عرض مشاركة واحدة
  #206  
قديم 04-10-2020, 05:39 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 135,560
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير القرآن الكريم **** للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )



تفسير القرآن الكريم
- للشيخ : ( أبوبكر الجزائري )
تفسير سورة البقرة - (109)
الحلقة (116)




تفسير سورة البقرة (75)

ندد الله عز وجل بالتقليد والمقلدين الذين يعطلون حواسهم ومداركهم، ويفعلون ما يأمرهم به رؤساؤهم، ويطبقون توجيهاتهم بتسليم تام، لا يعرفون لم فعلوا هذا ولم تركوا ذاك، ثم مثل سبحانه وتعالى حالهم بمثل عجيب، وهو أنهم حينما عطلوا قواهم العقلية واكتفوا بالتبعية صاروا كالأغنام التي لا تسمع من داعيها إلا مجرد الصوت، لكنها لا تفهم ولا تعي، وإنما تتجه إلى مصدر الصوت الذي ألفته دون تردد، حتى لو كان هذا النداء لها لتذبح.

مراجعة لما سبق تفسيره من آيات سورة البقرة

الحمد لله، نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه ولا يضر الله شيئاً، أما بعد:فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة. ثم أما بعد:أيها الأبناء والإخوة المستمعون! ويا أيتها المؤمنات المستمعات! إننا على سالف عهدنا في مثل هذه الليلة -ليلة الأحد من يوم السبت المبارك- ندرس كتاب الله عز وجل، ولنا رجاء أن يتحقق لنا ذلك الموعود على لسان سيد كل مولود، وهو قوله صلى الله عليه وسلم: ( ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم؛ إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده ) .وها نحن مع قول ربنا جل ذكره: وَمَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا كَمَثَلِ الَّذِي يَنْعِقُ بِمَا لا يَسْمَعُ إِلَّا دُعَاءً وَنِدَاءً صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لا يَعْقِلُونَ [البقرة:171].

أمر الناس بالأكل من الحلال الطيب دون المحرم

نعود إلى الآيات السابقة لهذه الآيات، وقد درسناها وما استوفينا كل معانيها، وهي قول ربنا جل ذكره: يَا أَيُّهَا النَّاسُ [البقرة:168]، وقد علمنا أن هذا نداء عام يشمل الكافر والمؤمن، والأبيض والأصفر والأحمر، فهو نداء لبني آدم أجمعين، والمنادي هو الله جل جلاله وعظم سلطانه، الله الذي خلقهم وخلق هذه العوالم من أجلهم، خلقهم ليرى شكرهم ويسمع ذكرهم، ناداهم بهذا النداء العام فقال لهم: كُلُوا مِمَّا فِي الأَرْضِ حَلالًا طَيِّبًا [البقرة:168] إذ هو المالك لكل شيء، فما أذن فيه فهو الحلال، وما لم يأذن فيه فهو الحرام، هذه الأرض عبارة عن مائدة أوجدها الله لبني آدم وحواء، وقبل أن يتناسلا، وقبل أن يكثر هذا العدد من بنيهما أوجد هذه الأرض، فها هو ذا تعالى يقول لنا: كُلُوا مِمَّا فِي الأَرْضِ [البقرة:168] على شرط أن يكون حلالاً طيباً.فما كان حراماً ممنوعاً منهياً عنه من قبله تعالى، إذ الملك ملكه والمخلوقات مخلوقاته، فما أذن في أكله أو شربه أو لباسه فليأكل عبد الله وليشرب وليلبس، وما لم يأذن بل نهى ومنع وحرم فلا يحل للآدمي أن يلبس أو يأكل أو يشرب ما لم يأذن له فيه سيده ومالك أمره، مع العلم اليقيني أن الله عز وجل ما نهى أو حرم إلا لما في ذلك المنهي عنه أو المحرم من الضرر والفساد بحيث يعود على فاعله بالضرر في الدنيا أو الآخرة. ما نهى الله تعالى عن شيء أو حرمه أو منعه إلا لما فيه من الضرر، أي: فيه ما يضر بفاعله، وإن شئتم حلفت لكم في ذلك، ما حرم الله قولاً ولا عملاً ولا فكراً ولا اعتقاداً إلا لأنه ضار بابن آدم، إن عاجلاً أو آجلاً، لا بد من الضرر. وإن قلتم: لم؟ فالجواب: لأنهم عبيده وهو خالقهم وسيدهم ومولاهم، وخلقهم من أجل أن يسمع ذكرهم له ويرى شكرهم له، فهو -والله- لأرحم بهم من أنفسهم. وأذكر هنا وتذكرون: أن امرأة في غزاة من الغزوات وقعت في السبي فطلبت طفلها فما وجدته، فاحترق كبدها وهاجت نفسها وأخذت تبحث عنه حتى وجدته، فضمته إلى صدرها وهي تبكي، فقال الرسول صلى الله عليه وسلم: ( إن الله عز وجل لأرحم من هذه المرأة بولدها )، لأرحم بعباده من هذه المرأة بطفلها، فكيف إذاً لا يمنعهم مما يؤذيهم ويفسد حياتهم عليهم؟ أما الذين ما عرفوا الله ولا آمنوا به -كما سيأتي حالهم في الآيات الآتية- فهم كالأموات، بل الأموات أحسن حالاً منهم، هذا بالنسبة إلى العقلاء البصراء أهل الإيمان والمعرفة. يَا أَيُّهَا النَّاسُ كُلُوا مِمَّا فِي الأَرْضِ حَلالًا طَيِّبًا [البقرة:168]، وهنا لفتنا النظر إلى أن من أراد أن يفتري فرية ويكذب كذبة وينمق ويحسن ويقول: نأتيكم بالبقلاوة، أو بالبطاطس من القمر أو من كوكب الزهرة أو عطارد لا يسمع لكلامه ولا يلتفت إليه، وإنه دجال كذاب، لأن الله قال: مِمَّا فِي الأَرْضِ [البقرة:168]، فما كان خارج الأرض لا حق لنا فيه ولا يصل إلينا ولسنا من أهله. كُلُوا مِمَّا فِي الأَرْضِ حَلالًا طَيِّبًا [البقرة:168]، وكلمة (طيب) نعت للفظ الحلال، معناه: غير مستقذر ولا مستخبث، فيوجد طعام مستقذر مضت عليه ليال فتعفن، وجدت فيه جراثيم، يوجد طعام خبث وتعفن، أو ألقي عليه بعض النجاسات، فلا تقولوا: هذا مما أحل الله، فالله قيد ذلك بقوله: حَلالًا طَيِّبًا [البقرة:168].

نهي الله تعالى الناس عن اتباع خطوات الشيطان

ثم وجه إليهم هذا النهي، بعد ما أذن لهم في الأكل وأباحه لهم لقوام حياتهم حذرهم من الخطر الأحمر، فقال: وَلا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ [البقرة:168]، يا بني آدم! يا أيها الناس! لا تتبعوا خطوات الشيطان، فهل للشيطان من خطا؟ أي نعم، ما يستطيع أن يأخذ بثوبك أو يضع السلسلة في عنقك ويقودك إلى المزناة أو إلى المخمارة أو إلى مجالس الباطل أو إلى سلوك الانحراف، هذا ما يقدر عليه وما هو شأنه، وإنما يمشي أمامك ويزين لك ويحسن لك ذلك القبيح، فإن مشيت وراءه فوالله! ما انتهى بك إلا إلى معصية ربك. وَلا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ [البقرة:168]، إذاً: اعلموا -والعلم ينفع- أن كل ما حرم الله عز وجل من الاعتقادات والأقوال والأفعال على اختلافها وتنوعها؛ ما حرمها إلا لضررها وفسادها وما تنتجه لعباد الله من الضرر والأذى في الحياتين: في الدنيا والأخرى، وأن تلك المحرمات الشيطان مهيأ لدعوة الناس إليها وحملهم على إتيانها بالوسائل التي يملكها، ولا يملك سوى التزيين والتحسين، يجري الشيطان من ابن آدم مجرى الدم من العروق، ويتصل بقلبك محطة الإرسال والتلقي، وقد يفسد قلبك عليك، ويصبح يأمر وينهى وأنت تستجيب، واقرءوا توجيه الله عز وجل لنا لطلب المناعة والحصانة والحفظ من هذا العدو، اقرءوا قوله في آخر سورة من كتابه العزيز: قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ * مَلِكِ النَّاسِ * إِلَهِ النَّاسِ * مِنْ شَرِّ الْوَسْوَاسِ الْخَنَّاسِ * الَّذِي يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ * مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ [الناس:1-6].هذا هو القلب، وهو إذا ما استعذت بالله ولا لجأت إليه ولا احتميت بحماه؛ فإنه يرفع رأسه ويسيطر على قلبك ويملي ما شاء أن يملي، فإذا استيقظت وعذت بالله واستعذت انخنس، لأننا قررنا غير ما مرة أن قلوبنا كالمحطات للتلقي والإرسال، فمن عصمها وحفظها من الشياطين كانت تلك المحطة صالحة لتتلقى عن الله، وإن دمرها إبليس وخربها ما بقي لصاحبها شيء، واستدللنا بقول ربنا من سورة الأعراف: وَإِمَّا يَنزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ * إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ [الأعراف:200-201] طيف مِنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ * وَإِخْوَانُهُمْ [الأعراف:201-202] إخوان الشياطين يَمُدُّونَهُمْ فِي الغَيِّ ثُمَّ لا يُقْصِرُونَ [الأعراف:202]. فبهذا إن عملت حراسة كاملة لمحطتك فلن يصل إليها العدو ولن يفتنك ولا يفتن غيرك بك، وإن أنت أهملتها واحتلها وأصبح الذي يعطي ويأخذ فقد انتهى أمرك يا عبد الله: وَإِمَّا يَنزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ [الأعراف:200].اسمع: إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا [الأعراف:201] اتقوا من؟ الله. كيف اتقوه؟ ما عصوه، ما أهملوا ما أوجب ولا غشوا وارتكبوا ما نهى عنه وحرم، هؤلاء جهازهم صالح للتلقي والإرسال، بدليل: إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ [الأعراف:201]، والرادارات الموجودة للحراسة في العالم إذا حومت طائرة العدو يتلقونها من أقصى البلاد لقوة هذه الأجهزة الرادارية، والمؤمن له هذا الجهاز، ذو الروح الزكية والنفس الطاهرة التي ما تلوثت بأدران الذنوب وأوساخ الآثام، هذه الروح في صفائها كالرادار الصالح للعمل، فبمجرد أن يحوم العدو يضربه. إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ * وَإِخْوَانُهُمْ يَمُدُّونَهُمْ فِي الغَيِّ ثُمَّ لا يُقْصِرُونَ [الأعراف:201-202] ولا يقصرون في الذنوب والآثام. وَلا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ [البقرة:168] جمع خطوة، وهي كل طريق إلى معصية الله ورسوله، تلك هي خطوات الشيطان، وهناك من سورة النور يقول تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا [النور:21] هذا خطاب لأولياء الله، لا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ وَمَنْ يَتَّبِعْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ فَإِنَّهُ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ [النور:21]، وعندنا ملايين البشر والله! ليأمرون بالفواحش ويحسنون ويزينون ويظهرون في مظاهر الدعوة الصريحة إليها، فالذين يمشون وراء الشيطان يوماً بعد يوم لا يأتي زمن إلا وهم دعاة الباطل والمنكر.

الإخبار عن عداوة إبليس الظاهرة لبني آدم

ثم قال تعالى معللاً للنهي عن اتباع خطواته: إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ [البقرة:168] بين العداوة ظاهرها، ومن هنا فإني أحلف بالله أنه ما ارتكبت جريمة على وجه الأرض من بني آدم إلا والشيطان هو الذي دعا إليها وحمل عليها، وقد عرفنا ببيان ربنا لنا أنه ناقم ساخط علينا لأننا السبب في شقائه وخسرانه، أليس هو الذي أخرج آدم من الجنة مع حواء؟ إذاً: وهو كيف أبلس وطرد من رحمة الله وأيس من الخير؟ بسبب ماذا؟ بسبب آدم، لما خلق الله تعالى آدم ومضى عليه أربعون سنة بأيامنا هذه، كما قال تعالى: هَلْ أَتَى عَلَى الإِنسَانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيْئًا مَذْكُورًا [الإنسان:1]، فكان إبليس يمر بهذه الصورة من ذاك الطين ويقول: إن لهذه شأناً، يتوقع أن يكون لها خطر عليه، فلما نفخ الله تعالى فيه الروح وأصبح آدم حياً يسمع ويبصر؛ أمر تعالى ملائكته أن يسجدوا لآدم تحية، السجود لله والتحية لآدم، كصلاتنا خلف مقام إبراهيم، الصلاة لله ولكن المقام تشريف له لما قدم من خدمة جلى لله في بناء بيته، فأمرنا الله أن نوقع هذه العبادة دونه: وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى [البقرة:125] فالصلاة لله.فسجود الملائكة لمن؟ لله؛ إذ هو الذي أمر به، والفضل والشرف لمن يحصل؟ لآدم، وأسجد له ملائكته، هذا العدو أبى أن يسجد تكبراً، وقال: أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ [الأعراف:12]، وعلل فقال: خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ [الأعراف:12]، والنار أسمى وأشرف من الطين الهابط. وقالت العلماء: لقد أخطأ إبليس في نظريته هذه كما يخطئ أصحاب النظريات، أخطأ بدليل أن النار تحرق، أليس كذلك؟ والطين ينبت الزهور والفواكه وأنواع الخضر، فأيهما أفضل: النار أم التراب؟ التراب، والطين أفضل، فقاس قياساً أخطأ فيه، وما أصاب. إذاً: فلما أفلس ويئس من رحمة الله واجه الحق بما أخبر تعالى، فقال: فَبِعِزَّتِكَ [ص:82] يا رب لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ * إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ [ص:82-83].فهاهو ذا تعالى يقول: إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ [البقرة:168] عداوته ظاهرة، كيف تستجيبون لندائه؟ كيف تمشون وراءه؟ كيف تأخذون في الخطوات التي يخطوها بكم إلى سخط الله تعالى ونقمته وعذابه؟ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ [البقرة:168]، فمن سمع نداء الله وأجابه نجا، ومن أعرض عنه هلك كما سيأتي بيان ذلك.

دعوة الشيطان إلى السوء والفحشاء والقول على الله بغير علم

ثم قال تعالى: إِنَّمَا يَأْمُرُكُمْ بِالسُّوءِ وَالْفَحْشَاءِ وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ [البقرة:169] هذه عظائم ثلاث، أولاً: يأمركم بالسوء، وهو ما يسوء إلى النفس البشرية، ما يسوء إلى الإنسان في عقله، في دمه، في بدنه، في ماله، في أخلاقه، لا يأمر إلا بما يسوء ويضر ويفسد، كما يأمر أيضاً بالفحشاء، وقد علمنا أن الفحشاء هو الذي قبح واشتد قبحه، فكل ما قبح وعظم قبحه واشتد فهو فحشاء، ولكن إذا أطلقت الفحشاء في القرآن فافهم أنها الزنا واللواط، وأطلقت مرة واحدة على البخل من سورة البقرة: الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشَاءِ [البقرة:268] أي: بالبخل لتبخلوا، وما عدا هذا فلفظ الفحشاء هو الزنا واللواط: وَلا تَقْرَبُوا الزِّنَى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلًا [الإسراء:32]، أَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ [النمل:54] في آيات قوم لوط.والثانية: وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ [البقرة:169]، هذه مدمرة أكثر من الأولى والثانية، والناس عنها غافلون. وَأَنْ تَقُولُوا [البقرة:169] ويأمركم أن تقولوا على الله ما لا تعلمون، فتصفون الله بغير ما وصف به نفسه، وتقولون على الله بغير علم، وتحللون وتحرمون وتشرعون وتبيحون وتمنعون وتنسبون ذلك إلى الله، والله ما حرم ولا شرع ولا أمر ولا قال.فما وجه هذه الحقيقة؟ وجهها أنه لو أن كل إنسان التزم بألا يقول على الله إلا ما علم منه بواسطة كتبه أو رسله لما كان للجهل وجود بين الناس، نحن في ديارنا الإيمانية لو التزم أهل البلد أو أهل القرية بألا يقول الرجل ولا المرأة إلا ما علم، وما عدا ذلك لا ينطق ولا يتكلم ولا يفتي ولا يأذن؛ لوجدتمونا نطلب العلم نساءً ورجالاً وكباراً وصغاراً، فالذي حرمنا من طلب العلم أننا نقول بالجواز والمنع بدون إذن من الله، فلو خفنا من الله وعرفنا أن القول عليه من أكبر الذنوب وأعظم الخطايا لما تجرأ أحدنا أن يقول على الله بدون علم، وحينئذ أصبحنا مضطرين إلى طلب العلم، وقد جاء في سورة الأعراف بيان عظائم الذنوب في سلسلة، قال تعالى: قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ [الأعراف:33] لا فرق بين الزنا العلني أو السري، وَالإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ [الأعراف:33]، الأولى أخف والثانية أعظم ثم الثالثة، وآخرها: القول على الله؛ لأن القول على الله يبطل شرائع الله، ما دام كل واحد يقول بما شاء وينسب ذلك إلى الله فما بقي تشريع ولا بقي علم ولا علماء، أكبر الذنوب أن يقول العبد أو الأمة على الله ما لا يعلم، فيقول: هذا حلال أو حرام، هذا يجوز، هذا ممنوع بدون علم. وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ [الأعراف:33] فهذا مما يأمر الشيطان به ويحسنه ويزينه لأصحابه، فتهلك الأمة وتضل. فهذه الآيات درسناها فيما سبق.

يتبع

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 31.36 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 30.73 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (2.00%)]