عرض مشاركة واحدة
  #9  
قديم 06-06-2020, 06:19 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 134,074
الدولة : Egypt
افتراضي رد: شرح زاد المستقنع في اختصار المقنع للشيخ محمد الشنقيطي

شرح زاد المستقنع في اختصار المقنع
(كتاب الطهارة)
شرح فضيلة الشيخ الدكتور
محمد بن محمد المختار بن محمد الجكني الشنقيطي
الحلقة (9)

صـــــ47 إلى صــ53




قوله رحمه الله: [فخالطته نجاسة غيرُ بولِ آدمي، أو عذرتِه المائعةِ فلم تغيره] فرّق رحمه الله بين المائع من النجاسات الذي يمازج، ويتحلل، وبين الجامد الذي لا يتحلل، وهذا أخذه الحنابلة رحمهم الله من دليل السنة، فاستنبطه الإمام أحمد رحمه الله من حديث النّهي عن البول في الماء الراكد،
ووجهه:
أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خصّ البولَ، دون الغائط، ونظرنافوجدنا الفرق بينهما أن الأول يمتزج بالماء؛ بخلاف الثاني، ثم إستثنى الحنابلة رحمهم الله العذرة المائعة، وألحقوها بالبول لوجود المعنى فيها، فهذا هو وجه التفريق، وهو مبني على سنة صحيحة.
قوله رحمه الله: [ولا يَرفَعُ حَدثَ رجلٍ طهور يسير خَلَتْ بهِ إمرأة لطهارةٍ كاملةٍ عن حَدَثٍ] معناه أن الماء الطهور إذا إنفردت به المرأة بشرطه سلبه ذلك الطهورية، والدليل على هذه المسألة حديث أبي داود،
وأحمد في مسنده عن الحكم بن عمرو رضي الله عنه أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
[نهى أنْ يَتوضأَ الرجلُ بفضلِ طَهورِ المرأةِ]، وقد بيّن رحمه الله أن هذا الحكم مُقيّد بحالةٍ خاصة،
وهي:
أن يكون يسيراً، وأن تخلو به المرأة، وأن ترفع به حدثاً كاملاً، فخرج بقوله اليسير الكثير، والفرق بينهما بالقلتين على المذهب، وخرج بوصف " الخلو " أن لا تخلو به،
وبقوله:
[إمرأة] الرجلَ ففضلة طُهُوره لا تأخذ الحكم بالمنع،
وخرج بقوله:
[لطهارة كاملة] غير الطهارة، مثل أن تخلو بالماء لغسل كفيها، وكذلك يخرج به لو خلت لبعض الطهارة،
دون بعضها مثل:
أن تخلو للوضوء فتغسل وجهها، ثم تنقطع خلوتها بدخول زوجها، ونحو ذلك من الصور،
وخرج بوصف الحدثِ الخبث مثل:
أن تغسل به نجاسة في بدن، أو ثوب، أو مكان ثم تفضل من الماء الذي إستعملته في ذلك فضلة فإنها باقية على الطهورية.
وقوله رحمه الله:
[ولا يَرفَعُ حَدَثَ] يدل على أنه إذا تحققت هذه الأوصاف حكم بسلب الماء الطهورية، فلا يوجب التطهر به إرتفاع الحدث.
وخالف الجمهور؛ فقالوا ببقائه على الطهورية لأنها الأصل، ولم يعتبروا النهي موجباً لفساد الماء، وسلب الطهورية عنه، وأكدوا ذلك بحديث إبن عباس رضي الله عنهما وأصله في الصحيح أن بعض أزواج النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إغتسل في جَفْنةٍ،
فأراد عليه الصلاة والسلام الإغتسال منها فقالت:
إنِّي كنت جنباً!! فقال عليه الصلاة والسلام: [إن الماءَ لا يُجْنِبُ] فدلّ على أنه باقٍ على أصل الطهورية وأن إستعمال المرأة له لا يوجب زوالها، وللحديث علّة بيناها في شرح البلوغ.
وأما اشتراط الخلوة فهو مبني على حديث أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها في الصحيحين أنها كانت تغتسل، ورسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من إناءٍ واحد، فجُمع بينه، وبينَ حديث النهي باشتراطها، وهكذا بالنسبة للتفريق بين الرجل، والمرأة إضافة إلى كونه في المرأة أقوى ثبوتاً منه في الرجل.
قوله رحمه الله: [وإِنْ تَغيّر لونه، أو طعمُه، أو ريحُه] بدأ رحمه الله بهذه الجملة في بيان النوع الثاني من أنواع المياه، وهو الماء الطاهر، والماء الطاهر: طاهر في نفسه غير مطهِّر لغيره، فكل طهور طاهرٌ؛ لا العكس، ونظراً لأن الماء ينتقل من أصله الموصوف بالطهورية إلى النوعين الآخرين وهما: الطاهر، والنجس عن طريق التغيّر بيَّن رحمه الله أن التغير يكون في أوصاف الماء الثلاثة، وهي: اللون، والطعم، والرائحة، وأنه لا يشترط أن تكون مجتمعة؛ بل لو حصل التَّغير في واحد منها فإنه يكون كافياً، وهذا ما أشار إليه بالعطف بين الأوصاف الثلاثة بـ[أو].
قوله رحمه الله: [بِطَبخ] الباء سببية، أي حصل تغيّر أحد أوصاف الماء الثلاثة، أو أكثرها، أو كلها بسبب الطبخ مثل: أن يُطبخ في الماء شيءٌ طاهر كاللّحم فيغيّر لونَ الماءِ الطهور، أو طعمَه، أو رائحَته، فيتغير لون الماء الطهور بلون المرق، أو يطبخ فيه الطماطم، فيصبح لونه أحمر، أو يظهر طعم اللحم، أو الطماطم فيه، أو رائحتهما حكم بإنتقال الماء إلى كونه ماء طاهراً في جميع ما تقدم.
وقوله رحمه الله: [أو ساقطٍ فيه] أي: أن يقع فيه شيء طاهر فيغيّر لونَه، أو طعمَه، أو رائحته مثل أن يسقط فيه دقيق، أو حبر، ونحوه من الطاهر مما يمتزج في الماء، ويغيّر لونه، أو طعمه، أو رائحته.
قوله رحمه الله: [أو رُفِعَ بِقليلِه حَدثٌ] أي أن استعمال الماء الطهور في رفع الحدث يوجب الحكم بسلبه الطهورية.
وقوله:
[بِقَليلِه] المراد به أن يكون دون القلتين، فلو كان قلتين فأكثر مثل مياه: البرك، والمستنقعات، وانغمس فيها لرفع حدث أصغر، أو أكبر فإنها لا تتأثر، إلا إذا تغير الماء.
وقوله: [حدث] شامل للأصغر، والأكبر فلو أن رجلاً إغتسل في بركة صغيرة دون القلتين، وحفظ ذلك الماء المستعمل فيها، أو اغتسل في طشت، وحفظ الماء فيه، ثم أراد هو، أو غيره أن يرفع به حدثاً مرة ثانية لم يرتفع لأنه أصبح ماء طاهراً، لا طهوراً, بمعنى أن رفعَ الحدثِ به أوّلاً سَلَبه وصفَ الطّهورية وأصبح طاهراً، لا طهوراً؛ وقد اختلف العلماء رحمهم الله في هذه المسألة، وذلك على ثلاثة أقوال:
القول الأول:
إن الماء طهور في جميع ما تقدم بشرط ألا يتغير بالإستعمال، وهذا هو مذهب المالكية في المشهور، وقول للشافعية، وروايةٌ عند الحنابلة إختارها شيخ الإسلام، وهو مذهب الظاهرية رحمة الله على الجميع.
القول الثاني:
إنه طاهر، وليس بطهور، وهو مذهب الجمهور رحمهم الله.
القول الثالث:
إنه نجس، وهو قول القاضي أبي يوسف من الحنفية، وبعض الحنابلة رحمة الله على الجميع.
وقد استدل أصحاب القول الأول على مذهبهم بما ثبت في الحديث الصحيح عنه عليه الصلاة والسلام من قوله:
[إِن الماءَ طَهور لا يُنجِّسُهُ شَيء]، فدل على أن الأصل في الماء أنه طهور، وإستعماله هنا في رفع الحدث لم يؤثر في لونه، ولا طعمه، ولا ريحه فوجب البقاء على الأصل الموجب للحكم بطهوريته، واستدلوا أيضاً بقوله عليه الصلاة والسلام: [إِن الماءَ لا يُجْنِب]فدل على أن إستعمال الماء في رفع الجنابة، أو الحدث عموماً لا يوجب سلبه الطهورية، بل هو باقٍ عليها ما لم يتغير.
واستدل أصحاب القول الثاني القائلون بكونه طاهراً،
لا طهوراً: بما ثبت في الصحيحين: [أنه نهى عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ عَنِ الإغْتِسالِ في الماءِ الدَّائمِ]قالوا: إنه لا معنى لذلك إلا أنه يسلبه الطهورية، فيصبح طاهراً لا طهوراً.
واستدل أصحاب القول الثالث، وهم القائلون بالنجاسة بما ثبت في الصحيح: [أنه نهى عليه الصلاة والسلام عن البول في الماء الدَّائِم، والإغتسالِ فيه] ووجه الدلالة: أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جمع بينهما لاتحاد حكمهما أي أن الاغتسال يسلب الماء الطهارة كالبول فيه، كما قاسوا رفعالحدث بالماء الطهور على إزالة الخبث بجامع حصول الطهارة في كل، فيحكم بنجاسته كغسالة النجاسة المتغيرة بها.
والذي يترجح في نظري، والعلم عند الله هو القول ببقاء الماء على الطهورية لما يلي:
أولاً:
لصحة دلالة السنة على ذلك.
ثانياً: وأما الاستدلال بحديث النهي عن الإغتسال في الماء الدائم فيجاب عنه بأن علّته هو خشية إفساد الماء على الغير لأن الإستحمام في داخل الماء يؤذي من يريد شربه، والإنتفاع به، ولذلك جاء الإذن بالإغتراف منه، وهذه العلِّة أقوى مما ذكروه.
ثالثاً: وأما الإستدلال بحديث النهي عن البول فهو مبني على دلالة الإقتران، وهي ضعيفة كما هو مقرر في الأصول، إضافة إلى أن الرواية في الصحيح: [ثم يَغْتَسل فيه] تبطل ما ذكروه.
وأما القياس المذكور فهو قياس مع الفارق، ثم إنه من ردِّ المختلف فيه إلى المختلف فيه، لأن غسالة النجس إذا لم تتغير فهي باقية على الأصل.
ومما يدل على عدم النجاسة حديث جابر رضي الله عنه حينما صبَّ النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عليه وَضوءَه.

وعليه فإنه يترجح القول بطهورية الماء المستعمل في رفع الحدث؛ إلا إذا كان متغيّراً.
قوله رحمه الله:
[أو غُمِسَ فيه يدُ قائمٍ من نومِ ليلٍ]قوله:[غُمِسَ فيه]أي أدخلها في ذلك الماء، وقوله:[يد] يدل على أنه لا يشترط غمس
اليدين، وأن الواحدة كافية، والمذهب على أنه يجب غسل اليدين للمستيقظ من نوم الليل كما سيأتي إن شاء الله بيانه، ودليل ذلك حديث أبي هريرة رضي الله عنه في الصحيحين أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: [إذا إستيقظَ أحدُكمْ مِنْ نومهِ فلا يُدخل يدَه في الإناءِ حتى يغسلَها ثلاثاً]فإذا غمس يده سلب الماء الطهورية، وأصبح طاهراً.
والصحيح أنه يأثم بمخالفة النهي الوارد في الحديث الصحيح، وأما الماء فإنْ تغيَّر حُكمَ بسلبهِ الطهورية، وإلا بقي على الأصل، ولا يحكم بانتقاله عنه بمجرد الغمس لقوله عليه الصلاة والسلام: [إن الماء طهورٌ لا يُنجِّسه شيءٌ].
وقوله:
[مِنْ نومِ ليلٍ]، مفهومه أن نوم النهار لا يأخذ الحكم، وهذا مبني على مذهب الحنابلة أن الأمر بغسل اليدين قبل إدخالهما في الإناء مخصوص بنوم الليل، دون نوم النهار، واستدلوا بقوله عليه الصلاة والسلام: [فإنَّ أحدَكم لا يدري أَيْنَ باتَتْ يدُه]
قالوا: والبيتوتة لا تكون إلا بالليل، ورُدَّ بأنه خرج مخرج الغالب لأن النوم يكون في الليل غالباً كما قال تعالى: {وَجَعَلَ اللَّيْلَ سَكَنًا}، وإذا خرج مخرج الغالب لم يعتبر مفهومه، للقاعدة الأصولية: [إنّ النصَّ إذا خَرجَ مخرَج الغالبِ لم يُعتبرْ مَفهومُه] وسيأتي بيان هذه المسألة في موضعها بإذن الله تعالى.
وقوله رحمه الله:
[أو كانَ آخرَ غَسْلةٍ زالتْ بها النَّجَاسةُ فَطاهرٌ] إزالة النجاسة على المذهب يجب فيها التثليث كما سيأتي بيانه بإذن الله تعالى، فإذا كانت الغسلة آخر غسلة زالت بها النجاسة فإن أثر النجاسة فيها يكونضعيفاً إن لم يكن مُنعدماً مع ملاحظة قوّة الواردِ خاصةً على مذهب من يفرق بين ورود النجاسة على الماء، وعكسه، وعليه فإن هذه الغسلة لا يحكم بكونها باقية على أصلها، وهو الطهورية فهي طاهرة في نفسها لكنها غير مطهرة لغيرها لزوال الخبث بها كارتفاع الحدث باليسير في المسألة المتقدمة معنا.
قال رحمه الله:
[والنَّجِسُ ما تَغيَّر بِنجاسةٍ] هذا هو النوع الثالث من أنواع المياه، وهو الماء المتنجس، أي الذي أصابته نجاسة، وغيّرته فسلبته الطهورية، وكما تقدم معنا في الطاهر أن العبرة في تغيّر الماء وانتقاله عن الطهورية هو تأثره في أحد أوصافه الثلاثة، أو في أكثرها، أو كلها، فإن كان هذا التغيّر بطاهر إنتقل الماء طاهراً كما قدمنا، وإن كان هذا التغير بنجس حكمنا بانتقاله إلى نوع النجس، فصار ماء متنجساً، وعبّر المصنف رحمه الله (بالنّجِسِ)،
وأصل النجس:
القذر في لغة العرب، فالنجاسة ضد النظافة، والنقاء من الدّنسِ، إلا أن الشرع خصّها بنوع خاصٍّ من القاذورات، وهو الذي حكم الشرع بنجاسته كبول الآدمي.
وقوله:
[ما تَغيّر بنجاسة] مراده أننا نحكم بزوال الطّهورية، ولحوق وصف النجاسة متى ما حصل تغيّر الماء بمادة نجسة، مثل أن تُلقى فيه، أو تسخّن فيه فيُطبخ معها، ويحصل التّغير بصفته المؤثرة، وقد حكى الإمام ابن المنذر رحمه الله الإجماع على نجاسة الماء إذا تغيّر بالنجاسة.



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 27.53 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 26.90 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (2.28%)]