عرض مشاركة واحدة
  #151  
قديم 07-09-2022, 12:36 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 134,062
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير (الجامع لأحكام القرآن) الشيخ الفقيه الامام القرطبى



تَّفْسِيرِ
(الْجَامِعِ لِأَحْكَامِ الْقُرْآنِ ، وَالْمُبَيِّنِ لِمَا تَضَمَّنَهُ مِنَ السُّنَّةِ وَآيِ الْفُرْقَانِ )
الشَّيْخُ الْفَقِيهُ الْإِمَامُ الْعَالِمُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ الْقُرْطُبِيُّ
المجلد (3)
سُورَةُ الْبَقَرَةِ
من صــ 187الى صــ 194
الحلقة (151)





‌‌‌‌‌‌‌ الثالثة : إذا أصدقها ثم طلقها قبل الدخول ونما الصداق في يدها فقال مالك : كل عرض أصدقها أو عبد فنماؤهما لهما جميعا ونقصانه بينهما ، وتواه عليهما جميعا ليس على المرأة منه شيء . فإن أصدقها عينا ذهبا أو ورقا فاشترت به عبدا أو دارا أو اشترت به منه أو من غيره طيبا أو شوارا أو غير ذلك مما لها التصرف فيه لجهازها وصلاح شأنها في بقائها معه فذلك كله بمنزلة ما لو أصدقها إياه ، ونماؤه ونقصانه بينهما . وإن طلقها قبل الدخول لم يكن لها إلا نصفه ، وليس عليها أن تغرم له نصف ما قبضته منه ، وإن اشترت به أو منه شيئا تختص به فعليها [ ص: 187 ] أن تغرم له نصف صداقها الذي قبضت منه ، وكذلك لو اشترت من غيره عبدا أو دارا بالألف الذي أصدقها ثم طلقها قبل الدخول رجع عليها بنصف الألف .

الرابعة : لا خلاف أن من دخل بزوجته ثم مات عنها وقد سمى لها أن لها ذلك المسمى كاملا والميراث ، وعليها العدة .

واختلفوا في الرجل يخلو بالمرأة ولم يجامعها حتى فارقها ، فقال الكوفيون ومالك : عليه جميع المهر ، وعليها العدة ، لخبر ابن مسعود قال : قضى الخلفاء الراشدون فيمن أغلق بابا أو أرخى سترا أن لها الميراث وعليها العدة ، وروي مرفوعا خرجه الدارقطني وسيأتي في ( النساء ) . والشافعي لا يوجب مهرا كاملا ، ولا عدة إذا لم يكن دخول ، لظاهر القرآن . قال شريح : لم أسمع الله سبحانه وتعالى ذكر في كتابه بابا ولا سترا ، إذا زعم أنه لم يمسها فلها نصف الصداق ، وهو مذهب ابن عباس وسيأتي ما لعلمائنا في هذا في سورة ( النساء ) إن شاء الله تعالى عند قوله تعالى : وقد أفضى بعضكم إلى بعض .

الخامسة : قوله تعالى : إلا أن يعفون أو يعفو الذي بيده عقدة النكاح الآية . إلا أن يعفون استثناء منقطع ؛ لأن عفوهن عن النصف ليس من جنس أخذهن . و يعفون معناه يتركن ويصفحن ، ووزنه يفعلن . والمعنى إلا أن يتركن النصف الذي وجب لهن عند الزوج ، ولم تسقط النون مع " أن " ؛ لأن جمع المؤنث في المضارع على حالة واحدة في الرفع والنصب والجزم ، فهي ضمير وليست بعلامة إعراب فلذلك لم تسقط ، ولأنه لو سقطت النون لاشتبه بالمذكر . والعافيات في هذه الآية كل امرأة تملك أمر نفسها ، فأذن الله سبحانه وتعالى لهن في إسقاطه بعد وجوبه ، إذ جعله خالص حقهن ، فيتصرفن فيه بالإمضاء والإسقاط كيف شئن ، إذا ملكن أمر أنفسهن وكن بالغات عاقلات راشدات . وقال ابن عباس وجماعة من الفقهاء والتابعين : ويجوز عفو البكر التي لا ولي لها ، وحكاه سحنون في المدونة عن غير ابن القاسم بعد أن ذكر لابن القاسم أن وضعها نصف الصداق لا يجوز . وأما التي في حجر أب أو وصي فلا يجوز وضعها لنصف صداقها قولا واحدا ، ولا خلاف فيه فيما أعلم .

السادسة : قوله تعالى : أو يعفو الذي بيده معطوف على الأول مبني ، وهذا معرب . وقرأ الحسن " أو يعفو " ساكنة الواو ، كأنه استثقل الفتحة في الواو . واختلف الناس في المراد بقوله تعالى : أو يعفو الذي بيده عقدة النكاح فروى الدارقطني عن جبير بن مطعم أنه تزوج امرأة من بني نصر فطلقها قبل أن يدخل بها ، فأرسل إليها بالصداق كاملا وقال : أنا أحق [ ص: 188 ] بالعفو منها ، قال الله تعالى : إلا أن يعفون أو يعفو الذي بيده عقدة النكاح وأنا أحق بالعفو منها . وتأول قوله تعالى : أو يعفو الذي بيده عقدة النكاح يعني نفسه في كل حال قبل الطلاق وبعده ، أي عقدة نكاحه ، فلما أدخل اللام حذف الهاء كقوله : فإن الجنة هي المأوى ؛ أي مأواه . قال النابغة :


لهم شيمة لم يعطها الله غيرهم من الجود والأحلام غير عوازب
أي أحلامهم . وكذلك قوله : عقدة النكاح أي عقدة نكاحه . وروى الدارقطني مرفوعا من حديث قتيبة بن سعيد حدثنا ابن لهيعة عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ولي عقدة النكاح الزوج . وأسند هذا عن علي وابن عباس وسعيد بن المسيب وشريح . قال : وكذلك قال نافع بن جبير ومحمد بن كعب وطاوس ومجاهد والشعبي وسعيد بن جبير ، زاد غيره ومجاهد والثوري ، واختاره أبو حنيفة ، وهو الصحيح من قول الشافعي ، كلهم لا يرى سبيلا للولي على شيء من صداقها ، للإجماع على أن الولي لو أبرأ الزوج من المهر قبل الطلاق لم يجز فكذلك بعده . وأجمعوا على أن الولي لا يملك أن يهب شيئا من مالها ، والمهر مالها . وأجمعوا على أن من الأولياء من لا يجوز عفوهم وهم بنو العم وبنو الإخوة ، فكذلك الأب ، والله أعلم . ومنهم من قال هو الولي أسنده الدارقطني أيضا عن ابن عباس قال : وهو قول إبراهيم وعلقمة والحسن ، زاد غيره وعكرمة وطاوس وعطاء وأبي الزناد وزيد بن أسلم وربيعة ومحمد بن كعب وابن شهاب والأسود بن يزيد والشعبي وقتادة ومالك والشافعي في القديم . فيجوز للأب العفو عن نصف صداق ابنته البكر إذا طلقت ، بلغت المحيض أم لم تبلغه . قال عيسى بن دينار : ولا ترجع بشيء منه على أبيها ، والدليل على أن المراد الولي أن الله سبحانه وتعالى قال في أول الآية : وإن طلقتموهن من قبل أن تمسوهن وقد فرضتم لهن فريضة فنصف ما فرضتم فذكر الأزواج وخاطبهم بهذا الخطاب ، ثم قال : إلا أن يعفون فذكر النسوان ، أو يعفو الذي بيده عقدة النكاح فهو ثالث فلا يرد إلى الزوج المتقدم إلا لو لم يكن لغيره وجود ، وقد وجد وهو الولي فهو المراد . قال معناه مكي وذكره ابن العربي . وأيضا فإن الله تعالى قال : إلا أن يعفون ومعلوم أنه ليس كل امرأة تعفو ، فإن الصغيرة والمحجور عليها لا عفو لهما ، فبين الله القسمين فقال : إلا أن يعفون أي إن كن لذلك أهلا ، أو يعفو الذي بيده عقدة النكاح وهو الولي ؛ لأن الأمر فيه إليه . [ ص: 189 ] وكذلك روى ابن وهب وأشهب وابن عبد الحكم وابن القاسم عن مالك أنه الأب في ابنته البكر والسيد في أمته . وإنما يجوز عفو الولي إذا كان من أهل السداد ، ولا يجوز عفوه إذا كان سفيها . فإن قيل : لا نسلم أنه الولي بل هو الزوج ، وهذا الاسم أولى به ؛ لأنه أملك للعقد من الولي على ما تقدم . فالجواب - أنا لا نسلم أن الزوج أملك للعقد من الأب في ابنته البكر ، بل أب البكر يملكه خاصة دون الزوج ؛ لأن المعقود عليه هو بضع البكر ، ولا يملك الزوج أن يعقد على ذلك بل الأب يملكه . وقد أجاز شريح عفو الأخ عن نصف المهر ، وكذلك قال عكرمة : يجوز عفو الذي عقد عقدة النكاح بينهما ، كان عما أو أبا أو أخا ، وإن كرهت . وقرأ أبو نهيك والشعبي " أو يعفو " بإسكان الواو على التشبيه بالألف ، ومثله قول الشاعر :


فما سودتني عامر عن وراثة أبى الله أن أسمو بأم ولا أب
السابعة : قوله تعالى : وأن تعفوا أقرب للتقوى ابتداء وخبر ، والأصل تعفووا أسكنت الواو الأولى لثقل حركتها ثم حذفت لالتقاء الساكنين ، وهو خطاب للرجال والنساء في قول ابن عباس فغلب الذكور ، واللام بمعنى إلى ، أي أقرب إلى التقوى . وقرأ الجمهور ( تعفو ) بالتاء باثنتين من فوق . وقرأ أبو نهيك والشعبي " وأن يعفو " بالياء ، وذلك راجع إلى الذي بيده عقدة النكاح .

قلت : ولم يقرأ " وأن تعفون " بالتاء فيكون للنساء . وقرأ الجمهور ولا تنسوا الفضل بضم الواو ، وكسرها يحيى بن يعمر . وقرأ علي ومجاهد وأبو حيوة وابن أبي عبلة ( ولا تناسوا الفضل ) وهي قراءة متمكنة المعنى ؛ لأنه موضع تناس لا نسيان إلا على التشبيه . قال مجاهد : الفضل إتمام الرجل الصداق كله ، أو ترك المرأة النصف الذي لها .

الثامنة : قوله تعالى : إن الله بما تعملون بصير خبر في ضمنه الوعد للمحسن والحرمان لغير المحسن ، أي لا يخفى عليه عفوكم واستقضاؤكم .
فيه ثمان مسائل : الأولى : ( حافظوا ) خطاب لجميع الأمة ، والآية أمر بالمحافظة على إقامة [ ص: 190 ] الصلوات في أوقاتها بجميع شروطها . والمحافظة هي المداومة على الشيء والمواظبة عليه . والوسطى تأنيث الأوسط . ووسط الشيء خيره وأعدله ، ومنه قوله تعالى : وكذلك جعلناكم أمة وسطا ، وقد تقدم . وقال أعرابي يمدح النبي صلى الله عليه وسلم :


يا أوسط الناس طرا في مفاخرهم وأكرم الناس أما برة وأبا
ووسط فلان القوم يسطهم أي صار في وسطهم . وأفرد الصلاة الوسطى بالذكر وقد دخلت قبل في عموم الصلوات تشريفا لها ، كقوله تعالى : وإذ أخذنا من النبيين ميثاقهم ومنك ومن نوح ، وقوله : فيهما فاكهة ونخل ورمان . وقرأ أبو جعفر الواسطي " والصلاة الوسطى " بالنصب على الإغراء ، أي والزموا الصلاة الوسطى : وكذلك قرأ الحلواني . وقرأ قالون عن نافع " الوصطى " بالصاد لمجاورة الطاء لها ؛ لأنهما من حيز واحد ، وهما لغتان كالصراط ونحوه .

الثانية : واختلف الناس في تعيين الصلاة الوسطى على عشرة أقوال :

( الأول ) أنها الظهر ؛ لأنها وسط النهار على الصحيح من القولين أن النهار أوله من طلوع الفجر كما تقدم ، وإنما بدأنا بالظهر لأنها أول صلاة صليت في الإسلام . وممن قال إنها الوسطى زيد بن ثابت وأبو سعيد الخدري وعبد الله بن عمر وعائشة رضي الله عنهم . ومما يدل على أنها وسطى ما قالته عائشة وحفصة حين أملتا " حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى وصلاة العصر " بالواو . وروي أنها كانت أشق على المسلمين ؛ لأنها كانت تجيء في الهاجرة وهم قد نفهتهم أعمالهم في أموالهم . وروى أبو داود عن زيد قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي الظهر بالهاجرة ولم تكن تصلى صلاة أشد على أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم منها ، فنزلت : حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى وقال : إن قبلها صلاتين وبعدها صلاتين . وروى مالك في موطئه وأبو داود الطيالسي في مسنده عن زيد بن ثابت قال : الصلاة الوسطى صلاة الظهر ، زاد الطيالسي : وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصليها بالهجير .

[ ص: 191 ] ( الثاني ) أنها العصر ؛ لأن قبلها صلاتي نهار وبعدها صلاتي ليل . قال النحاس : وأجود من هذا الاحتجاج أن يكون إنما قيل لها وسطى لأنها بين صلاتين إحداهما أول ما فرض والأخرى الثانية مما فرض . وممن قال إنها وسطى علي بن أبي طالب وابن عباس وابن عمر وأبو هريرة وأبو سعيد الخدري ، وهو اختيار أبي حنيفة وأصحابه ، وقاله الشافعي وأكثر أهل الأثر ، وإليه ذهب عبد الملك بن حبيب واختاره ابن العربي في قبسه وابن عطية في تفسيره وقال : وعلى هذا القول الجمهور من الناس وبه أقول واحتجوا بالأحاديث الواردة في هذا الباب خرجها مسلم وغيره ، وأنصها حديث ابن مسعود قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : الصلاة الوسطى صلاة العصر خرجه الترمذي وقال : حديث حسن صحيح . وقد أتينا زيادة على هذا في القبس في شرح موطإ مالك بن أنس .

( الثالث ) إنها المغرب ، قاله قبيصة بن أبي ذؤيب في جماعة . والحجة لهم أنها متوسطة في عدد الركعات ليست بأقلها ولا أكثرها ولا تقصر في السفر ، وإن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يؤخرها عن وقتها ولم يعجلها ، وبعدها صلاتا جهر وقبلها صلاتا سر . وروي من حديث عائشة رضي الله عنها عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : إن أفضل الصلوات عند الله صلاة المغرب لم يحطها عن مسافر ولا مقيم فتح الله بها صلاة الليل وختم بها صلاة النهار فمن صلى المغرب وصلى بعدها ركعتين بنى الله له قصرا في الجنة ومن صلى بعدها أربع ركعات غفر الله له ذنوب عشرين سنة - أو قال - أربعين سنة .

( الرابع ) صلاة العشاء الآخرة ؛ لأنها بين صلاتين لا تقصران ، وتجيء في وقت نوم ويستحب تأخيرها وذلك شاق فوقع التأكيد في المحافظة عليها .

( الخامس ) إنها الصبح ؛ لأن قبلها صلاتي ليل يجهر فيهما وبعدها صلاتي نهار يسر فيهما ، ولأن وقتها يدخل والناس نيام ، والقيام إليها شاق في زمن البرد لشدة البرد وفي زمن الصيف لقصر الليل . وممن قال إنها وسطى علي بن أبي طالب وعبد الله بن عباس ، أخرجه الموطأ بلاغا ، وأخرجه الترمذي عن ابن عمر وابن عباس تعليقا ، وروي عن جابر بن [ ص: 192 ] عبد الله ، وهو قول مالك وأصحابه وإليه ميل الشافعي فيما ذكر عنه القشيري . والصحيح عن علي أنها العصر ، وروي عنه ذلك من وجه معروف صحيح وقد استدل من قال إنها الصبح بقوله تعالى : وقوموا لله قانتين يعني فيها ، ولا صلاة مكتوبة فيها قنوت إلا الصبح . قال أبو رجاء : صلى بنا ابن عباس صلاة الغداة بالبصرة فقنت فيها قبل الركوع ورفع يديه فلما فرغ قال : هذه الصلاة الوسطى التي أمرنا الله تعالى أن نقوم فيها قانتين . وقال أنس : قنت النبي صلى الله عليه وسلم في صلاة الصبح بعد الركوع ، وسيأتي حكم القنوت وما للعلماء فيه في ( آل عمران ) عند قوله تعالى : ليس لك من الأمر شيء .

( السادس ) صلاة الجمعة ؛ لأنها خصت بالجمع لها والخطبة فيها وجعلت عيدا ذكره ابن حبيب ومكي وروى مسلم عن عبد الله أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لقوم يتخلفون عن الجمعة : لقد هممت أن آمر رجلا يصلي بالناس ثم أحرق على رجال يتخلفون عن الجمعة بيوتهم .

( السابع ) إنها الصبح والعصر معا . قاله الشيخ أبو بكر الأبهري ، واحتج بقول رسول الله صلى الله عليه وسلم : يتعاقبون فيكم ملائكة بالليل وملائكة بالنهار الحديث ، رواه أبو هريرة . وروى جرير بن عبد الله قال : كنا جلوسا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ نظر إلى القمر ليلة البدر فقال : أما إنكم سترون ربكم كما ترون هذا القمر لا تضامون في رؤيته فإن استطعتم ألا تغلبوا على صلاة قبل طلوع الشمس وصلاة قبل غروبها يعني العصر والفجر : ثم قرأ جرير وسبح بحمد ربك قبل طلوع الشمس وقبل غروبها . وروى عمارة بن رؤيبة قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : لن يلج النار أحد صلى قبل طلوع الشمس وقبل غروبها يعني الفجر [ ص: 193 ] والعصر . وعنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : من صلى البردين دخل الجنة كله ثابت في صحيح مسلم وغيره . وسميتا البردين لأنهما يفعلان في وقتي البرد .

( الثامن ) إنها العتمة والصبح . قال أبو الدرداء رضي الله عنه في مرضه الذي مات فيه : ( اسمعوا وبلغوا من خلفكم حافظوا على هاتين الصلاتين - يعني في جماعة - العشاء والصبح ، ولو تعلمون ما فيهما لأتيتموهما ولو حبوا على مرافقكم وركبكم ) قاله عمر وعثمان . وروى الأئمة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : ولو يعلمون ما في العتمة والصبح لأتوهما ولو حبوا - وقال - إنهما أشد الصلاة على المنافقين وجعل لمصلي الصبح في جماعة قيام ليلة والعتمة نصف ليلة ، ذكره مالك موقوفا على عثمان ورفعه مسلم ، وخرجه أبو داود والترمذي عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : من شهد العشاء في جماعة كان له قيام نصف ليلة ومن صلى العشاء والفجر في جماعة كان له كقيام ليلة وهذا خلاف ما رواه مالك ومسلم .

( التاسع ) أنها الصلوات الخمس بجملتها ، قاله معاذ بن جبل ؛ لأن قوله تعالى : حافظوا على الصلوات يعم الفرض والنفل ، ثم خص الفرض بالذكر .

( العاشر ) إنها غير معينة ، قاله نافع عن ابن عمر ، وقاله الربيع بن خيثم فخبأها الله تعالى في الصلوات كما خبأ ليلة القدر في رمضان ، وكما خبأ ساعة يوم الجمعة وساعات الليل [ ص: 194 ] المستجاب فيها الدعاء ليقوموا بالليل في الظلمات لمناجاة عالم الخفيات . ومما يدل على صحة أنها مبهمة غير معينة ما رواه مسلم في صحيحه في آخر الباب عن البراء بن عازب قال : نزلت هذه الآية : " حافظوا على الصلوات وصلاة العصر " فقرأناها ما شاء الله ، ثم نسخها الله فنزلت : حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى فقال رجل : هي إذا صلاة العصر ؟ قال البراء : قد أخبرتك كيف نزلت وكيف نسخها الله تعالى ، والله أعلم . فلزم من هذا أنها بعد أن عينت نسخ تعيينها وأبهمت فارتفع التعيين ، والله أعلم . وهذا اختيار مسلم ؛ لأنه أتى به في آخر الباب وقال به غير واحد من العلماء المتأخرين ، وهو الصحيح إن شاء الله تعالى لتعارض الأدلة وعدم الترجيح فلم يبق إلا المحافظة على جميعها وأدائها في أوقاتها والله أعلم .

الثالثة : وهذا الاختلاف في الصلاة الوسطى يدل على بطلان من أثبت " وصلاة العصر " المذكور في حديث أبي يونس مولى عائشة حين أمرته أن يكتب لها مصحفا قرآنا . قال علماؤنا : وإنما ذلك كالتفسير من النبي صلى الله عليه وسلم ، يدل على ذلك حديث عمرو بن رافع قال : ( أمرتني حفصة أن أكتب لها مصحفا . . . ) الحديث . وفيه : فأملت علي حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى - وهي العصر - وقوموا لله قانتين وقالت : هكذا سمعتها من رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرؤها . فقولها : " وهي العصر " دليل على أن رسول الله صلى الله عليه وسلم فسر الصلاة الوسطى من كلام الله تعالى بقوله هو ( وهي العصر ) . وقد روى نافع عن حفصة " وصلاة العصر " ، كما روي عن عائشة وعن حفصة أيضا " صلاة العصر " بغير واو . وقال أبو بكر الأنباري : وهذا الخلاف في هذا اللفظ المزيد يدل على بطلانه وصحة ما في الإمام مصحف جماعة المسلمين . وعليه حجة أخرى وهو أن من قال : والصلاة الوسطى وصلاة العصر جعل الصلاة الوسطى غير العصر ، وفي هذا دفع لحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي رواه عبد الله قال : شغل المشركون رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الأحزاب عن صلاة العصر حتى اصفرت الشمس فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : شغلونا عن الصلاة الوسطى ملأ الله أجوافهم وقبورهم نارا . . . الحديث .

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 42.58 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 41.96 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (1.47%)]