عرض مشاركة واحدة
  #21  
قديم 09-08-2022, 06:33 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,974
الدولة : Egypt
افتراضي رد: مختارات من تفسير " من روائع البيان في سور القرآن"

مختارات من تفسير " من روائع البيان في سور القرآن" (22)












مثنى محمد هبيان






من اللمسات القرآنية في سورة البقرة : {خَتَمَ اللهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَعَلَى سَمْعِهِمْ وَعَلَى أَبْصَارِهِمْ غِشَاوَةٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ} [البقرة:7]

السؤال الأول:

ما معنى الختم ؟ولماذا تم الختم على القلوب والسمع والبصر ؟

الجواب:

آ ـ الختم والكتم أخوان ومن الألفاظ الواردة في القرآن في معنى الختم : الطبع ـ الكنان ـ الرين على القلب ـ الوقر في الأذن ـ الغشاوة في البصر .

ب ـ هذه هي الآية الثانية في الكلام عن الكفار في أول سورة البقرة , وهؤلاء كانوا من عتاة الكفرة من الذين علم الله سبحانه وتعالى أنهم قد أقفلوا قلوبهم .

وقوله تعالى في الآية السابقة {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ} [البقرة:6] هذه التصريحات في القرآن تجاه أناس معينين هو من دلائل النبوة، ولا يكون من كلام بشر؛ لأنه ما يكون موقفك لو أنّ هؤلاء تظاهروا بالإسلام وقالوا: نحن أسلمنا؟ إذن هذا علم الله سبحانه وتعالى، و هؤلاء عتاة الكفر أغلقوا قلوبهم.

ج ـ الختم هو الطابَع من الطين،والأصل أنّ العربي كان يغلق فوهة شيء من الأشياء إذا أراد أنْ يحفظها ويأتي بشيء من الطين يضعه على مكان عقدة الخيط ويختم بخاتِمه (خاتَم وخاتِم)، والآن مستعمل هذا الختم بالشمع الأحمر.

إذن هم أغلقوا قلوبهم أولاً فختم الله سبحانه وتعالى عليها، ولا يحتج أنّ الله سبحانه وتعالى هو الذي ختم فهم مسيّرون ؛ لأنهم هم أغلقوا قلوبهم أولاً؛ لأنّ الختم لا يكون إلا على شيء مغلق، فهم أغلقوا قلوبهم وما عادوا مستعدين للاستماع ولا للتقبّل؛ لذا قيل للرسول صلى الله عليه وسلم : {سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ} [البقرة:] فهؤلاء لا يؤمنون، أي: انتهى حالهم، وهذا الأمر لا يكون لعموم الناس ، إذن الختم لا يكون إلا بعد الإغلاق، هم أغلقوا قلوبهم فختم الله عليها.

د ـ والقلب عند العرب هو موطن العقل والتفكير وهم هكذا يستعملونه، والدماغ عندهم حشو الجمجمة، وفي لغة العرب أنّ الإنسان يعقل ويفكر ويتأثر بالعاطفة وكلها في القلب، والقرآن كلّم الناس أنّ موطن العقل وموطن التفكير هو في القلب .

وبماذا يتدبر الإنسان؟ يتدبر بما يسمعه؛ لأنّ الأصل أنّ الآيات تلقى إلقاء على الناس، الدعوة شفاهاً، والكلام شفاهاً، والرسول صلى الله عليه وسلم كان يكلمهم , فهم إذا أغلقوا قلوبهم ما الفائدة ؟!!!! كأنهم لا يحتاجون إلى آذانهم.

والسمع هو الوسيلة الأولى التي تدعوك إلى أنْ تنظر، بعد أنْ يقال لك :انظر فتنظر، وهم :

1ـ أولاً أغلقوا قلوبهم فخُتم عليها.

2ـ والطريق إلى القلوب هو السمع وما عاد ينفع فختم عليها أيضاً .

3ـ والسمع وسيلة التذكير بالإبصار فغشّيت الأبصار {غِشَاوَةٌ} .

لذلك جاء هذا الترتيب الطبيعي، ولا يمكنْ أن يتغير إلا في ظرف معين كما في سورة الإسراء: {وَنَحْشُرُهُمْ يَوْمَ القِيَامَةِ عَلَى وُجُوهِهِمْ عُمْيًا وَبُكْمًا وَصُمًّا مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ كُلَّمَا خَبَتْ زِدْنَاهُمْ سَعِيرًا} [الإسراء:97] .

السؤال الثاني:

لماذا ترد كلمة (السمع ) بصيغة المفرد, والأبصار ثم القلوب بالجمع كما في هذه الآية ؟

الجواب:

آ ـ القلوب ما يحوك فيها التفكير، وهذا شيء واسع مطلق وليس له حدود حتى لو كان الإنسان ساكتاً؛ لأنّ فكره وقلبه و تفكيره ليس له حدود.

كذلك النظر أيضاً واسع لكنه لا شك أقل من القلب، فأنت تنظر إلى مكان محدود النظر يأتي في الدرجة الثانية في السعة، متنوع، يعني ترى أشياء كثيرة.

أمّا السمع فيستقبل الصوت فقط لا يستقبل شيئاً آخر, فالسمع يتعامل مع شيء واحد وهو الصوت اللغوي، والبصر يتعامل مع أشياء كثيرة والقلب يتعامل مع أشياء كثيرة أكثر , فالذي يتعامل مع الكثير استعمل له الجمع، والذي يتعامل مع الواحد استعمل له المفرد (السمع).

ب ـ لو أنّ مجموعة من الناس ألقي عليهم آية من الآيات، هم كلهم ستدخل في آذانهم بصورة واحدة لا تختلف , وستدخل هذه الذبذبات وتترجم في رؤوسهم , فإذن المستقبَل في السمع واحد ، لكنْ لمّا استقبلوه كلٌّ سيفكر فيه بطريقة خاصة وليس بصورة واحدة، فهذا يقتضي توحيد السمع وجمع القلوب.

ج ـ القلوب جمع قلب، والأبصار جمع بصر، ليس عندنا جمع آخر ، وقلوب جمع كثرة، وأبصار جمع قِلّة، وطبعاً كلاهما يستعمل للكثرة والقلة، والقرآن جاء بلغة العرب, والعرب جمعوا القلب على قلوب، وجمعوا البصر على أبصار.

د ـ بعض علمائنا يقولون: وحَّدَ كلمة السمع؛ لأنّ صورتها صورة المصدر، والمصدر عادة لا يُجمع؛ لأنه يدل على الحدث المطلق؛ لأنّ مدركات السمع واحد وهو الصوت، بينما مدركات القلوب ومدركات الأبصار متعددة، أي: ما يدركه السمع واحد وهو الصوت اللغوي والترجمة تكون في الذهن أي: في القلب , بينما النظر مدركاته كثيرة فالقلب مدركاته كثيرة, ومدركات السمع هو الصوت اللغوي، وهو هذه الموجة. (لكن العرب جمعت السمع على أسماع ).

السؤال الثالث:

استعمل الختم على القلب والسمع, واستعمل الغشاوة مع البصر فلماذا ؟ وما فائدة تكرار حرف الجر (على) في الآية ؟

الجواب:

آ ـ هنا استخدم القرآن الختم على القلب وعلى السمع مع العطف؛ لأنه أراد أنْ يجمع بختم واحد القلوب والسمع لارتباط الموضوع، حيث إنّ موضوع التفكر يكون عن طريق السماع، فلمّا أغلقوا قلوبهم لم يعد هناك فائدة للسمع، فختم على الاثنين: ختم على قلوبهم وعلى سمعهم بختمين وليس بختم واحد؛ لأنّ القلب شيء والسمع شيء آخر.

أمّا قوله تعالى: {وَعَلَى أَبْصَارِهِمْ غِشَاوَةٌ } [البقرة:7] فهذه جملة جديدة وليست معطوفة، فيما لو أردنا أن نقف على سمعهم، ثم نتابع: {وَعَلَى أَبْصَارِهِمْ غِشَاوَةٌ}.

والبصر يحتاج لتغطية، أمّا السمع فيحتاج إلى ختم؛ لأنه ليس هناك شيء يغطيه.

ب ـ كرر حرف الجر (على) ليدل على شدة الختم في الموضعين : القلوب والسمع.

السؤال الرابع:

ما دلالة تقديم السمع على البصر في الآية ؟

الجواب:

آ ـ قدّم السمع على البصر للتفضيل، وهذا التفضيل عام في جميع القرآن عدا آيتين هما : الكهف [ 26] والسجدة [12] وسوف نتكلم عنهما في موضعيهما إن شاء الله.

ب ـ السمع شرط النبوة بخلاف البصر، ولذلك ما بعث الله نبياً أصم، وقد كان فيهم من كان مبتلى بالعمى كيعقوب عليه السلام .

ج ـ حاسة السمع عند الطفل الوليد أسبق بالعمل من حاسة البصر.

د ـ تستطيع بالسمع استكمال معارف العقل، بينما البصر لا يوقفك إلا على المحسوسات.

السؤال الخامس :

ما دلالة تنكير{غِشَاوَةٌ} و {عَذَابٌ} في الآية ؟

الجواب:

نكَّرَ {غِشَاوَةٌ} للتعميم ، ونكّر {عَذَابٌ} ليشمل كل أنواع العذاب .

والعذاب العظيم نقيض الحقير, والعذاب الكبير نقيض الصغير, فكأنّ العذاب العظيم فوق العذاب الكبير ، والله أعلم.

السؤال السادس:

جعل الله تعالى السَّدَّ للكفرة في آية يس {وَجَعَلْنَا مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدًّا} [يس:9] دون آية البقرة هذه، فما دلالة ذلك ؟

الجواب:

1ـ وصف الله تعالى في أول البقرة الكتاب بأنه لا ريب فيه وهو هدى للمتقين , وبيّن صفات المتقين فذكر ما يتعلق بالإيمان والتقوى والهدى، ثم ذكر الكفرة فذكر أنه مختوم على قلوبهم وعلى سمعهم وأنّ على أبصارهم غشاوة فانسدت منافذ الإيمان والتقوى والهدى .

2ـ بينما ذكر في يس {إِنَّكَ لَمِنَ المُرْسَلِينَ(3) عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ(4) } [يس:3-4] والصراط إنما يكون للسير فيه وسلوكه، فذكر ما يمنع الكفرة من سلوك الصراط المستقيم وهو الأغلال في أعناقهم والسد من بين أيديهم ومن خلفهم.

أمّا المؤمنون فإنهم على الصراط المستقيم يسلكونه ويتخذونه سبيلاً، ولم يذكر مثل ذلك في البقرة فكان ذكر السد مناسباً في: {يَس} فناسب كل تعبير مكانه الذي هو أليق به. والله أعلم.

السؤال السابع:

في آية البقرة قدّم القلوب على السمع : {عَلَى قُلُوبِهِمْ وَعَلَى سَمْعِهِمْ} ، وفي آية الجاثية 23 قدّم السمع على القلب وعلى البصر : {وَخَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةً} [الجاثية:23] فما دلالة هذا التقديم والتأخير ؟

الجواب:

في آية البقرة قدّم القلوب على السمع , وفي آية الجاثية قدّم السمع على القلب وذلك للأسباب التالية :

1ـ في آية البقرة :

ـ ذكر القلوب المريضة « آية البقرة:10» فقدّم القلوب لذلك .

ـ آية البقرة ذكرت من أصناف الكافرين من هم أشد ضلالاً وكفراً ممن ذكرتهم آية 23 الجاثية انظر آيات البقرة [6] و [7].

ـ أنّ الإنذار وعدمه لهذه الأصناف سواء , وأنهم ميؤوس من إيمانهم , ولم يقل مثل ذلك في آية الجاثية.

ـ كرّر حرف الجر: {عَلَى} مع القلوب والأسماع مما يفيد التوكيد : {عَلَى قُلُوبِهِمْ وَعَلَى سَمْعِهِمْ} [البقرة:7] ولم يكرر في الجاثية: {وَخَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ} [الجاثية:23] .

ـ قال في البقرة: {وَعَلَى أَبْصَارِهِمْ غِشَاوَةٌ} [البقرة:7] بالجملة الاسمية التي تفيد الدوام والثبات، أي : أنّ هؤلاء شأنهم دائماً فلا أمل في إبصارهم في يوم من الأيام.

ـ ختم الآية بقوله: {وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ}[البقرة:7] ولم يقل ذلك في الجاثية فدلّ على أنّ صفات الكفر في البقرة أشد تمكنا فيهم .

2 ـ في آية الجاثية : إضافة إلى ما ذكر أعلاه :

ـ ذكر الأسماع المعطلة: {كَأَنْ لَمْ يَسْمَعْهَا}[الجاثية:8] فقدّم السمع .

ـ قال: {وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةً} [الجاثية:23] بالجملة الفعلية التي تفيد الحدوث: {وَجَعلَ} فعل ماض ، ومعنى ذلك أنّ الغشاوة لم تكن قبل الجعل، يدلك على ذلك قوله تعالى: {وَأَضَلَّهُ اللهُ عَلَى عِلْمٍ} [الجاثية:23] مما يدلّ على أنه كان مبصراً قبل ترديه .

3 ـ لذلك قدّم ختم القلب على ما سواه؛ لأنه هو الأهم، فإنّ القلب هو محل الهدى والضلال ,وإذا ختم عليه فلا ينفع سمع ولا بصر، قال تعالى: {فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى القُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ} [الحج:46] وقال صلى الله عليه وسلم : « ألا وإنّ في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله، واذا فسدت فسد الجسد كله ألا وهي القلب» فكان تقديم القلب في البقرة أولى وأنسب وتقديم السمع في الجاثية أنسب, والله أعلم .


***














__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 28.16 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 27.54 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (2.23%)]