عرض مشاركة واحدة
  #7  
قديم 06-06-2020, 06:17 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 134,074
الدولة : Egypt
افتراضي رد: شرح زاد المستقنع في اختصار المقنع للشيخ محمد الشنقيطي

شرح زاد المستقنع في اختصار المقنع
(كتاب الطهارة)
شرح فضيلة الشيخ الدكتور
محمد بن محمد المختار بن محمد الجكني الشنقيطي
الحلقة (7)

صـــــ34 إلى صــ39



الوجه الثاني: في قوله: [هو الطَّهُورُ]، ولم يقل الطّاهر إشارة إلى الفرق بينهما حيث إختار صيغة فعول الدّال على زيادة المعنى فيه على غيره ليبيّن أنه ليس كالطاهر كما قدمنا في دليل الكتاب.
قوله رحمه الله: [طَهُورٌ: لا يرفعُ الحدثَ، ولا يُزيلُ النَّجِسَ الطارئَ غيَرُه]: بدأ رحمه الله بالطَّهور؛ لأنه الأصل في الماء فهو الباقي على أصل خلقته، وكلّ من الطاهر، والنَّجِس يحصل بتغير الطهور، فإن تغير الطهور بشيء طاهر صار طاهراً، وعكسه النجس، فصار الطهور أصل المياه من جهة بقائه على أصل خلقته، دون تغيّرٍ، ودل على ذلك قوله سبحانه وتعالى: {وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً طَهُورًا} ومن أمثلته: ماء السماء، والبئر، والنهر، والعين، والسّيل، والبحر.
فأما ماء السماء: فإنه هو أصل الماء كما قدمنا، وقد نصّ الله تعالى على طَهُوريتِه، ثم هو إما أن يستقر في الأرض، وإما أن يجري على وجهها.
فأما المستقر في الأرض فإنه باقٍ على الأصل من طهوريته كما قال سبحانه وتعالى:
{وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً بِقَدَرٍ فَأَسْكَنَّاهُ فِي الْأَرْضِ وَإِنَّا عَلَى ذَهَابٍ بِهِ لَقَادِرُونَ} فإن خرج بنفسه من جوف الأرض، كماء العيون؛ فهو طهور إعتباراً لأصله، وإن أخرجه الإنسان كماء البئر فهو طهور أيضاً، ولذلك قال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في ماء بئر بضاعة: [إِن الماء طَهورٌ، لا يُنَجِّسُهُ شَيءٌ] فدلّ على ما قدمنا من البقاء على الأصل من طهورية ماء السماء إذا إستقر في الأرض، سواء خرج بنفسه كماء العيون، أو أخرجه المكلف؛ كماء البئر.
______________________________ ______________________________ _________
بلون الأرض؛ لأنه تغيّر بما يشقُّ صَونُ الماء عنه، وذلك لا يسلبه الطّهورية.
وأما ماء البحر فقد نصّ عليه الصلاة والسلام في حديث أبي هريرة رضي الله عنه الصحيح أنه طهور بقوله: [هو الطهُورُ مَاؤُه]، وفيه خلاف ضعيف عن بعض الصحابة رضي الله عنهم لا يؤثر، حيث نصّت السنة على طُهوريّته، ولعلّ من خالف لم يبلغه الحديث، وقد جمع المصنف رحمه الله وصف الطهور في أمرين:
الأول:
منهما تعبّدي؛ أي أنه متعلق بالعبادة، وهو قوله: [لا يرفعُ الحدث، ولا يزيل النجسَ الطاريء غيرُه].
والثاني: طبعي؛ حيث وصفه بكونه باقياً على أصل الخلقة في قوله: [وهو الباقي على خلقته].
فقوله رحمه الله:
[لا يرفع الحدث] تقدم أن الحدث كل ما أوجب وضوءاً، أو غسلاً، فشمل نوعين: الأكبر: كالجنابة، والحيض، والنفاس، والأصغركالبول، والغائط، والريح فهذه كلها أحداث، وإزالتها تكون باستعمال الماء الطّهور على الوجه المعتبر شرعاً.
فلا تحصل طهارة الوضوء، ولا الغسل إلا بالماء الطهور، وهذا معنى كونه لا يرفع الحدث، وهكذا الحال في طهارة الخبث التي أشار إليها بقوله رحمه الله: [ولا يُزيلُ النَّجِسَ الطاريءَ غَيرُه] فإزالة النجاسة من البدن، والثوب، والمكان لا تحصل بغير الطهور من المياه، ولا بغيره من المائعات، لما قدّمنا من دلالة النصوص الشرعية.
وقوله رحمه الله: [النَّجِسَ الطّاريء] التفريق بين النجاسة العينية، وغيرها فالنجاسة العينية لا تقبل التّطهير بحال، وذلك مثل: نجاسة الميتة، والخنزير؛ فهي نجاسة ذاتٍ، وعينٍ، فلو غُسلت الدّهر كله لم تَطْهُر، فهذا النوع يوصف بكونه نجساً، وأما غيره مما تطرأ عليه النجاسة؛ فيكون أصله طاهراً كالثوب، والفراش، ونحوه، ويوصف بكونه متنجساً لأن الأصل طهارته، والنجاسة طارئة عليه، يمكن إزالتها، فهذا هو الأصل، أنه يفرّق بين النّجس، والمُتنجِّس، وقد يُتسامح فيعبّر بالنّجس عن المُتنجِّسِ، وبهذه العبارة بيّن المصنف رحمه الله أن الذي يقبل التطهير هو المُتنجّسُ، وهو الذي طرأت عليه النّجاسة دون النّجس العيني الذي لا يمكن تطهيره بحالٍ، كما قدمنا.
قوله رحمه الله:
[فإن تغيّر بغيرِ مُمازِجٍ] بعد أن بيّن رحمه الله الأصل في الطهور شرع في بيان أحكام تغيّره، وإنتقاله عن ذلك الأصل، وهذا يستلزم بيان المسائل المتعلقة بما يُلقى في الماء، سواء غيّره، أو لم يغيِّره.
فبدأ رحمه الله بالأخفِّ، وهو الذي لا يسلب الطهورية، ولكنه يوجب الحكم بكراهة إستعمال الماء، وهو الذي لا يمازج الماء كالدُّهن، ونحوه فقال رحمه الله:[فإن تغيّر بغيرِ مُمازِجٍ]: أشار بهذه العبارة إلى أن التغير نوعان: إما أن يكون بممازج للماء، أو يكون بغير ممازج، وهذا يستلزم معرفة حقيقة الممازجة أولاً؛ ليمكن التفريق بين الحالتين.فأما الممازجة فحقيقتها إختلاط الشيئين ببعضهما؛ حتى لا يمكن أن يفرق بينهما، بحيث يصيرا كالشيء الواحد،
ومن أمثلته في الطاهرات:
أن يُلقَى الحبرُ في الماء الطهور، فإنه بمجرد طرحه فيه يمتزج بالماء حتى يصيرا كالشيء الواحد لوناً، وطعماً،
ومثاله في النجاسات:
البول فإنه إذا ألقى في الطَّهور إمتزج معه، وخالطه فتجد رائحة البول، وطعمه، ولونه في الماء ظاهرةً.فهذا النوع من الممازجهَ لا إشكال فيه، وهو ينقل الماء الطهور إما إلى طاهر، وإما إلى نجس؛ أي بحسب ما ألقي فيه،
ومن هنا قيل:
[الماءُ إِن تَغيّر أخذَ حكمَ ما غَيّره].
ومثل هذا لا يُبْحث في الطّهور لأنه موجب للحكم بتغيّره، إلا ما كان من المسائل مستثنى مثل الحالات التي توجب المشقة، والتي سينبه عليها رحمه الله بعدُ، والذي يبحث هنا هو ما حُكِمَ ببقائه على أصل الطّهورية، وهو ما لم يتغيّر، ومن هنا إختار المصنف رحمه الله صوراً من التغيّر لا يُحكمُ فيها بانتقال الماء من الطّهورية، إلا أنه محكوم بكراهية إستعمال الماء فيها، وهي وسط بين الباقي على أصل الطهورية، وبين المتغيّر حقيقة، ومثل هذه الحالةمذهب بعض علماء الأصول أنها تأخذ حكم المكروه؛ فالحكم بكراهته من جهة توسّطه بين الطهور الباقي على الأصل، والمتغيّر الخارج عن الأصل؛ سواء كان تغيّره بطاهر، أو نجس، وهذا أصل عند طائفة من علماء الأصول؛ وبُني عليه الحكم الفقهي عند من يختار هذا القول، وله نظائر كثيرة،
ومنها:
مسألة مساواة الإزار للكعبين فهي وسط بين الحلال، والحرام فكرهت عند من يقول بكراهتها.
قال رحمه الله: [فإنْ تغَيّر بغيرِ مُمازج؛ كَقِطع كَافُورٍ] أي: إذا وضع في الماء الطهور قطع الكافور، فغيّرته فإن هذا التغيّر حصل بغير ممازج؛ لأن قطع الكافور الجامدة لا تتحلّل في الماء كالممازج، والكافور هو الطيب المعروف،
وفي حكمه ما كان مثله:
كعود القماري، والقطران، والزّفت، ونحوها.
قوله رحمه الله:
[أو دُهْنٍ] الدُّهن بجميع أنواعه لا يتحلل في الماء كالسَّمْنِ، والزيوت فإذا وقعت في الماء صارت فوقه، ولم تمتزج به، ومن هنا أخذت حكم التغيّر بغير ممازجة؛ وضعف تأثيرها، فلم يوجب تغييرها سلب الماء وصف الطهورية، وهذا ما عبّر عنه بالتغيّر بالمجاورة.
[أو مِلحٍ مائيٍ]: الملح: إما أن يكون جبلياً، أو يكون مائياً؛ لأنه يُستخلص منهما فإذا كان الملح مائياً ووضع في ماء طهور لم يسلبه الطهورية؛ لأن أصله من الماء، وحينئذ لا يضره؛ لأنه يكون كالثلج، والبرد إذا أذيبا في الماء الطّهور، وأما إذا كان الملح أصله من غير الماء، وهو الملح المستخلصمن الأراضي السبخة، ونحوها فإنه يسلب الماء الطهورية إن وضع فيه، لأنه يغير الطعم بطاهر، وهو مفهوم عبارة المصنف رحمه الله.
قوله رحمه الله:
[أو سُخّنَ بنجسٍ] بيّن رحمه الله أن الماء إذا سُخِّن بنجسٍ فهو طهور؛ لكنه يكره إستعماله،
والسبب في ذلك:
أنه لم يتغيّر بشيء ممازج، وإنما تغيّر بمجاورة، فنجاسته ليست بمؤثرة كالممازج.
وهذا مبني على أنه إذا سخن بالنجس لم يسلم غالباً من صعود أجزاء لطيفة من النجاسة إليه كما يقولون،
وعن الإمام أحمد رحمه الله رواية:
أنه لا يكره، ومن أصحاب الإمام أحمد رحمه الله مَنْ قصر حكم الكراهة على حاله ساخناً، فإذا برد لم يُكْره، وقد ذكر الإمام المرداوي رحمه الله الخلاف في هذه المسألة، وأن للأصحاب فيه أربع عشرة طريقاً،
وقال:
إن أصحها فيها روايتان مطلقاً، ومحل الكراهة إذا لم يوجد غيره،
وهذا ما عبّر عنه بعض العلماء رحمهم الله بقوله:
(إِنْ لمْ يَحْتَجْ إِليْهِ).وفي حكم المُسخّنِ بالنّجسِ المُسَخّنُ بالمغصوب.
قوله: [كُرِهَ] أي: صار مكروهاً، والمكروه في اللغة ضدّ المحبوبِ،
وأما في اصطلاح علماء الأصول فهو:
(الذي يُثابُ تارِكُهُ، ولا يعاقبُ فاعِلُهُ).
وعليه فالتعبير بكون الماء مكروهاً في هذه الصور السابقة يدل على أنه باقٍ على الأصل أعني: كون الماء طهوراً، وأن الأفضل أن يستعمل غيره في الطهارة، فلو استعمله صحت طهارته، ومن أهل العلم رحمهم الله من جعل الكراهة في حال وجود غيره، فإذا لم يجد غيره لم يكن مكروهاً عندهم كما قدمنا.



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 23.01 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 22.38 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (2.73%)]