عرض مشاركة واحدة
  #7  
قديم 10-01-2022, 08:20 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 134,097
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير "محاسن التأويل"محمد جمال الدين القاسمي متجدد إن شاء الله



تفسير "محاسن التأويل"
محمد جمال الدين القاسمي
سورة البقرة
المجلد الثانى
صـ 37 الى صـ 42
الحلقة (7)

الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى :

[4 ] وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنْـزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْـزِلَ مِنْ قَبْلِكَ وَبِالآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ

" وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ" وَالْمُرَادُ "بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ" الْكِتَابُ الْمُنَزَّلُ كُلُّهُ ، وَإِنَّمَا عَبَّرَ عَنْهُ بِلَفْظِ الْمَاضِي - وَإِنْ كَانَ بَعْضُهُ مُتَرَقِّبًا - تَغْلِيبًا لِلْمَوْجُودِ عَلَى مَا لَمْ يُوجَدْ . كَمَا أَنَّ الْمُرَادَ مِنْ قَوْلِهِ : "وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ" الْكُتُبُ الْإِلَهِيَّةُ السَّالِفَةُ كُلُّهَا . وَهَذَا كَقَوْلِهِ تَعَالَى : يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي نَـزَّلَ عَلَى رَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي أَنْـزَلَ مِنْ قَبْلُ الْآيَةَ . وَالْإِنْزَالُ النَّقْلُ مِنَ الْأَعْلَى إِلَى الْأَسْفَلِ . فَنُزُولُ الْكُتُبِ الْإِلَهِيَّةِ إِلَى الرُّسُلِ عَلَيْهِمُ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ بِأَنْ يَتَلَقَّاهَا جِبْرِيلُ مِنْ جَنَابِهِ عَزَّ وَجَلَّ فَيَنْزِلُ بِهَا إِلَى الرُّسُلِ عَلَيْهِمُ السَّلَامُ . وَلِهَذَا يُقَالُ : الْقُرْآنُ كَلَامُ اللَّهِ لَيْسَ بِمَخْلُوقٍ ، مِنْهُ بَدَأَ .

قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ وَغَيْرُهُ : وَإِلَيْهِ يَعُودُ أَيْ هُوَ الْمُتَكَلِّمُ بِهِ . قَالَ تَعَالَى : وَالَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْلَمُونَ أَنَّهُ مُنَـزَّلٌ مِنْ رَبِّكَ بِالْحَقِّ وَقَالَ تَعَالَى : قُلْ نَـزَّلَهُ [ ص: 38 ] رُوحُ الْقُدُسِ مِنْ رَبِّكَ بِالْحَقِّ وَقَالَ تَعَالَى : تَنْـزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ

" وَبِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ الْآخِرَةُ فِي الْأَصْلِ : تَأْنِيثُ الْآخِرِ الَّذِي هُوَ نَقِيضُ الْأَوَّلِ وَهِيَ صِفَةُ الدَّارِ ، بِدَلِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى : تِلْكَ الدَّارُ الآخِرَةُ سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِأَنَّهَا مُتَأَخِّرَةٌ عَنِ الدُّنْيَا . وَقِيلَ لِلدُّنْيَا : دُنْيَا ، لِأَنَّهَا أَدْنَى مِنَ الْآخِرَةِ . وَهُمَا مِنَ الصِّفَاتِ الْغَالِبَةِ . وَمَعَ ذَلِكَ فَقَدْ جَرَيَا مَجْرَى الْأَسْمَاءِ ; إِذْ قَدْ غَلَبَ تَرْكُ ذِكْرِ اسْمِ مَوْصُوفِهِمَا مَعَهُمَا ، كَأَنَّهُمَا لَيْسَا مِنَ الصِّفَاتِ .

وَالْإِيقَانُ إِتْقَانُ الْعِلْمِ بِانْتِفَاءِ الشَّكِّ وَالشُّبْهَةِ عَنْهُ ، وَفِي تَقْدِيمِ "الْآخِرَةُ" وَبِنَاءُ "يُوقِنُونَ" عَلَى "هُمْ" تَعْرِيضٌ بِأَهْلِ الْكِتَابِ ، وَبِمَا كَانُوا عَلَيْهِ مِنْ إِثْبَاتِ أَمْرِ الْآخِرَةِ عَلَى خِلَافِ حَقِيقَتِهِ . كَزَعْمِهِمْ أَنَّ الْجَنَّةَ لَا يَدْخُلُهَا إِلَّا مَنْ كَانَ هُودًا أَوْ نَصَارَى ؛ وَأَنَّ النَّارَ لَنْ تَمَسَّهُمْ إِلَّا أَيَّامًا مَعْدُودَةً ؛ وَاخْتِلَافُهُمْ فِي أَنَّ نَعِيمَ الْجَنَّةِ هَلْ هُوَ مِنْ قَبِيلِ نَعِيمِ الدُّنْيَا أَوْ لَا ؟ وَهَلْ هُوَ دَائِمٌ أَوْ لَا ؟ فَاعْتِقَادُهُمْ فِي أُمُورِ الْآخِرَةِ بِمَعْزِلٍ مِنَ الصِّحَّةِ ، فَضْلًا عَنِ الْوُصُولِ إِلَى مَرْتَبَةِ الْيَقِينِ ! .
[ ص: 39 ] الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى :

[5 ] أُولَئِكَ عَلَى هُدًى مِنْ رَبِّهِمْ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ

" أُولَئِكَ" أَيِ : الْمُتَّصِفُونَ بِمَا تَقَدَّمَ . عَلَى هُدًى مِنْ رَبِّهِمْ" أَيْ عَلَى نُورٍ مِنْ رَبِّهِمْ ، وَبُرْهَانٍ ، وَاسْتِقَامَةٍ ، وَسَدَادٍ - بِتَسْدِيدِهِ إِيَّاهُمْ وَتَوْفِيقِهِ لَهُمْ- . "وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ" أَيِ الْمُنْجَحُونَ ، الْمُدْرِكُونَ مَا طَلَبُوا عِنْدَ اللَّهِ -بِإِيمَانِهِمْ - مِنَ الْفَوْزِ بِالثَّوَابِ ، وَالْخُلُودِ فِي الْجَنَّاتِ ، وَالنَّجَاةِ مِمَّا أَعَدَّ اللَّهُ لِأَعْدَائِهِ مِنَ الْعِقَابِ .
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى :

[6 ] إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لا يُؤْمِنُونَ

لَمَّا بَيَّنَ تَعَالَى نُعُوتَ الْمُؤْمِنِينَ قَبْلُ ، شَرَحَ أَحْوَالَ مُقَابِلِيهِمْ وَهُمُ الْكَفَرَةُ الْمَرَدَةُ بِأَنَّهُمْ : تَنَاهَوْا فِي الْغَوَايَةِ وَالضَّلَالِ إِلَى حَيْثُ لَا يُجْدِيهُمُ الْإِنْذَارُ وَالتَّذْكِيرُ ، كَمَا قَالَ تَعَالَى : إِنَّ الَّذِينَ حَقَّتْ عَلَيْهِمْ كَلِمَتُ رَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ وَلَوْ جَاءَتْهُمْ كُلُّ آيَةٍ حَتَّى يَرَوُا الْعَذَابَ وَكَقَوْلِهِ سُبْحَانَهُ فِي الْمُعَانِدِينَ الْكِتَابِيِّينَ : وَلَئِنْ أَتَيْتَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ بِكُلِّ آيَةٍ مَا تَبِعُوا قِبْلَتَكَ الْآيَةَ .

وَ "سَوَاءٌ" اسْمٌ بِمَعْنَى : الِاسْتِوَاءِ ، وُصِفَ بِهِ ، كَمَا يُوصَفُ بِالْمَصَادِرِ ، مُبَالَغَةً ؛ وَمِنْهُ [ ص: 40 ] قَوْلُهُ تَعَالَى : تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ بِمَعْنَى : مُسْتَوِيَةٍ .

وَ(الْإِنْذَارُ): الْإِعْلَامُ مَعَ تَخْوِيفٍ ، وَالْمُرَادُ هُنَا : التَّخْوِيفُ مِنْ عَذَابِهِ تَعَالَى ، وَانْتِقَامِهِ ، وَالِاقْتِصَارِ عَلَيْهِ لِمَا أَنَّهُمْ لَيْسُوا أَهْلًا لِلْبِشَارَةِ ، وَلِأَنَّ الْإِنْذَارَ أَوْقَعُ فِي الْقُلُوبِ ؛ وَمَنْ لَمْ يَتَأَثَّرْ بِهِ فَلَأَنْ لَا يَرْفَعَ لِلْبِشَارَةِ رَأْسًا - أَوْلَى .

وَقَوْلُهُ "لَا يُؤْمِنُونَ" جُمْلَةٌ مُسْتَقِلَّةٌ ، مُؤَكِّدَةٌ لِمَا قَبْلَهَا ، مُبَيِّنَةٌ لِمَا فِيهِ مِنْ إِجْمَالِ مَا فِيهِ الِاسْتِوَاءُ .
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى :

[7 ] خَتَمَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَعَلَى سَمْعِهِمْ وَعَلَى أَبْصَارِهِمْ غِشَاوَةٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ

اسْتِنْئَافٌ مُعَلِّلٌ لِمَا سَبَقَ مِنَ الْحُكْمِ ، أَوْ بَيَانٌ وَتَأْكِيدٌ لَهُ . وَالْخَتْمُ عَلَى الشَّيْءِ : الِاسْتِيثَاقُ مِنْهُ بِضَرْبِ الْخَاتَمِ عَلَيْهِ . وَالْمُرَادُ : إِحْدَاثُ حَالَةٍ تَجْعَلُهَا -بِسَبَبِ تَمَادِيهِمْ فِي الْغَيِّ ، وَانْهِمَاكِهِمْ فِي التَّقْلِيدِ ، وَإِعْرَاضِهِمْ عَنْ مِنْهَاجِ النَّظَرِ الصَّحِيحِ - بِحَيْثُ لَا يُؤَثِّرُ فِيهَا الْإِنْذَارُ ، وَلَا يَنْفُذُ فِيهَا الْحَقُّ أَصْلًا.

قَالَ أَبُو السُّعُودِ : وَإِسْنَادُ إِحْدَاثِ تِلْكَ الْحَالَةِ فِي قُلُوبِهِمْ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى ، لِاسْتِنَادِ جَمِيعِ الْحَوَادِثِ عِنْدَنَا -مِنْ حَيْثُ الْخَلْقُ- إِلَيْهِ سُبْحَانَهُ . وَوُرُودُ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ نَاعِيَةً عَلَيْهِمْ سُوءَ صَنِيعِهِمْ ، وَوَخَامَةَ عَاقِبَتِهِمْ ، لِكَوْنِ أَفْعَالِهِمْ - مِنْ حَيْثُ الْكَسْبُ - مُسْتَنِدَةً إِلَيْهِمْ ، فَإِنَّ خَلْقَهَا مِنْهُ سُبْحَانَهُ لَيْسَ بِطَرِيقِ الْجَبْرِ ، بَلْ بِطَرِيقِ التَّرْتِيبِ - عَلَى مَا اقْتَرَفُوهُ مِنَ الْقَبَائِحِ - كَمَا يُعْرِبُ عَنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى : بَلْ طَبَعَ اللَّهُ عَلَيْهَا بِكُفْرِهِمْ وَنَحْوَ ذَلِكَ ، [ ص: 41 ] يَعْنِي كَقَوْلِهِ تَعَالَى : فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ وَقَوْلِهِ : وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصَارَهُمْ كَمَا لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ

وَأَمَّا الْمُعْتَزِلَةُ فَقَدْ سَلَكُوا مَسْلَكَ التَّأْوِيلِ ، وَذَكَرُوا فِي ذَلِكَ عِدَّةً مِنَ الْأَقَاوِيلِ .

مِنْهَا : أَنَّ الْقَوْمَ لَمَّا أَعْرَضُوا عَنِ الْحَقِّ ، وَتَمَكَّنَ ذَلِكَ فِي قُلُوبِهِمْ ، حَتَّى صَارَ كَالطَّبِيعَةِ لَهُمْ ، شُبِّهَ بِالْوَصْفِ الْخُلْقِيِّ الْمَجْبُولِ عَلَيْهِ .

وَمِنْهَا : أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ تَمْثِيلُ قُلُوبِهِمْ بِقُلُوبِ الْبَهَائِمِ الَّتِي خَلَقَهَا اللَّهُ تَعَالَى خَالِيَةً عَنِ الْفَطِنِ ، أَوْ بِقُلُوبٍ قُدِّرَ خَتْمُ اللَّهِ تَعَالَى عَلَيْهَا . كَمَا فِي : سَالَ بِهِ الْوَادِي - إِذَا هَلَكَ - وَطَارَتْ بِهِ الْعَنْقَاءُ - إِذَا طَالَتْ غَيْبَتُهُ - .

وَمِنْهَا : أَنَّ أَعْرَاقَهُمْ لَمَّا رَسَخَتْ فِي الْكُفْرِ ، وَاسْتَحْكَمَتْ ، بِحَيْثُ لَمْ يَبْقَ إِلَى تَحْصِيلِ إِيمَانِهِمْ طَرِيقٌ سِوَى الْإِلْجَاءِ وَالْقَسْرِ ؛ ثُمَّ لَمْ يَفْعَلْ ذَلِكَ مُحَافَظَةً عَلَى حِكْمَةِ التَّكْلِيفِ ، عَبَّرَ عَنْ ذَلِكَ بِالْخَتْمِ ، لِأَنَّهُ سَدٌّ لِطَرِيقِ إِيمَانِهِمْ بِالْكُلِّيَّةِ . وَفِيهِ إِشْعَارٌ بِتَرَامِي أَمْرِهِمْ فِي الْغَيِّ وَالْعِنَادِ .

وَمِنْهَا : أَنَّ ذَلِكَ حِكَايَةٌ لِمَا كَانَتِ الْكَفَرَةُ يَقُولُونَهُ . مِثْلَ قَوْلِهِمْ : قُلُوبُنَا فِي أَكِنَّةٍ مِمَّا تَدْعُونَا إِلَيْهِ، وَفِي آذَانِنَا وَقْرٌ، وَمِنْ بَيْنِنَا وَبَيْنِكَ حِجَابٌ. تَهَكُّمًا بِهِمْ .

وَمِنْهَا : أَنَّ ذَلِكَ فِي الْآخِرَةِ ، وَإِنَّمَا أَخْبَرَ عَنْهُ بِالْمَاضِي لِتَحَقُّقِ وُقُوعِهِ . وَيُعَضِّدُهُ قَوْلُهُ تَعَالَى : وَنَحْشُرُهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى وُجُوهِهِمْ عُمْيًا وَبُكْمًا انْتَهَى مُلَخَّصًا

(فَائِدَةٌ) : قَالَ الرَّاغِبُ : الْمُرَادُ بِالْقَلْبِ فِي كَثِيرٍ مِنَ الْآيَاتِ الْعَقْلُ وَالْمَعْرِفَةُ اهـ.
[ ص: 42 ] الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى :

[8 ] وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الآخِرِ وَمَا هُمْ بِمُؤْمِنِينَ

أَصْلُ نَاسٍ أُنَاسٌ ، حُذِفَتْ هَمْزَتُهُ تَخْفِيفًا ، وَحَذْفُهَا مَعَ لَامِ التَّعْرِيفِ كَاللَّازِمِ . وَيَشْهَدُ لِأَصْلِهِ إِنْسَانٌ ، وَأُنَاسٌ ، وَأَنَاسِيٌّ ، وَإِنْسٌ ، وَسُمُّوا لِظُهُورِهِمْ وَأَنَّهُمْ يُؤْنِسُونَ أَيْ : يُبْصِرُونَ - كَمَا سُمِّيَ الْجِنُّ لِاجْتِنَانِهِمْ - وَلِذَلِكَ سُمُّوا بَشَرًا . وَقِيلَ : اشْتِقَاقُهُ مِنَ الْأُنْسِ - ضِدِّ الْوَحْشَةِ - لِأَنَّ الْإِنْسَاْنَ مَدَنِيٌّ بِالطَّبْعِ . وَالْأَوَّلُ أَظْهَرُ .

وَاعْلَمْ أَنَّ صِفَاتِ الْمُنَافِقِينَ إِنَّمَا نَزَلَتْ فِي السُّوَرِ الْمَدَنِيَّةِ . لِأَنَّ مَكَّةَ لَمْ يَكُنْ فِيهَا نِفَاقٌ ، فَلَمَّا هَاجَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى الْمَدِينَةِ ، وَكَانَ بِهَا الْأَنْصَارُ مِنَ الْأَوْسِ وَالْخَزْرَجِ ، وَكَانُوا فِي جَاهِلِيَّتِهِمْ يَعْبُدُونَ الْأَصْنَامَ عَلَى طَرِيقَةِ مُشْرِكِي الْعَرَبِ . وَبِهَا الْيَهُودُ - مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ- وَهُمْ ثَلَاثُ قَبَائِلَ : بَنُو قَيْنُقَاعٍ - حُلَفَاءُ الْخَزْرَجِ - وَبَنُو النَّضِيرِ وَبَنُو قُرَيْظَةَ - حُلَفَاءُ الْأَوْسِ - فَلَمَّا قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَدِينَةَ ، وَأَسْلَمَ مَنْ أَسْلَمَ مِنَ الْأَنْصَارِ مِنْ قَبِيلَتَيِ الْأَوْسِ وَالْخَزْرَجِ ، وَقَلَّ مَنْ أَسْلَمَ مِنَ الْيَهُودِ -إِلَّا عَبْدَ اللَّهِ بْنَ سَلَامٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَلَمْ يَكُنْ إِذْ ذَاكَ نِفَاقٌ أَيْضًا ، لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ لِلْمُسْلِمِينَ بَعْدُ شَوْكَةٌ تُخَافُ ؛ بَلْ قَدْ كَانَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ وَادَعَ الْيَهُودَ وَقَبَائِلَ كَثِيرَةً -مِنْ أَحْيَاءِ الْعَرَبِ حَوَالَيِ الْمَدِينَةِ- فَلَمَّا كَانَتْ وَقْعَةُ بَدْرٍ الْعُظْمَى ، وَأَظْهَرَ اللَّهُ كَلِمَتَهُ ، وَأَعَزَّ الْإِسْلَامَ وَأَهْلَهُ ، قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُبَيٍّ ابْنُ سَلُولَ -وَكَانَ رَأْسًا فِي الْمَدِينَةِ ، وَهُوَ مَنَ الْخَزْرَجِ ، وَكَانَ ابْنَ سَيِّدِ الطَّائِفَتَيْنِ فِي الْجَاهِلِيَّةِ ؛ وَكَانُوا قَدْ عَزَمُوا عَلَى أَنْ يُمَلِّكُوهُ عَلَيْهِمْ ، فَجَاءَهُمُ الْخَبَرُ ، وَأَسْلَمُوا ، وَاشْتَغَلُوا عَنْهُ ، فَبَقِيَ فِي نَفْسِهِ مِنَ الْإِسْلَامِ وَأَهْلِهِ ، فَلَمَّا كَانَتْ وَقْعَةُ بَدْرٍ ، قَالَ : هَذَا أَمْرٌ قَدْ تَوَجَّهَ . فَأَظْهَرَ الدُّخُولَ فِي الْإِسْلَامِ ، وَدَخَلَ مَعَهُ طَوَائِفُ - مِمَّنْ هُوَ عَلَى طَرِيقَتِهِ وَنِحْلَتِهِ - وَآخَرُونَ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ ؛ فَمِنْ ثَمَّ وُجِدَ النِّفَاقُ فِي أَهْلِ الْمَدِينَةِ ، وَمَنْ حَوْلَهَا مِنَ الْأَعْرَابِ .



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 26.22 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 25.60 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (2.39%)]