عرض مشاركة واحدة
  #186  
قديم 12-09-2022, 04:27 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 134,060
الدولة : Egypt
افتراضي رد: فتح العليم العلام الجامع لتفسير ابن تيمية الإمام علم الأعلام وشيخ الإسلام



فتح العليم العلام الجامع لتفسير ابن تيمية الإمام علم الأعلام وشيخ الإسلام
المؤلف:شيخ الاسلام أحمد بن عبد الحليم ابن تيمية.
سُورَةُ النساء
المجلد الخامس
الحلقة( 186)

من صــ 211 الى صـ 220



وما أفتى به ابن عباس وغيره من الصحابة في مسائل الأيمان والنذور والطلاق والخلع، قولهم فيها هو الصواب، دون قول من خالفهم من المتأخرين.
وبالجملة فهذا باب يطول وصفه، فالصحابة أعلم الأمة وأفقهها وأدينها، ولهذا أحسن الشافعي - رحمه الله - في قوله: " هم فوقنا في كل علم وفقه ودين وهدى، وفي كل سبب ينال به علم وهدى، ورأيهم لنا خير من رأينا لأنفسنا " أو كلاما هذا معناه.
وقال أحمد بن حنبل: " أصول السنة عندنا التمسك بما كان عليه أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ".
وما أحسن قول عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه - حيث قال: " أيها الناس من كان منكم مستنا فليستن بمن قد مات، فإن الحي لا تؤمن عليه الفتنة أولئك أصحاب محمد كانوا أفضل هذه الأمة: أبرها قلوبا، وأعمقها علما، وأقلها تكلفا، قوم اختارهم الله لصحبة نبيه وإقامة دينه، فاعرفوا لهم فضلهم، واتبعوهم في آثارهم، وتمسكوا بما استطعتم من أخلاقهم ودينهم، فإنهم كانوا على الهدى المستقيم ".
وقال حذيفة - رضي الله عنه -: " يا معشر القراء استقيموا وخذوا طريق من كان قبلكم، فوالله لئن استقمتم لقد سبقتم سبقا بعيدا، وإن أخذتم يمينا وشمالا لقد ضللتم ضلالا بعيدا ".

(حرمت عليكم أمهاتكم وبناتكم وأخواتكم وعماتكم وخالاتكم وبنات الأخ وبنات الأخت وأمهاتكم اللاتي أرضعنكم وأخواتكم من الرضاعة وأمهات نسائكم وربائبكم اللاتي في حجوركم من نسائكم اللاتي دخلتم بهن فإن لم تكونوا دخلتم بهن فلا جناح عليكم وحلائل أبنائكم الذين من أصلابكم وأن تجمعوا بين الأختين إلا ما قد سلف إن الله كان غفورا رحيما (23)

(فصل: المحرمات بالرضاع)
قال شيخ الإسلام - رحمه الله -:
فصل:
وأما " المحرمات بالرضاع " فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم {يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب} وفي لفظ: {يحرم من الرضاع ما يحرم من الولادة} وهذا مما اتفق عليه علماء المسلمين؛ لا أعلم فيه نزاعا بين العلماء المعروفين. فإذا ارتضع الطفل من امرأة خمس رضعات في الحولين قبل الفطام صار ولدها باتفاق الأئمة وصار الرجل الذي در اللبن بوطئه أبا لهذا المرتضع باتفاق الأئمة المشهورين وهذا يسمى " لبن الفحل " وقد ثبت ذلك بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم {فإن عائشة كانت قد أرضعتها امرأة وكان لها زوج يقال له أبو القعيس فجاء أخوه يستأذن عليها فأبت أن تأذن له حتى سألت النبي صلى الله عليه وسلم فقال لها: إيذني له فإنه عمك فقالت عائشة: إنما أرضعتني المرأة؛ ولم يرضعني الرجل فقال: إنه عمك فليلج عليك}. وقال: {يحرم من الرضاعة ما يحرم من النسب}.
وإذا صار الرجل والمرأة والدي المرتضع صار كل من أولادهما إخوة المرضع؛ سواء كانوا من الأب فقط أو من المرأة أو منهما أو كانوا أولادا لهما من الرضاعة؛ فإنهم يصيرون إخوة لهذا المرتضع من الرضاعة؛ حتى لو كان لرجل امرأتان فأرضعت هذه طفلا وهذه طفلة: كانا أخوين؛ ولم يجز لأحدهما التزوج بالآخر باتفاق الأئمة الأربعة وجمهور علماء المسلمين.
وهذه " المسألة " سئل عنها ابن عباس فقال: اللقاح واحد يعني الرجل الذي وطئ المرأتين حتى در اللبن واحد. ولا فرق باتفاق المسلمين بين أولاد المرأة الذين رضعوا مع الطفل وبين من ولد لها قبل الرضاعة وبعد الرضاعة: باتفاق المسلمين. وما يظنه كثير من الجهال أنه إنما يحرم من رضع معه: هو ضلال على صاحبه إن لم يرجع عنه فإن أصر على استحلال ذلك استتيب كما يستتاب سائر من أباح الإخوة من الرضاعة فإن تاب وإلا قتل. وإذا كان كذلك فجميع " أقارب المرأة أقارب للمرتضع من الرضاعة " أولادها إخوته وأولاد أولادها أولاد إخوته وآباؤها وأمهاتها أجداده وإخوتها وأخواتها أخواله وخالاته:
وكل هؤلاء حرام عليه وأما " بنات أخواله وخالاته من الرضاع " فحلال كما يحل ذلك من النسب؛ وأقارب الرجل أقاربه من الرضاع: أولاد إخوته وأولادهم أولاد إخوته. وإخوته أعمامه وعماته وهن حرام عليه. وحل له بنات عمه وبنات عماته. وأولاد المرتضع بمنزلته كما أن أولاد المولود بمنزلته فليس لأولاده من النسب والرضاع أن يتزوجوا إخوته ولا إخوة أبيه لا من نسب ولا رضاع لأنهم أعمامهم وعماتهم وأخوالهم وخالاتهم.

وأما إخوة المرتضع من نسب أو رضاع غير رضاع هذه المرضعة فهم أجانب منها ومن أقاربها فيجوز لإخوة هؤلاء أن يتزوجوا أولاد المرضعة؛ كما إذا كان أخ للرجل من أبيه وأخت من أمه. وبالعكس: جاز أن يتزوج أحدهما الآخر؛ وهو نفسه لا يتزوج واحدا منهما: فكذلك المرتضع هو نفسه لا يتزوج واحدا من أولاد مرضعه؛ ولا أحدا من أولاد والديه فإن هؤلاء إخوته من الرضاع؛ وهؤلاء إخوته من النسب. ويجوز لإخوته من الرضاع أن يتزوجوا إخوته من النسب كما يجوز لإخوته من أبيه أن يتزوجوا إخوته من أمه. وهذا كله متفق عليه بين العلماء.

ولكن بعض المنتصبين للفتيا قد يغلظ في هذه المسائل؛ لالتباس أمرها على المستفتين ولا يذكرون ما يسألون عنه بالأسماء والصفات المعتبرة في الشرع مثل أن يقول: اثنان تراضعا: هل يتزوج هذا بأخت هذا؟ وهذا سؤال مجمل. فالمرتضع نفسه ليس له أن يتزوج من أخوات الآخر اللاتي هن من أمه التي أرضعت؛ وإن كان له أخوات من غير تلك الأم فهن أجانب من المرتضع فللمرتضع أن يتزوج منهن. وكذلك إذا قيل: طفل وطفلة تراضعا أو طفلان تراضعا: هل يحل أن يتزوج أحدهما بإخوة الآخر ويتزوج الأخوات من الجانبين بعضهم لبعض؟ فجواب ذلك أن إخوة كل من المتراضعين لهم أن يتزوجوا أخوات الآخر؛ إذا لم يرتضع الخاطب من أم المخطوبة ولا المخطوبة من أم الخاطب وهذا متفق عليه بين العلماء.
وأما المتراضعان فليس لأحدهما أن يتزوج شيئا من أولاد المرضعة فلا يتزوج هذا بأحد من إخوة الآخر من الأم التي أرضعته أو من الأب صاحب اللبن ويجوز أن يتزوج كل منهما من إخوة الآخر الذين ليسوا من أولاد أبويه من الرضاعة. فهذا جواب هذه الأقسام. فإن الرضيع: إما أن يتزوج من إخوة المرتضع الآخر من تلك المرأة أو الرجل وإما أن يتزوج من إخوة المرتضع الآخر من النسب أو من رضاعة أخرى. وإخوة الرضيع إما أن يتزوجوا من هؤلاء وإما من هؤلاء وإما من هؤلاء. فإخوة الرضيع لهم أن يتزوجوا الجميع: أولاد المرضعة وزوجها من نسب أو رضاع. ولإخوة هذا أن يتزوجوا بإخوة هذا؛ بل لأب هذا من النسب أن يتزوج أخته من الرضاع.
وأما أولاد المرضعة فلا يتزوج أحد منهن المرتضع؛ ولا أولاده؛ ولا يتزوج أحدا من أولاد إخوته وأخواته؛ لا من نسب؛ ولا من رضاع فإنه يكون: إما عما وإما خالا. وهذا كله متفق عليه بين العلماء.

" ثم الرضاع المحرم " فيه ثلاثة أقوال مشهورة ثلاث روايات عن أحمد " أحدها " أنه يحرم كثيره وقليله. وهي مذهب مالك وأبي حنيفة؛ لإطلاق القرآن. " والثاني " لا تحرم الرضعة والرضعتان ويحرم ما فوق ذلك. وهو مذهب طائفة؛ لقوله صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح: {لا تحرم الرضعة والرضعتان} " وروي " {المصة والمصتان} " وروي {الإملاجة؛ والإملاجتان} " فنفى التحريم عنهما وبقي الباقي على العموم والمفهوم. " والثالث " أنه لا يحرم إلا خمس رضعات وهو مذهب الشافعي وظاهر مذهب أحمد لحديثين صحيحين. حديث عائشة: {إن مما نزل من القرآن عشر رضعات معلومات ثم نسخن بخمس معلومات فتوفي رسول الله صلى الله عليه وسلم والأمر على ذلك} ولأمره صلى الله عليه وسلم لامرأة أبي حذيفة بن عتبة بن ربيعة أن ترضع سالما مولى أبي حذيفة بن عتبة بن ربيعة خمس رضعات؛ ليصير محرما لها بذلك.

وعلى هذا فالرضعة في مذهب الشافعي وأحمد ليست هي الشبعة وهو أن يلتقم الثدي ثم يسيبه ثم يلتقمه ثم يسيبه حتى يشبع بل إذا أخذ الثدي ثم تركه باختياره فهي رضعة سواء شبع بها أو لم يشبع إلا برضعات فإذا التقمه بعد ذلك فرضع ثم تركه فرضعة أخرى وإن تركه بغير اختياره ثم عاد قريبا ففيه نزاع.
وسئل - رحمه الله تعالى -:
ما الذي يحرم من الرضاع؟ وما الذي لا يحرم؟ وما دليل حديث عائشة رضي الله عنها " {أنه يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب}. ولتبينوا جميع التحريم منه؟ وهل للعلماء فيه اختلاف؟ وإن كان لهم اختلاف فما هو الصواب والراجح فيه؟ وهل حكم رضاع الصبي الكبير الذي دون البلوغ أو الذي يبلغ حكمه حكم الصغير الرضيع؛ فإن بعض النسوة يرضعن أولادهن خمس سنين؛ وأكثر وأقل؟ وهل يقع تحريم بين المرأة والرجل المتزوجين برضاع بعض قراباتهم لبعض؟ وبينوه بيانا شافيا؟
الجواب:
الحمد لله، حديث عائشة حديث صحيح متفق على صحته؛ وهو متلقى بالقبول؛ فإن الأئمة اتفقوا على العمل به ولفظه: {يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب} " والثاني: " {يحرم من الرضاع ما يحرم من الولادة} ": وقد استثنى بعض الفقهاء المستأخرين من هذا العموم صورتين؛ وبعضهم أكثر من ذلك وهذا خطأ؛ فإنه لا يحتاج أن يستثنى من الحديث شيء. ونحن نبين ذلك فنقول. إذا ارتضع الرضيع من المرأة خمس رضعات في الحولين صارت المرأة أمه وصار زوجها الذي جاء اللبن بوطئه أباه فصار ابنا لكل منهما من الرضاعة وحينئذ فيكون جميع أولاد المرأة من هذا الرجل ومن غيره وجميع أولاد الرجل منها ومن غيرها إخوة له سواء ولدوا قبل الرضاع أو بعده باتفاق الأئمة.

وإذا كان أولادهما إخوته كان أولاد أولادهما أولاد إخوته فلا يجوز للمرتضع أن يتزوج أحدا من أولادهما ولا أولاد أولادهما؛ فإنهم: إما إخوته وإما أولاد إخوته وذلك يحرم من الولادة. وإخوة المرأة وأخواتها أخواله وخالاته من الرضاع وأبوها وأمها أجداده وجداته من الرضاع فلا يجوز له أن يتزوج أحدا من إخوتها. ولا من أخواتها وإخوة الرجل أعمامه وعماته.

وأبو الرجل وأمهاته أجداده وجداته؛ فلا يتزوج بأعمامه وعماته ولا بأجداده وجداته؛ لكن يتزوج بأولاد الأعمام والعمات؛ فإن جميع أقارب الرجل حرام عليه؛ أولاد الأعمام والعمات؛ وأولاد الخال والخالات كما ذكر الله في قوله {يا أيها النبي إنا أحللنا لك أزواجك اللاتي آتيت أجورهن وما ملكت يمينك مما أفاء الله عليك وبنات عمك وبنات عماتك وبنات خالك وبنات خالاتك اللاتي هاجرن معك} فهؤلاء " الأصناف الأربعة " هي المباحات من الأقارب فيبحن من الرضاعة. وإذا كان المرتضع ابنا للمرأة وزوجها فأولاده أولاد أولادهما ويحرم على أولاده ما يحرم على الأولاد من النسب. فهذه الجهات الثلاث منها تنتشر حرمة الرضاع.
وأما إخوة المرتضع من النسب؛ وأبوه من النسب وأمه من النسب: فهم أجانب أبيه وأمه وإخوته من الرضاع؛ ليس بين هؤلاء وهؤلاء صلة ولا نسب ولا رضاع؛ لأن الرجل يمكن أن يكون له أخ من أبيه وأخ من أمه ولا نسب بينهما؛ بل يجوز لأخيه من أبيه أن يتزوج أخته من أمه؛ فكيف إذا كان أخ من النسب وأخت من الرضاع؛ فإنه يجوز لهذا أن يتزوج هذا ولهذا أن يتزوج هذا. وبهذا تزول الشبهة التي تعرض لبعض الناس فإنه يجوز للمرتضع أن يتزوج أخوه من الرضاعة بأمه من النسب كما يتزوج بأخته من النسب. ويجوز لأخيه من النسب أن يتزوج أخته من الرضاعة وهذا لا نظير له في النسب؛ فإن أخ الرجل من النسب لا يتزوج بأمه من النسب. وأخته من الرضاع ليست بنت أبيه من النسب ولا ربيبته فلهذا جاز أن تتزوج به.
فيقول من لا يحقق: يحرم في النسب على أخي أن يتزوج أمي ولا يحرم مثل هذا في الرضاع. وهذا غلط منه؛ فإن نظير المحرم من النسب أن تتزوج أخته أو أخوه من الرضاعة بابن هذا الأخ أو بأمه من الرضاعة كما لو ارتضع هو وآخر من امرأة واللبن لفحل؛ فإنه يحرم على أخته من الرضاعة أن تتزوج أخاه وأخته من الرضاعة؛ لكونهما أخوين للمرتضع ويحرم عليهما أن يتزوجا أباه وأمه من الرضاعة؛ لكونهما ولديهما من الرضاعة؛ لا لكونهما أخوي ولديهما. فمن تدبر هذا ونحوه زالت عنه الشبهة.
وأما " رضاع الكبير " فإنه لا يحرم في مذهب الأئمة الأربعة؛ بل لا يحرم إلا رضاع الصغير كالذي رضع في الحولين. وفيمن رضع قريبا من الحولين نزاع بين الأئمة؛ لكن مذهب الشافعي وأحمد أنه لا يحرم.

فأما الرجل الكبير والمرأة الكبيرة فلا يحرم أحدهما على الآخر برضاع القرايب: مثل أن ترضع زوجته لأخيه من النسب: فهنا لا تحرم عليه زوجته؛ لما تقدم من أنه يجوز له أن يتزوج بالتي هي أخته من الرضاعة لأخيه من النسب؛ إذ ليس بينه وبينها صلة نسب ولا رضاع؛ وإنما حرمت على أخيه لأنها أمه من الرضاع وليست أم نفسه من الرضاع. وأم المرتضع من الرضاع لا تكون أما لإخوته من النسب؛ لأنها إنما أرضعت الرضيع ولم ترضع غيره. نعم:
لو كان للرجل نسوة يطأهن وأرضعت كل واحدة طفلا لم يجز أن يتزوج أحدهما الآخر؛ ولهذا لما سئل ابن عباس عن ذلك قال: اللقاح واحد. وهذا مذهب الأئمة الأربعة؛ لحديث أبي القعيس الذي في الصحيحين عن عائشة وهو معروف. وتحرم عليه أم أخيه من النسب؛ لأنها أمه أو امرأة أبيه؛ وكلاهما حرام عليه.

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 33.10 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 32.47 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (1.90%)]