الموضوع: مهارات الكلام
عرض مشاركة واحدة
  #1  
قديم 17-08-2022, 07:17 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,900
الدولة : Egypt
افتراضي مهارات الكلام

مهارات الكلام


محمد سلامة الغنيمي



الاعتدال وضبط مستوى الصوت:

يترك مستوى الصوت أول انطباع لدى المستمع تجاه المتحدث، وهو ما يسمى في علم النفس "بتكنيك الحديث"، فإن كان منخفضاً إلى درجة استماع المخاطب دل ذلك على ضعف ثقة المتحدث بنفسه، وقلة السيطرة، وضعف اليقين، مما يدفع المخاطب إلى الضجر، وانعدام الرغبة في المتابعة، فإن كان مضطراً إلى الاستماع تغشاه النعاس.




أما إذا كان الصوت مرتفعاً صاخباً أوحى بالريبة والقلق وعدم الثقة بالنفس، فمن الصعب أن يقنع المستمع ببراعة وتوفيق صاحب الصوت الصاخب المرتفع، مما حدا ببعض المشاهير مثل الرئيس الأمريكي "جورج بوش" إلى تلقى تدريبات صوتية، بعد أن باء بالفشل في انتخابات الرئاسة عام 1988 فقد كان صوته يتسم بالحدة والعنف، وبالمثل فعلت رئيسة الوزراء البريطانية "مارجريت تاتشر"، فقد تلقت تدريبات لتخفيض حدة صوتها، رغبة في فرض نفوذها بشكل فعال.



وقد شبه سبحانه وتعالى الصوت المرتفع بأبشع الصور وأقبح الأصوات، بصوت الحمير، تأكيداً للنهى وتوبيخاً للفعل، حثاً على الإقلاع عنه ودفعاً للاتزان والاعتدال، حيث أن أصوات الحمير محط سخريه ونفور لبشاعة أصواتها، قال تعالى على لسان لقمان: " ﴿ وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ وَاغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَ إِنَّ أَنْكَرَ الْأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ ﴾ [ لقمان: 19 ].



ومدح القرآن المؤمنون الذين يغضون ولا يرفعون أصواتهم في مجلس الرسول صلى الله عليه وسلم فقال: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ يَغُضُّونَ أَصْوَاتَهُمْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ أُولَئِكَ الَّذِينَ امْتَحَنَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوَى لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ ﴾ [ الحجرات: 3 ].



ويشير علماء النفس إلى أن علو الصوت يدل على بطلان حُجة صاحبه، وأن الصوت الهادئ المعتدل يدل على صدق صاحبه، وقوة حجته، وثقته بنفسه.



في حين أن الصوت المتزن الذي يتسم بالهدوء ويعبر عن الثقة في النفس والتحكم في العبارات ووضوح النبرات ومرونة الأداء ودقة المعاني، فإن الناس تقبل عليه وتصغى له، لا يشغلهم شاغل ولا يطاردهم وقت.



فضلاً عن أن الصوت المعتدل يزيد من الألفة والطمأنينة وكذلك الاحترام المتبادل، مما يعمل على زيادة العلاقات الاجتماعية، وتوسيع دائرتها.



وذلك هو الثابت من هدى نبينا صلى الله عليه وسلم، إذ يقول ابن القيم: كان إذا تكلم تكلم بكلام مفصل مبين يعده العاد ليس بِهَذٍّ مسرع لا يحفظ ولا منقطع تخلله السكتات بين أفراد الكلام بل هديه فيه أكمل الهدي، وكان صلى الله عليه وسلم يوجه صحابته ويوصيهم بالتوازن والاعتدال في مستوى الصوت وإن كانوا يقرؤون القرآن، عن أبي قتادة قال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج ليلة فإذا هو بأبي بكر يصلي يخفض من صوته ومر بعمر وهو يصلي رافعا صوته قال: فلما اجتمعا عند النبي صلى الله عليه وسلم قال: " يا أبا بكر مررت بك وأنت تصلي تخفض صوتك "قال: قد أسمعت من ناجيت يا رسول الله وقال لعمر: " مررت بك وأنت تصلي رافعا صوتك " فقال: يا رسول الله أوقظ الوسنان وأطرد الشيطان فقال النبي صلى الله عليه وسلم: يا أبا بكر ارفع من صوتك شيئا " وقال لعمر: " اخفض من صوتك شيئا " [1].



إيضاح الكلام (الفصاحة والبيان):

البيان هو اسم جامع لكل ما يكشف عن المعنى ويدل على المقصود، أما الفصاحة فهي تعنى خلو الكلام من التعقيد، وبعدة عن التداخل في الألفاظ والمعاني.



ومن هنا ينبغي استخدام الكلمات الواضحة، والعبارات الفصيحة، والألفاظ المستحسنة التي يفهمها المخاطب، والحروف المتمكنة في مخارجها غير قلقة ولا مكدوده، لأن ذلك يدل على البراعة في الأداء ويعبر عن الثقة في النفس، ويحفز المستمع على المتابعة و الإصغاء، أما استخدام الكلمات الضعيفة والألفاظ الهزيلة والعبارات الغامضة، فإنها تدل على ضحوله الثقافة وقلة المعرفة والدراية بموضوع الحديث، كما تعكس مشاعر الخمول والكسل والتوتر والانفعال ومن ثم عدم الرغبة في المتابعة.



وقالت عائشة رضى الله عنها في صفة كلام نبينا صلى الله عليه وسلم: " كان كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم كلاماً فصلاً يفهمه كل من يسمعه [2].



وقال الله تعالى في معرض المن وذكر النعم: “﴿ الرَّحْمَنُ * عَلَّمَ الْقُرْآَنَ * خَلَقَ الْإِنْسَانَ* عَلَّمَهُ الْبَيَانَ ﴾،" [ الرحمن: 1، 4 ]. وقد وصف النبي صلى الله عليه وسلم البيان بالسحر الذي يأسر القلوب ويملك العقول، حيث قال في حديث عبد الله بن عمرو:" إن من البيان لسحرا [3]".



وقال ابن المعتز البيان ترجمان القلوب وصيقل العقول، وسئل معاوية عمرو بن العاص، من أبلغ الناس؟ قال: أقلهم لفظاً، وأسهلهم معنى، وأحسنهم بديهة.



وهناك بعض الكلمات التي قد يستخدمها المتحدث ولا يفهمها المستمع من أول وهلة، لذلك ينبغي التكرار حتى يحصل المقصود وهو الفهم والاستيعاب، فعن أنس رضى الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا تكلم بكلمة أعادها ثلاثاً حتى تفهم عنه، وإذا أتى على قوم فسلم عليهم سلم عليهم ثلاثاً [4]. ومن الخطأ الزيادة على الثلاث، لأنه ينافي المقصود ويبعث على الرتابة والملل، فضلاً عن أنه الثابت من فعل النبي صلى الله عليه وسلم.



النهى عن الثرثرة:

نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن الثرثرة وهى كثرة الكلام تكلفاً، لأنها تبعث على الملل الخمول، وتثير الضجر والازدراء، فضلاٍ عن كثرة الوقوع في الهفوات وارتكاب الأخطاء، إضافة إلى أنها تعبيراً عن الأنانية والأثرة والاكتراث بالذات وعدم المبالاة بالأخرين، مما يؤدى إلى النفور والقطيعة، وذلك يتنافى مع مبادئ الإسلام، لذلك فقد وضح النبي صلى الله عليه وسلم قبح هذه الخصلة، وأعلن أن صاحبها هو أبغض وأبعد الناس منه يوم القيامة.



عن جابر رضى الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " إن من أحبكم إلى، وأقربكم منى مجلساً يوم القيامة، أحاسنكم أخلاقاً، وإن أبغضكم إلى وأبعدكم منى يوم القيامة، الثرثارون، والمتشدقون، والمتفقون " قالوا: يا رسول الله قد علمنا الثرثارون والمتشدقون، فما المتفيهقون، قال: " المتكبرون " [5]، وقد مدح النبي صلى الله عليه وسلم قصر الخطبة مع البيان، فعن عمار قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " إن طول صلاة الرجل وقصر خطبته مئنة من فقهه فأطيلوا الصلاة واقصروا الخطبة وإن من البيان سحرا [6]".



لذلك ينبغي الابتعاد عن التطويل الممل أو الاقتضاب المخل لأن الاكتفاء بعبارات مبتورة تثير استياء المخاطبين وتشعرهم بالاستخفاف بهم.



وزن الكلام إذا نطقت ولا تكن ثرثارة في كل ناد تخطب.



التواضع والبعد عن التشدق:

قد حث الإسلام على التواضع في الحديث ولين الكلام، ودعي إلى استخدام الكلمات المألوفة والعبارات الدارجة المفهومة، ونهى عن التقعر والتشدق في الكلام باستخدام الكلمات الغريبة والعبارات المعقدة، وقد حذر كل الحذر من هذه الصفة الذميمة التي لا تؤدى إلى بغض الناس فحسب، بل بغض الله عز وجل ايضاً، وذلك هو الخسران المبين.



قال الله تعالى موصياً نبيه بالتواضع: ﴿ وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِلْمُؤْمِنِينَ ﴾ [ الحجر: 88 ]، وقال تعالى مبيناً جزاء التواضع: ﴿ تِلْكَ الدَّارُ الْآَخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلَا فَسَادًا وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ ﴾ [ القصص: 83 ].



وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحديث السابق: وإن أبغضكم إلى وأبعدكم منى يوم القيامة، الثرثارون، والمتشدقون، والمتفيهقون " قالوا: يا رسول الله قد علمنا الثرثارون والمتشدقون، فما المتفيهقون، قال: " المتكبرون.



وعن عبد الله بن عمرو أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " إن الله عز وجل يبغض البليغ من الرجال، الذي يتخلل بلسانه تخلل الباقرة بلسانها [7]". أي الذي يظهر التفاصح ويتعمد التشدق، فيتقعر ويتعمق في الكلام ويتكلفه، استعلاء على الغير، ورغبة في التقدير والوجاهة، وحباً في الظهور، وهذه صفات المتكبرون الذين يمقتهم الله عز وجل، لذلك شبههم بالبقرة ووجه الشبه في إدارة لسانه حول أسنانه وفمه حال التكلم كما تفعل البقرة بلسانها حال الأكل وخص البقرة من بين البهائم لأن سائرها تأخذ النبات بأسنانها والبقرة لا تحتش إلا بلسانها.



ومن صور التشدق، التكلم بلغة المثقفين في حضرة أنصاف المتعلمين والعامة، واستخدام المصطلحات والعبارات التي يقتصر فهمها على فئة معينة، بحضرة من لا يدركونها، كأن يستخدم الطبيب المصطلحات الطبية في خطابه مع عامل بسيط استعلاءً عليه، ومن ذلك ايضاً استخدام الألفاظ الأجنبية ادعائاً للثقافة والمعرفة، فكلها أمور تثير الغضب والنفور، فمن غير المعقول أن يقبل الإنسان على من يتعالى ويتشدق عليه، وأن يأنس به ويطمئن اليه، فمن تواضع لله رفعه وأحبه ومن أحبه وضع محبته في قلوب الخلق فما زاد الله عبداً بالتواضع إلا عزا.



تواضع تكن كالنجم لاح لناظر

على صفحات الماء وهو رفيع



ولا تك كالدخان يعلو بنفسه

على طبقات الجوّ وهو وضيع






فمن أراد أن يأسر القلوب ويجذب العقول وتصغى له الآذان فعليه أن يكون التواضع منهجه والبساطة قبلته والرفق بغيته، وأن يكون التكبر مرذول لديه والتشدق ممقوت عنده، إذا هابه أحد هون عليه أمره، وقد أتى النبي صلى الله عليه وسلم رجل فكلمه فجعل ترعد فرائصه فقال له" هون عليك فإني لست بملك إنما أنا ابن امرأة تأكل القديد[8]".



فقد كره النبي صلى الله عليه وسلم إيذاء المخاطب سواء بكثرة الكلام حتى لا يدع له فرصة يبدى فيها المخاطب رأيه، وكذلك بأن يتكبر علي جلسائه ويتشدق عليهم بالألفاظ والكلام، فهؤلاء هم أبعد المسلمين عن رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم القيامة.



ترك مالا يعنيه:

ينبغي للمتحدث ألا يتحدث في أمور الناس الخاصة، التي لا تعنيه، بحيث لا يضره السكوت عنها ولا ينفعه الكلام فيها، فعن أبى هريرة رضى الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " من حُسن إسلام المرء تركه مالا يعنيه " [9]. يعد المحدثين هذا الحديث من الأربعة أحاديث التي جمعت فأوعت، فهو يدعوا إلى عدم تتبع العورات، وحفظ الخصوصيات، والاقتصار على الذات، فهو منشأ الاحترام والتوقير ومصدر الهيبة والكرامة، وهو مكمن العزة.



ازهد فيما عند الناس تستعبد قلوبهم

فطالما استعبد الإنسان إحسان






كل إنسان له عالمه الخاص الذي لا يريد من أحد أن يتدخل فيه، وإذا بادر شخص ما واقتحم عالمه بغير رضاه فسوف يحاول التصدي له بكل ما يستطيع، فيقع ما يبغضه الإسلام من الكراهية والبغضاء، ناهيك عن إهدار الوقت، والتعب والتنغيص الذي يحصل له، في حين أنه بإعراضه عن التدخل في أمور الناس واقتحام أسرارهم تحصل له الطمأنينة وراحة البال، وكما قيل من تدخل فيما لا يعنيه سمع ما لا يرضيه.



وذكر مالك أنه بلغه أنه قيل للقمان:"ما بلغ بك ما نرى؟" يريدون الفضل فقال:" صدق الحديث وأداء الأمانة وترك ما لا يعنيني ".[10].



وروى عن الحسن قال:"من علامة إعراض الله تعالى عن العبد أن يجعل شعله فيما لا يعنيه".



قال الامام الشافعي لصاحبه الربيع: يا ربيع لا تتكلم فيما لا يعنيك، فإنك إذا تكلمت بالكلمة ملكتك ولم تملكها.



وقيل: من عرف شأنه، وحفظ لسانه، وأعرض عما لا يعنيه، وكف عن عرض أخيه، دامت سلامته، وقلت ندامته، وإياك وفضول الكلام فإنه يظهر من عيوبك ما بطن، ويحرك من عدوك ما سكن.



احفظ لسانك لا تقول فتبتلى

إن البلاء مُوكلُُُُ بالمنطق






التؤدة والاطمئنان في الكلام:

المتحدث اللبق هو الذي يتسم كلامه بالترتيل والترسيل، فضلاً عن التؤدة والتمهل، ليفهم متحدثه مقصوده من الكلام، لا سيما ونحن نعيش في عصر اختلطت فيه الجنسيات وتنوعت فيه اللهجات، وتعددت فيه اللغات، وتعقدت أمور الحياة مع كثرة مطالبها.



وقد كان نبينا صلى الله عليه وسلم يزين كلامه ويترسل فيه ليترك الفرصة لمستمعه عن التفكر والتدبر، بحيث يمكنه التعلق على فحوى الكلام إذا أراد، لاسيما وقد أكد العلم الحديث على أن الإنسان لا يمكنه التركيز واستيعاب الكلام السريع الذي لا يتخلله السكون والتؤدة والتمهل، فعن عائشة رضى الله عنها قالت: " إن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يكن يسرد الحديث كسردكم كان يحدث حديثاً لو عده العاد لأحصاه "، أي لو أراد المستمع عد كلماته وحروفه لأمكنه ذلك، لذلك استوعب الصحابة كلام النبي صلى الله عليه وسلم وحفظوه [11].



عن عائشة قالت ألا يعجبك أبو هريرة جاء فجلس إلى جنب حجرتي يحدث عن النبي صلى الله عليه وسلم يسمعني ذلك وكنت أسبح فقام قبل أن أقضي سبحتي ولو أدركته لرددت عليه إن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يكن يسرد الحديث كسردكم [12].



ولكن هناك بين الترسل والتأني والبطء الشديد المصاحب للحذلقة، فالأخير يؤدى إلى نفور السامع وضجره، لأن كلام متحدثه يثير الملل.



يبدأ الكلام الأكبر والأعلم:

من الآداب التي ينبغي مراعاتها في الحديث عدم تصدر حديثي السن للكلام وإبداء الرأي في حضرة من هم أكبر سناً وأكثر علماً، وهذا أمر ترتضيه الفطرة وتكاد تتفق عليه المجتمعات على اختلافها، فبئس القوم الذين لا يبغون تحصيل خبرات من سبقوهم علماً أو سناً، ويرتضون خوض التجارب وتحمل النتائج.
يتبع



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 29.31 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 28.68 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (2.14%)]