عرض مشاركة واحدة
  #1  
قديم 02-10-2021, 05:10 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 134,405
الدولة : Egypt
افتراضي حقوق الطفولة في دولة الإسلام

حقوق الطفولة في دولة الإسلام
أحمد الجوهري عبد الجواد



في قلبي دولة مهدية (5)



تعتني دولة الإسلام التي في قلبي وخاطري بأبنائها منذ الطفولة، وتحمي واقعَهم، وتؤمِّن مستقبلهم من الناحية المادية والناحية المعنوية، فهي تؤمِّن لهم المعاش الطيب والعيشَ الرغيد من جهة، وتوفِّر لهم البيئةَ الطيبة والنافعة من ناحية أخرى، لَكَم أثَّر في قلبي، وخط في نفسي خطوطًا ذاتَ أثَرٍ موقفُ الفاروق عمر، وهو خليفة المسلمين، يفرض لكلِّ مولود يولد ويبلغ الفطام حظًّا من بيت مال المسلمين؛ ليُنفِق عليه منه والِدَاه، ثم تحدث حادثةٌ تجعل الخليفةَ العطوف يأمر مناديًا ينادي يُعلم الناس بأنه قد جعل هذا الفرض لكل مولود يولد لا ينتظر به سن الفطام، ولندَعْ أسلَمَ خادمَ عمر يحكِ لنا هذه الحادثة ذات المعاني، يقول: قدم المدينة رفقة من تجار فنزلوا المصلَّى، فقال عمر لعبدالرحمن بن عوف: هل لك أن نحرسهم الليلة؟
قال: نعم!

فباتا يحرسانهم ويصلِّيان، فسمع عمر بكاء صبيٍّ فتوجَّه نحوه، فقال لأمِّه: اتقي الله تعالى، وأحسِني إلى صبيِّك.
ثم عاد إلى مكانه، فسمع بكاءه، فعاد إلى أمه، فقال لها مثل ذلك، ثم عاد إلى مكانه.
فلما كان آخر الليل سمع بكاء الصبي، فأتى إلى أمه، فقال لها: ويحك، إنكِ أمُّ سوء، ما لي أرى ابنَك لا يقَرُّ منذ الليلة من البكاء؟!
فقالت: يا عبدالله، إني أشغله عن الطعام، فيأبى ذلك.

قال: ولِمَ؟
قالت: لأن عمر لا يفرض إلا للمفطوم.
قال: وكم عمر ابنك هذا؟
قالت: كذا وكذا شهرًا.
فقال: ويحك، لا تُعجليه عن الفطام.
فلما صلَّى الصبح، وهو لا يستبين للناس قراءته من البكاء، قال: بؤسًا لعمر كم قتل من أولاد المسلمين!
ثم أمر مناديَه فنادى: لا تعجلوا صبيانكم عن الفطام؛ فإنا نفرض لكلِّ مولود في الإسلام، وكتب بذلك إلى الآفاق[1].

وقال أسلم: خرجتُ ليلةً مع عمر إلى ظاهر المدينة، فلاح لنا بيتُ شَعرٍ فقصدناه، فإذا فيه امرأةٌ تَمْخَضُ وتبكي، فسألها عمر عن حالها، فقالت: أنا امرأة عربية، وليس عندي شيءٌ، فبكى عمر، وعاد يهرول إلى بيته، فقال لامرأته أمِّ كلثوم بنت عليِّ بن أبي طالب: هل لكِ في أجرٍ ساقه الله إليك؟ وأخبرها الخبر.
فقالت: نعم، فحمل على ظهره دقيقًا وشحمًا، وحملت أم كلثوم ما يصلح للولادة، وجاءا، فدخلت أمُّ كلثوم على المرأة، وجلس عمر مع زوجها - وهو لا يعرفه - يتحدَّث، فوضعت المرأة غلامًا، فقالت أم كلثوم: يا أمير المؤمنين، بشِّر صاحبَك بغلام.

فلما سمع الرجل قولها، استعظَم ذلك، وأخذ يعتذر إلى عمر.
فقال عمر: لا بأس عليك، ثم أوصى لهم بنفقةٍ وما يصلحهم، وانصرف.
وقال أسلم: خرجت ليلةً مع عمر إلى حرَّة واقم، حتى إذا كنا بصرار إذا بنارٍ، فقال: يا أسلم، ها هنا رَكْب قد قصر بهم الليل، انطلِق بنا إليهم، فأتيناهم فإذا امرأةٌ معها صبيان لها، وقِدر منصوبة على النار، وصبيانها يتضاغَون.

فقال عمر: السلام عليكم يا أصحاب الضَّوء.
قالت: وعليك السلام.
قال: أدنو؟
قالت: ادنُ، أو دَعْ، فدنا.
فقال: ما بالكم؟
قالت: قصر بنا الليل والبرد.

قال: فما بال هؤلاء الصبية يتضاغون؟
قالت: من الجوع.
فقال: وأي شيء على النار؟
قالت: ماء أعلِّلهم به حتى يناموا، الله بيننا وبين عمر.
فبكى عمر ورجع يهرول إلى دار الدقيق، فأخرج عِدلًا من دقيق، وجراب شحم.
وقال: يا أسلم، احمله على ظهري.
فقلت: أنا أحمله عنك.
فقال: أنت تحمل وزري يوم القيامة؟

فحمله على ظهره، وانطلقنا إلى المرأة، فألقى عن ظهره، وأخرج من الدقيق في القِدر، وألقى عليه من الشحم، وجعل ينفخ تحت القِدر والدخانُ يتخلل لحيته ساعة، ثم أنزلها عن النار، وقال: ائتني بصحفة، فأُتي بها فغرفها، ثم تركها بين يدي الصبيان، وقال: كُلوا فأكَلوا حتى شبعوا - والمرأة تدعو له وهي لا تعرفه - فلم يزل عندهم حتى نام الصغار، ثم أوصى لهم بنفقةٍ وانصرف، ثم أقبَل علَيَّ؛ فقال: يا أسلم، الجوع الذي أسهرهم وأبكاهم[2].
هذه هي الرعاية التي ينبغي أن يلقاها الطفل في دولة الإسلام.

إنَّ هذه الآثار والوقائع تخبرنا بأنَّ الإسلام قد جعل تأمينَ حياة الطفل المعيشيَّة من عمل الدولة، فهو وظيفتها ومسؤوليتها، لا ينبغي لها أن تكله إلى غيرها، ولا أن تنتظر مَنًّا من الأفراد أو صدقة لتقوم به منها، هذا في مطعمه وملبسه ومسكنه، فكيف بمرضه؟ هل تنتظر الدولة أن تتسوَّل العلاج من أموال الصدقات والزكوات وغيرها؟ وهل ينتظر المرض الطفلَ إلى أن يأتي إحسان المحسنين؟ لقد كان هذا يُغتفر لو قيل: إن الدولة لا تملك، فكيف وهي تنفق الأموالَ ليل نهار على الفاسقين والمفسدين؟ اللهم غفرًا.

هكذا يرى الإسلام الطفلَ في دولته.
ثم هو قبل ذلك وبعد ذلك، بين أبوين قد أحسَنَا اسمَه وتربيته ورعايته، بأمر الإسلام وتوجيهه.
وفي كتاب "تربية الأولاد في الإسلام" وما حذا حذوه مَعِينٌ لا ينضب من الأمثلة التي تقفنا على اهتمام القرآن والنبي صلى الله عليه وسلم بهذه الرعاية والتنشئة، وهو جدير بالاطلاع، وتَكرار القراءة.
في دولة الإسلام التي في أحلامي يُنظر إلى الطفولة بحسب السنِّ فقط، أمَّا الأعمال والمهامُّ، والوظائف والأدوار، فيستوي إن كان المتقدِّم لها طفلًا أو غير طفل، ما دام أهلًا للقيام بها، ويملك مؤهلاتها.

كان عمرو بن سلمة فتًى صغيرًا؛ لكنه كان قويَّ الحفظِ سريعَه، فكان يتلقى الركبان، ويحفظ منهم ما أُنزل من القرآن، وحينما أسلم قومُه، وأمرهم صلى الله عليه وسلم أن يؤمَّهم أقرؤُهم، لم يجدوا من هو أقرأ من عمرو، فأمَّهم ولم يكن له إلا ثوب ممزَّق تبدو منه سوءته، فمرَّت امرأة من الحي، وقالت: غطوا عنَّا است إمامِكم، فاشتروا له قميصًا، فكان فرحُه به عظيمًا[3].

يقول عمرو راويًا قصته التي أخرجها الإمام البخاري رحمه الله والنسائي وأبو داود والإمام أحمد، يقول: كنا بماءٍ ممر الناس، وكان يمرُّ بنا الركبان، فنسألهم: ما للناس؟ ما للناس؟ ما لهذا الرجل؟ فيقولون: يزعم أن الله أرسله، أوحى إليه، أو أوحى الله إليه بكذا، فكنت أحفظ ذلك الكلام، وكأنما يقرُّ في صدري، وكانت العرب تَلوَّمُ بإسلامهم الفتحَ، فيقولون: اتركوه وقومه؛ فإنه إن ظهر عليهم فهو نبي صادق، فلما كانت وقعةُ أهل الفتح، بادر كلُّ قومٍ بإسلامهم، وبادر أبي قومي بإسلامهم، فلما قدِم قال: جئتُكم والله من عند النبي صلى الله عليه وسلم حقًّا، فقال: ((صلُّوا صلاةَ كذا في حين كذا، وصلوا صلاة كذا في حين كذا، فإذا حضرت الصلاة فليؤذِّن أحدُكم، وليؤمكم أكثركم قرآنًا))، فنظروا فلم يكن أحدٌ أكثر قرآنًا منِّي؛ لِمَا كنت أتلقى من الركبان، فقدَّموني بين أيديهم وأنا ابن ست أو سبع سنين، وكانت علَيَّ بُردة كنتُ إذا سجدتُ تقلَّصت عنِّي، فقالت امرأة من الحي: ألا تغطوا عنَّا است قارئكم؟! فقطعوا لي قميصًا، فما فرِحت بشيءٍ فرحي بذلك القميص[4].
فهذا طفل يؤم القوم وهو ابن سبع سنين، وفيهم أكابر قومه وأسنانهم؛ لكنه تقدَّمهم بمؤهلات وظيفته، وكانت محفوظاتِه من القرآن الكريم.

وفي جمهرة خطب العرب: لما استُخلِف عمرُ بن عبد العزيز رضي الله عنه، قدِم عليه وفودُ أهلِ كلِّ بلد، فتقدَّم إليه وفدُ أهلِ الحجاز، فاشْرَأبَّ منهم غلامٌ للكلام، فقال عمر: يا غلام، ليتكلمْ مَن هو أسنُّ منك! فقال الغلام: يا أمير المؤمنين، إنَّما المرءُ بأصغريه: قلبه ولسانه، فإذا منح اللَّهُ العبدَ لسانًا لافظًا، وقلبًا حافظًا، فقد استجاد له الحلية، ولو كان التقدُّم بالسن، لكان في هذه الأمة من هو أحقُّ بمجلسك منك؛ فقال عمر: صدَقتَ، تكلَّم؛ فهذا السِّحر الحلال! فقال: يا أمير المؤمنين، نحن وفد التهنئة، لا وفد المَرْزِئة؛ قدمنا إليك من بلدنا، نحمد الله الذي منَّ بك علينا، لم يُخرجنا إليك رغبةٌ ولا رهبةٌ؛ لأنا قد أمِنَّا في أيامك ما خِفنا، وأدركنا ما طلبنا؛ فقال: عِظْنا يا غلام وأوجِز؛ قال: نعم يا أمير المؤمنين، إن أناسًا غرَّهم حلمُ الله عنهم، وطول أملِهم، وحسنُ ثناء الناس عليهم؛ فلا يغرنك حلم الله عنك، وطول أملِك، وحسن ثناء الناس عليك، فتزلَّ قدمُك؛ فنظر عمر في سنِّ الغلام، فإذا هو قد أتت عليه بضع عشرة سنة، فأنشأ عمر يقول:
تعلَّمْ فليس المرءُ يُخلقُ عالِمًا
وليس أخو علمٍ كمن هو جاهلُ

وإنَّ كبير القوم لا علمَ عنده
صغيرٌ إذا التفَّتْ عليه المحافلُ[5]


الطفل في دولة الإسلام التي في خاطري كما هو مكفول حقُّه في التنشئة والرعاية من الناحية الماديَّة، مكفولٌ حقُّه كذلك في التنشئة والرعاية من الناحية العلميَّة، فيُحسن أدبه، ويربِّيه على الاعتقاد الصحيح، ويحفِّظه القرآن، ويفقِّهه في دينه.

وقد لخَّص بعض أساتذتنا الأكرمين حقوق الأبناء على الآباء تلخيصًا حسنًا في عشرة أمور، وهي[6]:
أولًا: اختيار الأمِّ الصَّالحة الطيِّبة ذات الأصل الطيِّب والخُلُق القويم:
لقول النبيِّ صلى الله عليه وسلم: ((تُنكحُ المرأةُ لأربعٍ: لمالها، ولحسبها، ولجمالها، ولدينها، فاظفرْ بذات الدين تربت يداك))[7]، وقوله صلى الله عليه وسلم: ((تخيَّروا لنُطَفكم، وانكِحوا الأكْفاء، وأنكحوا إليهم))[8].

ثانيًا: اختيار الاسم الجميل؛ لأنَّه سيُنادى به بين النَّاس في الدنيا، ويُنادى به يوم القيامة:
فعن ابن عبَّاس قال: قالوا: يا رسولَ الله، قد علِمنا حقَّ الوالد، فما حقُّ الولَد؟ قال: ((أن يُحسن اسمَه، ويُحسن أدبَه))[9].

ثالثًا: تربيتهم تربية إيمانية:
قال الله تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ ﴾ [التحريم: 6].
وقد جاء عن عليٍّ رضي الله عنه في قوله تعالى: ﴿ قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا ﴾ [التحريم: 6]، أنَّه قال: "أدِّبوهم وعلِّموهم"[10].
ومن أهمِّ وسائل الوقاية: تربيتهم على الفَضائل، وإبعادهم عن الرَّذائل، وتعليمهم علومَ الدِّين، وتدريبهم على الصَّلاة، وعلى العِبادات الأخرى، وتوفير سُبل حصانتهم من الوقوع في مصايد الشَّيطان وحبائله؛ وذلك بالتفريق بينهم في المضاجع.

يدلُّ على ذلك: ما جاء عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جَدِّه أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((مُروا أولادَكم بالصَّلاة وهم أبناءُ سبع سنين، واضرِبوهم عليها وهم أبناءُ عشْرٍ، وفرِّقوا بينهم في المضاجِع))[11].
والوالد مسؤول عن ذلك، فقد جاء عن عبدالله بن عمر أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((ألا كلُّكم راعٍ، وكلكم مسؤولٌ عن رعيَّته؛ فالإمامُ الذي على الناس راعٍ، وهو مسؤولٌ عن رعيَّته، والرَّجلُ راعٍ على أهل بيته، وهو مسؤولٌ عن رعيَّته، والمرأةُ راعية على أهل بيت زوجها وولده، وهي مسؤولةٌ عنهم، وعبدُ الرجل راعٍ على مال سيِّده، وهو مسؤول عنه، ألا فكلُّكم راعٍ، وكلُّكم مسؤولٌ عن رعيَّته))[12].

فكما أنَّ الأب يَخشى على أولاده من برد الشتاء وحرِّ الصيف، فلا بدَّ أن يَخشى عليهم من نار جهنَّم، فيحيطهم بالرِّعاية والتربية الإيمانيَّة، وسوف يُسأل عن ذلك إنْ هو قصَّر؛ قال عليه الصلاة والسلام: ((إنَّ الله سائلٌ كلَّ راعٍ عمَّا استرعاه: حفِظ أم ضيَّعَ؟ حتى يَسأل الرجلَ عن أهل بيته))؛ أخرجه أحمد في مسنده، وابن حبان في صحيحه.

وقد تَرجم البخاريُّ في الأدب المفرد: باب أدب الوالد وبره لولده، وأورد فيه من جهة الوليد بن نمير بن أوس أنه سمع أباه يقول: كانوا يقولون: الصَّلاحُ من الله، والأدبُ من الآباء.
ولهذا كان من مَحاسن التربية الإيمانيَّة أنَّها تحفظهم من الانحِرافات العقديَّة، والسلوكية، والفِكرية، وهي تحصنهم من مَظاهر الغلوِّ والتطرُّف.

رابعًا: الاهتمام بتعليمهم:
فقد جاء عن أبي رافع، أنه قال: قلتُ: يا رسول الله، أللولَد علينا حقٌّ كحقِّنا عليهم؟ قال: ((نعم؛ حقُّ الولَد على الوالد أن يعلِّمه الكتابةَ والسِّباحةَ والرَّمي، وأن يورثه طيبًا))[13].
وجاء عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم أنَّه قال: ((علِّموا أولادَكم السِّباحةَ والرماية))[14].

وعنه صلى الله عليه وسلم أنَّه قال: ((كلُّ شيءٍ ليس من ذِكر الله فهو لهوٌ أو سهوٌ، إلا أربع خصالٍ...))، وذكر منها: ((وتعليم السِّباحة))[15].
وللإمام السيوطي رحمه الله رسالة نافعة في هذا الموضوع، سمَّاها: "الباحة في السباحة"[16].

وقال سفيان الثوري: "يَنبغي للرجل أن يُكرِه ولدَه على طلب الحديث؛ فإنَّه مسؤول عنه"، وقال: "إنَّ هذا الحديث عِزٌّ، مَن أراد به الدنيا وجدَها، ومن أراد به الآخرةَ وجدها".
وقد ذَكر العلماءُ رحمهم الله تعالى أنَّ الوليَّ يَنبغي له تأمُّلُ حال الصَّبي، وما هو مستعدٌّ له[17].

ومِن أهمِّ المؤلَّفات التي ألِّفَت في هذا المحور، كتاب: "رعاية الأسرة المسلمة للأبناء: شواهد تطبيقية من تاريخ الأمَّة"؛ للدكتور عبدالحكيم الأنيس، وقد تَناول فيه عمدَ الرِّعاية، ومن ذلك: الصَّلاح الذاتي، واستحضارُ حقوقهم في الذِّهن، والدعاء والْتماس الدعاء لهم، وعَرْضُهم على الصَّالحين، وتربيتُهم وتوجيهُهم إلى العلم والعمل، وإحضارهم مجالسَ العلم، وتفخيمُ أمر العلم في نفوسهم، والنَّفقة عليهم في تعلُّم العلم النَّافِع، ومتابعتهم في أمورهم الكبيرة والصَّغيرة، وتعليمهم أدبَ الكلام، والعمل على تكوين شخصيَّتهم الاجتماعيَّة، وربْطُهم بالله سبحانه، وإعانتهم على سُبُل الخير، وتلبية متطلبات الفِطرة والغريزة، وبرُّهم ورعاية مشاعرهم، وتعليمُهم اختيار الأصدِقاء، وتضافر جهود الأسرة والأقارب على هذه الرِّعاية، وعدم إدخال الغمِّ عليهم.
وقد استَشهد على ذلك بقَصص من تاريخ الأمَّة، فيَنبغي الرجوع إليه، وهو متوفر إلكترونيًّا في الشبكة العنكبوتيَّة (النت).

خامسًا: إعانتهم على الخير:
والإعانة تكون:
بالإحسان إليهم وهم صِغار، وتوقيرهم إن بلَغوا سنَّ مَن يُوقَّر.
ولا يُعمل بقولهم: مَن عرفك صغيرًا لم يوقِّرْك كبيرًا، ولقد رأينا كثيرًا من الآباء يُحمِّل ولدَه ما لا يطيقه، فيُلجِئه إلى خِلافه، ويعده عاقًّا وهو الباحث على حتْفِه بكفِّه[18].

وبألَّا يَطلب منهم ما لا يَقدرون عليه.
ولا يَطلب منهم ما يَحرُم فعلُه، فضلًا عن المكروه.
ومن ذلك: ما يقوم به بعضُ الآباء بتحريض أبنائهم على قَطْع الرَّحِم، وعلى الابن التعامل بالحِكمة مع الوالدين وبكلِّ هدوء ولُطْف.
وأن يَقبَل من محسنهم إذا أحسَن، ويتجاوَز عن إساءة مَن أساء منهم، والتغاضي عن هفواتهم.

سادسًا: المساواة بينهم في العطية:
من حقوق الأولاد المساواة بينهم في العَطيَّة، فقد جاء عن النُّعمان بن بشيرٍ، قال: انطلَق بي أبي يَحملُني إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسولَ الله، اشْهَد أنِّي قد نحلتُ النُّعمان كذا وكذا من مالي.
فقال: ((أكُلَّ بنيك قد نَحلتَ مثل ما نحلتَ النُّعمان؟)).
قال: لا، قال: ((فأشهِد على هذا غيري))، ثُمَّ قال: ((أيسُرُّك أن يكونوا إليك في البرِّ سواءً؟))، قال: بلى، قال: ((فلا إذًا))[19].
يتبع


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 31.91 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 31.28 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (1.97%)]