عرض مشاركة واحدة
  #704  
قديم 25-07-2021, 04:57 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,928
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )



تفسير القرآن الكريم
- للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
تفسير سورة المائدة - (49)
الحلقة (460)
تفسير سورة المائدة (55)


يحذر الله عز وجل عباده المؤمنين من أهوال البعث في اليوم الآخر، يوم يجمع النبيين والمرسلين ويسألهم عن دعوتهم ومن أجابهم إليها، وفي هذه الآيات يخص الله عز وجل عيسى بالذكر من بين الأنبياء؛ لأن أمتين عظيمتين غوتا فيه، فاليهود طعنوا فيه واتهموه بالسحر، واتهموا أمه بالزنا، وحاولوا قتله، أما النصارى فقد غلوا فيه وجعلوه إله مع الله تارة، وجعلوه ابن الله تارة أخرى.

مراجعة لما سبق تفسيره من آيات سورة المائدة
الحمد لله، نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له.وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه ولا يضر الله شيئاً.
أما بعد:
فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة.
ثم أما بعد:
أيها الأبناء والإخوة المستمعون، ويا أيتها المؤمنات المستمعات! إننا على سالف عهدنا في مثل هذه الليلة -ليلة الأربعاء من يوم الثلاثاء- ندرس كتاب الله عز وجل؛ رجاء أن نظفر بذلكم الموعود على لسان سيد كل مولود، إذ قال صلى الله عليه وسلم: ( ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله، ويتدارسونه بينهم؛ إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده ).
وها نحن مع سورة المائدة المدنية، المباركة، الميمونة، وما زلنا مع هذه الآيات الأربع التي تدارسناها أمس في مثل هذا الوقت، وما استوفينا دراستها، فهيا بنا نتلوها ونتدبر معانيها ثم ننتهي إلى هداياتها، فنسأل الله تعالى أن يهدينا بها، اللهم اهدنا فيمن هديت، وعافنا فيمن عافيت، وتولنا فيمن توليت، وبارك لنا فيما أعطيت، وقنا واصرف عنا برحمتك شر ما قضيت؛ إنك تقضي ولا يقضى عليك.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم. ( يَوْمَ يَجْمَعُ اللَّهُ الرُّسُلَ فَيَقُولُ مَاذَا أُجِبْتُمْ قَالُوا لا عِلْمَ لَنَا إِنَّكَ أَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ * إِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ اذْكُرْ نِعْمَتِي عَلَيْكَ وَعَلى وَالِدَتِكَ إِذْ أَيَّدتُّكَ بِرُوحِ الْقُدُسِ تُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلًا وَإِذْ عَلَّمْتُكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَالتَّوْرَاةَ وَالإِنجِيلَ وَإِذْ تَخْلُقُ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ بِإِذْنِي فَتَنفُخُ فِيهَا فَتَكُونُ طَيْرًا بِإِذْنِي وَتُبْرِئُ الأَكْمَهَ وَالأَبْرَصَ بِإِذْنِي وَإِذْ تُخْرِجُ الْمَوْتَى بِإِذْنِي وَإِذْ كَفَفْتُ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَنْكَ إِذْ جِئْتَهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ * وَإِذْ أَوْحَيْتُ إِلَى الْحَوَارِيِّينَ أَنْ آمِنُوا بِي وَبِرَسُولِي قَالُوا آمَنَّا وَاشْهَدْ بِأَنَّنَا مُسْلِمُونَ )[المائدة:109-111].
سؤال الرسل يوم القيامة عما أجابتهم به أممهم
(يَوْمَ يَجْمَعُ اللَّهُ الرُّسُلَ )[المائدة:109]، هيا نذكر هذا اليوم؛ حتى نتمكن من تقوى الله التي أمرنا بها، وحتى ننجو من الفسق والخروج عن طاعة ربنا؛ فإن ذكر يوم القيامة وما يتم فيه وما يجري فيه وما يجزى به الناس فيه من شأنه أن يوجد الخوف في قلوبنا من ربنا فلا نعصيه ولا نخرج عن طاعته، فاذكر يا عبد الله.. اذكري يا أمة الله ( يَوْمَ يَجْمَعُ اللَّهُ الرُّسُلَ )[المائدة:109]، أين يجمعهم؟ في ساحة فصل القضاء وذلك يوم القيامة، والرسل: جمع رسول، وقد عرفنا -والحمد لله- عددهم؛ إذ هم: ثلاثمائة وأربعة عشر رسولاً، أما الأنبياء فهم مائة ألف وأربعة وعشرون ألفاً، جاء هذا عن رسولنا صلى الله عليه وسلم.الرسل يجمعهم الله فماذا يقول لهم؟ ( فَيَقُولُ مَاذَا أُجِبْتُمْ )[المائدة:109]، أخبرونا بم أجابكم أممكم ومن أرسلتم إليهم تدعونهم إلى أن يعبدوا الله وحده وأن يطيعوه في أمره ونهيه؛ ليكملوا ويسعدوا، أرسلتم إليهم لتحذروهم من الشرك ومغاضب الرب، وذلك بالفسق والفجور والخروج عن طاعة الله، فماذا أجبتم؟
فمن هول الموقف وصعوبة الحال يصابون بالذهول، فيفوضون الأمر إلى الله ويقولون: ( لا عِلْمَ لَنَا إِنَّكَ أَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ )[المائدة:109]، فنحن إن علمنا شيئاً خفي عنا آخر، إن علمنا الظواهر خفي عنا البواطن، وأنت علام الغيوب.
والغيوب: ما غاب عن العين والحسن، فلا يدرك بالسمع ولا بالبصر، والغيوب لا يعلمها إلا الله عز وجل، ولا يحل لمؤمن ولا مؤمنة أن يدعي علم غيب، فقد استأثر الله بعلم الغيب، واختص به ولم يسمح به لغيره إلا من شاء أن يطلعه على شيء من الغيب، قال تعالى: ( عَالِمُ الْغَيْبِ فَلا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا * إِلَّا مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَدًا * لِيَعْلَمَ أَنْ قَدْ أَبْلَغُوا رِسَالاتِ رَبِّهِمْ وَأَحَاطَ بِمَا لَدَيْهِمْ وَأَحْصَى كُلَّ شَيْءٍ عَدَدًا )[الجن:26-28].
والرسول نفسه يقول له ربه تعالى: ( قُلْ لا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعًا وَلا ضَرًّا إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ وَلَوْ كُنتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ إِنْ أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ )[الأعراف:188]، فكل من ادعى أنه يعلم ما يجيء به الغدو أو ما تحمله فلانة أو ما في قلب فلان فهو طاغٍ من الطغاة ملعون بكتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو دجال وكذاب، وإن كانت الشياطين تسترق السمع، وقد تظفر بكلمة فيكذبون مائة كذبة يصدقون في واحدة، ومع هذا لا يحل تصديقهم أبداً، فمن أتى عرافاً أو كاهناً أو جزانة أو مدعية علم الغيب ليستفسر ويتساءل عما يحدث فقد خرج من ملة الإسلام، ولا تقبل صلاته أربعين يوماً، وهؤلاء الرسل فوضوا الأمر لله وقالوا: ( لا عِلْمَ لَنَا إِنَّكَ أَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ )[المائدة:109].
تذكير عيسى عليه السلام بنعم الله عليه وعلى والدته
ثم اذكر أيضاً يا عبد الله.. واذكري يا أمة الله ( إِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ )[المائدة:110]، هيا بنا نشهد هذا المشهد العظيم، ويا ليت اليهود والنصارى يشهدونه معنا، إذ اليهود -والعياذ بالله- فرطوا في شأن عبد الله ورسوله عيسى، وبالغوا في التفريط حتى اتهموه بالسحر، وأنه ابن زنا وأنه كذاب، والنصارى غلوا في شأن عيسى ووالدته فألهوهما وجعلوهما إلهين مع الله وقالوا: عيسى ابن الله، وقالوا: هو ثالث ثلاثة مع الله، خبط وخلط وجهالات لا تخرج منها تلك الطائفة إلا إذا جاءت وأصغت تسمع كلام الله في هذا الكتاب القرآن العظيم، فالآية هذه تعالج أمر الأمتين الضالتين وتكسب أمة الهداية زيادة هداية وإيمان واطمئنان.(إِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ اذْكُرْ نِعْمَتِي عَلَيْكَ وَعَلى وَالِدَتِكَ )[المائدة:110]، وهنا -يا عباد الله- يجب أن نذكر نعم الله علينا؛ حتى نشكر تلك النعم، فالذين لا يذكرون نعم الله عليهم لا يشكرونها، وقد أمر الله بني إسرائيل في آيات كثيرة فقال: ( يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِي الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ )[البقرة:40]، فإن من ذكر نعمة الله شكرها، ومن نسيها كفرها، ما من مؤمن يذكر نعمة الله عليه في صحة بدنه، في حضور قوته، في سلامة عقيدته، في صحة وجوده إلا قال: الحمد لله.. الحمد لله، والذي يأكل ولا يذكر، يشرب ولا يذكر كيف يشكر؟ كيف أعبر عن هذه الحقيقة وهي حقيقة غفلنا عنها؟ الذي لا يذكر نعم الله عليه لا يشكرها، اذكر فقط نعمة سمعك، من وهبك هذا السمع؟ أليس الله؟ ما إن تذكر هذه النعمة وترى من هو أصم لا يسمع حتى تقول: الحمد لله، ترى أعمى يقاد بين الناس، فما إن تذكر هذه النعمة حتى تقول: الحمد لله. ترى فقيراً لاصقاً بالأرض جوعاً وعرياً يتكفف الناس فتذكر ما أنت عليه فتقول: الحمد لله. يا من هو على عروس يبني عليها ويدخل ويخرج! اذكر العزاب الذين حرموا ذلك حتى تقول: الحمد لله.. الحمد لله. يا صاحب الوظيفة! اذكر من لا وظيفة لهم وهم يتسولون، اذكر هذا لتقول: الحمد لله.
ما استطعت أن أعبر عن هذه الحقيقة، ما نشكر الله إلا إذا ذكرنا آلاءه ونعمه علينا، وهو القائل في سورة الرحمن: ( فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ )[الرحمن:13]، فقالت الجن قبل الإنس: لا بشيء من آلائك نكذب يا ربنا، ها نحن في هذا المجلس وغيرنا في المقاهي والملاهي والملاعب ومجالس السوء والباطل والمنكر، ونحن تصلي علينا الملائكة وتستغفر لنا وفي بيت ربنا وآمنون غير خائفين، راجون غير آيسين ولا قانطين، لم لا نذكر هذا حتى نقول في صدق: الحمد لله.. الحمد لله.. الحمد لله.. الحمد لله.
إنعام الله على عيسى بتأييده بروح القدس وتكليمه الناس في المهد
الله يذكر عيسى وأمه: ( يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ اذْكُرْ نِعْمَتِي عَلَيْكَ وَعَلى وَالِدَتِكَ )[المائدة:110]، ويبين مظاهر النعمة فيقول: ( إِذْ أَيَّدتُّكَ )[المائدة:110]، أي: قويتك ونصرتك ( بِرُوحِ الْقُدُسِ )[المائدة:110]، فأية نعمة أعظم من هذه؟ يجادل المبطلين ويحاج الكافرين ويواجه المعانين، فلو لم يكن له من يعينه ويقف إلى جنبه فإنه سيعجز ويضعف ويسقط، لكن الله امتن عليه فأيده بجبريل عليه السلام المسمى روح القدس، فلا يأتون بشبهة إلا ويردها، ولا يحاولون مكراً إلا فضحه وأظهره؛ لأنه إلى جنب عيسى عليه السلام: ( إِذْ أَيَّدتُّكَ بِرُوحِ الْقُدُسِ )[المائدة:110].ثانياً: ( تُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلًا )[المائدة:110]، أية نعمة أعظم من هذه النعمة؟ أما كلم الناس وهو في مهده؟
وذكرت أنه لولا قوله تعالى: ( وَكَهْلًا )[المائدة:110] لحزنت مريم وقالت: ولدي يموت قبل أن يبلغ سن التكليف، فقال تعالى: ( تُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلًا )[المائدة:110]، وفعلاً أبقاه الله حتى بلغ الثالثة والثلاثين، ثم رفعه إلى الملكوت الأعلى، هو -والله- فيه، وسينزل ويحج هذا البيت ويعتمر ويعيش زمناً، قد يبلغ الثلاثين من السنين فيكون عمره كعمر النبي صلى الله عليه وسلم، ثلاث وستون سنة.

يتبع

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 32.00 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 31.37 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (1.96%)]