عرض مشاركة واحدة
  #105  
قديم 02-05-2021, 04:39 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,974
الدولة : Egypt
افتراضي رد: رمضانيات يوميا فى رمضان إن شاء الله

رمضان ولى.. فماذا بعد؟!


أبو أنس عبدالوهاب عمارة





تلك اليقظة التي يفرضها الإسلام على قلب المسلم. والتي يستجيشها الإيمان بمجرد استقراره في القلوب.. ليست أمراً فوق الطاقة، وليست تكليفاً فوق الاستطاعة. إنما هي الحساسية الناشئة من الشعور بالله والاتصال به؛ ومراقبته في السر والعلن؛ وهي في حدود الطاقة الإنسانية، حين يشرق فيها ذلك النور الوضيء: ﴿ وَلَا نُكَلِّفُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا وَلَدَيْنَا كِتَابٌ يَنطِقُ بِالْحَقِّ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ ﴾ [المؤمنون: 62]. ولقد شرع الله التكاليف وفق ما يعلم من استعداد النفوس؛ وهو محاسبهم وفق ما يعملونه في حدود الطاقة، لا يظلمون بتحميلهم ما لا يطيقون؛ ولا ببخسهم شيئاً مما يعملون، وكل ما يعملونه محسوب في سجل ﴿ يَنطِقُ بِالْحَقِّ ﴾ ويبرزه ظاهراً غير منقوص. والله خير الحاسبين.

إنما يغفُل الغافلون لأن قلوبهم في غمرة عن الحق، لم يمسسها نوره المحيي، لانشغالها عنه، واندفاعها في التيه؛ حتى تفيق على الهول، لتلقى العذاب الأليم، وتلقى معه التوبيخ والتحقير:
﴿ بَلْ قُلُوبُهُمْ فِي غَمْرَةٍ مِّنْ هَذَا وَلَهُمْ أَعْمَالٌ مِن دُونِ ذَلِكَ هُمْ لَهَا عَامِلُونَ * حَتَّى إِذَا أَخَذْنَا مُتْرَفِيهِم بِالْعَذَابِ إِذَا هُمْ يَجْأَرُونَ * لَا تَجْأَرُوا الْيَوْمَ إِنَّكُم مِّنَّا لَا تُنصَرُونَ * قَدْ كَانَتْ آيَاتِي تُتْلَى عَلَيْكُمْ فَكُنتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ تَنكِصُونَ * مُسْتَكْبِرِينَ بِهِ سَامِرًا تَهْجُرُونَ ﴾ [المؤمنون: 63-67].

فعلة اندفاعهم فيما هم فيه ليست هي تكليفهم بما هو فوق الطاقة؛ إنما العلة أن قلوبهم في غمرة، لا ترى الحق الذي جاء به القرآن، وأنهم مندفعون في طريق آخر غير النهج الذي جاء به: ﴿ وَلَهُمْ أَعْمَالٌ مِن دُونِ ذَلِكَ هُمْ لَهَا عَامِلُونَ .. في ظلال القرآن.

وقال صاحب الوسيط قرأ القراء السبعة ﴿ يُؤْتُونَ مَآ آتَواْ ﴾ بالمد، على أنه من الإتيان بمعنى الإعطاء، والوجل: استشعار الخوف. يقال: وَجِل فلان وَجَلاً فهو واجل، إذا خاف، أى: يعطون ما يعطون من الصدقات وغيرها من ألوان البر، ومع ذلك فإن قلوبهم خائفة أن لا يقبل منهم هذا العطاء، لأي سبب من الأسباب فهم كما قال بعض الصالحين: لقد أدركنا أقواماً كانوا من حسناتهم أن ترد عليهم، أشفق منكم على سيئاتكم أن تعذبوا عليها.

وقد قرأ آخرون:﴿ والذين يُؤْتُونَ مَآ أتَواْ.. من الإتيان. أي: يفعلون ما فعلوا وهم خائفون ثم ختم - سبحانه - هذه الآيات الكريمة المشتملة على صفات المؤمنين الصادقين، ببيان أن هذه الصفات الجليلة لم تكلف أصحابها فوق طاقتهم، لأن الإيمان الحق إذا خالطت بشاشته القلوب يجعلها لا تحس بالمشقة عند فعل الطاعات، وإنما يجعلها تحس بالرضا والسعادة والإقدام على فعل الخير بدون تردد، فقال - تعالى - ﴿ وَلاَ نُكَلِّفُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا.. ﴾.

أى: وقد جرت سنتنا فيما شرعناه لعبادنا من تشريعات، أننا لا نكلف نفساً من النفوس إلا فى حدود طاقتها وقدرتها. الوسيط لسيد طنطاوي.

روى الترمذي وابن ماجة وأحمد وعبد بن حميد وابن أبي الدنيا في نعت الخائفين وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والحاكم وصححه وابن مردويه والبيهقي في شعب الإِيمان وصححه الألباني أَنَّ عَائِشَةَ زَوْجَ النَّبِىِّ صلى الله عليه وسلم قَالَتْ سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ هَذِهِ الآيَةِ ﴿ وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ ﴾ قَالَتْ عَائِشَةُ أَهُمُ الَّذِينَ يَشْرَبُونَ الْخَمْرَ وَيَسْرِقُونَ قَالَ "لاَ يَا بِنْتَ الصِّدِّيقِ وَلَكِنَّهُمُ الَّذِينَ يَصُومُونَ وَيُصَلُّونَ وَيَتَصَدَّقُونَ وَهُمْ يَخَافُونَ أَنْ لاَ يُقْبَلَ مِنْهُمْ أُولَئِكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِى الْخَيْرَاتِ وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ".

وحالهم حال إبراهيم وإسماعيل عليهما السلام:
فقد أمر بترك رضيعه الوحيد مع أمه في صحراء وأمر ببناء البيت فبناه على أكمل وجه حتى أتي بحجر فصعد عليه ليعلو البناء ويكون أليق في تقديمه لله شكرا وعرفانا. بعد كل هذا لم يخطر في خلده أنه فعل عظيما أو كبيرا من الأمور فيَمُنّ به فيقول أنا فعلت وفعلت بل بعد الفراغ من بناء البيت على أكمل وجه وأتمه يتمنى على الله القبول ﴿ وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ * رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِن ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُّسْلِمَةً لَّكَ وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا وَتُبْ عَلَيْنَآ إِنَّكَ أَنتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ ﴾ [البقرة: 127-128] هما في عمل صالح، وهما يسألان الله تعالى أن يتقبل منهما.

كما روى ابن أبي حاتم من حديث مُحَمَّدٍ بْنِ يَزِيدَ بْنِ خُنَيْسٍ الْمَكِيِّ، عَنْ وُهَيْبِ بْنِ الْوَرْدِ، قَالَ: قَرَأَ ﴿ وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا زَادَ ابْنُ خُنَيْسٍ فِي حَدِيثِهِ، ثُمَّ يَبْكِي، فَقَالَ وُهَيْبٌ: يَا خَلِيلَ الرَّحْمَنِ تَرْفَعُ قَوَائِمَ بَيْتِ الرَّحْمَنِ وَأَنْتَ مُشْفِقٌ أَنْ لا يَقْبَلَ مِنْكَ". تفسير القرآن العظيم مسندا عن الرسول صلى الله عليه وسلم و الصحابة و التابعين لابن أبي حاتم.وهو في عند البخاري.

(قال بعض أصحب الخواطر: وجل العارف من طاعته أكثر من وجِلِه من مخالفته لأن المخالفة تمحوها التوبة، والطاعة يطالب بصحتها والإخلاص والصدق فيها) تفسير السلمي وهو حقائق التفسير.

ويقول الرازي: وقال العارفون:فرق بين القبول والتقبل فإن التقبل أن يتكلف الإنسان في قبوله وذلك إنما يكون حيث يكون العمل ناقصاً لا يستحق أن يقبل فهذا اعتراف منهما بالتقصير في العمل، واعتراف بالعجز والانكسار.

إنهم بعد أن أتوا بتلك العبادة مخلصين تضرعوا إلى الله تعالى في قبولها وطلبوا الثواب عليها وأيضاً فلم يكن المقصود إعطاء الثواب عليه، لأن كون الفعل واقعاً موقع القبول من المخدوم ألذ عند الخادم العاقل من إعطاء الثواب عليه ﴿ إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ كأنه يقول: تسمع دعاءنا وتضرعنا، وتعلم ما في قلبنا من الإخلاص وترك الالتفات إلى أحد سواك. تفسير الرازي.
يتبع

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 20.43 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 19.80 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (3.07%)]