عرض مشاركة واحدة
  #3  
قديم 14-12-2021, 08:10 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 134,062
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير (الجامع لأحكام القرآن) الشيخ الفقيه الامام القرطبى



تَّفْسِيرِ
(الْجَامِعِ لِأَحْكَامِ الْقُرْآنِ ، وَالْمُبَيِّنِ لِمَا تَضَمَّنَهُ مِنَ السُّنَّةِ وَآيِ الْفُرْقَانِ )
الشَّيْخُ الْفَقِيهُ الْإِمَامُ الْعَالِمُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ الْقُرْطُبِيُّ
المجلد (1)
خُطْبَةُ الْمُصَنِّفِ
من صــ 36 الى صــ 40
الحلقة (3)

قال الله تعالى : واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا [ النساء : 36 ] . وقال تعالى : فمن كان يرجو لقاء ربه فليعمل عملا صالحا ولا يشرك بعبادة ربه أحدا [ الكهف : 110 ] . روى مسلم عن أبي هريرة قال : سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : إن أول الناس يقضى عليه يوم القيامة رجل استشهد فأتي به فعرفه نعمه فعرفها قال فما عملت فيها ؟ قال : قاتلت فيك حتى استشهدت قال : كذبت ولكن قاتلت لأن يقال جريء فقد قيل ، ثم أمر به فسحب على وجهه حتى ألقي في النار ، ورجل تعلم العلم وعلمه وقرأ القرآن فأتي به فعرفه نعمه فعرفها قال : فما عملت فيها ؟ قال : تعلمت العلم وعلمته وقرأت فيك القرآن قال : كذبت ولكنك تعلمت العلم ليقال عالم وقرأت القرآن ليقال هو قارئ فقد قيل ، ثم أمر به فسحب على وجهه حتى ألقي في النار ورجل وسع الله عليه وأعطاه من أصناف المال كله فأتي به فعرفه نعمه فعرفها قال : فما عملت فيها ؟ قال : ما تركت من سبيل تحب أن ينفق فيها إلا أنفقت فيها لك قال : كذبت ولكنك فعلت ليقال هو جواد فقد قيل : ثم أمر به فسحب على وجهه ثم ألقي في النار . وقال الترمذي في هذا الحديث : ثم ضرب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على ركبتي فقال : يا أبا هريرة أولئك الثلاثة أول خلق الله تسعر بهم النار يوم القيامة . أبو هريرة اسمه عبد الله ، وقيل : عبد الرحمن ، وقال : كنيت أبا هريرة لأني حملت هرة في كمي ، فرآني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال : ما هذه ؟ قلت : هرة ، فقال : يا أبا هريرة . قال ابن عبد البر : وهذا الحديث فيمن لم يرد بعمله وعلمه وجه الله تعالى . وروي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : من طلب العلم لغير الله أو أراد به غير الله فليتبوأ مقعده من النار .

وخرج ابن المبارك في رقائقه عن العباس بن عبد المطلب قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " يظهر هذا الدين حتى يجاوز البحار وحتى تخاض البحار بالخيل في سبيل الله تبارك وتعالى ثم يأتي أقوام يقرءون القرآن فإذا قرءوه قالوا : من أقرأ منا من أعلم منا " ثم التفت إلى أصحابه فقال : " هل ترون في أولئكم من خير " قالوا : لا . قال : " أولئك منكم وأولئك من هذه الأمة وأولئك هم وقود النار " وروى أبو داود والترمذي عن أبي هريرة قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " من تعلم علما مما يبتغى به وجه الله لا يتعلمه إلا ليصيب به عرضا من الدنيا لم يجد عرف الجنة يوم القيامة " . يعني ريحها . [ ص: 36 ] قال الترمذي : حديث حسن . وروي عن أبي هريرة قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : تعوذوا بالله من جب الحزن قالوا : يا رسول الله وما جب الحزن ؟ قال : واد في جهنم تتعوذ منه جهنم في كل يوم مائة مرة قيل : يا رسول الله ومن يدخله ؟ قال : القراء المراءون بأعمالهم قال : هذا حديث غريب . وفي كتاب أسد بن موسى أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : إن في جهنم لواديا ، إن جهنم لتتعوذ من شر ذلك الوادي كل يوم سبع مرات وإن في ذلك الوادي لجبا ، إن جهنم وذلك الوادي ليتعوذان بالله من شر ذلك الجب وإن في الجب لحية ، وإن جهنم والوادي والجب ليتعوذون بالله من شر تلك الحية سبع مرات أعدها الله للأشقياء من حملة القرآن الذين يعصون الله . فيجب على حامل القرآن وطالب العلم أن يتقي الله في نفسه ويخلص العمل لله ; فإن كان تقدم له شيء مما يكره فليبادر التوبة والإنابة ، وليبتدئ الإخلاص في الطلب وعمله . فالذي يلزم حامل القرآن من التحفيظ أكثر مما يلزم غيره ، كما أن له من الأجر ما ليس لغيره . روى الترمذي عن أبي الدرداء قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : أنزل الله في بعض الكتب - أو أوحى - إلى بعض الأنبياء قل للذين يتفقهون لغير الدين ويتعلمون لغير العمل ويطلبون الدنيا بعمل الآخرة يلبسون للناس مسوك الكباش وقلوبهم كقلوب الذئاب ألسنتهم أحلى من العسل وقلوبهم أمر من الصبر إياي يخادعون وبي يستهزئون لأتيحن لهم فتنة تذر الحليم فيهم حيران .

وخرج الطبري في كتاب آداب النفوس : حدثنا أبو كريب محمد بن العلاء حدثنا المحاربي عن عمرو بن عامر البجلي عن ابن صدقة عن رجل من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - أو من حدثه قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : لا تخادع الله فإنه من يخادع الله يخدعه الله ونفسه يخادع لو يشعر قالوا : يا رسول الله ، وكيف يخادع الله ؟ قال : تعمل بما أمرك الله به وتطلب به غيره واتقوا الرياء فإنه الشرك وإن المرائي يدعى يوم القيامة على رؤوس الأشهاد بأربعة أسماء ينسب إليها يا كافر يا خاسر يا غادر يا فاجر ضل عملك وبطل أجرك فلا خلاق لك اليوم فالتمس أجرك ممن كنت تعمل له يا مخادع وروى علقمة عن عبد الله بن مسعود قال : كيف أنتم ! إذا لبستكم فتنة يربو فيها الصغير ، ويهرم الكبير ، وتتخذ سنة مبتدعة يجري عليها الناس فإذا غير منها شيء قيل : قد غيرت السنة . قيل : متى ذلك يا أبا عبد الرحمن ؟ قال : إذا كثر قراؤكم ، وقل فقهاؤكم ، وكثر أمراؤكم ، وقل أمناؤكم ، والتمست الدنيا بعمل الآخرة ، وتفقه لغير الدين . وقال سفيان بن عيينة : بلغنا عن ابن عباس أنه قال : لو أن حملة القرآن أخذوه بحقه وما ينبغي لأحبهم الله ، ولكن طلبوا به الدنيا فأبغضهم الله ، وهانوا على الناس . وروي عن أبي جعفر محمد بن علي في قول الله تعالى : فكبكبوا فيها هم والغاوون [ الشعراء : 94 ] قال : قوم وصفوا الحق والعدل بألسنتهم ، وخالفوه إلى غيره . وسيأتي لهذا الباب مزيد بيان في أثناء الكتاب إن شاء الله تعالى . [ ص: 37 ]
فأول ذلك أن يخلص في طلبه لله جل وعز كما ذكرناه ، وأن يأخذ نفسه بقراءة القرآن في ليله ونهاره ، في الصلاة أو في غير الصلاة لئلا ينساه . روى مسلم عن ابن عمر أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : إنما مثل صاحب القرآن كمثل صاحب الإبل المعقلة إن عاهد عليها أمسكها وإن أطلقها ذهبت وإذا قام صاحب القرآن فقرأ بالليل والنهار ذكره وإذا لم يقم به نسيه . وينبغي له أن يكون لله حامدا ، ولنعمه شاكرا ، وله ذاكرا ، وعليه متوكلا ، وبه مستعينا ، وإليه راغبا ، وبه معتصما ; وللموت ذاكرا ، وله مستعدا . وينبغي له أن يكون خائفا من ذنبه ، راجيا عفو ربه ; ويكون الخوف في صحته أغلب عليه ، إذ لا يعلم بما يختم له ; ويكون الرجاء عند حضور أجله أقوى في نفسه ، لحسن الظن بالله ; قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : لا يموتن أحدكم إلا وهو يحسن بالله الظن . أي أنه يرحمه ويغفر له . وينبغي له أن يكون عالما بأهل زمانه ، متحفظا من سلطانه ، ساعيا في خلاص نفسه ، ونجاة مهجته ، مقدما بين يديه ما يقدر عليه من عرض دنياه ، مجاهدا لنفسه في ذلك ما استطاع . وينبغي له أن يكون أهم أموره عند الورع في دينه ، واستعمال تقوى الله ومراقبته فيما أمره به ونهاه عنه . وقال ابن مسعود : ينبغي لقارئ القرآن أن يعرف بليله إذا الناس نائمون ، وبنهاره إذا الناس مستيقظون ، وببكائه إذا الناس يضحكون ، وبصمته إذا الناس يخوضون ، وبخضوعه إذا الناس يختالون ، وبحزنه إذا الناس يفرحون . وقال عبد الله بن عمرو : لا ينبغي لحامل القرآن أن يخوض مع من يخوض ، ولا يجهل مع من يجهل ، ولكن يعفو ويصفح لحق القرآن ; لأن في جوفه كلام الله تعالى . وينبغي له أن يأخذ نفسه بالتصاون عن طرق الشبهات ، ويقل الضحك والكلام في مجالس القرآن وغيرها بما لا فائدة فيه ، ويأخذ نفسه بالحلم والوقار . وينبغي له أن يتواضع للفقراء ، ويتجنب التكبر والإعجاب ، ويتجافى عن الدنيا وأبنائها إن خاف على نفسه الفتنة ، ويترك الجدال والمراء ، ويأخذ نفسه بالرفق والأدب . وينبغي له أن يكون ممن يؤمن شره ، ويرجى خيره ويسلم من ضره ، وألا يسمع ممن نم عنده ; ويصاحب من يعاونه على الخير ويدله على الصدق ومكارم الأخلاق ، ويزينه ولا يشينه ، وينبغي له أن يتعلم أحكام القرآن ، فيفهم عن الله مراده وما فرض عليه ، فينتفع بما يقرأ ويعمل بما يتلو ; فما أقبح لحامل القرآن أن يتلو فرائضه وأحكامه عن ظهر قلب وهو لا يفهم ما يتلو ، فكيف يعمل بما لا يفهم معناه ؟ وما أقبح أن يسأل عن فقه ما يتلوه ولا يدريه ! فما مثل من هذه حالته إلا كمثل الحمار يحمل أسفارا . وينبغي له أن يعرف المكي من المدني ليفرق بذلك بين ما خاطب الله به عباده في أول الإسلام ، وما ندبهم إليه في آخر الإسلام ، وما افترض الله في أول الإسلام ، وما زاد عليه من الفرائض في آخره . فالمدني هو الناسخ للمكي في أكثر القرآن ، ولا يمكن أن ينسخ المكي المدني ; لأن المنسوخ هو المتقدم في النزول قبل الناسخ له . ومن كماله أن يعرف الإعراب والغريب ، فذلك مما يسهل عليه معرفة ما يقرأ ، ويزيل عنه الشك فيما يتلو . وقد قال أبو جعفر الطبري سمعت الجرمي يقول أنا منذ ثلاثين سنة أفتي الناس في الفقه من كتاب سيبويه . قال محمد بن يزيد : وذلك أن أبا عمر الجرمي كان صاحب [ ص: 38 ] حديث ، فلما علم كتاب سيبويه تفقه في الحديث ، إذ كان كتاب سيبويه يتعلم منه النظر والتفسير . ثم ينظر في السنن المأثورة الثابتة عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، فبها يصل الطالب إلى مراد الله عز وجل في كتابه وهي تفتح له أحكام القرآن فتحا ; وقد قال الضحاك في قوله تعالى : ولكن كونوا ربانيين بما كنتم تعلمون الكتاب [ آل عمران : 79 ] . قال : حق على كل من تعلم القرآن أن يكون فقيها .

وذكر ابن أبي الحواري قال : أتينا فضيل بن عياض سنة خمس وثمانين ومائة ونحن جماعة ، فوقفنا على الباب فلم يأذن لنا بالدخول ; فقال بعض القوم : إن كان خارجا لشيء فسيخرج لتلاوة القرآن ; فأمرنا قارئا فقرأ فاطلع علينا من كوة ; فقلنا : السلام عليك ورحمة الله ; فقال : وعليكم السلام ; فقلنا : كيف أنت يا أبا علي ، وكيف حالك فقال أنا من الله في عافية ومنكم في أذى ، وإن ما أنتم فيه حدث في الإسلام ، فإنا لله وإنا إليه راجعون ! ما هكذا كنا نطلب العلم ، ولكنا كنا نأتي المشيخة فلا نرى أنفسنا أهلا للجلوس معهم فنجلس دونهم ونسترق السمع ، فإذا مر الحديث سألناهم إعادته وقيدناه وأنتم تطلبون العلم بالجهل ، وقد ضيعتم كتاب الله ، ولو طلبتم كتاب الله لوجدتم فيه شفاء لما تريدون قال : قلنا قد تعلمنا القرآن ; قال : إن في تعلمكم القرآن شغلا لأعماركم وأعمار أولادكم ; قلنا كيف يا أبا علي ؟ قال : لن تعلموا القرآن حتى تعرفوا إعرابه ، ومحكمه من متشابهه ، وناسخه من منسوخه ; فإذا عرفتم ذلك استغنيتم عن كلام فضيل وابن عيينة ، ثم قال : أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم ، بسم الله الرحمن الرحيم يا أيها الناس قد جاءتكم موعظة من ربكم وشفآء لما في الصدور وهدى ورحمة للمؤمنين قل بفضل الله وبرحمته فبذلك فليفرحوا هو خير مما يجمعون [ يونس : 57 - 58 ] .

قلت : فإذا حصلت هذه المراتب لقارئ القرآن كان ماهرا بالقرآن ، وعالما بالفرقان وهو قريب على من قربه عليه ، ولا ينتفع بشيء مما ذكرنا حتى يخلص النية فيه لله جل ذكره عند طلبه أو بعد طلبه كما تقدم . فقد يبتدئ الطالب للعلم يريد به المباهاة والشرف في الدنيا فلا يزال به فهم العلم حتى يتبين أنه على خطأ في اعتقاده فيتوب من ذلك ويخلص النية لله تعالى فينتفع بذلك ويحسن حاله . قال الحسن : كنا نطلب العلم للدنيا فجرنا إلى الآخرة . وقاله سفيان الثوري . وقال حبيب بن أبي ثابت : طلبنا هذا الأمر وليس لنا فيه نية ثم جاءت النية بعد .
قال أبو بكر بن الأنباري : جاء عن النبي - صلى الله عليه وسلم - وعن أصحابه وتابعيهم رضوان الله عليهم - من تفضيل إعراب القرآن ، والحض على تعليمه ، وذم اللحن وكراهيته - ما وجب به على قراء القرآن أن يأخذوا أنفسهم بالاجتهاد في تعلمه .

من ذلك ما حدثنا يحيى بن سليمان الضبي قال حدثنا محمد - يعني ابن سعيد حدثنا أبو معاوية عن عبد الله بن سعيد المقبري عن أبيه عن جده عن أبي هريرة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : [ ص: 39 ] " أعربوا القرآن والتمسوا غرائبه " . حدثني أبي قال حدثنا إبراهيم بن الهيثم قال حدثنا آدم - يعني ابن أبي إياس قال حدثنا أبو الطيب المروزي قال : حدثنا عبد العزيز بن أبي رواد عن نافع عن ابن عمر قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : من قرأ القرآن فلم يعربه وكل به ملك يكتب له كما أنزل بكل حرف عشر حسنات فإن أعرب بعضه وكل به ملكان يكتبان له بكل حرف عشرين حسنة فإن أعربه وكل به أربعة أملاك يكتبون له بكل حرف سبعين حسنة وروى جويبر عن الضحاك قال : قال عبد الله بن مسعود : جودوا القرآن وزينوه بأحسن الأصوات ، وأعربوه فإنه عربي ، والله يحب أن يعرب به . وعن مجاهد عن ابن عمر قال : أعربوا القرآن . وعن محمد بن عبد الرحمن بن زيد قال : قال أبو بكر وعمر رضي الله عنهما : لبعض إعراب القرآن أحب إلينا من حفظ حروفه . وعن الشعبي قال : قال عمر رحمه الله : من قرأ القرآن فأعربه كان له عند الله أجر شهيد . وقال مكحول : بلغني أن من قرأ بإعراب كان له من الأجر ضعفان ممن قرأ بغير إعراب . وروى ابن جريج عن عطاء عن ابن عباس قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : أحبوا العرب لثلاث لأني عربي والقرآن عربي وكلام أهل الجنة عربي .

وروى سفيان عن أبي حمزة قال : قيل للحسن في قوم يتعلمون العربية قال : أحسنوا ، يتعلمون لغة نبيهم - صلى الله عليه وسلم - . وقيل للحسن : إن لنا إماما يلحن ، قال : أخروه .

وعن ابن أبي مليكة قال : قدم أعرابي في زمان عمر بن الخطاب رضي الله عنه فقال : من يقرئني مما أنزل على محمد - صلى الله عليه وسلم - ؟ قال : فأقرأه رجل ( براءة ) ; فقال : ( إن الله بريء من المشركين ورسوله ) . بالجر ، فقال الأعرابي : أوقد برئ الله من رسوله ؟ فإن يكن الله برئ من رسوله فأنا أبرأ منه ; فبلغ عمر مقالة الأعرابي فدعاه فقال : يا أعرابي أتبرأ من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ؟ فقال : يا أمير المؤمنين ، إني قدمت المدينة ولا علم لي بالقرآن ، فسألت من يقرئني ، فأقرأني هذا سورة ( براءة ) ، فقال : إن الله بريء من المشركين ورسوله ; فقلت : أوقد برئ الله من رسوله ، إن يكن الله برئ من رسوله فأنا أبرأ منه ; فقال عمر : ليس هكذا يا أعرابي ; قال : فكيف هي يا أمير المؤمنين ؟ قال : ( إن الله بريء من المشركين ورسوله ) فقال الأعرابي : وأنا والله أبرأ مما برئ الله ورسوله منه ; فأمر عمر بن الخطاب رضي الله عنه ألا يقرئ الناس إلا عالم باللغة ، وأمر أبا الأسود فوضع النحو .

وعن علي بن الجعد قال : سمعت شعبة يقول : مثل صاحب الحديث الذي لا يعرف العربية مثل الحمار عليه مخلاة لا علف فيها . وقال حماد بن سلمة : من طلب الحديث ولم يتعلم النحو - أو قال العربية - فهو كمثل الحمار تعلق عليه مخلاة ليس فيها شعير . قال ابن عطية : إعراب القرآن أصل في الشريعة ; لأن بذلك تقوم معانيه التي هي الشرع . [ ص: 40 ]

قال ابن الأنباري : وجاء عن أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - وتابعيهم رضوان الله عليهم ، من الاحتجاج على غريب القرآن ومشكله باللغة والشعر ما بين صحة مذهب النحويين في ذلك ، وأوضح فساد مذهب من أنكر ذلك عليهم . من ذلك ما حدثنا عبيد بن الواحد بن شريك البزاز قال حدثنا ابن أبي مريم قال : أنبأنا ابن فروخ قال أخبرني أسامة قال أخبرني عكرمة أن ابن عباس قال : إذا سألتموني عن غريب القرآن فالتمسوه في الشعر ، فإن الشعر ديوان العرب . وحدثنا إدريس بن عبد الكريم قال حدثنا خلف قال حدثنا حماد بن زيد عن علي بن زيد بن جدعان قال سمعت سعيد بن جبير ويوسف بن مهران يقولان : سمعنا ابن عباس يسأل عن الشيء بالقرآن ; فيقول فيه هكذا وهكذا ، أما سمعتم الشاعر يقول كذا وكذا . وعن عكرمة عن ابن عباس ، وسأله رجل عن قول الله جل وعز : وثيابك فطهر [ المدثر : 4 ] قال : لا تلبس ثيابك على غدر ; وتمثل بقول غيلان الثقفي :


فإني بحمد الله لا ثوب غادر لبست ولا من سوءة أتقنع
وسأل رجل عكرمة عن الزنيم قال : هو ولد الزنى ; وتمثل ببيت شعر :


زنيم ليس يعرف من أبوه بغي الأم ذو حسب لئيم
وعنه أيضا الزنيم : الدعي الفاحش اللئيم ، ثم قال :


زنيم تداعاه الرجال زيادة كما زيد في عرض الأديم الأكارع
وعنه في قوله تعالى : ذواتا أفنان قال : ذواتا ظل وأغصان ; ألم تسمع إلى قول الشاعر :


ما هاج شوقك من هديل حمامة تدعو على فنن الغصون حماما
تدعو أبا فرخين صادف طائرا ذا مخلبين من الصقور قطاما
وعن عكرمة عن ابن عباس في قوله تعالى : فإذا هم بالساهرة قال : الأرض ; قاله ابن عباس . وقال أمية بن أبي الصلت : " عندهم لحم بحر ولحم ساهرة " . قال ابن الأنباري . والرواة يروون هذا البيت :


وفيها لحم ساهرة وبحر وما فاهوا به لهم مقيم
وقال نافع بن الأزرق لابن عباس : أخبرني عن قول الله جل وعز : لا تأخذه سنة ولا نوم ، ما السنة ؟ قال : النعاس ; قال زهير بن أبي سلمى :


لا سنة في طوال الليل تأخذه ولا ينام ولا في أمره فند



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 33.92 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 33.30 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (1.85%)]