عرض مشاركة واحدة
  #2  
قديم 04-08-2022, 04:00 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,316
الدولة : Egypt
افتراضي رد: قراءة في قصائد "سبعون" لعدد من الشعراء

فهذا السبيل لكلا الشاعرين من استعجال الموت نهى عنه أهل العلم لحديث النبي صلى الله عليه وسلم: «لا يتمنين أحدكم الموت من ضر أصابه، فإن كان لا بد فاعلاً فليقل: اللهم أحيني ما كانت الحياة خيراً لي وتوفني إذا كانت الوفاة خيراً لي».

ويختلف عن الشاعرين الرفاعي والقصيبي الدكتور وجيه البارودي شاعر حماة الذي كان له نهج آخر، فقد شعر أنه لما بلغ السبعين وهو صحيح معافى أنه بهذا قهر الزمن وتحداه بما امتلك من صحة ونشاط، فجاء في قصيدته التي ألقاها بهذه المناسبة:
تقادم العهد لا يسري علي كما
يسري على الناس إني قاهر زمني


فكان علماني المعتقد بعيداً عن فهم المنهج الإسلامي بأن الله تعالى قد حدد الأعمار؛ بل إنه تعالى قد حدد لكل جنس من مخلوقاته سنين من العمر لا يتعدونها إلا نادراً، وأن الإنسان إذا تجاوز الحوادث والأمراض القاتلة فإن الهرم أو الشيخوخة هي التي ستقضي عليه مع فارق مدتها بين شخص وآخر.

بيد أن الدكتور وجيه البارودي الذي اشتهر بأنه طبيب الفقراء، حيث يداويهم دون مقابل مادي حتى في بيوتهم عندما تستدعي الحاجة حضوره، ولعل دعوة مخلصة من أحدهم أصابته فنزع عباءة العلمانية وتوجه في شتاء عمره للحج فأدى هذه الفريضة قبل أن يلقى ربه عن عمر ناهز التسعين عاماً.

أما قصيدة «سبعون» للدكتور عبد العزيز خوجة فتختلف في مسارها عن النماذج التي قدمناها، فهي بوح نفسي وتفريغ لهموم أثقلت صاحبها ولجوء إلى من بيده العفو والصفح عما سلف من أخطاء -وابن آدم خطّاء وخير الخطائين التوابون- ولا غرو في هذا البوح وقد نهج هذا المنهج عدد من الشعراء خصوصاً المتصوفة منهم كالبوصيري وابن الفارض والسهروردي وابن الخيمي.. وقد تكون القصيدة النموذج المصغر لرباعيات الخيام التي انتهت بالتوبة الصادقة ورجاء العفو من الخالق الحكيم.

يمكن لنا أن نجد في قصيدة الدكتور خوجة المحاور التالية:
النفس الراضية بما قدر الله وكتبه مع طلب العفو والصفح عما سلف.
إنّي لقيتُك يا سبعونَ مبتسماً
راضٍ بما قد مضى راضٍ بما قُسَما

لم أَشْك من نَصَب قد مرّ بي حِقبا
وما بكيتُ على عُمرٍ قد انصرما

لم يبقَ لي غيرُ عفو الله أطْلبه
ورحمةً منه أرجوها ومعتصَما

وكلّ ما حلّ بي كربٌ على أُفُقي
أدعوه يُذهب عنّي الكربَ والسَّقما


مسيرة الحياة للإنسان لا تخلو من صواب وزلل، مع يقظة القلب في السبعين وطلب الصفح، وانكسار صبوته وخمود نار غرامه..
أوَاه كم حَمَلتْ سبعون من زللٍ
كم يرحمُ اللهُ مِنْ ذَنبٍ وإنْ عظما

ربّاه إني على الأبواب ملتجئٌ
مالي سواك تقبَّل عبدَك الهرِما

لم يبقَ في القلب لا ليلى ولا رغدٌ
أمّا روانٌ فما راعتْ لنا ذِمَما


اتهام النفس الأمارة بميلها بصاحبها إلى الهوى, والهروب من هذا الماضي المزري بصاحبه ونسيانه.
إنّي سهَرتُ الليالي في الهوى أَثِماً
أصدّقُ الزيفَ وعداً كان أو قَسَما

أكلّما قلتُ أَنسى صِرتُ أذكرهُ
وصاح شوقٌ قديمٌ فزّ واضطرما

كأنه في خلايا القلب مسكنُه
أهواهُ إنْ عدلا، أهواهُ إن ظَلَما

وكلّما طاب جرْحٌ نزّ إخوتُه
وثار جَرح جديدٌ غار ما الْتَأما



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 19.50 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 18.88 كيلو بايت... تم توفير 0.62 كيلو بايت...بمعدل (3.19%)]