عرض مشاركة واحدة
  #192  
قديم 02-07-2022, 08:56 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 135,088
الدولة : Egypt
افتراضي رد: شرح زاد المستقنع في اختصار المقنع للشيخ محمد الشنقيطي

شرح زاد المستقنع في اختصار المقنع
(كتاب الزكاة)
شرح فضيلة الشيخ الدكتور
محمد بن محمد المختار بن محمد الجكني الشنقيطي
الحلقة (187)

صـــــ(1) إلى صــ(17)


ما يباح للنساء اتخاذه من الذهب والفضة
قال المصنف رحمه الله: [ويباح للنساء من الذهب والفضة ما جرت العادة بلبسه ولو كثر].
قوله: (ويباح للنساء من الذهب والفضة ما جرت العادة بلبسه) كالأسورة والقلائد والأوشحة والحزام من الذهب والفضة، وغير ذلك مما جرت العادة بلبسه، قوله: (ولو كثر) أي: ولو كان كثيراً، وذلك لأن الله عز وجل وصف النساء بكونهن يتحلين بالحلية، وذلك من شأنهن، كما قال سبحانه وتعالى: { أَوَمَنْ يُنَشَّأُ فِي الْحِلْيَةِ وَهُوَ فِي الْخِصَامِ غَيْرُ مُبِينٍ } [الزخرف:18] ، فجعل لهن هذا الحظ من الدنيا، وبناءً على ذلك لا حرج أن تتحلى المرأة باليسير والكثير، خاصة إذا جرى العرف بهذا اللبس، ولا يعتبر محظوراً في حقها.
حكم زكاة الحلي
قال المصنف رحمه الله: [ولا زكاة في حليهما المعد للاستعمال أو العارية].
قوله: (ولا زكاة في حليهما) المعد للاستعمال، الحلي الذي تتحلى به المرأة للعلماء فيه قولان: منهم من قال: يجب على المرأة أن تؤدي زكاة الحلي قلّ أو كثر، بشرط أن يبلغ النصاب المعتبر، وهذا هو مذهب الحنفية رحمة الله عليهم.
القول الثاني: لا تجب الزكاة في الحلي، وهذا هو مذهب الجمهور من المالكية والشافعية والحنابلة.
واستدل الذين قالوا بوجوب الزكاة في حلي النساء بحديث الترمذي : ( أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى امرأة تطوف، وعليها مسكتان غليظتان من ذهب، فقال: أتؤدين زكاتهما؟ قالت: لا، قال: هما حسبك من النار )، قالوا: إن النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث بيّن وجوب الزكاة، إذ الوعيد فيه لا يترتب إلا على فعل محرم أو ترك واجب، ولا شك أن الواجب هنا هو الزكاة، فدل على أن الزكاة واجبة، فجعل قوله: ( هما حسبك من النار )، مرتباً على قولها: لا، فدل على أنها لو زكت لما كان حسباً لها من النار، قالوا: فهذا الحديث يدل دلالة واضحة على وجوب الزكاة في الحلي، واستندوا أيضاًَ إلى الأصول، وذلك في قوله تعالى: { خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا } [التوبة:103]، ولا شك أن الحلي مال؛ لأن له قيمة، وقالوا: إنه تجب فيه الزكاة، سواء كان من الذهب أو كان من الفضة.
واستدل الجمهور على إسقاط الزكاة بحديث جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( ليس في الحلي زكاة ) ، وهو حديث ضعيف؛ لأنه من رواية أيوب بن عافية ، وهو ضعيف، ولا يقوى على معارضة حديث الترمذي الذي صححه غير واحد.
وبناءً على ذلك: يترجح القول القائل بوجوب الزكاة في الحلي، وحينئذٍ يجب على المرأة إذا حال الحول على حليِّها أن تنظر في زكاته إذا كان قد بلغ النصاب، فتُخرج ربع عشره، إن شاءت أخرجته من الذهب، وإن شاءت أخرجته من الفضة، أخرجت ربع العشر من الذهب، أو أخرجته بعدله من الفضة، توضيح ذلك: لو أن حليها زكاته عشرة غرامات، فحينئذٍ نقول لها: إما أن تخرجي عشرة غرامات من الذهب، وتعطى للمسكين ينتفع بها، يبيعها ويأخذ مالها، أو تنظري عِدل العشرة غرامات في يوم الحول بقيمتها من الذهب، فإذا كانت قيمة كل غرام من الذهب في يوم الحول ثلاثين ريالاً فإننا نعتبر الواجب عليها في عشر غرامات ثلاثمائة ريال، ونقول: أنت بالخيار إن شئت أخرجت عدلها من الفضة، وإن شئت أخرجت أصلها، أعني العشرة غرامات، فتُخيّر بين الاثنين، إن شاءت هذا أو هذا، لكنها إذا أرادت أن تنظر إلى عِدل الذهب من الفضة، فينبغي أن تنظر إلى اليوم الذي هو حولها، فلو كان غرام الفضة في يوم حولها يساوي أربعين ريالاً، ثم أرادت أن تخرج بعد يوم أو يومين، وقيمته خمسون أو ستون فالعبرة بالأربعين، لا بالزيادة ولا بالنقص الطارئ بعد يوم الحول، وعلى هذا لا بد أن تعرف قيمة الغرامات في يوم الحول، وتؤدي زكاته على هذا الوجه المعتبر، والعبرة بقيمة البيع لا بقيمة الشراء.
وقوله: (المعدة للاستعمال أو العارية).
بناءً على القول بإسقاط الزكاة في الحلي، كما يقول الجمهور هناك مسائل، يقولون: أولاً: ينبغي أن يكون الحلي معداً للاستعمال، فإذا كان بعضه معداً للاستعمال وبعضه لا يعد للاستعمال إلا نادراً، فإننا نوجب عليها الزكاة في النادر، وأما الغالب فلا زكاة فيه، ومن أمثلة ذلك: لو كان عندها ذهب تلبسه أكثر الحول، أو كل الحول، وذهب خاص للمناسبات بحيث لا يعادل أكثر الحول، تجب عليها الزكاة في النادر الذي تلبسه في المناسبات، ولا تجب عليها في الذي تتحلى به دائماً.
ثانياً: وأيضاً يقولون: إن الحلي يشترط فيه أن يكون مباحاً للمرأة، فما زاد وكان محرماً فإنه تجب عليها الزكاة فيه، ولا يعتبر مستثنى؛ لأن التحريم يسقط الرخصة، وكأن الحلي الأصل وجوب الزكاة فيها، فرخص بإسقاط الزكاة فيها إذا كانت تتحلى بها، وبقي ما عداه على الأصل الموجب للزكاة.
قال المصنف رحمه الله: [فإن أُعد للكراء أو للنفقة أو كان محرّماً ففيه الزكاة].
قوله: (فإن أعد للكراء) إذا قلت: إن الحلي لا زكاة فيه، فإنه قد يُعد الحلي للكراء، ومن أمثلة ذلك: أن يكون عند المرأة أسورة من الذهب، أو قلائد من الذهب، وتؤجرها على النساء، إذا صارت المناسبات تأخذ المرأة هذا السوار الليلة بمائة مثلاً، وكل سوار بمائة، وهذه المسألة فيها قولان للعلماء: من أهل العلم من يرى جواز إجارة الذهب والفضة للتجمل والزينة، ومنهم من يمنع من ذلك.
والذين يجيزون يقولون: إن المنفعة وهي الزينة مقصودة، فصارت منفعة مقصودة، فحينئذٍ يجوز أن يُستأجر، وبناءً على هذا القول الذي يقول بالجواز، كما مشى عليه المصنف رحمه الله، حينئذٍ الذي يُعد للكراء تجب فيه الزكاة مع أنه حلي، ولا تسقط عنه الزكاة على أصل المذهب الذي اختاره رحمة الله عليه؛ لأنه لما أُعد للكراء خرج عن كونه حلياً مرخصاً بإسقاط الزكاة عن صاحبه.
وقوله: (أو للنفقة) كامرأة تعد أسورة من أجل أن تبيعها، ثم بعد ذلك تنفق على نفسها وعلى عيالها، فلا تلبسها، هذا ليس بحلي ولا آخذٌ حكم الحلي وإن كان في أصله حلياً، لكنه ليس في مقام الرخصة بالحلي؛ لأنها لا تلبسه ولا تتحلى به ولا تتجمل.
وقوله: (أو كان محرماً) اتخذته وكان حراماً عليها أن تتخذه كأواني الذهب وأواني الفضة، فهذا المعد للأواني يحرم عليها أن تستعمله، وحينئذٍ لا يرخّص ولا يقال بإسقاط الزكاة عنها، فلا يقول قائل: إن الذهب حلال للنساء، وهذه الآنية اتخذتها للزينة في بيتها لا تجب عليها الزكاة بل نقول: يجب عليها أن تزكي هذه الأواني من الذهب والفضة.
والحمد لله رب العالمين.
الأسئلة
حكم شراء طعام بمال الزكاة وتوزيعه على الفقراء

السؤال
إذا كان يجب على المسلم قدر مالٍ معين من الزكاة فهل يجوز له أن يشتري بالمال طعاماً ويوزعه على الفقراء؟


الجواب
باسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه.
أما بعد: فإن الزكاة حق من حقوق الله جعله للفقراء والضعفاء في أموال الأغنياء، لا يجوز للغني أن يقدم على التصرف في هذا المال إلا بإذن شرعي، ولم يثبت في كتاب الله ولا في سنة النبي صلى الله عليه وسلم الرخصة للغني أن يتصرف في المال الذي أوجب الله عليه أن يؤديه زكاة، فلو وجب عليه أن يخرج خمسة آلاف زكاة، لم يأمره الله عز وجل بإخراجها طعاماً، وقد وجبت عليه نقداً، من ذهب أو فضة أو ما قام مقامهما، فإذا تصرّف بالشراء فاشترى بها طعاماً للفقير، أو اشترى بها أغطية أو أكسية فإنه حينئذٍ لم يؤد الزكاة التي أوجب الله عليه وخرج بالتصرف عن كونه مزكياً إلى كونه متصدقاً، ويجب عليه ضمان هذا المال، وإخراج الزكاة لأصحابها على الوجه الذي أمر الله عز وجل، ولا وجه للاجتهاد بإخراج الأعيان بدل النقود؛ لأن الله سمّى هذا الحق للفقراء، ولا شك أن الإنسان إذا استأجر أجيراً بمائة ريال، فجاء في نهاية اليوم فقال للأجير: هذه المائة ريال اشتريت لك بها طعاماً، لا شك أن الأجير لا يرضى، ويرى أنه قد ظلمه، وقد خرج عن هذا الحق بالتصرف في المال، إلا في حالة واحدة تستثنى، وهي: أن يكون هناك أيتام وهؤلاء الأيتام لا ولي لهم، أو أيتام ومن يقوم عليهم سفيه لا يحسن التصرف، أو هناك فقير أو مسكين ولكنه لا يحسن التصرف في المال، فأنت تعلم أنك لو أعطيته الألف أو الألفين أو الثلاثة أتلفها من ساعته، ولربما صرفها في أمور لا طائل تحتها ولا نائل، والله نهانا عن إعطاء السفهاء الأموال، فإذا نويت أنك قائم عليه، بشرط أن لا يوجد ولي، فحينئذٍ تعطيه على قدر حاجته، فتمر عليه بالشهر تعطيه نفقة شهره، أو تقول لصاحب دكان: أعطه طعامه، وأجمل لي حسابه وأنا أحاسبك، فتقوم على نفقته بالشهر، أو تقوم على نفقته بالأسبوع حتى توفي مال الزكاة، فهذا لا حرج فيه، وإذا كان الإنسان يريد أن يستخدم هذه الطريقة في أناس يستطيعون الإنفاق على أنفسهم، ولكن لا يأمن منهم حسن التصرف، فيمكنه أن يعجل الزكاة قبل وقتها ثم ينفق عليهم مقسطة بالأشهر والأيام.
والله تعالى أعلم.

حكم ضم ذهب الزوجة والبنات ليبلغ النصاب


السؤال
عند زوجتي وبناتي ذهب، فهل أضم الذهب إلى بعضه لتكميل النصاب، أم ذهب الزوجة لا يضم إلى ذهب البنات أو زوجة أخرى؟


الجواب
هذا فيه تفصيل: لمن هذا الذهب الذي يلبسه البنات؟ فإن كان الذهب الذي تلبسه البنات لأمهن وهي زوجتك، فحينئذٍ ذهب الزوجة وذهب البنات بمثابة المال الواحد، وزكاته زكاة المال الواحد فيضم بعضه إلى بعض، إلا في حالةٍ وهي: أن تكون الأم قد نوت العطية، فأعطت ابنتها، فالبنت ذهبها مستقل، وكل بنت ينظر إلى ذهبها، ويعتبر النصاب فيها على حدة، وكذلك الحال بالنسبة للزوج، فإن كان الزوج قد أعطى زوجته ذهباً على سبيل أنها تلبس، ثم بعد ذلك يستبدله لها، لا أنها مالكة لهذا الذهب، فحينئذٍ تجب عليه زكاته، وينظر في زكاة ذهب بناته إذا كان قد أعطاهن من أجل أن يجدد لهن كل سنة، لا على سبيل العطية التي يُقصد منها التمليك.
والله تعالى أعلم.

كيفية إخراج الزكاة مع اختلاف عيارات الذهب


السؤال
من المعروف أن الذهب له عيارات مختلفة، فعند إخراج الزكاة هل يضم إلى بعض، أم يزكى كل عيار على حدة؟


الجواب
هذه المسألة، عيار واحد وعشرين وثمانية عشر وأربعة وعشرين، السبب فيه وجود الشوب من النحاس ونحوه، فخالص الذهب يكون أربعة وعشرين، وهو صافيه وأفضله وأجوده، وإذا خالطه المشوب نزل بحسب الدرجات التي تكون فيه، فيضم الذهب بعضه إلى بعض في الزكاة، والسبب في ذلك: أن الشرع جعل خالصه ومشوبه بمثابة المال الواحد في الربا، وذلك في قوله عليه الصلاة والسلام: ( الذهب بالذهب، والفضة بالفضة )، وقد أجمع العلماء رحمة الله عليهم على أن خالصها ومشوبها في العيارات واحد، والسبب في ذلك صعوبة الانفكاك، ومن هنا قال العلماء رحمة الله عليهم: أنه يُغتفر وجود النحاس في الذهب، وحكى ابن رشد الإجماع على ذلك، واغتُفر في الموازنة في الربويات، فإذا بادل ذهباً عيار واحد وعشرين بذهب عيار أربعة وعشرين، أو أربعة وعشرين بعيار ثمانية عشر، فيجب التماثل والتقابض؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لمّا سئل عن التمر، وقال عامله على خيبر: ( إنا نبيع الصاع من هذا بالصاعين، قال: أوه! عين الربا )، فقوله: (إنا نبيع الصاع من هذا) يعني الجيد، (بالصاعين من هذا) يعني الرديء، فاعتبر المشوب موجباً للتفاوت، فقال: ( أوه! عين الربا ) أي: لا بد وأن تبيعه مثلاً بمثل، يداً بيد، سواءً بسواء، ولذلك حكي الإجماع على أن خالص الذهب ومشوبه في الوزن واحد، إلا إذا كان المشوب مما يمكن سحبه ويمكن فصله بدون مشقة وعناء، خاصة إذا كان في غير الضرب، كأن يكون أُدخل عليه فحينئذٍ يفصل، وهكذا بالنسبة للقلادات إذا كان فيها فصوص، فلا بد من فصلها وبيع الذهب بالذهب متقابلاً، ولا يغتفر وجود هذه الفصوص مثلما يغتفر في المشوب.
الشاهد: أن الشرع حينما جعل الذهب خالصه ومشوبه بمثابة الشيء الواحد في الربويات نُزِّل هنا منزلة المال الواحد، على خلاف مسألة الخالص والمشوب في تقدير النصاب على الأصل الذي ذكرناه لوجود القدرة، وذلك أن المشوب أُدخل بخلاف المشوب الذي وجد في أصل الخلقة.
والله تعالى أعلم.
كيفية إخراج زكاة الحلي

السؤال
حسب علمي أن الكثير يخرجون زكاة الحلي بقسمة قيمة الذهب على اثنين ونصف في المائة، فهل فعلهم صحيح، أم لا بد من نصاب الفضة؟


الجواب
هذا مبني على الأصل الذي ذكرناه، أنه إذا اختار إخراجها من الفضة ينظر إلى قيمتها، سواءً قلت: يحسب الغرامات ثم ينظر إلى قيمة الغرامات الواجبة، أو يحسب غرامات الكل ويزكيها، فالنتيجة واحدة، فهي ابن أخت خالة التي قبلها، ما هناك فرق، وابن أخت الخالة هو الشيء نفسه، وهذا مثال عند العرب، يقولون: هو ابن أخت الخالة، أي الشيء نفسه، ما هناك فرق، سواء قلت: إنه ينظر إلى الغرامات وقيمتها من النقد، أو ينظر إلى مجموع الغرامات كلها ويضربها في الفضة، المعنى واحد.
حكم لبس الرجل خاتماً من الألماس أو من الأحجار الكريمة

السؤال
ما حكم لبس الخاتم للرجال، إذا كان هذا الخاتم من الألماس، أو ما يسمى بالأحجار الكريمة؟


الجواب
لا حرج في لبس المعادن الأخرى من الألماس، والأحجار الكريمة، والعقيق، والمرجان، واللؤلؤ، وغيرها؛ لأن الله تعالى سخرها لبني آدم، وكما قال تعالى: { وَسَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ جَمِيعًا مِنْهُ } [الجاثية:13] ، قال العلماء: هذه الآية أصل في جواز التحلي بالمجوهرات وغيرها ما لم يجر العرف باختصاص النساء بها دون الرجال، وأما بالنسبة للأصل، فالأصل يقتضي جواز الانتفاع بما في هذا الكون حتى يقوم الدليل على التحريم، فإذا قام الدليل على الاستثناء والتحريم فإنه محرم بحكم الشرع، ويعتبر خاصاً في التحريم على حسب مورد النص.
والله تعالى أعلم.
حكم لبس الرجال الأشياء المطلية بالذهب

السؤال
هناك بعض الساعات والأقلام يوضع عليها دهان من ماء الذهب بنسب مختلفة، فهل يجوز لبسها، أم لا؟


الجواب
الذهب خالصه ومشوبه، مطليّه وغير مطليّه واحد، وحكمه واحد، واستثنى بعض فقهاء الشافعية وبعض الحنفية رحمة الله عليهم المطلي، فقالوا: إذا كان الطلاء يسيراً يجوز، وهذا مبني على دليل يعرف بالاستحسان، والاستحسان: الاستثناء من أصل عام بدليل ينقدح في نفس المجتهد، والذي يظهر أن هذا ضعيف، ولا يستثنى من ذلك مطلي ولا غير مطلي إلا إذا قام الدليل على الاستثناء، والأصل أن النبي صلى الله عليه وسلم حرّم الذهب وحرّم استعماله، وبناء على ذلك لا يُرخص للرجل أن يتسامح في اليسير من الذهب في ساعة أو قلم أو غير ذلك إلا ما استثناه الشرع.
والله تعالى أعلم.
وصية قبل الاختبارات

السؤال
كما تعلمون فإن الاختبارات على الأبواب، فهلا تفضلتم بوصية في ذلك؟


الجواب
باسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه.
أما بعد: فنسأل الله العظيم رب العرش الكريم أن يهون علينا وعليكم اختبار الدنيا والآخرة، وألا يجعل الدنيا أكبر همنا ولا مبلغ علمنا ولا غاية سؤلنا ورغبتنا.
أما بالنسبة لهذه الأيام فأوصي إخواني من طلاب العلم بأمور: أولاً: أن يتوكلوا على الله عز وجل، وأن يفوضوا الأمور إلى الله سبحانه وتعالى، فما من أمر من أمور الدنيا ينزل بعبد من عباد الله أو بأمة من إماء الله، فينزله العبد بباب الله عز وجل متوكلاً على الله، مفوضاً أمره إلى الله، آخذاً بالأسباب التي شرع الله، إلا جعل الله له العاقبة على أحسن ما يبدو ويأمل، ولذلك قال تعالى: { وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى } [طه:132] ، وقال سبحانه: { وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ } [الأعراف:128] ، فأول ما يوصى به طالب العلم أن يكون متوكلاً على الله، لا على ذكائه، ولا على حفظه، ولا على فهمه، ولا على نبوغه، ولا على ضبطه، ويحس أنه لا يملك من أمره شيئاً إلا أن يعينه الله، وكلما برئت من الحول والقوة في أي أمرٍ من أمورك الدينية والدنيوية، كمّل الله نقصك، وجبر كسرك، وكان لك معيناً وظهيراً، فما من إنسان يكون عنده هذا الشعور إلا وفِّق، ولا تعتمد على أي شيء غير الله سبحانه وتعالى، فمهما أوتيت من الحفظ والفهم، فلابد لك من عون الله، وقد ذكر الإمام الماوردي رحمة الله عليه -يحكي عن نفسه-: أنه دخل ذات يوم المسجد، وكان طلابه ينتظرونه، فكأنه دخله شيءٌ من نفث الشيطان حينما قال له: هل هنا مسألة في الفقه لا تعلمها؟ كان الإمام الماوردي عجيباً في الفقه، وهو صاحب كتاب الحاوي، وهو كتابٌ كاسمه، جمع فأوعى من المسائل أصلية وفرعية في الفقه، يعز وجود مثله، فضلاً عن أحسن منه، أجاد وأفاد رحمة الله عليه، فلما دخله هذا العجب يقول: دخلت على طلابي، فلما جلس بينهم جاءت إليه امرأة، وكانت معها صبية لأول مرة تحيض، فسألته عن مسألة من مسائل الحيض الواضحة، قال: فأظلمت الدنيا في وجهي.
وكأنه لا يعرف شيئاً، هذا الإمام العظيم الذي فرّع وقعّد ونظّر، والإمام النووي رحمة الله عليه في المجموع كثيراً ما يعتمد على تخريجاته وتصحيحاته ونقولاته، رحمة الله على الجميع، قال: فإذا به لا يعي شيئاً، وكأنه لم يعلم شيئاً، يقول: فمن شدة ما هو فيه جعل يتصبب من العرق، والطلاب من هيبة شيخهم وإجلالهم له -كانوا يعظِّمون العلماء ويجلونهم ويوقرونهم- سكتوا وما استطاع أحد أن يجيب عن هذه المسألة الواضحة إجلالاً له، وذهولاً من الموقف، فما زالت المرأة تنتظر الجواب، وتردد عليه السؤال: رحمك الله كان كذا، رحمك الله، ما حكم كذا، وهو لا يجيب، فلما وجدت أنه لا يجيب، انصرفت عنه، فإذا بطالب علم حديث العهد بطلب العلم يدخل المسجد فسألته عن المسألة، فأجابها بكل سهولة، فقالت له: والله أنت خيرٌ من هذا الذي جلس، فضّلته على شيخه، لأنه رأى نفسه في العلو، فوضعه الله في السفول.
هكذا الإنسان، الماء لعظم فضله، جعله الله في قرار الأرض: { فَأَسْكَنَّاهُ فِي الأَرْضِ } [المؤمنون:18] ، والدخان لحقارته يتعالى ويتعاظم.
فالإنسان الموفق الكامل يحتقر نفسه مهما أوتي، ولذلك تجد العالم الذي جعل الله علمه رحمة له وخيراً له يتواضع ولا يعد نفسه شيئاً.
فطالب العلم إذا أراد أن يمضي إلى اختباره أو إلى امتحانه لا يُحس أن عنده شيئاً، إنما يعلق أمله على توفيق الله ومعونة الله، وعندها يكون له من الله على قدر ما كان من توكله ويقينه بالله سبحانه وتعالى.
الأمر الثاني: ألا يضيع الإنسان حق الله عز وجل، فيسهر حتى يضيع صلاة الفجر، أو يجلس لترداد المواد ومراجعة الكلمات حتى يفوت صلاة الجماعة، أو يأتي متأخراً، فلا ينصرف الإنسان عن الله عند اشتداد حاجته إليه، بل حتى في الأمور التي تتعلق به في معيشته، المنبغي إذا نزلت بإنسان أيام عصيبة كأيام الاختبارات والامتحانات أن يحافظ على حق الله، وأن يحس أن مخرجه أن يوفِّي لله حقه حتى يعطيه الله عز وجل من معونته وتوفيقه، كما وفّى لله يوفي الله له، ولذلك ينبغي عليه أن يحرص كل الحرص على إقامة الصلاة، والله تعالى يقول: { وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ } [البقرة:45]، فجعل الصلاة قرينة الصبر، وهذا يدل على أن لها في النوائب والشدائد والمصائب فضلاً عظيماً وأثراً كبيراً في صلاح حال العبد، ولذلك كان صلى الله عليه وسلم يقول: ( يا بلال ! أرحنا بالصلاة ) ، فكانت قرة عينه صلوات الله وسلامه عليه وبهجته وسروره حينما يقف بين يدي الله.
فإذا كنت في أيام الاختبارات لا يختلف حق الله عندك عن الأيام العادية، عظم شأنك وجلّ بإذن الله عز وجل؛ لأنك تُمتحن أنت في امتحان أُخروي، فإذا كانت امتحاناتك واختباراتك تجعلها تبعاً لامتحان الله لك في هذه الدنيا، وفقك الله وأعانك.
الأمر الثالث: حق العباد، إخوانك وزملاؤك يحتاجون إلى ملخصات، يحتاجون إلى معونة، فأعنهم ولا تكن بخيلاً بالعلم، ولا تضن، وتمن لأخيك من الخير مثل ما تتمنى لنفسك أو أكثر، لا بد أن يربي الإنسان نفسه على المعاني الكريمة التي هذب الله بها المسلمين، نحن أمة مسلمة منقادة لله مستسلمة، فالإنسان ينبغي عليه أن يحب لإخوانه وزملائه من الخير مثل ما يحب لنفسه أو أكثر، حتى قال الإمام الشافعي : (والله ما ناظرت أحداً إلا وددت أن يُظهِر الله الحق على يديه)، وهذا شيء من النزاهة والنقاء والصفاء في قلوب الأخيار، وهو من رحمة الله عز وجل بالعبد، فالإنسان إذا كان خيراً صالحاً أحب للناس مثل ما يحب لنفسه أو أكثر، ولا تكره أن أحداً يسبقك، فهذه أمور الدنيا، والمعوّل على الآخرة، النبي صلى الله عليه وسلم يقول للأنصار: ( إنكم ستلقون بعدي أثرة، قالوا: فما تأمرنا؟ قال: اصبروا فإني فرطكم على الحوض )، الفضل هناك إذا قرعت الرءوس ومدّت من يده الشريفة صلوات الله وسلامه عليه شربة هنيئة مريئة لا تظمأ بعدها أبداً، ففضلت على غيرك، هناك الفضل بإذن الله عز وجل.
فالإنسان لا ينظر إلى هذه الدنيا إلى درجة أن يكره لإخوانه الخير، فيحس أنهم إذا سبقوه غمطوه أو أهانوه، بل أحب لهم من الخير مثل ما تحب لنفسك أو أكثر.
فلا ينبغي أن تكون الامتحانات وسيلة لحسد الناس، وكراهية الخير لهم، وإذا أحد سبقك أو فضُل عليك فقل: الحمد لله، اللهم إن فضّلته علي في الدنيا فلا تفضِّله عليَّ في الآخرة.
تكون الآخرة هي مبلغ علمك وغاية رغبتك، وهي أكبر همك، وعندها تسعد وتفلح، وتحس أن أمور الدنيا تحت قدمك، ولا تبالِ بشيء أقبل أو أدبر، إن أقبل استعنت به على طاعة الله، وإن أدبر فلن تلو عليه، تستقم لك السعادة، وهذه من نعم الله عز وجل على العبد، وهي راحة النفس، لا تحسد أحداً على فضل الله عز وجل، وإن أوتيت الفضل بذلته وتمنيته للناس.
كذلك أيضاً من الأمور التي ينبغي للإنسان أن يحافظ عليها: ذكر الله عز وجل من كثرة الاستغفار وسؤال الله المعونة ونحو ذلك { فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ } [البقرة:152] .
ومن الأمور التي ينبغي على الإنسان أن ينتبه لها: حقوق الأبناء والبنات، فينبغي على الآباء والأمهات أن يرفقوا بالأبناء والبنات في أيام الاختبارات، ويعينوهم على طلب العلم، ويساعدوهم على المذاكرة حتى لا تنكسر نفوسهم بالتأخر عن زملائهم وقرنائهم، يكون للوالد فضل، أما أن تأتي مثل هذه الأيام وهو مهمل حقوق أبنائه وبناته فلا، كذلك أيضاً ينبغي أن يشملهم بالعطف والحنان والرعاية، وأن يحفظ مشاعرهم النفسية، والقلق الذي هم فيه، فيسليهم بالكلمات الإيمانية، ويثبت قلوبهم بالمواعظ الربانية، فالصبي إذا عودته من صغره على ذكر الله في الشدائد، فجاءت العواقب سليمة يحس أن ذكر الله هو الطريق للسلامة في العواقب، فينشأ منذ نعومة أظفاره وقد تعلّق قلبه بالله جل جلاله، وعندها يصلح حاله ويكمل ويشرف، ويكون له خير الدنيا والآخرة.
وليرفق بهم فلا يحملهم ما لا يطيقون، وبعض الآباء والأمهات تزداد أذيته لابنه في أيام الاختبارات، فيكون الابن مشوش الذهن، ولا يحس أنه متقن لعدم تفرغه، فيأتي الأب ليشغله بمشاغل يمكنه بنفسه أن يقوم بها أو يقيم غيره مقامه، فيأتي ويضار به أو يضيق عليه أو يعنت عليه، وهذا لا ينبغي.
كذلك على الآباء أيضاً غفران زلاتهم، والتجاوز عنهم في مثل هذه الأوقات العصيبة؛ لأن نفوسهم مشغولة، فينبغي للإنسان أن يكون مع أبنائه حليماً رحيماً، وهذا من الرفق الذي قال عنه عليه الصلاة السلام أنه: ( ما كان الرفق في شيء إلا زانه، ولا نزع من شيءٍ إلا شانه ) ، فالله جعلهم أمانة في عنقك، والله ما نظرت إليهم في أوقات الشدة والكرب من مرض أو سقم أو مشغلة من مشاغل الدنيا وعوارضها، فشملتهم بعطفك وإحسانك إلا لطف الله بك كما لطفت بهم، فالإنسان إذا عامل غيره بالإحسان عامله الله بالإحسان، فما { جَزَاءُ الإِحْسَانِ إِلَّا الإِحْسَانُ } [الرحمن:60] ، ومن يسّر يسّر الله له، فإذا كان تيسيرك على أقرب الناس إليك، فإن الله ييسر عليك، وأفضل ما يكون الإحسان على أقرب الناس منك؛ لأنه أحوج ما يكون إلى عطفك وحنانك وبرك وإحسانك.
وإذا جئت قادماً على صالة الاختبار، فتذكر قدومك على الله جل جلاله، وتذكر قوله تعالى: { يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ لا تَخْفَى مِنْكُمْ خَافِيَةٌ } [الحاقة:18] ، وكان عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقول: (أيها الناس حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا، وزنوا أعمالكم قبل أن توزنوا، وتهيئوا للعرض الأكبر على الله)، فالإنسان كما أنه يتهيأ لعرض الدنيا واختبار الدنيا، يجب أن يتهيأ لاختبار الآخرة، هذه ذكرى وعبرة، كما يقول بعض العلماء: المؤمن من فكرة إلى فكرة، ومن عبرة إلى عبرة.
فالله جل جلاله ينبهك بمثل هذه


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 37.27 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 36.64 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (1.68%)]