عرض مشاركة واحدة
  #5  
قديم 14-12-2022, 05:54 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 134,095
الدولة : Egypt
افتراضي رد السعادة والفلاح في فهم مقاصد النكاح

السعادة والفلاح في فهم مقاصد النكاح (5)


د. أمين بن عبدالله الشقاوي



الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، أما بعد:
ففي هذه الكلمة بيان بعض المعالم التي تُعين على فهْم مقاصد النكاح، وطرق تحقيقها؛ قال تعالى: ﴿ هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا فَلَمَّا تَغَشَّاهَا حَمَلَتْ حَمْلًا خَفِيفًا فَمَرَّتْ بِهِ فَلَمَّا أَثْقَلَتْ دَعَوَا اللَّهَ رَبَّهُمَا لَئِنْ آتَيْتَنَا صَالِحًا لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ [الأعراف: 189]، وقال تعالى: ﴿ وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ [الروم: 21].


فلنتأمل قوله تعالى: ﴿ لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا، وقوله تعالى: ﴿ لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا، فما هذا السكن؟ وكيف يكون السكون؟ وما آثاره على حياة الزوجين؟ وما الواجب فعله؟


قال في القاموس: السكن كل ما يسكن إليه ويطمئن إليه من أهل وغيره[1].


في هاتين الآيتين الكريمتين خص الله تعالى الزوجة بذلك، فجعلها هي السكن لزوجها، والسكون هو الاطمئنان والراحة، وقد اشتملت هذه الكلمة العظيمة على معان واسعة تكاد تشمل جميع مناحي الحياة، فانظر إلى حال الناس الأسوياء عندما يكونون خارج مساكنهم، وما يلزمهم من التكلف في ضبط الكلام والملبس والحركة والسكون، ثم انظر إليهم عندما يعودون إلى مساكنهم كيف يزول عنهم ذلك التكلف في أكلهم وشربهم ونومهم، وغير ذلك بما يحصل لهم من الطمأنينة والانبساط، فكذلك الزوجة هي السكن لزوجها، وهي حين تكون كذلك، فإنما تعمل وفق حكمة الخالق تعالى وقد خلقها مهيَّأة لذلك، فلتحمد الله ولتكثر من شكره؛ قال تعالى: ﴿ أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَخْتَانُونَ أَنْفُسَكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ وَعَفَا عَنْكُمْ فَالْآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ وَلَا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَقْرَبُوهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ [البقرة: 187].


ففي قوله تعالى: ﴿ هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ، معنى عظيم يجب على الزوجين أن يتفطَّنا له ويعملا بموجبه، وهو حق متبادل بينهما، وبيان ذلك أن اللباس له ثلاثة أغراض جليلة:
الأول: ستر ما يُستحيا من كشفه.
الثاني: الوقاية من الحر والبرد ونحوهما.
الثالث: التجمل.


قال تعالى: ﴿ يَابَنِي آدَمَ قَدْ أَنْزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاسًا يُوَارِي سَوْآتِكُمْ وَرِيشًا وَلِبَاسُ التَّقْوَى ذَلِكَ خَيْرٌ ذَلِكَ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ [سورة الأعراف، آية رقم: 26].


والرياش هو ما يتجمل به زائدًا عن ستر العورات والوقاية من الآفات.


فإذا فهمنا هذا فلنعلم أن كل واحد من الزوجين يحتاج من الآخر هذه الثلاثة، فأعظمها:
1 –الستر: فعلى الزوجين أن يستر كل واحد منهما الآخر ولا يظهر عنه ما يسوؤه إظهاره ولا يُفشي له سرًّا.


2 - أن يقيه بنفسه من الآفات التي تؤذيه كوقاية اللباس الحر والبرد.


3 - ثم ليترقى بعد ذلك إلى أن يكون كل واحد منهما للآخر كالرياش يتجمل به ويظهر محاسنه.


وقال تعالى: ﴿ وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ [البقرة: 228].


ويندرج تحت هذه الجملة الكريمة معان عظيمة، وحكم جليلة، غير أن الانتفاع بها مبني على الإيمان بها والتسليم لها والفهم الصحيح لما دلت عليه، وإليك البيان:
1- يجب أن يُعلم أن خالق الخلق تعالى له الحكمة البالغة في خلقه وأمره، ركب الرجال على خلقة تناسب ما كُلفوا به، وركب النساء على خلقة تناسب ما خلقن له، فمن اهتدى لما خُلق له وُفق في الدارين ونال السعادتين، ومن لم يهتدِ كان دليلًا على انتكاس فطرته ومن ثم فساد الفكر والعمل.


2 – بيَّن تعالى في آية أخرى ما أجمل في هذه الآية، فقال تعالى: ﴿ الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللَّهُ وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلَا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا [النساء: 34].


في هذه الآية ذكر تعالى سبب جعل القوامة في الرجل، والقوامة هي الدرجة في الآية السابقة، وأن ذلك لأمرين:
أحدهما راجع إلى أصل الخلقة التي خلق الله عليها البشر، وفي التنزيل المبارك قوله تعالى: ﴿ فَلَمَّا وَضَعَتْهَا قَالَتْ رَبِّ إِنِّي وَضَعْتُهَا أُنْثَى وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا وَضَعَتْ وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالْأُنْثَى وَإِنِّي سَمَّيْتُهَا مَرْيَمَ وَإِنِّي أُعِيذُهَا بِكَ وَذُرِّيَّتَهَا مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ [آل عمران: 36]، ومن المقطوع به أن الرجل والمرأة لو كانا على خلقة واحدة وطبيعة واحدة، لما حصل التجانس بينهما، ولوقع التنافر بينهما، وشواهد ذلك ظاهرة فيمن انتكست فطرهم وفسدت تصوراتهم.


وثانيهما: الإنفاق، فالرجل أقدر على ذلك، ثم إنه لا يضيع شيء بسبب قيامه بتحصيل النفقة، أما المرأة فإنها لو ذهبت لتحصيل النفقة، فسيقع من إهمالها لوظيفتها التي هي شؤون البيت وتربية الأولاد والعناية بالزوج، ضررٌ عظيم وفساد كبير، فالرجل يقدر على أمور لا تقدر عليها المرأة، والمرأة تقدر على أمور لا يقدر عليها الرجل، وبقيام كل واحد منهما بما يجب عليه يحصل التكامل وتستقيم الحياة، اللَّهم إلا أن يُقال: تقوم المرأة بوظيفة الرجل ويقوم الرجل بوظيفة المرأة، أو يقوم أحدهما بكلتا الوظيفتين، وهذا مما يعلم كافة العقلاء فساده وعظيم ضرره.


3 - ينبغي أن يُعلم أن وظيفة المرأة - وهي القيام بشؤون البيت وتنشئة الأجيال والعناية بشؤون الزوج وتهيئة نفسها لما يحتاجه - وظيفة جليلة، لا تقل درجة عن وظيفة الرجل، بل قد تزيد عليها وتناسب خلقتها وفطرتها.


أما الرجل فلا يقدر عليها؛ لأنها لا تناسب خلقته التي خلقه الله عليها، وقد أحسن القائل:
الأُمُّ مَدرَسَةٌ إِذا أَعدَدتَها ♦♦♦ أَعدَدتَ شَعبًا طَيِّبَ الأَعراقِ


وقالوا: وراء كل رجل عظيم امرأة.


وعلى كل حال، فكلامنا مع من سلمت فطرهم وصحت تصوراتهم، أما الآخرون فلهم طرق أخرى للعلاج ليس هذا مكانه.


والحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

[1] 35 /199 تاج العروس من جواهر القاموس.

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 22.29 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 21.66 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (2.82%)]