عرض مشاركة واحدة
  #12  
قديم 25-07-2022, 01:31 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 131,607
الدولة : Egypt
افتراضي رد: خواطر تدبرية فى سورة السجدة

وقفات تدبرية فى سورة السجدة (20)

أيمن الشعبان

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن اتبع هداه، وبعد:
قال تعالى( وَأَمَّا الَّذِينَ فَسَقُوا فَمَأْوَاهُمُ النَّارُ كُلَّمَا أَرَادُوا أَنْ يَخْرُجُوا مِنْهَا أُعِيدُوا فِيهَا وَقِيلَ لَهُمْ ذُوقُوا عَذَابَ النَّارِ الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ )[1].
الْعَمَلَ الصَّالِحَ لَهُ مَعَ الْإِيمَانِ أَثَرٌ أَمَّا الْكُفْرُ إِذَا جَاءَ فَلَا الْتِفَاتَ إِلَى الْأَعْمَالِ، فَلَمْ يَقُلْ وَأَمَّا الَّذِينَ فَسَقُوا وَعَمِلُوا السَّيِّئَاتِ لِأَنَّ الْمُرَادَ مِنْ فَسَقُوا كَفَرُوا وَلَوْ جَعَلَ الْعِقَابَ فِي مُقَابَلَةِ الْكُفْرِ وَالْعَمَلِ، لَظُنَّ أَنَّ مُجَرَّدَ الْكُفْرِ لَا عِقَابَ عَلَيْهِ.
قالوا: المأوى المكان الذي ينزل فيه الإنسان على هواه وعلى (كيفه)، أما هؤلاء فينزلون هنا رغماً عنهم، أو أن الكلام هنا على سَبْق التهكم والسخرية، كما قوله تعالى: {فَبَشِّرْهُم بِعَذَابٍ أَلِيمٍ}.[2]
لما كان أهل الحق في الدنيا ينصحون أهل الضلال، بأن يخرجوا من باطلهم وكفرهم من الانحطاط الأخلاقي والروحي والديني، والتمسك بشريعة ربهم وخالقهم والترفع والارتقاء بالإيمان، تكبروا فكان جزائهم يوم القيامة، كلما حاولوا الانتقال من أسفل إلى أعلى أعيدوا ونُكِّل بهم، جزاء وفاقا!
إن أهل النار إذا ألقوا فيها يكادون يبلغون قعرها، يلقاهم لهبها فيردهم إلى أعلاها،
حتى إذا كادوا يخرجون تلقتهم الملائكة بمقامع من حديد فيضربونهم بها.
نحن مع مشهد عظيم مخيف مهول من مشاهد عذاب أهل النار- عياذا بالله-، فالنار سوداء مظلمة قعرها بعيد وحرها شديد وشرابها الحميم والصديد ومقامعها من حديد، وإن الصخرة العظيمة لتلقى فيها فتهوي سبعين سنة حتى تصل إلى قعرها، ولا تزال يلقى فيها حتى تمتلئ، (يَوْمَ نَقُولُ لِجَهَنَّمَ هَلِ امْتَلَأْتِ وَتَقُولُ هَلْ مِنْ مَزِيدٍ )[3].
هم في النار يذوقون العذاب فلماذا يقال لهم" ذوقوا "؟! لأن العذاب المعنوي أشد وأنكى من العذاب الحسي المادي، فيقال لهم " ذوقوا" على سبيل الإهانة والشماتة والعار والشنار والخزي والذل الذي هم فيه!
ومن شدة عذاب أهل النار جعل الله عذابهم تنكيلا لمن لا يزال مصرا على الذنوب والمعاصي، في نار عظيمة حامية وعذاب موجع فظيع لا تقوى عليه الجبال الراسيات! قال سبحانه ( إن لدينا أنكالا وجحيما . وطعاما ذا غصة وعذابا أليما )[4].
هؤلاء الفاسقون المجرمون الذين أكثروا من الذنوب والخطايا والمعاصي مقيدين ومسلسلين ومصفدين بسلاسل من نار في أذل وأشنع صورة، وثيابهم من نار وتحيط بهم من جميع الجهات النار، في مشهد تقشعر له الأبدان قال تعالى(وَتَرَى الْمُجْرِمِينَ يَوْمَئِذٍ مُقَرَّنِينَ فِي الْأَصْفَادِ . سَرَابِيلُهُمْ مِنْ قَطِرَانٍ وَتَغْشَى وُجُوهَهُمُ النَّارُ )[5].
الآية ترشدنا إلى شيء خطير؛ أن من كان في العذاب ممكن يتأقلم عليه مع مرور الوقت، لو وضعت يدك في ماء ساخن بداية تشعر بصعوبة وألم لكن شيئا فشيئا تتعود ويخف الألم، ولكن أهل النار لا ينطبق عليهم ذلك، فالعذاب متنوع مختلف مستمر دائم له عدة أشكال ( كُلَّمَا أَرَادُوا أَنْ يَخْرُجُوا مِنْهَا مِنْ غَمٍّ أُعِيدُوا فِيهَا وَذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ )[6]، ( كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُودًا غَيْرَهَا لِيَذُوقُوا الْعَذَابَ )[7]، ( كُلَّمَا خَبَتْ زِدْنَاهُمْ سَعِيرًا )[8].
أيها المقصر في طاعة الله، المسرف على نفسه بالمعاصي والذنوب، أما تخشى الموت يأتيك على حين غفلة، وأنت مصر على تلك الخطايا؟!! أما في تلك الآية معتبر لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد!
اللهم انفعنا بالقرآن، وارفعنا بالقرآن، واجعله شفيعنا يوم نلقاك.

--------------------------
[1] ( السجدة:20 ).
[2]الشعراوي.
[3]( ق:30).
[4]( المزمل:12-13).
[5]( إبراهيم:49-50).
[6]( الحج:22).
[7]( النساء:56).
[8]( الإسراء:97).




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 17.30 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 16.68 كيلو بايت... تم توفير 0.62 كيلو بايت...بمعدل (3.60%)]