عرض مشاركة واحدة
  #1  
قديم 08-08-2022, 04:20 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 134,562
الدولة : Egypt
افتراضي أسطورة الطفل والثعابين (قصة واقعية قصيرة)

أسطورة الطفل والثعابين (قصة واقعية قصيرة)
محمد حسن جباري









حوالي اثني عشر ثعبانًا متفاوتة الأحجام طولًا وغلظًا، كانت حصيلة خرجة الصيد صبيحةَ جمعة من الزمن الورديِّ الباهت.

في عمق أحضان المعلم الأول (وادي جدي)، وخاصة بالقرب من الخَرَّاطة[1]، نخوض في المياه العكرة بأقدام حافية، مخاطرة قد يكون جزاؤها جرحًا عميقًا في أخمص القدم، بطعنة قطعة زجاج، ربما ترسبت في القاع مركز العفونة منذ الدهور الجليدية الأولى، أو رشقة سلك معدني صدئ، تكفي لصرع نمر بنغالي، غير أننا - والحقُّ يقال - كنا نملِك من الجرأة على المواصلة ما يغار من مثله عنترةُ في محضر عبْلاه.



سرعان ما ترقأ الدماءُ، كميات من الطمي اللزج تترسَّب على الجرح، فتبيضُّ حوافه لطول مكثه في الماء، ييبس فيما بعد ليختفي تمامًا بعد أيام؛ لا ألم، لا حمى، دون مسكنات أو حقن أو مضادات حيوية، لعلها البرَكة ودعاء الوالدين! الترياق المُجرَّب الذي لم يكتشفه فليمينغ أو باستور.



الندبة التي يخلفها الجرح ستكون شاهدَ عيان على الحادثة في مجالس السمر، مع نكهات من خيال الطفولة الأولى، نسعف بها فجاجة الحكاية في بعض المواضع، غير أننا لم نكن ننسى تشمير بناطيلنا عند الدخول! (في رِجلي ولا في صباطي الأحمر)[2].



الهولوكست الذي حلَّ بالثعابين آنذاك كان سببه ثعبانًا جبانًا واحدًا،فما هو إلا أن اقتربنا من المأوى الذي تنزل به هذه المخلوقاتُ - وهو عبارة عن بناء جاهز، من هيكل صدئ لسيارة خردة - وسبقتنا رقرقة الماء التي أثارتها أقدامنا، حتى انسل أمام أعيننا أحدها، يشق صفحةَ الماء بقده الرشيق، في حركة لولبية بديعة، أرجو ألا أكون ناسيًا، إن قلت بأني قرأتُ معلومة قديمة فحواها أن الحيات والثعابين لا تصنع بيوتها بنفسها، وإنما توفِّر على نفسها عناء ذلك بأماكنَ معدَّة سلفًا، فتستولي عليها من أصحابها؛ كما تفعل بجحور الجرذان واليرابيع، ولعل هذا جزاء مَن لا ينظر أبعد من أنفه، بالطبع ليس للثعابين أنوفٌ بالمعنى المعروف؛إنما هي مجرد ثقوب في مقدمة الرأس.



فالحيوانات التي تُشرف على هندسة بيوتها بنفسها تتخذ فيها منافذَ خاصة، تستعملها كملاذ للهرب في حالات الطوارئ، فيصعب الظفر بها، عمومًا حتى هذا الذي بادر بالفرار لم يَنْجُ، وبدأت المجزرة!

أدوات الصيد التي نملكها أذرعٌ نحيلة، نسربها عبر المضايق، وحذر أحمر، وعيون حربائية متَّقدة، تدور في الجهات الست!



لم يخلُ المشهد من زعقات إبرية لأصحاب القلوب الضعيفة، وليس هذا بمستغرب على أطفال لم يجاوز أكبرهم الرابعة عشرة من العمر، كنت آنذاك في الثانية عشرة.

الطريقة التقليدية لم تفِ بالغرض، وهو الإجهاز على كل الثعابين، وإبادتها على بكرة أبيها، فرِحْتُ كثيرًا حينما أخذت دور (ريك غريمز) في (الموتى السائرون)[3]،كان ذلك عندما طلبتُ من الأصدقاء إشعال نارٍ عظيمة في هيكل السيارة، والتربص على أطرافه بكل هارب، ثم الإجهاز عليه دون شفقة.



يوريكا.

بقي شيء جدير بالتجربة.

قيل لنا قديمًا: إن للثعبان مقدرةً عجيبة في لَحْم جسمه المقطوع إذا تُرك بعض أجزائه قريبًا من بعض!




هرسنا بعض الثعابين من أوساط أجسادِها، ورجعنا إلى بيوتنا رجاء العودة مساءً، كل الذي رأيناه من الثعابين بعدُ أجسام مهترئة متفسخة، أقامت عليها أسراب الذباب حفلةً من زمن ألف ليلة وليلة.

رجعت إلى بيتي حيرانَ بين ما رأيتُه من حال الثعابين الميتة، وبين ما كنا نسمعه من كلام الأجداد.




[1] وادي جدي: أحد أطول الوديان وأشهرها في الجزائر، والخراطة: رقعة صغيرة فيه.
[2] مَثَل عامِّي يُضرب لمن يحافظ على مقتنياته الخاصة أكثر من حفاظه على نفسه، والصباط هو الحذاء.
[3] سلسلة قصص مصورة من تأليف روبرت كيركمان.


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 17.69 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 17.06 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (3.55%)]