عرض مشاركة واحدة
  #6  
قديم 20-02-2022, 09:38 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,928
الدولة : Egypt
افتراضي رد: شبه القبوريِّين والردّ عليها


شبه القبوريين والرد عليها (6 - 6)

فيصل بن قزار الجاسم

ذكرنا في الحلقة السابقة بعض شبه القبوريين التي يبنون عليها القصص والحكايات والأحاديث الضعيفة والموضوعة، واستدلالهم ببعض الآيات والأحاديث الصحيحة بطريقة غير صحيحة استناداً إلى أهوائهم ، وقد تم الرد على بعض شبههم في الحلقه السابقة وسنستعرض بعضاً منها والرد عليها في هذه الحلقة.



الشبهة الرابعة عشرة

استدلالهم على التوسل بالنبي [ وسؤال الله به بقصص ليس لها أسانيد وروايات إسرائيلية ونحوها فيها توسل الأنبياء بنبينا [.

والجواب عنها أن يقال:

أولا - أن هذه القصص والحكايات ليست في شيء من كتب الحديث المعتمدة، وليس لها إسناد معروف، وإنما تذكر مرسلة كما تذكر الإسرائيليات، وغايتها أن ينقلها مسلمو أهل الكتاب عن كتب بلا أسانيد؛ فإنه إذا كانت مراسيل نبينا [ لا تقبل مع قرب العهد، فلأَلاّ تقبل المراسيل عن غيره من الأنبياء مع تباعد العهد من باب أولى.

ثانيا - أنه قد ورد مثل هذه الحكايات عن الأنبياء بضد ما ذكروه؛ فقد روى البزار بإسناده عن العباس ] عن النبي [: «قال داود عليه السلام: أسألك بحق آبائي: إبراهيم، وإسحاق، ويعقوب. فقال: أما إبراهيم فألقي في النار فصبر من أجلي، وتلك بلية لم تَنَلْك، وأما إسحاق فبذل نفسه للذبح فصبر من أجلي وتلك بلية لم تَنَلْك، وأما يعقوب فغاب يوسف عنه وتلك بلية لم تنلك».

فلو كانت الإسرائيليات حجة، فهذا فيه دليل على بطلان السؤال بحق الأنبياء، وإن لم تكن حجة لم يصح الاحتجاج بها.

ثالثا - أين هذا الفهم والاستدلال عن خير القرون الصحابة والتابعين وأتباعهم؟! وأين الأئمة عنه؟! فإنه لو كان مثل هذا مشروعا لأمروا به وأرشدوا إليه واستحبوه؛ إذ كل منهم يسأل الله ويجعل في دعائه ما يكون سببا في إجابته، فما بالهم لم يهتدوا إلى ما اهتدى إليه هؤلاء القبوريون؟!

الشبهة الخامسة عشرة

استدلالهم على جواز التبرك بآثار الأنبياء؛ كغار حراء وثور، ونحو هذه الأماكن والتمسح بالحجرة الشريفة ونحو ذلك بأمرين:

الأول - ما ثبت في الصحيحين من أن ابن عمر - ] - كان في سفره يتتبع الأماكن التي مر عليها النبي [ وينتابها، وهذا يدل على جواز تتبع آثار الأنبياء والتبرك بها.

الثاني - ما رواه البخاري من حديث عتبان بن مالك - ]: أنه أراد أن يتخذ في بيته مصلى لما كبر وضعف بصره، فطلب من النبي [ أن يأتيه فيصلي فيه طلبا للبركة.

والجواب عن هذه الشبهة:

يكون بإبطال استدلالهم بالحديثين، ثم بإبطال أصل المسألة.

أما فعل ابن عمر - ] - فبيان فساد استدلالهم به من وجوه:

الأول - أن ابن عمر - ] - لم يكن يتخذ من تلك الأماكن التي كان يتتبعها مكانا للعبادة والذكر ونحو ذلك، بل كان - ] - يفعل كما فعل النبي[، فينزل في المكان الذي نزل فيه، وينام في المكان الذي نام فيه، ويبول في المكان الذي بال فيه، فيفعل مثل ما فعل النبي[، ولم يكن يتخذ من تلك الآثار مكانا للصلاة والعبادة، وعلى هذا فإذا تتبع أحد هذه الآثار وفعل فيها ما لم يفعله النبي[، كأن نام النبي[ في مكان فاتخذه المتتبع مكانا للعبادة والصلاة والتمسح، لم يكن بذلك متبعا للنبي[، ولا مقتديا بابن عمر - ] - بل يكون مبتدعا محدثاً.

الثاني - أن المتابعة هي أن نفعل كما فعل النبي [ على الوجه الذي فعل، فلابد إذاً من أن نشاركه في القصد والنية، فإنما الأعمال بالنيات، فإذا قصد النبي [ العبادة بالعمل فقصدنا العبادة، كنا متبعين متأسين به، أما إذا لم يقصد به العبادة، بل فعله على وجه اتفاق لتيسره عليه، فقصدنا نحن العبادة له، لم نكن حينئذ متبعين له.

الثالث - أن ابن عمر - ] - أراد مشابهة النبي [ في صورة الفعل، فيفعل مثل ما فعل، وذلك لشدة محبته له، ولم يكن يعتقد أن هذا مما يستحب فعله لكل أحد ويتعبد لله به، ولذلك لم يأمر أحداً به ولم يستحبه لأحد، وإنما كان يفعله بنفسه اجتهادا منه.

الرابع - أن هذا أمر انفرد به ابن عمر - ] - والخلفاء الراشدون والأكابر من السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار لم يكونوا يفعلون ذلك، وهم أعلم من ابن عمر وأعظم اتباعا للنبي [، فلو كان مستحبا لفعله هؤلاء؛ ولذلك لما بلغ الإمام مالكا - رحمه الله - أن أناسا من أهل المدينة يقفون للدعاء عند قبر النبي[، قال: هذه بدعة لم يفعلها الصحابة والتابعون، ثم قال: لا يصلح آخر هذه الأمة إلا ما أصلح أولها.

الخامس - أنه قد ثبت عمن هو أكبر من ابن عمر وأجل، وهو والده الفاروق عمر - ] - النهي عن مثل فعل ابن عمر.

فروى ابن أبي شيبة وعبدالرزاق في (مصنفيهما)، والطحاوي في (مشكل الآثار)، وابن وضاح في (البدع): أن عمر - ] - لما رجع إلى المدينة بعد الحج رأى أناسا يذهبون مذهبا، فقال: أين يذهب هؤلاء؟ قالوا: يأتون مسجدا هاهنا صلى فيه رسول الله [، قال: إنما أهلك من كان قبلكم بأشباه هذه، يتبعون آثار أنبيائهم فاتخذوها كنائس وبيعا، من أدركته الصلاة في شيء من هذه المساجد التي صلى فيها رسول الله [ فليصل فيها ولا يتعمدنها.

هذا مع كونهم صلوا حيث صلى النبي [، فكيف بمن صلى حيث جلس النبي [، أو نام، أو بال ونحو ذلك؟! فلأن ينهى عنه من باب أولى.

قال الطحاوي في (مشكل الآثار) بعد روايته لأثر عمر - ]: «ففي هذا الحديث عن عمر - ] - ما قد وقفنا به على أن المساجد التي صلى فيها رسول الله [ من هذه المواضع لم يجب على أمته إتيانها ولا الصلاة فيها لإتيان رسول الله [، فمثل ذلك أيضا صلاته في بيت المقدس كما في أحاديث ابن مسعود، وأنس، وأبي هريرة، لا يجب إتيان الناس ولا الصلاة فيه»، إلى أن قال: «وفيما ذكرنا في هذا ما قد دل على رتبة عمر - ] - في العلم أنها فوق رتبة من سواه، رضوان الله عليهم وعلى سائر أصحابه».

وأما الاستدلال بحديث عتبان - ] - فالرد عليه من وجوه:

الأول - أن عتبان - ] - كان مقصوده بناء مسجد في بيته لحاجته إليه بسبب السيول التي تحول بينه وبين مسجد قومه بعد أن كبر وضعف بصره، وتبرك بكون النبي[ يصلي فيه أولاً، وهذا بخلاف من لم يكن مقصوده إلا بناء مسجد لأجل ذلك الأثر، فنية بناء المسجد في حديث عتبان سابقة، واختيار المكان سابق أيضاً لأثر النبي [ فيه، أما المساجد التي بنيت على الآثار، فإن الأثر سابق للمسجد والمسجد بني لأجل الأثر، فشتان بين الصورتين!

الثاني - أن مقصود عتبان - ] - هو أن يكون النبي [ أول من يستفتح الصلاة فيه دون غيره؛ تيمنا بذلك، وهذه كانت عادة الصحابة - رضي الله عنهم - عند بنائهم مسجدا جديدا من مساجد الأحياء والدور، وليس مقصوده التمسح والتبرك بأثر النبي [.

وأما إبطال أصل المسألة فمن وجوه:

الأول - أن التبرك بهذه الآثار والتمسح بها واتخاذها مزارا ومكانا للعبادة أو بناء مسجد عليها، ليس من فعل الصحابة - رضي الله عنهم - ولا من فعل السلف والأئمة، ولم يثبت عن أحد منهم استحبابه ولا الأمر به، ولا فعله على صورة ما ذكرنا من اتخاذها أماكن للعبادة وطلب البركة منهم أحد، ولو كان خيرا لسبقونا إليه.

الثاني - أن يقال: إن مقام إبراهيم - عليه السلام - الذي قال الله فيه: {واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى} (البقرة: 125)، لم يستلمه النبي [ ولم يقبله، واتفق العلماء على أنه لا يستلم ولا يقبل، فإذا كان هذا مقام إبراهيم الذي أمرنا بأن نتخذه مصلى، فمقام لم نؤمر أن نصلي فيه أولى ألا نستلمه ولا نقبله مثل مقامات تنسب إلى إبراهيم وغيره بالشام وغير الشام، وأشد منه القبور المنسوبة للأنبياء والصالحين.

الثالث - أن الثابت عن الصحابة - رضي الله عنهم - منع هذه الأفعال حسما لمادة الغلو الموصل إلى الشرك وحماية لجناب التوحيد، فقد روى محمد بن وضاح في كتابه (البدع) بإسناده: أن عمر - ] - لما بلغه أن الناس ينتابون الشجرة التي بايع النبي [ تحتها أصحابه في غزوة الحديبية، أمر بقطعها سدا لطرق الشرك والغلو.

وقال ابن وضاح بعد روايته هذا الأثر عن عمر - ]: «وكان مالك بن أنس وغيره من علماء المدينة يكرهون إتيان تلك المساجد والآثار للنبي [، ما عدا قباء وأحدا، وسمعتهم يذكرون أن سفيان الثوري دخل بيت المقدس فصلى فيه ولم يتبع تلك الآثار ولا الصلاة فيها، وكذلك فعل غيره أيضا ممن يقتدي به، وقدم وكيع أيضا بيت المقدس فلم يعدُ فعل سفيان.


فعليكم بالاتباع لأئمة الهدى المعروفين، فقد قال بعض من مضى: كم من أمر هو اليوم معروف عند كثير من الناس كان منكرا عند من مضى، ومتحبب إليه بما يبغضه، ومتقرب إليه بما يبعده منه، وكل بدعة عليها زينة وبهجة».







__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 22.83 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 22.20 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (2.75%)]