره الطيرة)، والفأل: أن يسمع الإنسان، أو يرى شيئا يبشره بالخير،

كأن يريد السفر فيسمع إنسانا يقول: يا سالم.فإنه فأل بالسلامة؛ لأن الفأل يحمل الإنسان على حسن الظن بالله عز وجل، ويزيد من اعتقاده بالله جل جلاله، بخلاف التشاؤم؛ فإن التشاؤم يصرفه إلى الاعتقاد في الأشياء، والاعتقاد في الأزمنة، والاعتقاد في الأشخاص، فإذا رأى مشلولا أو أعمى تشاءم فصار يعتقد في الأشخاص أنهم شؤم عليه، فيفطعن هذا في عقيدته وتوحيده -نسأل الله السلامة والعافية- لكن الفأل الحسن يحسن ظنه بالله عز وجل، فقلب كفيه عليه الصلاة والسلام من باب الفأل الحسن،
فإنه سأل ربه وكأنه يقول: أرجو أن الله يبدل الحال، أو يغير ما بالناس من الشدة إلى الرخاء، ومن الضيق إلى السعة، ومن القحط إلى الغيث، ومن الجدب إلى المراعي الخصبة التي ينتفع بها الناس والدواب وخلق الله عز وجل، وهذا -كما قلنا- من باب الفأل.ومن العلماء من يقول: إنه يشرع عند كل دعاء في شدة، وفيه حديث حسنه بعض العلماء، إلا أن فيه ابن لهيعة.والأقوى أن هذا يختص بما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم، وأما في غيره فيكون السؤال ببطن الكف، كما هو الأصل في دعاء الله عز وجل وسؤاله الثابتة به الأحاديث الصحيحة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.

قوله: (فيدعو بدعاء النبي صلى الله عليه وسلم، ومنه: (اللهم اسقنا غيثا مغيثا ... ) إلى آخره).ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم في الصحيحين أنه قال: (اللهم أغثنا.اللهم أغثنا، اللهم أغثنا)،

وكذلك جاء عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال: (اللهم أغثنا غيثا مغيثا.هنيئا مريئا مريعا عاما طبقا سحا غدقا عاجلا غير آجل ولا رائف تنبت به الزرع، وتدر به الضرع، وتحيي به بلدك الميت، سقيا رحمة لا سقيا عذاب ولا بلاء ولا غرق ولا هدم)،

وكذلك ورد عنه: (اللهم إن بالعباد والبلاد من البلاء واللأواء والجهد ما لا يشكى إلا إليك، ولا يعول في رفعه إلا عليك، اللهم أغثنا، اللهم أغثنا)، وكذلك: (اللهم اسقنا الغيث ولا تجعلنا من القانطين)، وغير ذلك من الأدعية التي وردت في الكتاب فيها استرحام، واستغفار وسؤال الله عز وجل الرحمة بعباده، فكل ذلك لا حرج على الإنسان أن يدعو به.
[ما يفعله الناس إن سقوا قبل الاستسقاء]

قال رحمه الله تعالى: [وإن سقوا قبل خروجهم شكروا الله وسألوه المزيد من فضله].أي: إذا نزل عليهم غيث قبل استسقائهم شكر والله تعالى، والسبب في هذا أنه إن وعدهم يوما معينا، فلربما يغيرون ما بهم ويتوبون من المظالم، فيرحمهم الله قبل أن يسقوا، فإذا نزلت عليهم الرحمة وسقوا قبل أن يخرجوا فحينئذ يحمدون الله عز وجل ويشكرونه حتى يبارك لهم فيما أسدى إليهم وأولاهم من نعمه وفضله،


يتبع

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 50.31 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 49.68 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (1.25%)]