10-01-2022, 08:21 PM
|
|
قلم ذهبي مميز
|
|
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 134,095
الدولة :
|
|
رد: تفسير "محاسن التأويل"محمد جمال الدين القاسمي متجدد إن شاء الله
تفسير "محاسن التأويل"
محمد جمال الدين القاسمي
سورة البقرة
المجلد الثانى
صـ 43 الى صـ 48
الحلقة (8)
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى :
[9 ] يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلا أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ
قَالَ الْقَاشَانِيُّ : الْمُخَادَعَةُ اسْتِعْمَالُ الْخُدَعِ مِنَ الْجَانِبَيْنِ ، وَهُوَ إِظْهَارُ الْخَيْرِ ، وَاسْتِبْطَانُ الشَّرِّ ، وَمُخَادَعَةُ اللَّهِ مُخَادَعَةُ رَسُولِهِ ، لِقَوْلِهِ : مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ فَخِدَاعُهُمْ لِلَّهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ إِظْهَارُ الْإِيمَانِ وَالْمَحَبَّةِ ، وَاسْتِبْطَانُ الْكُفْرِ وَالْعَدَاوَةِ . وَخِدَاعُ اللَّهِ وَالْمُؤْمِنِينَ إِيَّاهُمْ مُسَالَمَتُهُمْ ، وَإِجْرَاءُ أَحْكَامِ الْإِسْلَامِ عَلَيْهِمْ . بِحَقْنِ الدِّمَاءِ وَحَصْنِ الْأَمْوَالِ وَغَيْرِ ذَلِكَ . وَادِّخَارِ الْعَذَابِ الْأَلِيمِ ، وَالْمَآلِ الْوَخِيمِ ، وَسُوءِ الْمَغِبَّةِ لَهُمْ ، وَخِزْيِهِمْ فِي الدُّنْيَا لِافْتِضَاحِهِمْ بِإِخْبَارِهِ تَعَالَى وَبِالْوَحْيِ عَنْ حَالِهِمْ . لَكِنَّ الْفَرْقَ بَيْنَ الْخَدَّاعِينَ : أَنَّ خِدَاعَهُمْ لَا يَنْجَحُ إِلَّا فِي أَنْفُسِهِمْ . بِإِهْلَاكِهَا ، و تَحْسِيرِهَا ، وَإِيرَاثِهَا الْوَبَالَ وَالنَّكَالَ- بِازْدِيَادِ الظُّلْمَةِ ، وَالْكُفْرِ ، وَالنِّفَاقِ ، وَاجْتِمَاعِ أَسْبَابِ الْهَلَكَةِ ، وَالْبُعْدِ وَالشَّقَاءِ ، عَلَيْهَا -وَخِدَاعُ اللَّهِ يُؤَثِّرُ فِيهِمْ أَبْلَغَ تَأْثِيرٍ ، وَيُوبِقُهُمْ أَشَدَّ إِيبَاقٍ ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: وَمَكَرُوا وَمَكَرَ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ وَهُمْ - مِنْ غَايَةِ تَعَمُّقِهِمْ فِي جَهْلِهِمْ - لَا يُحِسُّونَ بِذَلِكَ الْأَمْرِ الظَّاهِرِ .
وَقَرَأَ ابْنُ كَثِيرٍ ، وَنَافِعٌ ، وَأَبُو عَمْرٍو : "وَمَا يُخَادِعُونَ" بِالْأَلِفِ .
قَالَ ابْنُ كَثِيرٍ : نَبَّهَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ عَلَى صِفَاتِ الْمُنَافِقِينَ ، لِئَلَّا يَغْتَرَّ بِظَاهِرِ أَمْرِهِمُ الْمُؤْمِنُونَ ، فَيَقَعَ بِذَلِكَ فَسَادٌ عَرِيضٌ - مِنْ عَدَمِ الِاحْتِرَازِ مِنْهُمْ ، وَمِنِ اعْتِقَادِ إِيمَانِهِمْ ، وَهُمْ كُفَّارٌ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ - وَهَذَا مِنَ الْمَحْذُورَاتِ : أَنْ يُظَنَّ بِأَهْلِ الْفُجُورِ خَيْرٌ . ثُمَّ إِنَّ قَوْلَ مَنْ قَالَ : كَانَ عَلَيْهِ [ ص: 44 ] الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ يَعْلَمُ أَعْيَانَ بَعْضِ الْمُنَافِقِينَ -إِنَّمَا مُسْتَنَدُهُ حَدِيثُ حُذَيْفَةَ بْنِ الْيَمَانِ فِي تَسْمِيَةِ أُولَئِكَ الْأَرْبَعَةَ عَشَرَ مُنَافِقًا - فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ - الَّذِينَ هَمُّوا أَنْ يَفْتِكُوا بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي ظَلْمَاءِ اللَّيْلِ عِنْدَ عَقَبَةٍ هُنَاكَ ، عَزَمُوا عَلَى أَنْ يُنَفِّرُوا بِهِ النَّاقَةَ ، لِيَسْقُطَ عَنْهَا ، فَأَوْحَى اللَّهُ إِلَيْهِ أَمْرَهُمْ ، فَأَطْلَعَ عَلَى ذَلِكَ حُذَيْفَةَ .
فَأَمَّا غَيْرُ هَؤُلَاءِ ، فَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى : وَمِمَّنْ حَوْلَكُمْ مِنَ الأَعْرَابِ مُنَافِقُونَ وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَرَدُوا عَلَى النِّفَاقِ لا تَعْلَمُهُمْ الْآيَةَ . وَقَالَ تَعَالَى : لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْمُرْجِفُونَ فِي الْمَدِينَةِ لَنُغْرِيَنَّكَ بِهِمْ ثُمَّ لا يُجَاوِرُونَكَ فِيهَا إِلا قَلِيلا فَفِيهَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يُغْرَ بِهِمْ وَلَمْ يُدْرَكْ عَلَى أَعْيَانِهِمْ ، وَإِنَّمَا كَانَ تُذْكَرُ لَهُ صِفَاتُهُمْ ، فَيَتَوَسَّمُهَا فِي بَعْضِهِمْ ، كَمَا قَالَ تَعَالَى : وَلَوْ نَشَاءُ لأَرَيْنَاكَهُمْ فَلَعَرَفْتَهُمْ بِسِيمَاهُمْ وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ أَعْمَالَكُمْ وَقَدْ كَانَ مِنْ أَشْهَرِهِمْ بِالنِّفَاقِ ، عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُبَيٍّ ابْنُ سَلُولَ .
وَاسْتَنَدَ - غَيْرُ وَاحِدٍ مِنَ الْأَئِمَّةِ - فِي الْحِكْمَةِ عَنْ كَفِّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ قَتْلِ الْمُنَافِقِينَ ، بِمَا ثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لِعُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ « أَكْرَهُ أَنْ يَتَحَدَّثَ الْعَرَبُ أَنَّ مُحَمَّدًا [ ص: 45 ] يَقْتُلُ أَصْحَابَهُ » . وَمَعْنَاهُ خَشْيَةَ أَنْ يَقَعَ بِسَبَبِ ذَلِكَ تَنْفِيرٌ لِكَثِيرٍ مِنَ الْأَعْرَابِ عَنِ الدُّخُولِ فِي الْإِسْلَامِ ، وَلَا يَعْلَمُونَ حِكْمَةَ قَتْلِهِمْ -بِأَنَّهُ لِأَجْلِ كُفْرِهِمْ- فَإِنَّهُمْ إِنَّمَا يَأْخُذُونَهُ بِمُجَرَّدِ مَا يَظْهَرُ لَهُمْ ، فَيَقُولُونَ : إِنَّ مُحَمَّدًا يَقْتُلُ أَصْحَابَهُ .
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى :
[10 ] فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَهُمُ اللَّهُ مَرَضًا وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ
الْمَرَضُ : السَّقَمُ ، وَهُوَ نَقِيضُ الصِّحَّةِ ، بِسَبَبِ مَا يَعْرِضُ لِلْبَدَنِ ، فَيُخْرِجُهُ عَنْ الِاعْتِدَالِ اللَّائِقِ بِهِ ، وَيُوجِبُ الْخَلَلَ فِي أَفَاعِيلِهِ ، اُسْتُعِيرَ هَاهُنَا لِعَدَمِ صِحَّةِ يَقِينِهِمْ ، وَضَعْفِ دِينِهِمْ - وَكَذَا تُوصَفُ قُلُوبُ الْمُؤْمِنِينَ بِالسَّلَامَةِ الَّتِي هِيَ صِحَّةُ الْيَقِينِ ، وَعَدَمُ ضَعْفِهِ ، كَمَا قَالَ تَعَالَى : إِلا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ أَيْ : غَيْرُ مَرِيضٍ بِمَا ذَكَرْنَا - أَوِ اُسْتُعِيرَ لِشَكِّهِمْ ، لِأَنَّ الشَّكَّ تَرَدُّدٌ بَيْنَ الْأَمْرَيْنِ ، وَالْمُنَافِقُ مُتَرَدِّدٌ ، كَمَا فِي الْحَدِيثِ « مَثَلُ الْمُنَافِقِ كَمَثَلِ الشَّاةِ [ ص: 46 ] الْعَائِرَةِ بَيْنَ الْغَنَمَيْنِ » وَالْمَرِيضُ مُتَرَدِّدٌ بَيْنَ الْحَيَاةِ وَالْمَوْتِ .
" فَزَادَهُمُ اللَّهُ مَرَضًا" بِأَنْ طُبِعَ عَلَى قُلُوبِهِمْ ، لِعِلْمِهِ تَعَالَى بِأَنَّهُ لَا يُؤَثِّرُ فِيهَا التَّذْكِيرُ وَالْإِنْذَارُ .
وَقَالَ الْقَاشَانِيُّ : أَيْ : مَرَضًا آخَرَ - حِقْدًا وَحَسَدًا وَغِلًّا - بِإِعْلَاءِ كَلِمَةِ الدِّينِ ، وَنُصْرَةِ الرَّسُولِ وَالْمُؤْمِنِينَ - ثُمَّ قَالَ : وَالرَّذَائِلُ كُلُّهَا أَمْرَاضُ الْقُلُوبِ ، لِأَنَّهَا أَسْبَابُ ضَعْفِهَا وَآفَتِهَا فِي أَفْعَالِهَا الْخَاصَّةِ ، وَهَلَاكِهَا فِي الْعَاقِبَةِ .
" وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ" أَيْ : مُؤْلِمٌ - بِكَسْرِ اللَّامِ - فَعِيلٌ بِمَعْنَى فَاعِلٍ - كَسَمِيعٍ وَبَصِيرٍ -
قَالَ فِي الْمُحْكَمِ : الْأَلِيمُ مِنَ الْعَذَابِ الَّذِي يَبْلُغُ إِيجَاعُهُ غَايَةَ الْبُلُوغِ . وَمِنْهُ يُعْلَمُ وَجْهُ إِيثَارِهِ فِي عَذَابِ الْمُنَافِقِينَ -عَلَى "الْعِظَمِ" الْمُتَقَدِّمِ فِي وَصْفِ عَذَابِ الْكَافِرِينَ- وَيُؤَيِّدُهُ : إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ وَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ نَصِيرًا
"بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ" الْبَاءُ لِلسَّبَبِيَّةِ أَوْ لِلْمُقَابَلَةِ -أَيْ : بِسَبَبِ كَذِبِهِمْ أَوْ بِمُقَابَلَتِهِ- وَهُوَ قَوْلُهُمْ : آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الْآخِرِ، وَهُمْ غَيْرُ مُؤْمِنِينَ . وَفِيهِ رَمْزٌ إِلَى قُبْحِ الْكَذِبِ ، وَسَمَاجَتِهِ ، وَتَخْيِيلِ أَنَّ الْعَذَابَ الْأَلِيمَ لَاحِقٌ بِهِمْ مِنْ أَجْلِ كَذِبِهِمْ- مَعَ إِحَاطَةِ عِلْمِ السَّامِعِ بِأَنَّ لُحُوقَ الْعَذَابِ بِهِمْ مِنْ جِهَاتٍ شَتَّى- وَنَحْوُهُ قَوْلُهُ تَعَالَى : مِمَّا خَطِيئَاتِهِمْ أُغْرِقُوا - وَالْقَوْمُ كَفَرَةٌ - وَإِنَّمَا خَصَّتِ الْخَطِيئَاتِ اسْتِعْظَامًا لَهَا ، وَتَنْفِيرًا عَنِ ارْتِكَابِهَا .
[ ص: 47 ] الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى :
[11 ] وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لا تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ [12 ] أَلا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلَكِنْ لا يَشْعُرُونَ
شُرُوعٌ فِي تَعْدِيدِ بَعْضٍ مِنْ مَسَاوِئِهِمُ الْمُتَفَرِّعَةِ -عَلَى مَا حَكَى عَنْهُمْ مِنَ الْكُفْرِ وَالنِّفَاقِ- ، وَ"الْفَسَادُ": خُرُوجُ الشَّيْءِ عَنْ حَالِ اسْتِقَامَتِهِ وَكَوْنِهِ مُنْتَفِعًا بِهِ . وَنَقِيضُهُ "الصَّلَاحُ" وَهُوَ الْحُصُولُ عَلَى الْحَالَةِ الْمُسْتَقِيمَةِ النَّافِعَةِ . وَالْفَسَادُ فِي الْأَرْضِ : تَهْيِيجُ الْحُرُوبِ وَالْفِتَنِ ، لِأَنَّ فِي ذَلِكَ فَسَادَ مَا فِي الْأَرْضِ ، وَانْتِفَاءَ الِاسْتِقَامَةِ عَنْ أَحْوَالِ النَّاسِ ، وَالزُّرُوعِ ، وَالْمَنَافِعِ الدِّينِيَّةِ وَالدُّنْيَوِيَّةِ . قَالَ اللَّهُ تَعَالَى : وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللَّهُ لا يُحِبُّ الْفَسَادَ أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَمِنْهُ قِيلَ لِحَرْبٍ كَانَتْ بَيْنَ طَيْءٍ : حَرْبُ الْفَسَادِ - .
وَكَانَ إِفْسَادُ الْمُنَافِقِينَ فِي الْأَرْضِ أَنَّهُمْ كَانُوا يُمَالِئُونَ الْكُفَّارَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ بِإِفْشَاءِ أَسْرَارِهِمْ إِلَيْهِمْ ، وَإِغْرَائِهِمْ عَلَيْهِمْ ، وَاتِّخَاذِهِمْ أَوْلِيَاءَ ، مَعَ مَا يَدْعُونَ فِي السِّرِّ إِلَى: تَكْذِيبِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَجَحْدِ الْإِسْلَامِ ، وَإِلْقَاءِ الشُّبَهِ ، وَذَلِكَ مِمَّا يُجَرِّئُ الْكَفَرَةَ عَلَى إِظْهَارِ عَدَاوَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَنَصْبِ الْحَرْبِ لَهُ ، وَطَمَعِهِمْ - فِي الْغَلَبَةِ ، فَلَمَّا كَانَ ذَلِكَ مِنْ صَنِيعِهِمْ مُؤَدِّيًا إِلَى الْفَسَادِ -بِتَهْيِيجِ الْفِتَنِ بَيْنَهُمْ- قِيلَ لَهُمْ : لَا تُفْسِدُوا - كَمَا تَقُولُ لِلرَّجُلِ : لَا تَقْتُلْ نَفْسَكَ بِيَدِكَ وَلَا تُلْقِ نَفْسَكَ فِي النَّارِ ؛ إِذَا أَقْدَمَ عَلَى مَا هَذِهِ عَاقِبَتُهُ- وَقَدْ قَالَ تَعَالَى : وَالَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ إِلا تَفْعَلُوهُ تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الأَرْضِ وَفَسَادٌ كَبِيرٌ [ ص: 48 ] فَأَخْبَرَ أَنَّ مُوَلَّاةَ الْكَافِرِينَ تُؤَدِّي إِلَى الْفِتْنَةِ وَالْفَسَادِ ، لِمَا تَقَدَّمَ .
وَقَوْلُهُمْ "إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ" أَيْ : بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ وَأَهْلِ الْكِتَابِ . نُدَارِي الْفَرِيقَيْنِ وَنُرِيدُ الْإِصْلَاحَ بَيْنَهُمَا كَمَا حَكَى اللَّهُ عَنْهُمْ أَنَّهُمْ قَالُوا : إِنْ أَرَدْنَا إِلا إِحْسَانًا وَتَوْفِيقًا أَوْ مَعْنَاهُ : إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ فِي الْأَرْضِ بِالطَّاعَةِ وَالِانْقِيَادِ .
قَالَ الرَّاغِبُ : تَصَوَّرُوا إِفْسَادَهُمْ بِصُورَةِ الْإِصْلَاحِ - لِمَا فِي قُلُوبِهِمْ مِنَ الْمَرَضِ -كَمَا قَالَ : أَفَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَنًا وَقَوْلُهُ : وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ وَقَوْلُهُ : وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا
وَقَالَ الْقَاشَانِيُّ: كَانُوا يَرَوْنَ الصَّلَاحَ فِي تَحْصِيلِ الْمَعَاشِ ، وَتَيْسِيرِ أَسْبَابِهِ ، وَتَنْظِيمِ أُمُورِ الدُّنْيَا - لِأَنْفُسِهِمْ خَاصَّةً - لِتَوَغُّلِهِمْ فِي مَحَبَّةِ الدُّنْيَا ، وَانْهِمَاكِهِمْ فِي اللَّذَّاتِ الْبَدَنِيَّةِ، وَاحْتِجَابِهِمْ- بِالْمَنَافِعِ الْجُزْئِيَّةِ، وَالْمَلَاذِّ الْحِسِّيَّةِ -عَنِ الْمَصَالِحِ الْعَامَّةِ الْكُلِّيَّةِ، وَاللَّذَّاتِ الْعَقْلِيَّةِ ، وَبِذَلِكَ يَتَيَسَّرُ مُرَادُهُمْ ، وَيَتَسَهَّلُ مَطْلُوبُهُمْ ، وَهُمْ لَا يُحِسُّونَ بِإِفْسَادِهِمُ الْمُدْرَكَ بِالْحِسِّ .
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟ فبكى رحمه الله ثم قال : أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.
|