عرض مشاركة واحدة
  #7  
قديم 14-12-2021, 08:25 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 134,095
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير (الجامع لأحكام القرآن) الشيخ الفقيه الامام القرطبى



تَّفْسِيرِ
(الْجَامِعِ لِأَحْكَامِ الْقُرْآنِ ، وَالْمُبَيِّنِ لِمَا تَضَمَّنَهُ مِنَ السُّنَّةِ وَآيِ الْفُرْقَانِ )
الشَّيْخُ الْفَقِيهُ الْإِمَامُ الْعَالِمُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ الْقُرْطُبِيُّ
المجلد (1)
خُطْبَةُ الْمُصَنِّفِ
من صــ 56 الى صــ 60
الحلقة (7)

قال كثير من علمائنا كالداودي وابن أبي صفرة وغيرهما : هذه القراءات السبع التي تنسب لهؤلاء القراء السبعة ، ليست هي الأحرف السبعة التي اتسعت الصحابة في القراءة بها ، وإنما هي راجعة إلى حرف واحد من تلك السبعة ، وهو الذي جمع عليه عثمان المصحف ، ذكره ابن النحاس وغيره . وهذه القراءات المشهورة هي اختيارات أولئك الأئمة القراء ، وذلك أن كل واحد منهم اختار فيما روى وعلم وجهه من القراءات ما هو الأحسن عنده والأولى ، فالتزمه طريقة ورواه وأقرأ به واشتهر عنه ، وعرف به ونسب إليه ، فقيل : حرف نافع ، وحرف ابن كثير ; ولم يمنع واحد منهم اختيار الآخر ولا أنكره بل سوغه وجوزه وكل واحد من هؤلاء السبعة روي عنه اختياران أو أكثر ، وكل صحيح . وقد أجمع المسلمون في هذه الأعصار على الاعتماد على ما صح عن هؤلاء الأئمة مما رووه ورأوه من القراءات وكتبوا في ذلك مصنفات ، فاستمر الإجماع على الصواب ، وحصل ما وعد الله به من حفظ الكتاب ، وعلى هذه الأئمة المتقدمون والفضلاء المحققون كالقاضي أبي بكر بن الطيب والطبري وغيرهما . قال ابن عطية : ومضت الأعصار والأمصار على قراءة السبعة وبها يصلى لأنها ثبتت بالإجماع ; وأما شاذ القراءات فلا يصلى به لأنه لم يجمع الناس عليه ، أما أن المروي منه عن الصحابة رضي الله عنهم وعن علماء التابعين ، فلا يعتقد فيه إلا أنهم رووه وأما ما يؤثر عن أبي السمال ومن قارنه فإنه لا يوثق به . قال غيره : أما شاذ القراءة عن [ ص: 56 ] المصاحف المتواترة فليست بقرآن ، ولا يعمل بها على أنها منه ، وأحسن محاملها أن تكون بيان تأويل مذهب من نسبت إليه كقراءة ابن مسعود : فصيام ثلاثة أيام متتابعات . فأما لو صرح الراوي بسماعها من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فاختلف العلماء في العمل بذلك على قولين : النفي والإثبات ; وجه النفي أن الراوي لم يروه في معرض الخبر بل في معرض القرآن ، ولم يثبت فلا يثبت . والوجه الثاني أنه وإن لم يثبت كونه قرآنا فقد ثبت كونه سنة ، وذلك يوجب العمل كسائر أخبار الآحاد .
قال ابن عطية : أباح الله تعالى لنبيه عليه السلام هذه الحروف السبعة ، وعارضه بها جبريل عليه السلام في عرضاته على الوجه الذي فيه الإعجاز وجودة الرصف ، ولم تقع الإباحة في قوله عليه السلام : فاقرءوا ما تيسر منه بأن يكون كل واحد من الصحابة إذا أراد أن يبدل اللفظة من بعض هذه اللغات جعلها من تلقاء نفسه ، ولو كان هذا لذهب إعجاز القرآن ، وكان معرضا أن يبدل هذا وهذا حتى يكون غير الذي نزل من عند الله ، وإنما وقعت الإباحة في الحروف السبعة للنبي - صلى الله عليه وسلم - ليوسع بها على أمته ، فأقرأ مرة لأبي بما عارضه به جبريل ، ومرة لابن مسعود بما عارضه به أيضا ; وعلى هذا تجيء قراءة عمر بن الخطاب لسورة " الفرقان " ، وقراءة هشام بن حكيم لها ، وإلا فكيف يستقيم أن يقول النبي - صلى الله عليه وسلم - في كل قراءة منهما وقد اختلفا : " هكذا أقرأني جبريل " هل ذلك إلا أنه أقرأه مرة بهذه ومرة بهذه ؟ ! وعلى هذا يحمل قول أنس حين قرأ : ( إن ناشئة الليل هي أشد وطأ وأصوب قيلا ) فقيل له : إنما نقرأ وأقوم قيلا ! . فقال أنس : وأصوب قيلا ، وأقوم قيلا وأهيأ ، واحد ; فإنما معنى هذا أنها مروية عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ، وإلا فلو كان هذا لأحد من الناس أن يضعه لبطل معنى قوله تعالى : إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون [ الحجر : 9 ]

روى البخاري ومسلم وغيرهما عن عمر بن الخطاب قال : سمعت هشام بن حكيم يقرأ سورة " الفرقان " على غير ما أقرأها ، وكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أقرأنيها ، فكدت أن أعجل عليه ، ثم أمهلته حتى انصرف ثم لببته بردائه ، فجئت به رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقلت يا رسول الله ، إني سمعت هذا يقرأ سورة " الفرقان " على غير ما أقرأتنيها ! فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " أرسله اقرأ " فقرأ القراءة التي سمعته يقرأ ; فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : هكذا أنزلت ثم قال لي : اقرأ فقرأت فقال : هكذا أنزلت إن هذا القرآن أنزل على سبعة أحرف فاقرؤوا ما تيسر منه .

قلت وفي معنى حديث عمر هذا ، ما رواه مسلم عن أبي بن كعب قال : كنت في المسجد فدخل رجل يصلي ، فقرأ قراءة أنكرتها عليه ، ثم دخل آخر فقرأ قراءة سوى قراءة صاحبه ، فلما قضينا الصلاة دخلنا جميعا على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقلت : إن هذا قرأ قراءة أنكرتها عليه ، ودخل آخر فقرأ سوى قراءة صاحبه ; فأمرهما النبي - صلى الله عليه وسلم - فقرآ ، فحسن النبي - صلى الله عليه وسلم - شأنهما ، فسقط في نفسي من التكذيب ولا إذ كنت في الجاهلية ، فلما رأى النبي - صلى الله عليه وسلم - ما قد غشيني ، ضرب في صدري ففضت عرقا ، وكأنما أنظر إلى الله تعالى فرقا ، فقال لي : يا أبي أرسل إلي أن اقرأ القرآن على حرف فرددت إليه أن هون على أمتي فرد إلي الثانية اقرأه على حرفين فرددت إليه أن هون على أمتي فرد [ ص: 57 ] إلي الثالثة اقرأه على سبعة أحرف فلك بكل ردة رددتكها مسألة تسألنيها فقلت اللهم اغفر لأمتي اللهم اغفر لأمتي وأخرت الثالثة ليوم يرغب إلي فيه الخلق كلهم حتى إبراهيم عليه السلام .

قول أبي رضي الله عنه : " فسقط في نفسي " معناه اعترتني حيرة ودهشة ; أي أصابته نزغة من الشيطان ليشوش عليه حاله ، ويكدر عليه وقته ; فإنه عظم عليه من اختلاف القراءات ما ليس عظيما في نفسه ; وإلا فأي شيء يلزم من المحال والتكذيب من اختلاف القراءات ، ولم يلزم ذلك والحمد لله في النسخ الذي هو أعظم ، فكيف بالقراءة !

ولما رأى النبي - صلى الله عليه وسلم - ما أصابه من ذلك الخاطر نبهه بأن ضربه في صدره فأعقب ذلك بأن انشرح صدره وتنور باطنه ، حتى آل به الكشف والشرح إلى حالة المعاينة ; ولما ظهر له قبح ذلك الخاطر خاف من الله تعالى وفاض بالعرق استحياء من الله تعالى ، فكان هذا الخاطر من قبيل ما قال فيه النبي - صلى الله عليه وسلم - حين سألوه : إنا نجد في أنفسنا ما يتعاظم أحدنا أن يتكلم به قال : وقد وجدتموه ؟ قالوا : نعم ، قال : ذلك صريح الإيمان . أخرجه مسلم من حديث أبي هريرة . وسيأتي الكلام عليه في سورة " الأعراف " إن شاء الله تعالى .
باب ذكر جمع القرآن ، وسبب كتب عثمان المصاحف وإحراقه ما سواها ، وذكر من حفظ القرآن من الصحابة رضي الله عنهم في زمن النبي - صلى الله عليه وسلم -

كان القرآن في مدة النبي - صلى الله عليه وسلم - متفرقا في صدور الرجال وقد كتب الناس منه في صحف وفي جريد وفي لخاف وظرر وفي خزف وغير ذلك - قال الأصمعي : اللخاف : حجارة بيض رقاق ، واحدتها لخفة . والظرر : حجر له حد كحد السكين ، والجمع ظرار ; مثل رطب ورطاب ، وربع ورباع ، وظران أيضا مثل صرد وصردان - فلما استحر القتل بالقراء يوم اليمامة في زمن الصديق رضي الله عنه ، وقتل منهم في ذلك اليوم فيما قيل سبعمائة ، أشار عمر بن الخطاب على أبي بكر الصديق رضي الله عنهما بجمع القرآن مخافة أن يموت أشياخ القراء ، كأبي وابن مسعود وزيد ; فندبا زيد بن ثابت إلى ذلك ، فجمعه غير مرتب السور ، بعد تعب شديد ، رضي الله عنه . روى البخاري عن زيد بن ثابت قال : أرسل إلي أبو بكر مقتل أهل اليمامة وعنده عمر ، فقال أبو بكر : إن عمر أتاني فقال إن القتل قد استحر يوم اليمامة بالناس ، وإني أخشى أن يستحر القتل بالقراء في المواطن ، فيذهب كثير من القرآن إلا أن تجمعوه ، وإني لأرى أن تجمع القرآن ; قال أبو بكر : فقلت لعمر كيف أفعل شيئا لم يفعله رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ؟ فقال : هو والله خير ; فلم يزل يراجعني حتى شرح الله لذلك صدري ، ورأيت الذي رأى عمر . قال زيد : وعنده عمر جالس لا يتكلم ، فقال لي أبو بكر : إنك رجل شاب عاقل ولا نتهمك ، كنت تكتب الوحي لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، فتتبع القرآن فاجمعه ، فوالله لو كلفني نقل جبل من الجبال ما كان أثقل علي مما أمرني به من جمع القرآن ; قلت : كيف تفعلان شيئا لم يفعله رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ؟ فقال أبو بكر : هو والله خير ; فلم أزل أراجعه حتى شرح الله صدري للذي شرح له صدر أبي بكر وعمر ; فقمت فتتبعت القرآن أجمعه من الرقاع [ ص: 58 ] والأكتاف والعسب وصدور الرجال ، حتى وجدت من سورة التوبة آيتين مع خزيمة الأنصاري لم أجدهما مع غيره : لقد جاءكم رسول من أنفسكم [ التوبة : 128 ] إلى آخرها . فكانت الصحف التي جمع فيها القرآن عند أبي بكر حتى توفاه الله ثم عند عمر حتى توفاه الله ثم عند حفصة بنت عمر . وقال الليث حدثني عبد الرحمن بن غالب عن ابن شهاب وقال : مع أبي خزيمة الأنصاري . وقال أبو ثابت حدثنا إبراهيم ! وقال : مع خزيمة أو أبي خزيمة : فإن تولوا فقل حسبي الله لا إله إلا هو عليه توكلت وهو رب العرش العظيم [ التوبة : 128 - 129 ] .

وقال الترمذي في حديثه عنه : فوجدت آخر سورة " براءة " مع خزيمة بن ثابت لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم بالمؤمنين رؤوف رحيم ( 128 ) فإن تولوا فقل حسبي الله لا إله إلا هو عليه توكلت وهو رب العرش العظيم [ التوبة : 128 - 129 ] قال : حديث حسن صحيح . وفي البخاري عن زيد بن ثابت قال : لما نسخنا الصحف في المصاحف فقدت آية من سورة الأحزاب كنت أسمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقرؤها ، لم أجدها مع أحد إلا مع خزيمة الأنصاري - الذي جعل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - شهادته بشهادة رجلين - : رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه [ الأحزاب : 23 ] وقال الترمذي عنه : فقدت آية من سورة الأحزاب كنت أسمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقرؤها : من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر [ الأحزاب : 23 ] فالتمستها فوجدتها عند خزيمة بن ثابت أو أبي خزيمة ، فألحقتها في سورتها .

قلت : فسقطت الآية الأولى من آخر " براءة " في الجمع الأول على ما قاله البخاري والترمذي ، وفي الجمع الثاني فقدت آية من سورة " الأحزاب " . وحكى الطبري : أن آية " براءة " سقطت في الجمع الأخير ، والأول أصح والله أعلم . فإن قيل : فما وجه جمع عثمان الناس على مصحفه ، وقد سبقه أبو بكر إلى ذلك وفرغ منه ; قيل له : إن عثمان رضي الله عنه لم يقصد بما صنع جمع الناس على تأليف المصحف ، ألا ترى كيف أرسل إلى حفصة : أن أرسلي إلينا بالصحف ننسخها في المصاحف ثم نردها إليك ; على ما يأتي . وإنما فعل ذلك عثمان لأن الناس اختلفوا في القراءات بسبب تفرق الصحابة في البلدان واشتد الأمر في ذلك وعظم اختلافهم وتشبثهم ; ووقع بين أهل الشام والعراق ما ذكره حذيفة رضي الله عنه . وذلك أنهم اجتمعوا في غزوة أرمينية فقرأت كل طائفة بما روي لها ; فاختلفوا وتنازعوا وأظهر بعضهم إكفار بعض والبراءة منه وتلاعنوا ; فأشفق حذيفة مما رأى منهم ; فلما قدم حذيفة المدينة - فيما ذكر البخاري والترمذي - دخل إلى عثمان قبل أن يدخل إلى بيته ، فقال : أدرك هذه الأمة قبل أن تهلك ! قال : في ماذا ؟ [ ص: 59 ] قال : في كتاب الله ، إني حضرت هذه الغزوة ، وجمعت ناسا من العراق والشام والحجاز ، فوصف له ما تقدم وقال : إني أخشى عليهم أن يختلفوا في كتابهم كما اختلف اليهود والنصارى .

قلت : وهذا أدل دليل على بطلان من قال : إن المراد بالأحرف السبعة قراءات القراء السبعة ، لأن الحق لا يختلف فيه ، وقد روى سويد بن غفلة عن علي بن أبي طالب أن عثمان قال : ما ترون في المصاحف ؟ فإن الناس قد اختلفوا في القراءة حتى أن الرجل ليقول : قراءتي خير من قراءتك ، وقراءتي أفضل من قراءتك . وهذا شبيه بالكفر ; قلنا : ما الرأي عندك يا أمير المؤمنين ؟ قال : الرأي عندي أن يجتمع الناس على قراءة ، فإنكم إذا اختلفتم اليوم كان من بعدكم أشد اختلافا ، قلنا : الرأي رأيك يا أمير المؤمنين ; فأرسل عثمان إلى حفصة : أن أرسلي إلينا بالصحف ننسخها في المصاحف ثم نردها إليك ; فأرسلت بها إليه فأمر زيد بن ثابت وعبد الله بن الزبير وسعيد بن العاص وعبد الرحمن بن الحارث بن هشام فنسخوها في المصاحف . وقال عثمان للرهط القرشيين : إذا اختلفتم أنتم وزيد بن ثابت في شيء من القرآن فاكتبوه بلسان قريش ، فإنما نزل بلسانهم ، ففعلوا . حتى إذا نسخوا الصحف في المصاحف رد عثمان الصحف إلى حفصة ، وأرسل إلى كل أفق بمصحف مما نسخوا ، وأمر بما سوى ذلك من القرآن في كل صحيفة أو مصحف أن يحرق . وكان هذا من عثمان رضي الله عنه بعد أن جمع المهاجرين والأنصار وجلة أهل الإسلام وشاورهم في ذلك ; فاتفقوا على جمعه بما صح وثبت في القراءات المشهورة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - واطراح ما سواها ، واستصوبوا رأيه وكان رأيا سديدا موفقا ; رحمة الله عليه وعليهم أجمعين . وقال الطبري فيما روي : أن عثمان قرن بزيد أبان بن سعيد بن العاص وحده ; وهذا ضعيف . وما ذكره البخاري والترمذي وغيرهما أصح . وقال الطبري أيضا : إن الصحف التي كانت عند حفصة جعلت إماما في هذا الجمع الأخير ; وهذا صحيح .

وقال ابن شهاب : وأخبرني عبيد الله بن عبد الله أن عبد الله بن مسعود كره لزيد بن ثابت نسخ المصاحف ، وقال : يا معشر المسلمين ، أعزل عن نسخ المصاحف ويتولاه رجل ، والله لقد أسلمت وإنه لفي صلب رجل كافر ! . يريد زيد بن ثابت . ولذلك قال عبد الله بن مسعود : يا أهل العراق ، اكتموا المصاحف التي عندكم وغلوها ، فإن الله عز وجل يقول : ومن يغلل يأت بما غل يوم القيامة [ آل عمران : 161 ] فالقوا الله بالمصاحف ، خرجه الترمذي . وسيأتي الكلام في هذا في سورة آل عمران إن شاء الله تعالى .

قال أبو بكر الأنباري : ولم يكن الاختيار لزيد من جهة أبي بكر وعمر وعثمان على عبد الله بن مسعود في جمع القرآن ، وعبد الله أفضل من زيد ، وأقدم في الإسلام ، وأكثر سوابق ، وأعظم فضائل ، إلا لأن زيدا كان أحفظ للقرآن من عبد الله ، إذ وعاه كله ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - حي ، والذي حفظ منه عبد الله في حياة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نيفا وسبعين سورة ، ثم تعلم الباقي بعد وفاة الرسول - صلى الله عليه وسلم - ; فالذي ختم القرآن وحفظه ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - حي أولى بجمع المصحف وأحق بالإيثار والاختيار . ولا ينبغي أن يظن جاهل أن في هذا طعنا على عبد الله بن مسعود ; لأن زيدا إذا كان [ ص: 60 ] أحفظ للقرآن منه فليس ذلك موجبا لتقدمته عليه ، لأن أبا بكر وعمر رضي الله عنهما كان زيد أحفظ منهما للقرآن ، وليس هو خيرا منهما ولا مساويا لهما في الفضائل والمناقب . قال أبو بكر : وما بدا من عبد الله بن مسعود من نكير ذلك فشيء نتجه الغضب ، ولا يعمل به ولا يؤخذ به ، ولا يشك في أنه رضي الله عنه قد عرف بعد زوال الغضب عنه حسن اختيار عثمان ومن معه من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، وبقي على موافقتهم وترك الخلاف لهم . فالشائع الذائع المتعالم عند أهل الرواية والنقل : أن عبد الله بن مسعود تعلم بقية القرآن بعد وفاة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - . وقد قال بعض الأئمة : مات عبد الله بن مسعود قبل أن يختم القرآن . قال يزيد بن هارون : المعوذتان بمنزلة البقرة وآل عمران ، من زعم أنهما ليستا من القرآن فهو كافر بالله العظيم ، فقيل له : فقول عبد الله بن مسعود فيهما ؟ فقال : لا خلاف بين المسلمين في أن عبد الله بن مسعود مات وهو لا يحفظ القرآن كله .

قلت : هذا فيه نظر ، وسيأتي . وروى إسماعيل بن إسحاق وغيره قال حماد : أظنه عن أنس بن مالك ، قال : كانوا يختلفون في الآية فيقولون أقرأها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فلان بن فلان ; فعسى أن يكون من المدينة على ثلاث ليال فيرسل إليه فيجاء به ، فيقال : كيف أقرأك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - آية كذا وكذا ؟ فيكتبون كما قال . قال ابن شهاب : واختلفوا يومئذ في التابوت ، فقال زيد : التابوه . وقال ابن الزبير وسعيد بن العاص : التابوت ; فرفع اختلافهم إلى عثمان فقال : اكتبوه بالتاء ; فإنه نزل بلسان قريش . أخرجه البخاري والترمذي . قال ابن عطية : قرأه زيد بالهاء والقرشيون بالتاء ، فأثبتوه بالتاء ; وكتبت المصاحف على ما هو عليه غابر الدهر ، ونسخ منها عثمان نسخا . قال غيره : قيل سبعة ، وقيل أربعة وهو الأكثر ، ووجه بها إلى الآفاق ، فوجه للعراق والشام ومصر بأمهات ، فاتخذها قراء الأمصار معتمد اختياراتهم ، ولم يخالف أحد منهم مصحفه على النحو الذي بلغه ، وما وجد بين هؤلاء القراء السبعة من الاختلاف في حروف يزيدها بعضهم وينقصها بعضهم فذلك لأن كلا منهم اعتمد على ما بلغه في مصحفه ورواه ، إذ قد كان عثمان كتب تلك المواضع في بعض النسخ ولم يكتبها في بعض إشعارا بأن كل ذلك صحيح ، وأن القراءة بكل منها جائزة ، قال ابن عطية : ثم إن عثمان أمر بما سواها من المصاحف أن تحرق أو تخرق ، تروى بالحاء غير منقوطة وتروى بالخاء على معنى ثم تدفن ، ورواية الحاء غير منقوطة أحسن .

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 34.52 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 33.89 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (1.82%)]