عرض مشاركة واحدة
  #2  
قديم 28-11-2021, 05:32 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 134,062
الدولة : Egypt
افتراضي رد: حكم السجود على كور العمامة

وقد كرِه السجود على كور العمامة عددٌ من السلف، ذكرهم ابن أبي شيبة بأسانيده في مصنفه[40]:

1- عن محمود بن ربيع، عن عبادة بن الصامت "أنه كان إذا قام إلى الصلاة حسر العمامة عن جبهته".

2- وعن عبدالرحمن بن أبي ليلى عن علي قال: "إذا صلى أحدكم فليحسر العمامة عن جبهته"[41].

3- وعن نافع قال: "كان ابن عمر، لا يسجد على كور العمامة"[42].

4- وعن أيوب عن محمد، قال: "أصابتني شجة، فعصبت عليها عصابة، فسألت أبا عبيدة، أسجد عليها؟ قال: لا".

5- وعن عياض بن عبدالله القرشي، قال: "رأى النبي صلى الله عليه وسلم رجلًا يسجد على كور العمامة، فأومأ بيده أن ارفع عمامتك، فأومأ إلى جبهته".

6- وعن إبراهيم أنه "كان يحب للمعتم أن ينحي كور العمامة من جبهته".

7- وعن إبراهيم، قال: "أبرز جبيني أحب إليَّ".

8- وعن أشعث عن محمد أنه "كره السجود على كور العمامة".

9- وعن ابن سيرين أنه "كره السجود على كور العمامة".

10- وعن هشام، عن أبيه، في المعتم، قال: "يُمكِّن جبهته من الأرض".

11- وعن عمر بن عبدالعزيز قال لرجل: "لعلك فيمن يسجد على كور العمامة!".

12- وعن هلال بن يساف، عن جعدة بن هبيرة أنه "رأى رجلًا يسجد وعليه مغفرة وعمامة قد غطَّى بهما وجهه، فأخذ بمغفرته وعمامته فألقاهما من خلفه".

وروى ابن أبي عاصم بسنده عن عطية الدعاء قال: "ورأيت الحكم يرفع كور العمامة إذا سجد"[43].

ويبدو أن ابن القيم يميل إلى اختيار حسر العمامة عند السجود، فقد قال - وهو يتحدث عن صفة صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم -: "...ويعتدل في سجوده، ويُمكِّن وجهه من الأرض مباشرًا به للمصلي غير ساجد على كور العمامة"[44].

وقال أيضًا: "وكان النبي صلى الله عليه وسلم يسجد على جبهته وأنفه دون كور العمامة، ولم يثبت عنه السجود على كور العمامة من حديث صحيح ولا حسن"[45].

حجج هذا القول:
احتج أصحاب هذا القول بالآتي:
1- عن خباب قال: (شكونا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم الصلاة في الرمضاء، فلم يشكنا)[46].

وفي رواية: (شكونا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم شدة الرمضاء في جباهنا وأكفنا، فلم يشكنا)[47].

قوله: (فلم يشكنا)؛ أي: لم يُزِلْ شكوانا[48].

وجه الاستدلال:
أنه لو لم تجب المباشرة بالجبهة لأرشدهم إلى سترها[49].

ولكن مع هذا فإن الحديث لا دليل فيه على ما زعموا، ولا على خلافه، قال ابن الأمير: "فلا دلالة فيه على كشف هذه الأعضاء ولا عدمه"[50].

وقال ابن حجر: "احتج الرافعي بهذا الحديث على وجوب كشف الجبهة في السجود، وفيه نظر لحديث أنس: "فإذا لم يستطع أحدنا أن يُمكِّن جبهته من الأرض، بسط ثوبه فسجد عليه"، فدل على أنهم كانوا في حال الاختيار يباشرون الأرض بالجباه وعند الحاجة كالحر يتقون بالحائل، وحينئذ فلا يصح حمل الحديث على ذلك؛ لأنه لو كان مطلوبهم السجود على الحائل لأَذِنَ لهم في اتخاذ ما يسجدون عليه منفصلًا عنهم، فقد ثبت أنه كان يصلي على الخُمرة وعلى الفراش، فعُلم أنه لم يمنعهم الحائل، وإنما طلبوا منه تأخيرها زيادةً على ما كان يؤخرها ويبرد بها، فلم يُجبهم، والله أعلم"[51].

2- وعن صالح بن حيوان السبائي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى رجلًا يسجد بجنبه وقد اعتم على جبهته، فحسر رسول الله صلى الله عليه وسلم عن جبهته"[52]، ولكن الحديث ضعيف.

فتبيَّن من هذا أنه لا حجة مقبولة لدى أصحاب القول بهذين الحديثين لضعف الاستدلال بالأول، وضعف الدليل الثاني.

الترجيح:
وبعد هذا العرض للقولين وأهلهما وأدلة كل قول منهما يترجح لنا الآتي:
أولًا: ليس هناك دليلٌ صحيح صريح يوجب المباشرة، ولا دليل مثله يحرم السجود على كور العمامة؛ قال ابن الأمير الصنعاني: "والأحاديث من الجانبين غير ناهضة على الإيجاب، وقوله: "سجد على جبهته" يَصدُق على الأمرين، وإن كان مع عدم الحائل أظهرَ، فالأصل جواز الأمرين"[53].

ثانيًا: أن العمامة إذا كانت لفتها خفيفة بحيث يحس الساجد بلين موضع سجوده أو خشونته من خلالها، فلا كراهة في السجود عليها، قال الماوردي الشافعي - مبينًا أن العمامة الخفيفة لا تمنع المباشرة -: " ... والثاني: ما قاله الأوزاعي: إن عمائم القوم كانت لفة أو لفتين لصغرها، فكان السجود على كورها لا يمنع من وصول الجبهة إلى الأرض"[54].

ثالثًا: كما يجوز السجود بالحائل المنفصل يجوز بالمتصل كالعمامة المكورة من غير فرق.

قال الألباني: "وجملة القول: أنه لا دليل على عدم جواز السجود على حائل متصل؛ لا سيما والأدلة كثيرة جدًّا على جواز السجود على حائل منفصل، كالبساط والحصير ونحو ذلك؛ مما يفصل بين الجبهة والأرض، والتفرقة بين الحائل المتصل والحائل المنفصل من الثياب - مع أنه لا دليل عليه في النقل - فهو مع ذلك مما لا يشهد النظر السليم بصحته؛ لأنه إن كان الغرض إنما هو مباشرة الأرض بالسجود مبالغةً في الخضوع لله تعالى، فهو غير حاصل بالحائل المنفصل أيضًا"[55].

رابعًا: الأفضل مباشرة الجبهة لموضع السجود من غير حائل من عمامة أو طاقية أو نحوهما من الحوائل؛ إذ هو أبلغ في الخضوع لله، وأمكن لتمام السجود، وأبعد عن الخلاف، إلا إذا وجد عذر؛ من حر أو برد، أو حصى أو شوك، أو نحو ذلك من المؤذيات للساجد في موضع سجوده.

قال النووي: "العلماء مجمعون على أن المختار مباشرة الجبهة للأرض"[56].

وقال ابن قدامة: "والمستحب مباشرة المصلي بالجبهة واليدين ليخرج من الخلاف، ويأخذ بالعزيمة، قال أحمد: لا يعجبني إلا في الحر والبرد، وكذلك قال إسحاق"[57].

وقال ابن عثيمين: "لا ينبغي أن يتخذ العمامة وقاية بينه وبين الأرض إلا من حاجة، مثل: أن تكون الأرض صلبة جدًّا، أو فيها حجارة تؤذيه، أو شوك، ففي هذه الحال لا بأس أن يتقي الأرض بما هو متصل به من عمامة، أو ثوب؛ لقول أنس بن مالك رضي الله عنه: "كنا نصلي مع النبي صلى الله عليه وسلم في شدة الحر، فإذا لم يستطع أحدنا أن يمكن جبهته من الأرض بسط ثوبه فسجد عليه"(1)، فهذا دليلٌ على أن الأَولى أن تباشر الجبهة مكان السجود، وأنه لا بأس أن يتقي الإنسان الأرض بشيءٍ متصل به من ثوب أو عمامة، إذا كان محتاجًا لذلك لحرارة الأرض، أو لبرودتها، أو لشدتها"[58].

والله أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.


[1] رواه البخاري (1/ 162)، ومسلم (1/ 354).

[2] بداية المبتدي (ص: 15).

[3] الدر المختار وحاشية ابن عابدين (رد المحتار) (1/ 500).

[4] المغني لابن قدامة (1/ 371).

[5] كشاف القناع عن متن الإقناع (1/ 353).

[6] الثمر الداني شرح رسالة ابن أبي زيد القيرواني (ص: 111).

[7] التنبيه على مبادئ التوجيه (1/ 422).

[8] التاج والإكليل لمختصر خليل (2/ 258).

[9] مصنف ابن أبي شيبة (1/ 239).

[10] الْبُرْنُس: كل ثوب رَأسه مِنْهُ ملتزق بِهِ وقلنسوة طَوِيلَة. المعجم الوسيط (1/ 52).

[11] فتح الباري لابن رجب (3/ 32).

[12] رواه البخاري (1/ 162)، ومسلم (1/ 354).

[13] مختصر اختلاف العلماء (1/ 232).

[14] رواه ابن عدي في الكامل في ضعفاء الرجال (6/ 228)، وقال ابن القيم: "ذكره أبو أحمد الزبيري من حديث جابر ولكنه من رواية عمر بن شمر عن جابر الجعفي، متروك عن متروك". زاد المعاد في هدي خير العباد (1/ 224).

[15] أخرجه ابن أبي حاتم في العلل. علل الحديث لابن أبي حاتم (2/ 486)، ثم قال: "فسمعت أبي يقول: هذا حديث منكر ".

[16] رواه الطبراني في المعجم الأوسط (7/ 170)، وقال: "لا يروى هذا الحديث عن ابن أبي أوفى إلا بهذا الإسناد، تفرد به: معمر بن سهل "، وقال الهيثمي: " وفيه سعيد بن عنبسة، فإن كان الرازي فهو ضعيف، وإن كان غيره فلا أعرفه". مجمع الزوائد ومنبع الفوائد (2/ 125).

[17] رواه أبو نعيم، حلية الأولياء (8/ 55).

[18] رواه عبد الرزاق، مصنف عبد الرزاق (1/ 400)، قال ابن القيم: " وهو من رواية عبد الله بن محرر وهو متروك". زاد المعاد في هدي خير العباد (1/ 224).

[19] نصب الراية (1/ 384).

[20] مختصر خلافيات البيهقي (2/ 211).

[21] السنن الكبرى للبيهقي (2/ 153).

[22] زاد المعاد في هدي خير العباد (1/ 224).

[23] التلخيص الحبير (1/ 456).

[24] رواه عبد الرزاق، مصنف عبد الرزاق الصنعاني (1/ 400)، والبخاري في صحيحه معلقا. صحيح البخاري (1/ 86)، وقال الألباني: " قلت: وهذا إسناد صحيح". سلسلة الأحاديث الضعيفة والموضوعة وأثرها السيئ في الأمة (10/ 359).

[25] صحيح البخاري (1/ 86).

[26] فتح الباري لابن حجر (1/ 493).

[27] المغني لابن قدامة (1/ 372).

[28] التجريد للقدوري (2/ 539).

[29] التجريد للقدوري (2/ 538).

[30] صحيح البخاري (1/ 86).

[31] اللباب في الجمع بين السنة والكتاب (1/ 238).

[32] المحلى بالآثار (2/ 296).

[33] بحر المذهب للروياني (2/ 50).

[34] المجموع شرح المهذب (3/ 424).

[35] المجموع شرح المهذب (3/ 423).

[36] الانتصار على علماء الأمصار (3 / 70).

[37] المعاني البديعة في معرفة اختلاف أهل الشريعة (1/ 148).

[38] الإنصاف في معرفة الراجح من الخلاف للمرداوي (2/ 68).

[39] المغني لابن قدامة (1/ 372).

[40] مصنف ابن أبي شيبة (1/ 240).

[41] ورواه ابن المنذر بسنده بلفظ: " إذا صلى الرجل وعليه العمامة، فإذا سجد فليرفعها عن جبهته، ويسجد على الأرض". الأوسط في السنن والإجماع والاختلاف (3/ 179).

[42] ورواه ابن المنذر بسنده بلفظ: "كان يكره أن يسجد على كور عمامته حتى يكشفها". الأوسط في السنن والإجماع والاختلاف (3/ 179).

[43] الآحاد والمثاني لابن أبي عاصم (3/ 105).

[44] الصلاة وحكم تاركها (ص: 239).

[45] زاد المعاد (1/ 215).

[46] صحيح مسلم (1/ 433).

[47] السنن الكبرى للبيهقي (2/ 151).

[48] شرح النووي على مسلم (5/ 121).

[49] النجم الوهاج في شرح المنهاج (2/ 145).

[50] سبل السلام (1/ 271).

[51] التلخيص الحبير (1/ 613).

[52] رواه البيهقي، السنن الكبرى للبيهقي (2/ 151)، وأبو داود، المراسيل (ص: 117)، قال عبد الحق: " صالح بن حيوان لا يحتج به، وهو بالحاء المهملة، ومن قال: بالخاء المنقوطة فقد أخطأ، ذكر ذلك أبو داود رحمه الله". الأحكام الوسطى (1/ 294).

[53] سبل السلام (1/ 271).

[54] الحاوي الكبير (2/ 127).

[55] سلسلة الأحاديث الضعيفة والموضوعة وأثرها السيئ في الأمة (10/ 360).

[56] المجموع شرح المهذب (3/ 426).

[57] المغني لابن قدامة (1/ 373).

[58] مجموع فتاوى ورسائل ابن عثيمين (13/ 136).



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 28.00 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 27.37 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (2.24%)]