عرض مشاركة واحدة
  #2  
قديم 13-12-2022, 02:18 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 134,061
الدولة : Egypt
افتراضي رد: الكلمات النادرة

الكلمات النادرة



د. إبراهيم عوض





ومن ذلك أيضا (ظنة) على (ظنن) في قوله عن رفقة سفره أيام تصعلكه في الصحراء وحرصه على ألا يعرف حقيقته أحد:
يستخبرون فلا أعطيهمُ خبري ♦♦♦ وما يطيش لهم سهم من الظننِ

ومثلها في ذلك (رعد) جمع (رِعدة)، بكسر الراء، في قوله:
رعد الفوارس منك في أبدانها ♦♦♦ أجرى من العسلان في قنواتها

وليس خروجه على المألوف في صيغة الجمع مقصورًا على أسماء المرة والهيئة، بل يعم الأسماء كلها، والملاحظ أنه في عدة مرات قد جمع بالألف والتاء ما جمع التكسير فيه هو المعتاد، مثل (عطيات) (2/8/24) بدل (عطايا)، و(همات) (2/154/21) بدل (همم)، و(ركبات) (2/169/36) بدلًا من (ركب)، و(مهجات) (2/209/10) بدل (مهج)، و(بوقات) (3/108/54) بدل (أبواق) مثلًا، وقد أثارت هذه الكلمة وقتها فيما نعرف جدلًا واسعًا، استغرق في (الوساطة) ثلاث صفحات (ص 456 - 459)؛ إذ خطَّأه منتقدوه، وقالوا: كان المفروض أن يجمعها جمعًا مكسرًا على (أفعال)، (وهذا هو الجمع الذي شاع، لدرجة أننا في الاستعمال لا نعرف غيره)، أو (فعول) أو (فِعلان) (بكسر العين) مثلًا.

وكان رد المتنبي أن (هذا الاسم مولد لم يسمع واحده إلا هكذا ولا جمعه بغير التاء، وإنما هو مثل: حمام وحمامات... إلخ)[7]؛ أي إن عذر المتنبي أنه لم يجد له جمعًا، فقاسه على أمثال (حمام) و(حمامات).

ولكن يمكن التساؤل: ولماذا لم يقسِه على (عود) و(أعواد) مثلًا؟
إنني لا أخطِّئ المتنبي، ولكن ألا يدل ذلك على أنه كان يحب الخروج على المألوف من وقت لآخر، وعلى أنحاء مختلفة؟

ثم إني أتساءل أيضًا:
ألا يجوز أن المتنبي قد أراد بجمع المؤنث السالم أن يوحي بأن مَن سوى سيف الدولة من ملوك المسلمين في عصره ليسوا رجالًا بل نساء، على اعتبار الارتباط غالبًا بين (الألف والتاء) وبين النساء والتأنيث؟

ورجولته وأنوثتهم، إن صح هذا التوجيه، قائمتان على أنه وحده من بينهم هو الذي يحارب الروم، أما هم، فمتقاعسون قاعدون كالنساء، وهذا هو نص البيت:
إذا كان بعضُ الناسِ سيفًا لدولةٍ ♦♦♦ ففي الناسِ بوقاتٌ لها وطبولُ

إن من الممكن الرد بأن المتنبي لم يكن عاجزًا أن يقول ذلك لو كان يريده؟
وهذا رد وجيه لو كنت أقصد بـ(أراد) أنه أراد ذلك بعقله الواعي المتعمد، لكني أقصد أن ذلك كان في مؤخرة ذهنه أو هامش شعوره، وعلى أي حال فليس هذا إلا خاطرًا خطر لي، ولا أستطيع أن أقول فيه أكثر من ذلك.

ومن الكلمات التي جمعها جمعًا مؤنثًا سالِمًا مع أن الشائع تكسيرها، كلمة (علات) (1/233/29) بدل (عِلل)، و(دولات) (3/110/65) بدل (دول) (جمع (دولة)، بمعنى الغلبة، كما في قولنا: (الأيام دول)، و(بقيات) (3/198/29) بدل (بقايا)، ومثلها (رتبات) (3/97/21) بدل (رتب).

فهذه ثمانية شواهد، وهي ما تنبَّهت إليها، ولا أستبعد أن يكون هناك أمثلة أخرى غيرها، وهذه الأمثلة الثمانية تشهد، كما أشرت، إلى هذا الميل الذي لاحظنا عند المتنبي إلى مخالفة المألوف. وقد يمكن توجيه بعض هذه الجموع إلى أنه ربما أراد بها القلَّة؛ حيث إن العرب إذا أرادوا تقليل العدد في مثل هذه الحالة استخدموا جمع المؤنث السالم، وإذا أرادوا التكثير جمعوا الاسم جمع تكسير، والنقد الذي وجهه النابغة إلى بيت حسان التالي:
لنا الجفناتُ الغرُّ يلمَعْن بالضحى ♦♦♦ وأسيافنا يقطُرْن من نجدةٍ دمَا

بناءً على هذه القاعدة - مشهور؛ إذ أخذ عليه أنه أراد أن يمدح قومه بالكرم، ولكنه قال (الجفنات) بدل (الجفان)، فقلَّل جفان قومه، وهو ما لا يدل على ما أراده من فخر[8]، ولكن إذا كان يمكن توجيه بعض هذه الجموع إلى أن المتنبي ربما أراد التقليل كما هو الحال في (ركبات)، التي أراد بها التثنية؛ إذ جعل الضمير العائد عليها مثنى، وذلك في البيت التالي:
وتكرمت ركباتها عن مبركٍ ♦♦♦ تقعان فيه وليس مسكًا أذفرا[9]

وكما هو الحال في (بوقات)؛ إذ قد يقال إنه يقصد بها ملوك المسلمين في ذلك العصر، وهم قليلون، فإنه لا يمكن توجيه الأمثلة الباقية بحال، بل العكس قد يؤخذ عليه مثلًا، كما أخذ على حسان من قبله.

إنه في الوقت الذي أراد أن يصف ممدوحه بالكرم الشديد قد قلل (عطاياه) فجعلها (عطيات)، وفي الوقت الذي أراد أن يمدح ابن عامر الأنطاكي بأنه عظيم (الهمم) إذا به يقللها مستعملًا (همات)، وذلك في البيت الآتي:
فتى لا يضم القلب همات قلبه ♦♦♦ ولو ضمها قلب لما ضمه صدر

وهكذا، أيا ما يكن الأمر، فالملاحظ أن المتنبي قد عدل عن صيغة جمع التكسير في عدد غير قليل من الكلمات إلى الجمع بالألف والتاء، على أن هذا ليس كل شيء في مسألة صيغ الجموع عند المتنبي، فإنه قد جمع (عبد) على (عِبِدَّى) (بكسر العين والباء وفتح الدال ومدها ومع تشديدها)، ثلاث مرات على الأقل (2/8/24 و4/4/3 و4/151/3)، وهي صيغة نادرة مهجورة، وذلك بدلًا من (عبيد) أو (عبدان) مثلًا، وكذلك (نواظير) جمع (ناظر) (2/43/17) بدلًا من (نواظر)، وذلك في البيت المشهور:
نامَتْ نواظيرُ مصرَ عن ثعالبها ♦♦♦ فقد بشِمْنَ وما تفنَى العناقيدُ

ويبدو أنه جرى في ذلك على طريقة الكوفيين، الذين يجوزون زيادة ياء في مثل هذه الحالة[10]، (قلت: "يبدو"؛ لأن العكبري، الذي فسَّرها على أنها جمع (ناظر) قد ذكر أيضًا أن هذا اللفظ وإن كان هو الرواية المعروفة، فإن المتنبي قد أقرَّه بالطاء: (نواطير)، فإن كان الأمر كذلك كانت الكلمة جمع (ناطور)، فلا مشكلة).

و(بيوت (2/157/33) في البيت التالي:
وما قلت من شعرٍ تكادُ بيوته ♦♦♦ إذا كتبت يبيضُّ من نورِها الحبرُ

بدلًا من (أبيات)، التي تستعمل عادة لأبيات الشعر، على حين تستخدم (بيوت) في العادة للمساكن.

ومن ذلك جمعه ثلاث مرات على الأقل (ناقة) على (أيانق) (2/235/28 و2/344/8 و2/355/8)، والشائع (نُوق) و(نياق).

وجمعه (الكبد)، مرتين على الأقل، على (كبود) (1/342/4 و2/82/4)، كما جمعها على (أكبد) (1/362/26)، والشائع (أكباد).

كما لاحظت أنه قد استخدم صيغة (أفعال) عددًا ملحوظًا من المرات جمعًا لكلمات تجمع في العادة على صيغ أخرى، وذلك مثل (أملاك)، التي استخدمها بدورها جمعًا لـ(ملك) ما لايقل عن تسع مرات (1/207/41)، و1/279/41، و1/10/1، و1/217/34، و1/238/14، و2/98/5، و2/309/16، و4/140/32، و4/212/10).

وكذلك (أرواح) جمعًا لـ(ريح) (1/266/24) بدلًا من (رياح).
و(أعلال) جمعًا لـ(علة) (3/197/22) بدل (علل).
و(أجبال) جمعًا لـ(جبل) (3/284/28) بدل (جبال).

و(أعيان) جمعًا لـ(عين)، حاسة البصر (1/35/19، و1/239/10، و3/307/34) بدلًا من (عيون).
ويمكن أن يلحق بهن (آبال) جمع (إبل) (3/282/23)، (إبل) جمع لا واحد له من لفظه.

وكذلك (آخاء) (3/378/7) بدلًا من (إخوة)، وهذه الكلمة قد وردت في العكبري، و(الوساطة) (ص333)، وفي (الكشف عن مساوئ المتنبي) للصاحب بن عباد[11]، الذي انتقدها على الشاعر أشد انتقاد، ولكني وجدت مكانها في اليازجي (آباء)، وهكذا:
كلُّ آبائه كرام بني الدنـ ♦♦♦ ــيا ولكنه كريمُ الكرامِ[12]

بدلًا من (كل آخائه...)، كما قال محققو كتاب الصاحب[13] إنها قد وردت في الديوان (كل آبائه)، وذلك على خلاف محققي كتاب (الوساطة)، الذين أشاروا إلى موضعها في الديوان على ما رواها الثعالبي من غير أن يعترضوا بأنها في الديوان (آبائه)[14].

ومما جمعه المتنبي على غير الصيغة الشائعة (دار) التي جمعها على (أدؤر) (3/265/5) بدلًا من (دُور).
و(أم) على (أمَّات) (3/389/31) في غير العاقل، وذلك بدلًا من (أمهات).
وحصان على (حُصُن)، بضم الحاء والصاد (4/213/17) بدلًا من (أحصنة).
و(أُروض)، بضم الهمزة، جمع (أرض) (4/258/27) بدلًا من (أرَضين).
♦♦ ♦♦ ♦♦

فإذا انتقلنا إلى استخدامه الصيغ غير الشائعة في الصفات، وجدناه يقول (النسب القُراب)، بضم القاف (1/76/8)، و(الكرم التِّلاد)، بكسر التاء (1/363/33) بدلًا من (التالد) أو (التليد)، و(قصورة)، بمعنى: (امرأة محبوسة في خدرها)، (2/59/2) بدلًا من (مقصورة)، و(كناز) (2/183/32) بدلًا من (مكتنزة)، و(نصرانة) (2/233/26) بدل (نصرانية)، و(خَيرة الدول)، بفتح الخاء (3/40/20)، مؤنث (خير)، وهو تأنيث فيما يبدو غير شائع، فنحن نقول عادة: (هو خير الرجال، وهي خير النساء) لا (خيرة النساء)[15].

ومنها (مُؤْيَدات) بضم الميم وتسكين الهمزة وفتح الياء (3/339/32) في البيت التالي يمدح سيف الدولة:
سلكت صروف الدهرِ حتى لقيتَه ♦♦♦ على ظهرِ عزم مُؤْيَدات قوائمُه

بدلا من (مؤيّدات) مثلًا المشتقة من (أيَّد) بتشديد الياء، وهو الفعل المشهور المستعمل، أما (آيد) فقلما يخطر على بال أحد.

وكذلك (حداث) جمع (حادث)، بمعنى (متحدث) (3/385/19) بدل (متحدثين)، و(أوحدي)، نسبة إلى (أوحد) (4/11/21) بدل (وحيد)، و(يلمعيات) (4/229/32) بدلًا من (ألمعيات) المشهورة المتداولة.

ومن جموع الصفات غير الشائعة التي قابلتها عند المتنبي قوله: (شُذَّان) بضم الشين وتشديد الذال، جمع (شاذ) (3/27/25)، و(غُرَّان) بنفس الضبط، جمع (أغر) (4/228/31) بدلًا من (غر) بضم وتشديد، وهلمَّ جرًّا.

ويمكننا أن نلحق بما مرَّ اشتقاقه أفعل تفضيل من (أسود)، وذلك في قوله: (لأنت أسود في عيني من الظلم) (1/35/2).
يتبع




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 23.77 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 23.15 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (2.64%)]