عرض مشاركة واحدة
  #185  
قديم 12-09-2022, 04:19 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 134,060
الدولة : Egypt
افتراضي رد: فتح العليم العلام الجامع لتفسير ابن تيمية الإمام علم الأعلام وشيخ الإسلام



فتح العليم العلام الجامع لتفسير ابن تيمية الإمام علم الأعلام وشيخ الإسلام
المؤلف:شيخ الاسلام أحمد بن عبد الحليم ابن تيمية.
سُورَةُ النساء
المجلد الخامس
الحلقة( 185)

من صــ 201 الى صـ 210



(ومن يعص الله ورسوله ويتعد حدوده يدخله نارا خالدا فيها وله عذاب مهين (14)
(فائدة)
قال شيخ الإسلام - رحمه الله تعالى -:
وقد قيل: إن " التأبيد " لم يذكر في القرآن إلا في وعيد الكفار؛ ولهذا قال: {ومن يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم خالدا فيها وغضب الله عليه ولعنه وأعد له عذابا عظيما}. وقال فيمن يجور في المواريث: {ومن يعص الله ورسوله ويتعد حدوده يدخله نارا خالدا فيها وله عذاب مهين}. فهنا قيد المعصية بتعدي حدوده فلم يذكرها مطلقة؛ وقال: {وعصى آدم ربه فغوى}. فهي معصية خاصة؛ وقال تعالى: {حتى إذا فشلتم وتنازعتم في الأمر وعصيتم من بعد ما أراكم ما تحبون} فأخبر عن معصية واقعة معينة وهي معصية الرماة للنبي صلى الله عليه وسلم حيث أمرهم بلزوم ثغرهم وإن رأوا المسلمين قد انتصروا فعصى من عصى منهم هذا الأمر وجعل أميرهم يأمرهم لما رأوا الكفار منهزمين وأقبل من أقبل منهم على المغانم. وكذلك قوله: {وكره إليكم الكفر والفسوق والعصيان}. جعل ذلك ثلاث مراتب.

(إنما التوبة على الله للذين يعملون السوء بجهالة ثم يتوبون من قريب فأولئك يتوب الله عليهم وكان الله عليما حكيما (17)

(فصل)
قال شيخ الإسلام - رحمه الله تعالى -:
قال أبو العالية: سألت أصحاب محمد عن هذه الآية فقالوا لي: كل من عصى الله فهو جاهل وكل من تاب قبل الموت فقد تاب من قريب وكذلك قال سائر المفسرين. قال مجاهد: كل عاص فهو جاهل حين معصيته وقال الحسن وقتادة وعطاء والسدي وغيرهم: إنما سموا جهالا لمعاصيهم لا أنهم غير مميزين. وقال الزجاج: ليس معنى الآية أنهم يجهلون أنه سوء؛ لأن المسلم لو أتى ما يجهله كان كمن لم يواقع سوءا؛ وإنما يحتمل أمرين. (أحدهما): أنهم عملوه وهم يجهلون المكروه فيه.
والثاني: أنهم أقدموا على بصيرة وعلم بأن عاقبته مكروهة وآثروا العاجل على الآجل؛ فسموا جهالا لإيثارهم القليل على الراحة الكثيرة والعافية الدائمة. فقد جعل الزجاج " الجهل " إما عدم العلم بعاقبة الفعل وإما فساد الإرادة؛ وقد يقال: هما متلازمان وهذا مبسوط في الكلام مع الجهمية. والمقصود هنا أن كل عاص لله فهو جاهل، وكل خائف منه فهو عالم مطيع لله؛ وإنما يكون جاهلا لنقص خوفه من الله إذ لو تم خوفه من الله لم يعص.
(فصل)
سئل الشيخ - رحمه الله تعالى -:
هل صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أن الله تبارك وتعالى أحيا له أبويه حتى أسلما على يديه ثم ماتا بعد ذلك؟
فأجاب:

لم يصح ذلك عن أحد من أهل الحديث؛ بل أهل المعرفة متفقون على أن ذلك كذب مختلق وإن كان قد روى في ذلك أبو بكر - يعني الخطيب - في كتابه " السابق واللاحق " وذكره أبو القاسم السهيلي في " شرح السيرة " بإسناد فيه مجاهيل وذكره أبو عبد الله القرطبي في " التذكرة " وأمثال هذه المواضع فلا نزاع بين أهل المعرفة أنه من أظهر الموضوعات كذبا كما نص عليه أهل العلم وليس ذلك في الكتب المعتمدة في الحديث؛ لا في الصحيح ولا في السنن ولا في المسانيد ونحو ذلك من كتب الحديث المعروفة ولا ذكره أهل كتب المغازي والتفسير وإن كانوا قد يروون الضعيف مع الصحيح. لأن ظهور كذب ذلك لا يخفى على متدين فإن مثل هذا لو وقع لكان مما تتوافر الهمم والدواعي على نقله فإنه من أعظم الأمور خرقا للعادة من وجهين:

من جهة إحياء الموتى: ومن جهة الإيمان بعد الموت. فكان نقل مثل هذا أولى من نقل غيره فلما لم يروه أحد من الثقات علم أنه كذب. والخطيب البغدادي هو في كتاب " السابق واللاحق " مقصوده أن يذكر من تقدم ومن تأخر من المحدثين عن شخص واحد سواء كان الذي يروونه صدقا أو كذبا وابن شاهين يروي الغث والسمين. والسهيلي إنما ذكر ذلك بإسناد فيه مجاهيل. ثم هذا خلاف الكتاب والسنة الصحيحة والإجماع. قال الله تعالى: {إنما التوبة على الله للذين يعملون السوء بجهالة ثم يتوبون من قريب فأولئك يتوب الله عليهم وكان الله عليما حكيما} {وليست التوبة للذين يعملون السيئات حتى إذا حضر أحدهم الموت قال إني تبت الآن ولا الذين يموتون وهم كفار}.
فبين الله تعالى: أنه لا توبة لمن مات كافرا. وقال تعالى: {فلم يك ينفعهم إيمانهم لما رأوا بأسنا سنة الله التي قد خلت في عباده وخسر هنالك الكافرون} فأخبر أن سنته في عباده أنه لا ينفع الإيمان بعد رؤية البأس؛ فكيف بعد الموت؟ ونحو ذلك من النصوص. وفي صحيح مسلم: " {أن رجلا قال للنبي صلى الله عليه وسلم أين أبي؟ قال: إن أباك في النار. فلما أدبر دعاه فقال: إن أبي وأباك في النار} ".
وفي صحيح مسلم أيضا أنه قال: " {استأذنت ربي أن أزور قبر أمي فأذن لي واستأذنته في أن أستغفر لها فلم يأذن لي. فزوروا القبور فإنها تذكر الآخرة} ".
وفي الحديث الذي في المسند وغيره قال: " {إن أمي مع أمك في النار} " فإن قيل: هذا في عام الفتح والإحياء كان بعد ذلك في حجة الوداع ولهذا ذكر ذلك من ذكره وبهذا اعتذر صاحب التذكرة وهذا باطل لوجوه: - (الأول: إن الخبر عما كان ويكون لا يدخله نسخ كقوله في أبي لهب: {سيصلى نارا ذات لهب} وكقوله في الوليد: {سأرهقه صعودا}. وكذلك في: " {إن أبي وأباك في النار} " و " {إن أمي وأمك في النار} "
وهذا ليس خبرا عن نار يخرج منها صاحبها كأهل الكبائر؛ لأنه لو كان كذلك لجاز الاستغفار لهما ولو كان قد سبق في علم الله إيمانهما لم ينهه عن ذلك فإن الأعمال بالخواتيم ومن مات مؤمنا فإن الله يغفر له فلا يكون الاستغفار له ممتنعا.

(الثاني: أن النبي صلى الله عليه وسلم زار قبر أمه لأنها كانت بطريقه " بالحجون " عند مكة عام الفتح وأما أبوه فلم يكن هناك ولم يزره إذ كان مدفونا بالشام في غير طريقه فكيف يقال: أحيي له؟. (الثالث: إنهما لو كانا مؤمنين إيمانا ينفع كانا أحق بالشهرة والذكر من عميه: حمزة والعباس؛ وهذا أبعد مما يقوله الجهال من الرافضة ونحوهم من أن أبا طالب آمن ويحتجون بما في " السيرة " من الحديث الضعيف وفيه أنه تكلم بكلام خفي وقت الموت. ولو أن العباس ذكر أنه آمن لما كان {قال للنبي صلى الله عليه وسلم عمك الشيخ الضال كان ينفعك فهل نفعته بشيء؟ فقال: وجدته في غمرة من نار فشفعت فيه حتى صار في ضحضاح من نار في رجليه نعلان من نار يغلي منهما دماغه ولولا أنا لكان في الدرك الأسفل من النار} ".

هذا باطل مخالف لما في الصحيح وغيره فإنه كان آخر شيء قاله: هو على ملة عبد المطلب وأن العباس لم يشهد موته مع أن ذلك لو صح لكان أبو طالب أحق بالشهرة من حمزة والعباس فلما كان من العلم المتواتر المستفيض بين الأمة خلفا عن سلف أنه لم يذكر أبو طالب ولا أبواه في جملة من يذكر من أهله المؤمنين كحمزة والعباس وعلي وفاطمة والحسن والحسين رضي الله عنهم كان هذا من أبين الأدلة على أن ذلك كذب. (الرابع: أن الله تعالى قال {قد كانت لكم أسوة حسنة في إبراهيم والذين معه إذ قالوا لقومهم إنا برآء منكم} - إلى قوله - {لأستغفرن لك وما أملك لك من الله من شيء} الآية. وقال تعالى {وما كان استغفار إبراهيم لأبيه إلا عن موعدة وعدها إياه فلما تبين له أنه عدو لله تبرأ منه}. فأمر بالتأسي بإبراهيم والذين معه؛ إلا في وعد إبراهيم لأبيه بالاستغفار. وأخبر أنه لما تبين له أنه عدو لله تبرأ منه والله أعلم.

(وإن أردتم استبدال زوج مكان زوج وآتيتم إحداهن قنطارا فلا تأخذوا منه شيئا أتأخذونه بهتانا وإثما مبينا (20)

[فصل كلام الرافضي أن عمر رضي الله عنه منع المغالاة في المهور]
فصل
قال الرافضي: " وقال في خطبة له: من غالى في مهر امرأة جعلته في بيت المال، فقالت له امرأة: كيف تمنعنا ما أعطانا الله في كتابه حين قال: {وآتيتم إحداهن قنطارا} [سورة النساء: 20]؟ فقال: كل أحد أفقه من عمر حتى المخدرات ".
والجواب: أن هذه القصة دليل على كمال فضل عمر ودينه وتقواه، ورجوعه إلى الحق إذا تبين له، وأنه يقبل الحق حتى من امرأة، ويتواضع له، وأنه معترف بفضل الواحد عليه، ولو في أدنى مسألة، وليس من شرط الأفضل أن لا ينبهه المفضول لأمر من الأمور، فقد قال الهدهد لسليمان: {أحطت بما لم تحط به وجئتك من سبإ بنبإ يقين} [سورة النمل: 22] وقد قال موسى للخضر: {هل أتبعك على أن تعلمني مما علمت رشدا} [سورة الكهف: 66] والفرق بين موسى والخضر أعظم من الفرق بين عمر وبين أشباهه من الصحابة، ولم يكن هذا بالذي أوجب أن يكون الخضر قريبا من موسى، فضلا عن أن يكون مثله، بل الأنبياء المتبعون لموسى، كهارون ويوشع وداود وسليمان وغيرهم، أفضل من الخضر.
وما كان عمر قد رآه فهو مما يقع مثله للمجتهد الفاضل، فإن الصداق فيه حق لله - تعالى، ليس من جنس الثمن والأجرة، فإن المال والمنفعة يستباح بالإباحة، ويجوز بذله بلا عوض، وأما البضع فلا يستباح بالإباحة، ولا يجوز النكاح بغير صداق، لغير النبي - صلى الله عليه وسلم - باتفاق المسلمين، واستحلال البضع بنكاح لا صداق فيه من خصائص النبي - صلى الله عليه وسلم، لكن يجوز عقده بدون التسمية، ويجب مهر المثل، فلو مات قبل أن يفرض لها ففيها قولان للصحابة والفقهاء، أحدهما: لا يجب شيء، وهو مذهب علي ومن اتبعه، كمالك والشافعي في أحد قوليه، والثاني: يجب مهر المثل، وهو مذهب عبد الله بن مسعود، ومذهب أبي حنيفة وأحمد والشافعي في قوله الآخر.
والنبي - صلى الله عليه وسلم - قضى في بروع بنت واشق بمثل ذلك، فكان هذا قضاء رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. فعمر لم يستقر قوله على خلاف النص، فكان حاله أكمل من حال من استقر قوله على خلاف النص، وإذا كان الصداق فيه حق لله أمكن أن يكون مقدرا بالشرع، كالزكاة وفدية الأذى وغير ذلك، ولهذا ذهب أبو حنيفة ومالك إلى أن أقله مقدر بنصاب السرقة، وإذا جاز تقدير أقله جاز تقدير أكثره، وإذا كان مقدرا اعتبر بالسنة، فلم يتجاوز به ما فعله رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في نسائه وبناته.
وإذا قدر أن هذا لا يسوغ، كانت قد بذلت لمن لا يستحقها، فلا يعطاها الباذل لحصول مقصوده، ولا الآخذ لكونه [لا] يستحقها، فتوضع في بيت المال، كما تقوله طائفة من الفقهاء: إن المتجر بمال غيره يتصدق بالربح، وهو مذهب أبي حنيفة وأحمد في إحدى الروايات، وكما يقوله محققو الفقهاء فيمن باع سلاحا في الفتنة، أو عصيرا أو عنبا للخمر: إنه يتصدق بالثمن.

ففي الجملة عمر لو نفذ اجتهاده لم يكن أضعف من كثير من اجتهاد غيره الذي أنفذه، وكيف لم ينفذه؟!
وقوله - تعالى -: {وآتيتم إحداهن قنطارا} [سورة النساء: 20] يتأول كثير من الناس ما هو أصرح منها، بأن يقولوا: هذا قيل للمبالغة، كما قالوا في قول رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " «التمس ولو خاتما من حديد» "، أنه قاله على سبيل المبالغة، فإذا كان المقدرون لأدناه يتأولون مثل هذا، جاز أن يكون المقدر لأعلاه يتأول مثل هذا.

وإذا كان في هذا منع للمرأة المستحقة، فكذلك منع المفوضة المهر الذي استحقته بسنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، لا سيما والمزوجة بلا تسمية لم تغال في الصداق، وعمر مع هذا لم يصر على ذلك، بل رجع إلى الحق.
فعلم أن تأييد الله له وهدايته إياه أعظم من تأييده لغيره وهدايته إياه، وأن أقواله الضعيفة التي رجع عنها ولم يصر عليها خير من أقوال غيره الضعيفة التي لم يرجع عنها.
والله - تعالى - قد غفر لهذه الأمة الخطأ وإن لم يرجعوا عنه، فكيف بمن رجع عنه؟
وقد ثبت في موضع غير هذا أن اجتهادات السلف من الصحابة والتابعين كانت أكمل من اجتهادات المتأخرين، وأن صوابهم أكمل من صواب المتأخرين، وخطأهم أخف من خطأ المتأخرين، فالذين قالوا من الصحابة والتابعين بصحة نكاح المتعة خطؤهم أيسر من خطأ من قال من المتأخرين بصحة نكاح المحلل، من أكثر من عشرين وجها، قد ذكرناها في مصنف مفرد، والذين قالوا من الصحابة والتابعين بجواز الدرهم بدرهمين خطؤهم أخف من خطأ من جوز الحيل الربوية من المتأخرين، وأن الذين أنكروا ما قاله الصحابة، عمر وغيره، في مسألة المفقود من أن زوجها إذا أتى خير بين امرأته ومهرها - قولهم ضعيف، وقول الصحابة هو الصواب الموافق لأصول الشرع، والذين عدوا هذا خلاف القياس، وقالوا: لا ينفذ حكم الحاكم إذا حكم به، قالوا ذلك لعدم معرفتهم بمآخذ الصحابة ودقة فهمهم؛ فإن هذا مبني على وقف العقود عند الحاجة؛ وهو أصل شريف من أصول الشرع.

وكذلك ما فعله عمر من جعل أرض العنوة فيئا هو فيه على الصواب، دون من لم يفهم ذلك من المتأخرين، وأن الذي أشار به علي بن أبي طالب في قتال أهل القبلة كان علي - رضي الله عنه - فيه على الصواب، دون من أنكره عليه من الخوارج وغيرهم.

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 33.11 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 32.48 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (1.90%)]