عرض مشاركة واحدة
  #3  
قديم 17-12-2020, 07:00 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,947
الدولة : Egypt
افتراضي رد: شرح اسم الله التواب

كَمَالُ تَوْبَة النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم:
ومحمدٌ صلى الله عليه وسلم أَكْمَلُ الخَلقِ وأَكْرَمُهُم عَلَى اللهِ، وَهُوَ المُقَدَّمُ عَلَى جَمِيعِ الخَلْقِ فِي أَنوَاعِ الطَاعَاتِ، فَهُوَ أَفضَلُ المُحِبِّينَ للهِ، وَأَفضَلُ المُتَوكِّلِينَ عَلَى اللهِ، وَأفضَلُ العَابِدِينَ لَهُ، وأفضَلُ العَارِفِينَ بِهِ، وَأَفضَلُ التَّائبيِنَ إِلَيْهِ، وَتَوبَتُهُ أَكْمَلُ مِنْ تَوبَةِ غَيْرِهِ، وَلِهَذَا غَفَرَ اللهُ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ وَمَا تَأَخَرَ.

وَبَهَذِهِ المَغْفِرَةِ نَالَ الشَّفَاعَةَ يَوْمَ القِيامَةِ. كَمَا ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ: "إِنَّ النَاسَ يَوَمَ القِيَامَةِ يَطْلُبُونَ الشَّفَاعَةَ مِنْ آدَمَ، فَيَقولُ: إنِّي نُهِيتُ عَنِ الأَكْلِ مِنَ الشَّجَرِةِ فَأَكَلْتُ مِنْهَا، نَفْسِي نَفْسِي نَفْسِي، وَيَطْلُبُونَهَا مِنْ نُوحٍ فيقُولُ: إِنِّي دَعَوتُ عَلَى أَهْلِ الأَرْضِ دَعْوَةً لَمْ أُومَرْ بِهَا نفْسِي نَفْسِي نَفْسِي، وَيَطْلُبُونَهَا مِنَ الخَلِيلِ، ثُمَّ مِنْ مُوسَى، ثُمَّ مِنَ المَسِيحِ فيقُولُ: اذهَبُوا إِلَى مُحَمَّدٍ عبدٌ غَفَرَ اللهُ لَهُ مَا تقدَّمَ مِنْ ذَنْبهِ وَمَا تَأَخَّرَ"، قَالَ: "فيأتُونِي فَأنْطَلِقُ، فَإِذَا رَأَيْتُ رَبَّي خَرَرْتُ لَهُ سَاجِدًا، فَأحْمَدُ رَبِّي بمحَامِدَ يَفتحُهَا عَلَيَّ لاَ أُحْسِنُهَا الآنَ، فَيقُولُ: أَيْ مُحَمَّدُ! ارْفَعْ رَأْسَكَ، وَقُلْ تُسْمَعْ، وسَلْ تُعْطَ، واشفَعْ تُشَفَّعْ، فَأقُولُ: أَيْ ربِّ أَمَّتِي! فَيَحُدُّ لِي حَدًّا فأُدخِلُهُمُ الجَنَّةَ".

فَالمَسِيحُ صلواتُ اللهِ عليهِ وسلامُهُ دَلَّهم عَلَى محمدٍ صلى الله عليه وسلم، وَأَخْبَرَ بكمَالِ عُبُودِيَّتِهِ للهِ، وكَمَالِ مَغْفِرَةِ اللهِ لَهُ، إِذْ لَيْسَ بينَ المَخْلُوقِينَ والخَالِقِ نَسَبٌ إِلَّا مَحْضَ العُبُودِيَّةِ والافتِقَارِ مِنَ العَبْدِ، وَمَحْضَ الجُودِ والإِحسَانِ مِنَ الرَّبِّ عز وجل.

وَقَدْ ثَبَتَ فِي الصَّحيحِينِ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم؛ أَنَّهُ قَالَ: "لَنْ يَدْخُلَ أحدٌ مِنْكُمُ الجَنَّةَ بِعَمَلِهِ"، قَالُوا: وَلاَ أَنتَ يَا رسولَ اللهِ؟ قَالَ: "وَلاَ أَنَا، إِلَّا أَنْ يَتَغمدَّنِيَ اللهُ برحمةٍ مِنْهُ وَفَضْلٍ".

وثَبَتَ عَنْهُ فِي الصحيحِ؛ أَنَّهُ كَانَ يقولُ: "يَأَيُّهَا النَّاسُ تُوبُوا إِلَى ربِكُم فَوَالَّذِي نَفْسِي بيدهِ إِنِّي لأَسْتَغْفِرُ اللهَ وأتوبُ إِلَيْهِ فِي اليومِ أكثرَ مِنْ سَبْعِينَ مرةٍ".

وثَبَتَ عَنْهُ فِي الصَّحِيحِ؛ أنَّهُ قَالَ: "إِنَّهُ ليُغَانُ عَلَى قَلْبِي، وإنِّي لأستغفرُ اللهَ فِي اليومِ مائةَ مَرَّةٍ" فَهُوَ صلى الله عليه وسلم لِكَمَال عُبُودِيَّتِهِ للهِ، وكَمَالِ مَحَبَّتِهِ لَهُ، وافتقَارِهِ إِليهِ، وكَمَالِ توبَتِهِ واستغفَارِهِ صَارَ أَفضلَ الخَلْقِ عندَ اللهِ؛ فَإِنَّ الخَيْرَ كلَّهُ مِنَ اللهِ، وليسَ للمخلُوقِ مِنْ نفسِهِ شيءٌ، بَلْ هُوَ فقيرٌ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ، واللهُ غَنِيٌّ عِنْهُ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ، مُحْسِنٌ إليهِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ، فَكُلَّمَا ازدَادَ العبدُ تَواضُعًا وعبودِيَّةً ازدَادَ إِلَى اللهِ قُرْبًا ورِفْعَةً، ومِنْ ذَلِكَ تَوبَتُهُ واستغفَارُهُ.

وَفِي الحديثِ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم؛ أَنَّهُ قَالَ: "كُلُّ بَنِي آدَمَ خَطَّاءٌ، وَخَيْرُ الخَطَّائِينَ التَّوَّابُونَ"، رواهُ ابنُ مَاجَه والترمذيُّ[43].

معاني إيمانية لاسم الله التواب:
يقولُ ابنُ القيِّمِ رحمهُ اللهُ تَعَالَى:
"يَا ويلَهُ ظَهِيرًا للشيطانِ عَلَى ربهِ، خصمًا للهِ معَ نفسِهِ، جَبْرِيَّ المعاصِي، قدَرِيَّ الطاعاتِ[44]، عَاجِزُ الرأيِّ، مِضْياعٌ لفرصَتِهِ، قاعدٌ عِنْ مصالِحِهِ، معاتِبٌ لأَقْدَارِ ربهِ، يحتجُّ عَلَى ربِّهِ بِمَا لَا يقبَلُهُ مِنْ عبدِهِ وامرأتِهِ وأمَتِهِ، إذَا احتجُّوا بِهِ عليهِ فِي التهاونِ فِي بعضِ أمرِهِ، فَلَوْ أمرَ أحدَهُم بأمرٍ ففرَّطَ فِيهِ، أَوْ نَهَاهُ عِنْ شيءٍ فارتكَبهُ، وقَالَ: القَدَرُ ساقَنِي إِلَى ذَلِكَ لَمَا قَبِلَ منهُ هَذِهِ الحُجَّةَ، ولبادَرَ إِلَى عقوبَتِهِ.

فَإِنْ كَانَ القدرُ حجةً لكَ أيُّهَا الظالِمُ الجَاهِلُ فِي تَرْكِ حقِّ رَبِكَ، فَهَلاَّ كَانَ حجةً لعبدِكَ وأمَتِكَ فِي تَرْكِ بعضِ حَقِّكَ؟ بَلْ إِذَا أَسَاءَ إِليكَ مسيءٌ، وَجَنَى عليكَ جَانٍ، واحتجَّ بالقَدَرِ لاشتدَّ غضبُكَ عَلَيْهِ، وتضاعَفَ جُرمُهُ عندَكَ، ورأيتَ حجتَهُ داحضةً، ثُمَّ تَحْتَجُّ عَلَى ربِّكَ بِهِ، وتراهُ عُذْرًا لِنَفْسِكَ؟! فَمَنْ أَوْلَى بالظُّلْمِ والجَهْلِ ممنْ هَذِهِ حالُهُ؟

هَذَا مَعَ تَواتُرِ إِحسانِ اللهِ إِليكَ عَلَى مَدَى الأنفاسِ، أزاحَ عِللكَ، ومَكَّنكَ مِنَ التزودِ إلَى جَنَّتِهِ، وبعثَ إليكَ الدليلَ، وأعطاكَ مؤنةَ السفرِ، ومَا تتزودُ بِهِ، ومَا تحاربُ بِهِ قُطَّاعَ الطريقِ عليكَ فأعطاكَ السمعَ والبصرَ والفؤادَ، وعَرَّفكَ الخيرَ والشرَّ، والنافِعَ والضَّارَّ، وأرسَلَ إليكَ رسولَهُ، وأنزلَ إليكَ كتابَهُ، ويسَّرَهُ للذِّكْرِ والفَهْمِ والعَمَلِ، وأعانَكَ بمَدَدٍ مِنْ جُنْدِهِ الكِرَامِ، يُثَبِّتُونَكَ ويَحْرُسُونَكَ، ويحارِبُونَ عَدُوَّكَ ويطردُونَهُ عَنْكَ، ويُريدُونَ مِنْكَ أَنْ لَا تَمِيلَ إليهِ وَلَا تصالِحَهُ، وهُم يكْفُونَكَ مؤْنَتَهُ وأَنْتَ تَأبي إلَّا مظاهَرَتَهُ عَلَيْهِم، وموالاتِهِ دونَهُم، بَلْ تُظاهِرُهُ وتوالِيهِ دونَ وَليِّكَ الحَقَّ الذِي هُوَ أولَى بِكَ! قَالَ الله تعالى: ﴿ وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ كَانَ مِنَ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِي وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلًا ﴾ [الكهف: 50] طردَ إبليسَ عِنْ سمائِهِ، وأخرجَهُ مِنْ جَنَّتِهِ، وأبعَدَهُ مِنْ قُرْبِهِ، إِذْ لَمْ يَسْجُدْ لَكَ، وأَنتَ فِي صُلبِ أبيكَ آدمَ، لِكَرَامَتِكَ عَلَيهِ، فَعَادَاهُ وأبعدَهُ، ثُمَّ وَالَيْتَ عَدُوَّهُ، ومِلْتَ إليهِ وصَالَحْتَهُ، وتتظلَّمُ مَعَ ذَلِكَ وَتَشْتَكِي الطَّرْدَ والإبعَادَ، وتقولُ:
عَوَّدُوني الوصالَ والوَصْلُ عَذْبٌ ♦♦♦ وَرَمَوْنِي بالصَّدِّ والصَّدُّ صَعْبٌ

نَعَمْ، وكَيْفَ لاَ يَطْردُ مَنْ هَذِهِ مُعَامَلتُهُ؟ وكيفَ لا يُبْعِدُ عِنْهُ مِنْ كَانَ هَذَا وَصْفُهُ؟ وكيفَ يجعَلُ مِنْ خَاصَّتِهِ وأهلِ قُربِهِ مَنْ حَالُهُ مَعَهُ هَكَذَا؟ قَدْ أفسَدَ مَا بينَهُ وبينَ اللهِ وَكَدَّرَهُ!!

أمرَهُ اللهُ بشُكْرِهِ، لاَ لِحَاجَتِهِ إِليهِ، ولكِنْ لينَالَ بِهِ المَزِيدَ مِنْ فضلِهِ، فَجَعَلَ كُفْرَ نِعَمِهِ، والاستعانَةَ بِهَا عَلَى مَسَاخِطِهِ مِنْ أَكْبَرِ أَسْبَابِ صَرْفِهَا عَنْهُ.

وأَمَرَهُ بِذِكْرِهِ ليذْكُرَهُ بإحسَانِهِ، فَجَعَلَ نِسْيَانَهُ سَبَبًا لنِسْيَانِ اللهِ لَهُ ﴿ نَسُوا اللَّهَ فَأَنْسَاهُمْ أَنْفُسَهُمْ ﴾ [الحشر: 19]، ﴿ نَسُوا اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ ﴾ [التوبة: 67]، أمَرَهُ بِسُؤالِهِ ليُعْطِيَهُ، فَلَمْ يَسْأَلْهُ، بَلْ أَعَطَاهُ أجَلَّ العَطَايَا بِلاَ سُؤَالٍ، فَلَمْ يَقْبَلْ، يَشْكُو مَنْ يرحمُهُ إِلى مَنْ لا يرحمُهُ! وَيَتَظَّلمُ ممّن لا يَظْلمُهُ ويَدَعُ مَنْ يُعَادِيهِ وَيَظْلِمُهُ! إِنْ أَنْعَمَ عَلَيهِ بِالصِّحَّةِ والعَافِيَةِ والمَالِ والجَاهِ استعَانَ بِنِعَمِهِ عَلَى مَعَاصِيهِ! وإِنْ سَلَبَ ذَلِكَ ظَلَّ متسخطاً عَلَى ربِّهِ وهُوَ شَاكِيهِ! لَا يَصْلُحُ لَهُ عَلَى عَافِيَةٍ، ولا عَلَى ابتلاءٍ! العافيةُ تُلقِيهِ إِلَى مَسَاخِطِهِ، والبَلاءُ يدفَعُهُ إلَى كُفْرانِهِ وجُحُودِ نِعْمَتِهِ، وشَكَايَتِهِ إِلَى خَلْقِهِ!

دَعَاهُ إلَى بَابِهِ فَمَا وَقَفَ عَلَيْهِ ولَا طَرَقَهُ، ثُمَّ فَتَحَهُ لَهُ فَمَا عَرَّجَ عَلَيْهِ وَلَا ولَجَهُ! أَرَسَلَ إِلَيْهِ رَسُولَهُ يَدْعُوهُ إِلَى دَارِ كَرَامَتِهِ، فَعَصَى الرَّسُولَ، وَقَالَ: لَا أبيعُ نَاجِزًا بغَائِبٍ، ونَقْدًا بنَسيئَةٍ، وَلَا أَتْرُكُ مَا أَرَاهُ لشَيءٍ سَمِعْتُ بِهِ! ويقُولُ:
خُذْ مَا رَأَيْتَ ودَعْ شيئًا سمعتَ بِهِ ♦♦♦ فِي طَلْعَةِ الشَّمْسِ مَا يُغْنيكَ عَنْ زُحَلِ

فَإنْ وافَقَ حَظُّهُ طَاعَةَ الرسولِ أطاعَهُ لنَيْلِ حَظِّهِ، لَا لِرِضَا مُرسِلِهِ، لَمْ يَزَلْ يَتَمَقَّتُ إِلَيْهِ بمعَاصِيهِ، حَتَّى أَعرضَ عَنْهُ، وأَغْلَقَ البَابَ فِي وَجْهِهِ.

وَمَعَ هَذَا فَلَمْ يُؤيسُهُ مِنْ رَحْمَتِهِ، بَلْ قَالَ: مَتَي جِئْتَنِي قَبِلْتُكَ، أَتيْتَنِي ليلًا قبلتُك، وإِنْ أَتَيْتَنِي نَهَارًا قبلتُكَ، وإِنْ تَقربْتَ مِنِّي شِبْرًا تَقَربْتُ منكَ ذِرَاعًا، وإِنْ تقربتَ منِّي ذِرَاعًا تقربتُ مِنْكَ بَاعًا، وإِنْ مشيتَ إِليَّ هرولْتُ إليكَ، ولو لقِيتَني بِقُرابِ الأرضِ خَطَايا ثم لقيتني لا تشركَ بي شيئًا أتيتك بقُرابها مغفرةً، وَلو بَلَغَتْ ذنوبُكَ عنانَ السَّمَاءِ، ثُمَّ استغفرتَنِي غفرتُ لكَ، وَمَنْ أَعظَمُ مِنِّي جُودًا وكَرَمًا؟

عبادِي يُبارزُونَنِي بالعَظَائِمِ، وأَنَا أكلَؤهُم عَلَى فُرُشِهم، إِنِّي والجنُّ والإنسُ فِي نبأٍ عَظِيمٍ: أَخْلُقُ ويُعْبَدُ غَيْرِي، وأَرْزُقُ ويُشْكُرُ سِوَايَ، خَيْرِي إِلَى العِبَادِ نَازِلٌ، وَشَرُّهُم إِلَيَّ صَاعِدٌ، أَتحبَّبُ إِلَيْهِمْ بِنعَمِي، وأَنَا الغنيُّ عَنْهُم، وَيَتَبَغَّضُونَ إِلَيَّ بالمَعَاصِي، وهُم أَفقرُ شيءٍ إِلَيَّ!!

مَنْ أقْبَلَ إِلَيَّ تلقَّيتُهُ مِنْ بَعِيدٍ، ومَنْ أَعْرَضَ عَنِّي نادَيتُهُ مِنْ قَرِيبٍ، ومَنْ تَرَكَ لأَِجْلِي أَعطيتُهُ فَوْقَ المَزِيدِ، ومَنْ أَرَادَ رِضَايَ أَردتُ مَا يُرِيدُ، ومَنْ تَصَرَّفَ بِحَوْلِي وقُوَّتِي ألنتُ لهُ الحَدِيدَ.

أَهْلُ ذِكْرِي أَهْلُ مُجَالَستِي، وأَهْلُ شُكْرِي أَهْلُ زِيَادَتِي، وأَهْلُ طَاعَتِي أَهْلُ كَرَامَتِي، وأَهْلُ مَعْصِيَتِي لاَ أُقَنِّطُهُم مِنْ رَحْمَتِي، إنْ تَابُوا إِلَيَّ فَأَنَا حَبِيبُهُم، فَإِنِّي أُحِبُّ التَّوَّابِينَ وأُحِبُّ المُتَطَهِّرِينَ، وإِنْ لَمْ يَتُوبُوا إِلَيَّ فَأَنَا طَبِيبُهُم، أبتليهِم بالمصائِبِ؛ لأُطَهَرهُم مِنَ المعايِبِ.

مَنْ آثَرنِي عَلَى سِوَايَ آثرتُهُ عَلَى سِوَاهُ، الحسنةُ عِندِي بعَشْرِ أمثالِهَا إِلَى سبعِمائةِ ضعفٍ، إِلَى أَضعافٍ كثيرةٍ، والسَّيِّئَةُ عِندِي بواحِدَةٍ، فَإِنْ نَدِمَ عَلَيْهَا واستغفَرَنِي غَفَرْتُهَا لَهُ.

أشكُرُ اليسيرَ مِنَ العَمَل، وأغفرُ الكَثِيرَ مِنَ الزَّلَلِ، رحمَتِي سَبَقَتْ غَضَبِي، وحِلْمِي سَبَقَ مُؤاخَذَتِي، وعَفْوِي سَبَقَ عُقُوبَتِي، أَنَا أَرْحَمُ بعَبْدِي مِنَ الوَالِدَةِ بِوَلَدِهَا، "للهُ أشدُّ فَرحًا بتوبَةِ عبدِهِ مِنْ رَجُلٍ أَضلَّ راحِلَتَهُ بأرضِ مَهْلَكةٍ دَوِّيةٍ عَلَيْهَا طعامُهُ وشَرَابُهُ، طَلَبَهَا حَتَّى إِذَا أَيِسَ مِنْ حُصُولِهَا، نامَ فِي أَصلِ شجرةٍ ينتَظرُ الموتَ، فاستيقظَ فإِذَا هِي عَلَى رأسِهِ، قَدْ تَعَلَّقَ خِطامُهَا بالشجرَةِ، فَاللهُ أَفرحُ بتوبةِ عبدِهِ مِنْ هَذَا براحِلَتِهِ".

وَهَذِهِ فرحةُ إِحْسَانٍ وبرٍّ ولُطْفٍ، لَا فَرْحَةَ محتاجٍ إِلَى توبَةِ عبدِهِ، منتفعٍ بِهَا، وكذلكَ موالاتُهُ لعبدِهِ إِحسَانًا إِليهِ، ومحبةً لهُ وبِرًّا بهِ، لَا يتكثَّرُ بِهِ مِنْ قِلَّةٍ، ولَا يتعزَّزُ بهِ مِنْ ذلَّةٍ، ولَا ينتَصِرُ بهِ مِنْ غَلَبةٍ، ولَا يعدُّهُ لنائِبَةٍ، ولَا يستعينُ بهِ فِي أَمرٍ ﴿ وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ وَلِيٌّ مِنَ الذُّلِّ وَكَبِّرْهُ تَكْبِيرًا ﴾ [الإسراء: 111]، فَنَفى أَنْ يكونَ لَهُ وليٌّ مِنَ الذُّلِّ، واللهُ وليُّ الذينَ آمنوا، وهُم أولياؤُهُ.

فَهَذَا شأنُ الرَّبِّ وشأنُ العبدِ، وَهُم يقيمونَ أعذارَ أنفسِهِم، ويحملُونَ ذنوبَهم عَلَى أقدارِهِ[45].


[1] أسماء الله الحسنى للرضواني (2/ 63 - 64).

[2] المفردات (ص: 76)، ولسان العرب (1/ 233)، التعاريف (ص: 74)، وزاد المسير (1/ 70).

[3] المفردات (ص: 76)، وكتاب العين للخليل بن أحمد (8/ 138)، وتفسير أسماء الله الحسنى (ص: 62).

[4] انظر: الرعاية لحقوق الله للمحاسبي (ص: 68)، وإحياء علوم الدين (4/ 2)، وعوارف المعارف (ص: 487).

[5] مسلم في التوبة، باب قبول التوبة (4/ 213) (2759).

[6] الترمذي في الدعوات، باب في فضل التوبة والاستغفار (5/ 547) (3537)، وانظر: حُكم الشيخ الألباني على الحديث في صحيح الجامع (4338).

[7] الموضع السابق (5/ 548) (3540).

[8] مسلم في التوبة، باب في الحض على التوبة والفرح بها (4/ 2102) (2675).

[9] مدارج السالكين (1/ 312).

[10] المقصد الأسنى (139).

[11] النهج الأسمى (2/ 182-204).

[12] جامع البيان (11/ 41) بسند ٍحسنٍ عنه.

[13] مجاز القرآن (1/ 39).

[14] جامع البيان (1/ 195).

[15] تفسير أسماء الله (ص: 62).

[16] اشتقاق الأسماء (ص: 63).

[17] شأن الدعاء (ص: 90).

[18] المنهاج (1/ 206)، وذكره في الأسماء التي تتبع إثباتَ التدبير له دون ما سواه، ونقَله البيهقي في الأسماء (ص: 78).

[19] الاعتقاد (ص: 64).

[20] (ص: 88)، ونحوه في روح المعاني للألوسي (1/ 237).

[21] تيسير الكريم الرحمن (5/ 300).

[22] الكتاب الأسنى (ورقة 377 ب).

[23] المصدر السابق (ورقة 377ب - 378أ).

[24] وهذا لا يعني أن الإنسان ليست له مشيئة، فإن الله تعالى يقول: ﴿ وَقُلِ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ ﴾ [الكهف: 29]. فالإنسان فاعل لفعله حقيقة، وله قدرة واختيار، وقدرته مؤثرة في مقدورها كما تؤثر القوى والطبائع والأسباب، ودل على ذلك الشرع والعقل. انظر: مجموع الفتاوى (30/ 139).

[25] الكتاب الأسنى (378ب - 379أ).
ونحو هذا ما قاله ابن القيم في المدارج (1/ 179): "ولما كانت التوبة هي رجوع العبد إلى الله، ومفارقته لصراط المغضوب عليهم والضالين، وذلك لا يحصل إلا بهداية الله إلى الصراط المستقيم، ولا تحصل هدايته إلا بإعانته وتوحيده فقد انتظمتها سورة الفاتحة أحسَن انتظام...".

[26] أخرجه البخاري في الأذان (2/ 317)، وفي الدعوات (11/ 131)، ومسلم في الذكر والدعاء (4/ 2078) من طرق، عن الليث بن سعد، عن يزيد بن أبي حبيب، عن أبي الخير، عن عبد الله بن عمرو، عن أبي بكر؛ أنه قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم: علِّمني دعاءً أدعو به في صلاتي، قال: "قل: اللهم إني ظلمتُ...".
وأخرجه البخاري في التوحيد (13/ 372)، ومسلم (4/ 2078) عن ابن وهب، أخبرني عمرو بن الحارث، عن يزيد بن أبي حبيب؛ به. وجاءت هذه العبارة أيضًا في دعاء الاستفتاح: "وجهتُ وجهي..."، ودعاء سيِّد الاستغفار.

[27] جامع البيان (11/ 41).

[28] المصدر السابق (1/ 195).

[29] روح المعاني (1/ 238).

[30] جامع البيان (18/ 68).

[31] معالم التنزيل (5/ 56) بهامش تفسير الخازن، وبنحوه مختصرًا قال الخازن في تفسيره، الصفحة نفسها.

[32] روح المعاني (18/ 111) باختصار يسير.

[33] اشتقاق الأسماء (ص: 63 - 64)، وانظر القرطبي (1/ 326).

[34] (ص: 76)، وكذا ما سيأتي من كلام السعدي.

[35] مفردات الراغب الأصفهاني (ص: 76).

[36] مدارج السالكين (1/ 178 - 179).

[37] أسماء الله الحسنى لابن القيم، إعداد عماد بن البارودي (131 - 135).

[38] صحيح: أخرجه ابن ماجه (4252) في الزهد، باب: ذكر التوبة، من حديث عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه -، وقال الألباني في صحيح الجامع (6802): صحيح.

[39] الأسنى في شرح أسماء الله الحسنى للقرطبي (1/ 407).

[40] الأسماء والصفات للبيهقي (ص: 78).

[41] صحيح: أخرجه مسلم (2703) في الذكْر والدعاء، باب: استحباب الاستغفار.

[42] الأسنى في شرح أسماء الله الحسنى للقرطبي (1/ 416).

[43] حسَن: رواه أحمد، والترمذي، وابن ماجه، وحسَّنه الألباني.

[44] أي: إذا فعَل المعاصي احتجَّ بأنه مجبور عليها، وإنْ فعَل الطاعات نسَبَها لنفسه وقدْرته؟!

[45] مدارج السالكين (1/ 192 - 195).




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 36.23 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 35.61 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (1.73%)]