عرض مشاركة واحدة
  #1  
قديم 28-11-2021, 05:30 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 134,062
الدولة : Egypt
افتراضي حكم السجود على كور العمامة

حكم السجود على كور العمامة
عبدالله بن عبده نعمان العواضي



أحيانًا يدور نقاش بين بعض طلبة العلم وبعض عوام الناس، أو المتعصبين للمذهب - خاصة في البيئة الشافعية - حول السجود على العمامة المكوَّرة، قد يمتد هذا النقاش إلى جدل عقيم يفتقر إلى الأدلة، ومعرفة كلام أهل العلم المستوفى في المسألة؛ مما يفضي في بعض الأحيان إلى سباب وقطيعة ورفع الأصوات في المساجد.

ولبيان هذه المسألة في المذاهب الإسلامية وعند سائر العلماء خارجها نقول:
الجبهة من المواضع السبعة التي أُمر المصلي أن يسجد عليها؛ فعن ابن عباس رضي الله عنهما، قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: (أُمرت أن أسجد على سبعة أعظم: على الجبهة، وأشار بيده إلى أنفه واليدين والركبتين، وأطراف القدمين)[1].

لكن إذا كان على الجبهة عمامة مكوَّرة - يعني: ملفوفة - فما حكم ذلك أثناء السجود، وهل يصح سجود المصلي وصلاته وجبهته كذلك؟

اختلف الفقهاء في ذلك إلى قولين:
القول الأول: ذهب الحنفية والمالكية والحنابلة وإسحاق - إلى أنه لا تجب مباشرة الجبهة لما يسجد المصلي عليه، فإن سجد على كور عمامته صحت صلاته.

ولكن هل يكره ذلك أو لا؟
فالحنفية يرون الكراهة التنزيهية إن كان ذلك بغير عذر كبرد أو حر، وكذلك قال الحنابلة بالكراهة في رواية.

قال المرغيناني: "فإن سجد على كور عمامته أو فاضل ثوبه جاز"[2].

وقال في "الدر المختار": (كما يكره تنزيهًا بكور عمامته) إلا بعذر، (وإن صح) عندنا (بشرط كونه على جبهته) كلها أو بعضها كما مر، (أما إذا كان) الكور (على رأسه فقط وسجد عليه مقتصرًا)؛ أي: ولم تصب الأرض جبهته ولا أنفه على القول به (لا) يصح؛ لعدم السجود على محله"[3].

وقال ابن قدامة: "ولا تجب مباشرة المصلي بشيء من هذه الأعضاء، قال القاضي: إذا سجد على كور العمامة أو كمه أو ذيله، فالصلاة صحيحة رواية واحدة"[4].

وقال البهوتي: "يُكره السجود على كور العمامة، (فلو سجد على متصل به غير أعضاء السجود، ككور عمامته) ... (وكمه وذيله ونحوه صحت) صلاته؛ لما تقدم (ولم يكره لعذر، كحر أو برد ونحوه) لما تقدم، وإلا كره"[5].

وأما المالكية، فقال مالك عن السجود بكور العمامة: أكرهه، ويجوز، وقال ابن حبيب: هذا مما خف من طاقاتها، وأما ما كثر فهو كمن لم يسجد.

كما استحب مالك أن يرفع الساجد العمامة عن بعض جبهته حتى يمس الأرضَ بعضُ جبهته.

قال الآبي الأزهري: "فإن سجد على كور عمامته - بفتح الكاف - ففي المدونة يكره، ويصح؛ أي: إذا كان قدر الطاقة والطاقتين اللطيفتين بأن تكون من الشاش الرفيع"[6].

وقال المهدوي: "ويُكره السجود على كور العمامة، وهو طاقتها، فإن سجد عليها فلا تبطل صلاته، إلا أن تكثر الطاقة جدًّا، بحيث تكون كالحائل بين الوجه وبين الأرض، فيصير كأنه أومأ، وفرضه السجود فتبطل صلاته"[7].

وقال ابن المواق: "(وسجوده على كور عمامته) من المدونة، قال مالك: من صلى وعليه عمامة فأحب إليَّ أن يرفع عن بعض جبهته حتى يمس الأرضَ بعضُ جبهته، فإن سجد على كور العمامة كرهته ولا يعيد، [قال] ابن حبيب: هذا إن كان قدر الطاقتين، وإن كان كثيفًا أعاد"[8].

وقد رخَّص في السجود على كور العمامة عددٌ من السلف، ذكرهم ابن أبي شيبة بأسانيده في مصنفه[9]:
1- عن عمارة، عن عبدالرحمن بن يزيد، "أنه كان يسجد على كور العمامة".

2- وعن مسلم، قال: "رأيت عبدالرحمن بن يزيد، يسجد على عمامة غليظة الأكوار قد حالت بين جبهته وبين الأرض".

3- وعن قتادة، عن سعيد بن المسيب، والحسن، "أنهما كانا لا يريان بأسًا بالسجود على كور العمامة".

4- وعن يونس، عن الحسن "أنه كان يسجد على كور العمامة".

5- وعن حميد، عن بكر "أنه كان يسجد وهو معتم".

6- وعن محمد بن راشد، عن مكحول "أنه كان يسجد على كور العمامة، فقلت له، فقال: "إني أخاف على بصري من برد الحصى".

7- وعن جعفر بن برقان، عن الزهري، قال: "لا بأس بالسجود على كور العمامة".

8- وعن أبي ورقاء، قال: "رأيت ابن أبي أوفى يسجد على كور عمامته".

وقال ابن رجب: "ورُوي عن عبدالله بن يزيد الأنصاري، ومسروق، وشريح، السجود على كور العمامة والبرنس[10]"[11].

حجج هذا القول:
احتج أصحاب هذا القول بالخبر والنظر، فأما الخبر فقد استدلوا بآثار، وهي قسمان: أحاديث صحيحة غير صريحة، وأحاديث صريحة غير صحيحة، كما استدلوا بآثار عن بعض التابعين أصحها أثر الحسن البصري.

أولًا: الأحاديث الصحيحة:
استدلوا بحديث ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (أمرت أن أسجد على سبعة أعظم: على الجبهة، وأشار بيده إلى أنفه واليدين والركبتين، وأطراف القدمين)[12].

ووجه الاستدلال:
أنه كما جاز السجود على يديه ورجليه وهي مغطاة، فكذلك الجبهة؛ قال الطحاوي عند هذا الحديث: "ولو سجد على ركبتيه ويديه ورجليه وهي مستورة، جاز السجود على الجبهة وهي مستورة"[13].

ثانيًا: الأحاديث غير الصحيحة:
1- عن جابر بن عبدالله قال: "رأيت رسول الله يسجد على كور العمامة"[14].

2- وعن أنس بن مالك أن النبي عليه الصلاة والسلام "سجد على كور العمامة"[15].

3- وعن عبدالله بن أبي أوفى قال: "رأيت رسول الله يسجد على كور عمامته"[16].

4- وعن ابن عباس أن النبي عليه الصلاة والسلام "كان يسجد على كور عمامته"[17].

5- وعن أبي هريرة قال: "كان رسول الله صلى الله عليه و سلم يسجد على كور عمامته"[18].

وقد تكلم العلماء عن هذه الأحاديث جملةً، وبيًّنوا عللها، فلم يصح منها حديث:
1- فقد خرج هذه الأحاديث الزيلعي في نصب الراية وضعفها كلها[19].

2- وقال البيهقي: "وعامة ما يحتجون به في جواز السجود على كور العمامة لا يثبت" [20].

وقال أيضًا: "وأما ما رُوي عن النبي صلى الله عليه وسلم من السجود على كور العمامة، فلا يثبت شيء من ذلك"[21].

3- وقال ابن القيم: "ولم يثبت عنه السجود على كور العمامة من حديث صحيح ولا حسن"[22].

4- وقال ابن حجر: "وأما الأحاديث التي أشار إليها البيهقي، فوردت من حديث ابن عباس، وابن أبي أوفى، وجابر، وأنس، أما ابن عباس ففي الحلية لأبي نعيم في ترجمة إبراهيم بن أدهم وفي إسناده ضَعف، وأما ابن أبي أوفى: ففي الطبراني الأوسط وفيه فائدة أبو الورقاء، وهو ضعيف، وأما جابر، ففي كامل ابن عدي وفيه عمرو بن شمر وجابر الجعفي، وهما متروكان، وأما أنس، ففي علل ابن أبي حاتم وفيه حسان بن سياه، وهو ضعيف، وقال أبو حاتم: هذا حديث منكر، ورواه عبدالرزاق عن عبدالله بن محرر عن سليمان بن موسى عن مكحول مرسلًا عن زيد بن الأصم أنه سمع أبا هريرة: "كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يسجد على كور عمامته"، قال ابن أبي حاتم: هذا حديث باطل، والله أعلم"[23].

ثالثًا: أثر الحسن البصري:
عن الحسن البصري قال: "أدركنا القوم وهم يسجدون على عمائمهم، ويسجد أحدهم ويديه في قميصه"[24].

وقد علق البخاري أثر الحسن في باب السجود على الثوب في شدة الحر، بلفظ: وقال الحسن: "كان القوم يسجدون على العمامة والقلنسوة ويداه في كمه"[25].

قال ابن حجر: "وهذا الأثر وصله عبدالرزاق عن هشام بن حسان عن الحسن أن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم كانوا يسجدون وأيديهم في ثيابهم، ويسجد الرجل منهم على قلنسوته وعمامته، وهكذا رواه بن أبي شيبة من طريق هشام"[26].

رابعًا: من النظر:
فقد قالوا:
1- الجبهة عضو من أعضاء السجود، فجاز السجود على حائله، كالقدمين[27].

2- أنه ركن لا ينفيه ما يحول بينه وبين الأرض إذا كان منفصلًا، كذلك حال اتصاله[28].

3- قوله تعالى: {اركعوا واسجدوا}، ومن سجد على كور عمامته تناوله الاسم كما يتناوله إذا كانت على الأرض فسجد عليها، ومن ادعى الفصل بينهما باللغة، فقد ادعى ما لا دليل عليه[29].

4- ويؤيد هذا ما روى البخاري[30]: عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: "كنا نصلي مع النبي صلى الله عليه وسلم، فيضع أحدنا طرف الثوب من شدة الحر في مكان السجود"، وإذا جاز هذا في فاضل الثوب، جاز في كور العمامة؛ لأن أمرهما واحد[31].

القول الثاني: ذهب الشافعية والظاهرية[32] والزيدية وأحمد - في رواية - إلى وجوب كشف الجبهة ومباشرتها لما يسجد عليه المصلي.

وقال الشافعية: إن حال دون الجبهة حائل متصل به؛ ككور عمامته، أو طرف كمه، وهما يتحركان بحركته في القيام والقعود، أو غيرهما، لم تصح صلاته بلا خلاف عندهم، ورأوا كذلك أنه إن سجد على كور عمامته متعمدًا عالِمًا بالتحريم بطلت صلاته، وإن كان ساهيًا أعاد السجود ولم تبطل صلاته.


قال الروياني: "كشف الجبهة واجب، وعليه أن يسجد على الأرض، أو على حائل منفصل منه؛ كالبساط والحصير، فإن سجد على ما هو حامله من طرف الرداء أو كور العمامة، لا يجوز"[33].

وقال النووي: "إذا سجد على كور عمامته أو كمه ونحوهما، فقد ذكرنا أن سجوده باطل، فإن تعمَّده مع علمه بتحريمه بطلت صلاته، وإن كان ساهيًا لم تبطل، لكن يجب إعادة السجود هكذا صرَّح به أصحابنا"[34].

وقال أيضًا: "فإن حال دون الجبهة حائل متصل به، فإن سجد على كنفه أو كور عمامته، أو طرف كمه أو عمامته، وهما يتحركان بحركته في القيام والقعود أو غيرهما؛ لم تصح صلاته بلا خلاف عندنا؛ لأنه منسوب إليه"[35].

وقال يحيى بن حمزة: "وهل يكون السجود على العمامة مفسدًا للصلاة أو يكون مكروهًا؟ فيه مذهبان:
المذهب الأول: أنه يكون مفسدًا للصلاة، وهذا هو المحكي عن محمد بن يحيى، ورأي السيدين أبي طالب وأبي العباس إذا لم يخش حرًّا أو بردًا، فإن خشي ذلك جاز له ولم يكن مفسدًا....

المذهب الثاني: جوازه مع العذر، وكراهته من غير عذر، وهذا هو رأي المؤيد بالله... والمختار: ما عول عليه أئمة العترة القاسم والهادي والناصر ومحمد بن يحيى وأبو طالب وأبو العباس"[36].

وقال جمال الدين الريمي: "وعند الزَّيْدِيَّة لا يجوز السجود على كور العمامة، فإن خشي من الحرِّ والبرد، وثنَى طرف العمامة، أو أرسل طرفها على الجبهة عند السجود فله ذلك، وأما إذا ثنى طرفيها واسترسل على الجبهة من غير عذر، فسدت صلاته عند النَّاصِر، وعند المؤيد لا تفسد، ولو كان لغير عذر"[37].

وقال المرداوي: "لو سجد على كور العمامة أو كمه أو ذيله، صحت الصلاة، رواية واحدة والرواية الثانية: تجب المباشرة بها"[38].

وقال ابن قدامة: "وقد روى الأثرم، قال: سألت أبا عبدالرحمن عن السجود على كور العمامة؟ فقال: لا يسجد على كورها، ولكن يحسر العمامة، وهذا يحتمل المنع"[39].
يتبع
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 26.83 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 26.20 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (2.34%)]