عرض مشاركة واحدة
  #218  
قديم 24-01-2022, 05:39 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 134,074
الدولة : Egypt
افتراضي رد: الفقه على المذاهب الأربعة ***متجدد إن شاء الله



الفقه على المذاهب الأربعة
المؤلف: عبد الرحمن بن محمد عوض الجزيري
الجزء الرابع
[كتاب النكاح]
صـــــ 98 الى صــــــــ
106
الحلقة (176)

ولا يشترط أن يكون الصداق خصوص الذهب والفضة، بل يصح بعروض التجارة وغيرها من حيوان. وأرض. ودار. وغير ذلك مما له قيمة مالية. وكما يصح بالأعيان يصح بالمنافع أيضا، كمنافع الدار. والحيوان. وتعليم القرآن. وغير ذلك، على تفصيل المذاهب (1)
[أقسام الصداق. الخلوة - النكاح الفاسد]
-ينقسم الصداق إلى قسمين: الأول ما يجب بالعقد الصحيح.
الثاني: ما يجب بالوطء بنكاح صحيح أو فاسد أو بشبهة، فأما ما يجب بالعقد الصحيح، فهو الصداق المسمى (2) .
أو مهر المثل عند عدم التسمية، ويجب بمجرد العقد الصحيح، ولكن مع احتمال سقوطه كله.
أو نصفه، فيسقط كله إذا عمات الزوجة عملا يوجب الفرقة بينهما، كما إذا ارتدت. أو عملت شيئا يوجب حرمة المصاهرة فإن صداقها يسقط قبل الوطء، لأن الفرقة وقعت بسببها، ويسقط نصفه إذا طلقها هو قبل الدخول وكانت الفرقة منه لسبب آخر، من ردة، وعمل ما يوجب حرمة المصاهرة.ويتأكد كل المهر بحيث لا يحتمل السقوط.
بأمور:
منها الوطء. ومنها موت أحد الزوجين. ومنها الخلوة الصحيحة (3) .
وغير ذلك، على تفصيل في كل هذه الأمور (4) .

(1) (الحنفية - قالوا: إذا تزوجها على أعيان مكيلة. أو موزونة. أو معدودة، وكانت قيمتها وقت العقد تساوي عشرة دراهم فأكثر، ثم نقصت قبل التسليم عن عشرة، فليس لها حق في المطالبة إنما يكمل العشرة، لأن المعتبر قيمتها وقت العقد، أما لو تزوجها على أعيان تساوي قيمتها وقت العقد ثمانية، فإنها تطالب بالاثنين، ولو ارتفعت قيمتها إلى عشرة وقت التسليم.
وإذا تزوجها على منافع الأعيان من سكنى داره. أو ركوب دابته. أو الحمل على جمله أو زراعة أرضه مدة معلومة، فإن التسمية تكون صحيحة، وتجب لها المنفعة التي سماها بلا خلاف أما إذا تزوجها على منافع معنوية، كتعليم القرآن. والفقه. ونحو ذلك من علوم الدين، أو على تعليم الحلال والحرام، ففيه خلاف. وظاهر المذهب أنه لا يجوز، ولكن المتأخرين من الحنفية قد أفتوا بجواز أخذ الأجرة على تعليم القرآن. والعلوم الدينية للضرورة. إذ ربما لا يوجد من يعلمها مع وجوبها على المسلمين كما تقدم في مباحث الإجارة.
والقاعدة أن الذي تصلح عليه الأجرة. يصح جعله مهرا. لأن الأجرة مال متقوم يقع في مقابل المهر: وعلى هذا تجوز الفتوى بصحة جعل تعليم القرآن والفقه مهرا على التحقيق وقد اعترض بعضهم على ذلك من ناحية أخرى وهي أن الزوج في هذه الحالة يكون خادما للمرأة، وخدمة الرجل الحر للمرأة محرمة، فلا تصح أن تكون مهرا، ولكن هذا الاعتراض لا قيمة له لأن معلم القرآن والعلم لا يقال له خادم، بل هو سيد عرفا أما غير التعليم بأن تزوجها على طاعة من الطاعات التي لا يجوز أخذ الأجرة عليها كأن تزوجها على أن يحج بها، فإنه لا يصح ويثبت لها مهر المثل ومثل ذلك ما إذا تزوجها على طلاق امرأة بدون أن يضم ذلك إلى مال فإنه لا يصح ويثبت لها مهر المثل، وكذلك إذا تزوجها على أن يكون خادما لها، وهو حر لا عبد فإنه لا يصح، وذلك لأن للزوج حق القيام على المرأة فلو أصبح خادما لها بعقد كان ممتهنا، إذ يكون لها الحق في أن تستعمله استعمال السيد لعبده، وذلك لا يجوز بخلاف ما إذا كان عبدا بطبيعته، ورضيت به زوجا، فإنه يصح أن يتزوجها على أن يكون خادما لها، لأن صفته هذه لازمة له: فلا مانع من أن يخدم امرأته.
وليس من الخدمة المهينة أن يتزوجها على أن يزرع لها أرضها. أو يرعى لها غنمها مدة معينة فإنه يصح أن يكون ذلك مهرا على الصواب، وذلك لأنهم قالوا في الإجارة: لا يجوز للولد أن يستأجر أباه للخدمة، ولكن يجوز أن يستأجره للرعي، والزراعة، لأنه لا امتهان في الحالة.
وليس من الخدمة المهينة أيضا أن يتزوجها على أن يرعى غنم أبيها، كما وقع لموسى مع شعيب عليهما السلام، مما قصه الله علينا في القرآن، وشرع من قبلنا شرع لنا عند عدم ناسخ، وفي هذه الحالة يضمن الولي للزوجة مهر المثل.
وإذا تزوجها على خدمة امرأة حرة، فإنه يصح متى رضيت المرأة، أما إذا تزوجها على أن يخدمها رجل حر غيره برضاء ذلك الرجل، مدة معينة.
فإن ترتب على خدمة ذلك الرجل الأجنبي مخالطة تفضي إلى الانكشاف والفتنة. فإنه لا يجوز ويكون للزوجة قيمة خدمته مهرا وإن لم يترتب عليها هذا المحظور، فإنه يصح وتسلم إليها خدمته، وإذا لم يرض ذلك الرجل بالخدمة، ثبت للمرأة قيمة الخدمة، ومثل ذلك ما إذا تزوجها، على أن يخدمها رجل حر مدة غير معينة. فإن فيها التفصيل المتقدم، من الجواز عند عدم الفتنة، والمنع عند الفتنة.
المالكية - قالوا: إن المهر يصح أن يكون عينا من ذهب. أو فضة. أو عرض تجارة. أو حيوان. أو دار. أو نحو ذلك، وأما المنافع من تعليمها القرآن ونحوه. أو سكنى الدار. أو خدمة العبد، ففيها خلاف، فقال مالك: إنها لا تصلح مهرا ابتداء أن يسميها مهرا وقال ابن القاسم: تصلح مهرا مع الكراهة وبعض الأئمة المالكية يجيزها بلا كراهة والمعتمد قول مالك طبعا. ولكن إذا سمى شخص منفعة من هذه المنافع مهرا، فإن العقد يصح على المعتمد، ويثبت للمرأة المنفعة التي سميت لها، وهذا هو المشهور، فالمالكية ينظرون إلى قول مالك فينهون عن جعل المهر منفعة ابتداء، وينظرون إلى قول من أجاز فيعملون به بعد الوقوع بالفعل.
الشافعية - قالوا: يصح الصداق بالمنفعة، والقاعدة عندهم أن كل ما صح ثمنا في البيع صح صداقا، فيصح أن يشتري دارا بمنفعة أرضه الزراعية مدة معلومة، فكذلك يصح أن تجعل هذه المنفعة صداقا، فكل عمل يستأجر عليه من تعليم قرآن. وفقه. ونحوهما، وتعليم صناعة، كنسج. وخياطة، أو يتزوجها على أن يخيط لها ثوبا أو يبني لها دارا، أو يقوم لها بالخدمة، ولو حرا، فإنه يصح أن يكون صداقا، كما يصح أن يكون ثمنا.
وقد أورد على قولهم: كل ما صح ثمنا، صح صداقا، انه لو تزوج عبد امرأة حرة على أن يكون مملوكا لها، فإنه لا يصح، بل يبطل النكاح، لأن كونه مملوكا ينافي كونه زوجا لها، إذ لا يجوز أن يتزوج العبد سيدته، ولكن العبد يصح أن يكون ثمنا لشيء آخر، فقولهم: كل ما يصح ثمنا، يصح مهرا لا يطرد، وأيضا لو جامع شخص أمه بشبهة، وجاءت منه بولد، ثم اشتراها وكبر ولده، فأراد أن يجعلها مهرا لابنه في عقد زواجه، فإنه لا يصح، لأن معنى ذلك أنها تدخل في الولد أولا حتى يصح كونها صداقا، ومتى ملكها عتقت عليه، وبذلك تكون حرة فلا تصلح أن تكون صداقا، وهي تصح أن تكون ثمنا لشيء آخر.
وذكر بعضهم مثالا آخر، وهو ما إذا كان معه ثوب واحد يتوقف عليه ستر عورته، فإنه لا يصح جعله صداقا، وإن صح جعله ثمنا، ولكن هذا المثال ليس بشيء. لأنه متى توقف عليه ستر العورة، فإنه لا يصح جعله صداقا وثمنا، وهو ظاهر، والجواب عن هذا أن المراد بقولهم: كل ما صح ثمنا صح صداقا في الجملة بحيث إذا لم يمنع آخر، كما في الأمثلة المذكورة، فإن الذي منع كونها صداقا ما عرض لها من الحرية ومنافاة كون العبد زوجا لسيدته.
الحنابلة - قالوا: يصح المهر بالمنافع كما يصح بالأعيان، فلو تزوجها على أن يرعى لها غنمها أو يزرع لها أرضها. أو نحو ذلك، فإنه يصح بشرط أن تكون المنفعة معلومة، فإن كانت مجهولة فإن التسمية لا تصح، ويلزم بمهر المثل، ويصح للحر أن يتزوج امرأة على أن يخدمها مدة معلومة. أو على أن يأتي لها بخادم حر يخدمها مدة معلومة. والعبد من باب أولى، وكذلك يصح أن يتزوجها على عمل معلوم، كخياطة ثوب معين، سواء خاطه هو، أو غيره، فإن تلف الثوب قبل خياطته كان عليه نصف قيمة أجرته، وإن طلقها قبل الدخول. وقبل خياطته كان عليه نصف خياطته إن أمكن وإلا فعليه نصف الأجرة، وكذلك يصح أن يتزوجها على تعليم أبواب من الفقه أو الحديث.
أو على تعليم شيء مباح من الأدب. والشعر، أو تعليم صنعة. أو كتابة أو غير ذلك مما يجوز أخذ الأجرة عليه فإنه يصح، ويلزم به إن تعذر عليه تعليمها، فإن طلقها قبل الدخول. وقبل تعليمها، فإنه يلزم أجرة تعليمها، وإن كان بعد تعليمها رجع عليها بنصف الأجرة، إن كانت الفرقة من قبله، أما إن كانت بسببها، فإنه يرجع عليها بكل الأجرة.
هذا، ولا يصح أن يكون تعليم القرآن صداقا" فإذا قال لها: تزوجتك على أعلمك القرآن. أو بعضه، فإن التسمية لا تصح، ويلزم بمهر المثل، وما ورد في حديث الواهبة نفسها، من أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له: "زوجتك إياها بما معك من القرآن". فإن معناه بسب كونك من أهل القرآن، فلم يكن مهرا، ولم يشر في الحديث إلى التعليم.
ويحتمل أن يكون ذلك خاصا بهذا الرجل، ويؤيد ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم زوج غلاما على سورة من القرآن، ثم قال: " لا تكون بعدك مهرا"، رواه البخاري، وهذا هو المشهور من مذهب الحنفية، ولكن المتأخرين أفتوا بجواز تعليم القرآن مهرا، كما ذكرنا وعلى هذا تكون المذاهب في هذه المسألة هكذا:
تعليم القرآن لا يجوز أن يكون صداقا عند الحنابلة بلا خلاف ويجوز أن يكون صداقا عند الشافعية بلا خلاف، ويمتنع عند المالكية ابتداء على المعتمد، فإن وقع بالفعل نفذ، لأن بعض أئمتهم يقول بجوازه. والظاهر من مذهب الحنفية المنع، وهو المذكور في فتاوي المتقدمين، كالحنابلة، وأجازه المتأخرون للضرورة، قياسا على جواز أخذ الأجرة عليه للضرورة) .
(2) (المالكية - قالوا: يجب بالعقد الصحيح نصف المهر، لا كل المهر كما هو المذهب)
(3) (الشافعية. والمالكية - قالوا: الخلوة لا يتأكد بها المهر على أي حال، وهذا هو رأي الشافعي في الجديد، أما في القديم، فقد قال: إن الخلوة كالوطء في تأكد كل المهر)
(4) (المالكية - قالوا: الأمور التي بها كل الصداق، بمعنى أنه يثبت بها كله، بعد أن كان ثابتا نصفه بالعقد، ثلاثة: الأول الوطء. ويشترط فيه أن يكون واقعا من بالغ، وأن تكون المرأة مطيقة، فلو كان غير بالغ. أو كانت هي صغيرة لا تطيق الوطء، فإن الوطء لا يتقرر به كل الصداق.
والمراد بالوطء إيلاج الحشفة، أو قدرها، ولو لم تزل به البكارة، بلا فرق بين أن يكون في القبل. أو الدبر، ولا يشترط فيه أن يكون حلالا، بل وقع منه ذلك حال الحيض. أو النفاس، وإحرام أحدهما. أو صيامه الفرض. أو اعتكاف أو غير ذلك، مما لا يحل معه وطء فإنه يكفي لتقرير كل الصداق، وإذا أزال بكارتها بإصبعه، ثم طلقها قبل الوطء، كان لها الصداق، مع أرش البكارة - تعويض - إذا كانت تتزوج بعد ذلك إلا بمهر الثيب، وإلا فليس لها سوى نصف الصداق. الثاني: موت أحد الزوجين، ويتقرر به جميع الصداق المسمى في العقد. أو بعده، أما إذا مات أحدهما في نكاح التفويض الآتي، وهو أن تفوض لوليها زواجها بالمهر الذي يراه.
أو يفوض وليها للزوج فرض المهر الذي يراه، فإنه إذا مات الزوج قبل الدخول وقبل أن يفرض لها المهر، فإنها لا تستحق شيئا، لا فرق في ذلك بين أن يكون العقد صحيحا، أو فاسدا فسادا غير مجمع عليه، كما إذا عقد عليها وهو محرم. أو عقد عليها بدون ولي، فإن كان فاسدا عند المالكية، ولكنه صحيح عند الحنفية، فيجب به كل المهر حال الموت، ونصفه حال الطلاق، وإذا ماتت المرأة بقتل نفسها كراهة في زوجها، فإن لها الحق في كل الصداق، أما إذا قتلت زوجها تخلصا منه، فعليه خلاف، والظاهر أنها لا تستحق الصداق، بل تعامل بنقيض غرضها لئلا يكون ذلك ذريعة لقتل النساء أزواجهن.
وكذا إذا قتل السيد أمته المتزوجة، فإن صداقها لا يسقط عن زوجها. الثالث: إقامة الزوجة سنة عند زوجها، وإن لم يدخل بها، فإن إقامتها هذه المدة يتقرر بها كل الصداق، فتقوم مقام الوطء، فهذه هي الأمور الثلاثة التي يتقرر بها كل الصداق.
هذا وإن ادعت المرأة أنه وطئها، وأنكر هو، ينظر، فإن كان قد اختلى بها خلوة اهتداء، وتسمى خلوة إرخاء الستور وتثبت هذه الخلوة بإقرارهما. أو بشهادة شهود، ولو امرأتين حلفت المرأة اليمين على دعواها الوطء، فإذا حلفت استحقت كل المهر، أما إن نكلت: حلف الرجل: فإن حلف استحقت نصف المهر فقط، وإن نكل استحقت كل المهر.
وخلوة الاهتداء، هي أن يوجد معها وحدها في محل، ويرخي الستور على نوافذه، أن كانت ستور، وإلا فيكفي غلق الباب الموصل لهما، بحيث لا يصل إليهما أحد. وسميت خلوة اهتداء، لما فيها من الهدوء والسكون، لأن كل واحد منهما اهتدى للآخر ويسكن له.
ويشترط لهذا الحكم بلوغ الزوجة، فإن كانت صغيرة وادعت الوطء، مع ثبوت خلوة الاهتداء حلف الزوج، واستحقت نصف المهر، ووقف النصف الآخر حتى تبلغ، وتحلف فإن حلفت استحقت النصف الثاني، ولا يلزم في هذه الحالة تحليف الزوج مرة أخرى، ولا يبطل دعوى المرأة الوطء، قيام مانع بها، من حيض، أو نفاس، أو صوم، أو إحرام، أو نحو ذلك، وقيل: يبطل ذلك دعواها، إن كان الزوج معروفا بالعفة والصلاح، بحيث لا يليق به أن يفعل ذلك، والمشهور الأول، وإذا اختلى بها خلوة اهتداء، وادعت عدم الوطء، ووافقها الزوج على ذلك صدقت بلا يمين، سواء كانت بالغة الرشدة. أو سفيهة لا تحسن التصرف في المال.
أو كانت صغيرة، أما إذا لم يوافقها الزوج، بأن قال: إنه وطئها، وهي أنكرته. فإن كانت سفيهة أخذ بإقراره أما إن كانت رشيد - وهي الحرة البالغة التي تحسن التصرف - فلا يخلو إما أن يصر هي على تكذيبه. وفي هذه الحالة يؤخذ بإقراره لاحتمال أنه وطئها وهي نائمة، أو غائبة العقل لأمر ما.
وإما أن لا يصر على إقراره بل يرجع عنه. وهي مصرة على تكذيبه. وفي هذه الحالة يؤخذ برجوعه أيضا. فإن رجع هو عن إقراره. ورجعت هي عن إنكارها. فإن كان رجوعها قبل رجوعه ثبت الوطء. وإن أقرت هي بالوطء بعد أن رجع هو عند هذا الإقرار. فليس لها إلا النصف كاستمرارها على تكذيبه.
هذا في خلوة الاهتداء ويقابلها خلوة الزيادة وهي أن تزوره في بيته، أو يزورها في بيتها، أو يزور الاثنان شخصا آخر في بيته. فإن زارته هي في بيته وادعت الوطء وأنكر، صدقت بعد أن تحلف اليمين على ذلك، وإن زارها في بيتها، وادعت وأنكر، عمل بقول باليمين أيضا، ومثل ذلك ما إذا زارا أجنبيا في بيته، فإنها إن ادعت وأنكره، عمل باليمين، لأن الظاهر يصدقه، فإن ادعى هو الوطء، وأنكرت هي، كان الحكم هو ما تقدم في خلوة الاهتداء.
الحنفية - قالوا: الأمور التي يتأكد بها المهر، ولا تحتمل السقوط خمسة:
أحدها: الوطء حقيقة، أو حكما في عقد صحيح، فالحقيقي هو إيلاج الحشفة، أو قدرها في قبل امرأة، والحكمي هو الخلوة بشرائطها الآتية، ومنها يعرف أن الصغيرة التي لا تطيق الوطء لا يثبت لها كل الصداق. لا بدعوى الوطء، ولا الخلوة.
ثانيها: موت أحد الزوجين، إذا مات الزوج موتا طبيعا، أو مات مقتولا بيد أجنبي، أو بيد زوجته، أو قتل نفسه، فإن الصداق المسمى يتقرر كله للزوجة، فإن لم يكن مسمى، تقرر لها صداق المثل كله، وكذا إذا قتل الزوجة أجنبي، أو قتل زوجها، أما إذا قتلت نفسها، فإن كانت حرة، فإنه يتقرر لها كل الصداق أيضا، وأن كانت أمة، فقتلت نفسها، فالصحيح إنه لا يسقط، وإن قتلها مولاها قبل الدخول، فإنه يسقط، إذا كان سيدها عاقلا بالغا، أما إذا كان صبيا، أو مجنونا، فإنه لا يسقط، لأن فيه اجحافا بهما.
هذا إذا مات أحد الزوجين، أما إذا ماتا معا، فإن تقادم العهد، ولم يتيسر للقاضي معروفة مهر المثل، فإنه لا يقضي لورثة الزوجة بشيء عند أبي حنيفة. وأما إذا لم يتقادم، وأمكن معرفة مهر المثل. فإنه يقضي به باتفاق.
ثالثها: الخلوة الصحيحة، وهي أن يجتمعا في مكان، وليس هناك مانع يمنعهما من الوطء، لا حسا ولا شرعا ولا طبعا، فالمكان الذي تصح فيه الخلوة، أن يكونا آمنين من إطلاع الغير عليهما بغير إذنهما، كأن يكون في محل مغلق الأبواب، والنوافذ التي يمكن الإطلاع عليهما منها، فلا تصح الخلوة في الصحراء وإن لم يكن بقربهما أحد، إلا إذا أمنا مرور إنسان، فإنها تصح، وكذا لا تصح على سطح ليس على جوانبه بناء يمنع من رؤيتهما، فإذا أمنا هجوم الغير عليهما، فإن الخلوة تصح، وإن خلا بها في طريق يؤمن مرور الناس بها في وقت معين، فإنه يصح، وإلا فلا، وإذا خلا بها في مكان غير مسقوف، باب مغلق، فإنه يصح، وكذا في كرم، وإذا اختلى بها في حجرة في بيت به سكان، وأغلق الباب. أو أرخى الستر الذي به يأمن هجوم أحد، فإنها تكون خلوة صحيحة، ولا تصح الخلوة في المسجد ولا في الحمام ولا في الطريق العام.
وأما المانع الحسي الذي يمنع من الوطء، فمثاله أن يكون الرجل مريضا سواء كان مرضه يمنعه من الوطء بالمرة، أو كان لا يمنعه. ولكن يلحق به ضرر، لأن الغالب أن الرجل المريض تنصرف نفسه عن الشهوة، فلا يطلب النساء، ولو كان مرضه يسيرا، لأنه لا بد يوجد عنده فتور يصرفه عن الشهوة، أما المرأة فإن مرضها يمنع صحة الخلوة إذا كان شديدا يمنعها من الحركة أما إذا كان فتورا وتكسرا، فإنه لا يمنع مادام الرجل صحيحا، وليس من المانع الحسي كون الرجل عنينا.
أو مجبوبا، أو خصيا، فخلوة المجبوب والعنين والخصي صحيحة عند أبي حنيفة، أما الخصي وهو مقطوع - الأنثيين - فظاهر، لأنه يمكنه الوطء، وكذلك العنين، فإنه يمكنه أن يدخل ولو بأصبعه، وأما المجبوب فإنه يمكنه أن يساحق وينزل، وتحمل منه كما تقدم في المحلل.
ومن المانع الحسي، القرن - بفتح الراء، وسكونها - وهو شيء يوجد يسد فرج المرأة، فيمنع من دخول الذكر، وهو إما عظم أو غدة أو لحم زائد. والرتق: وهو تلاحم بين ضفتي الفرج ويقال: إنه لحم أو غدة تسد الفرج، فيكون مرادفا للقرن. والعقل: وهو لحم ناتئ من خارج الفرج.
فسده "كالأدرة للرجال" ومن المانع الحسي الصغر، فإذا كانت المرأة صغيرة لا تطيق الوطء. أو كان الزوج صغيرا لا يمكن لمثله أن يجامع النساء. فإنه يمنع الخلوة الصحيحة. وإذا قال أبو الصغيرة: إنها لا تطيق الوطء. وقال الزوج إنها تطيق، تحكم النساء لما لهن من الخبرة في ذلك. وفي زماننا تحكم الطبيبات لما لهن من زيادة الخبرة.
ومثال المانع الشرعي أن تكون المرأة حائضا أو نفساء، أو يكون أحدهما صائما صيام رمضان أو محرما للنسك، سواء كان محرما لفرض أو نفل أو مقيما لصلاة مفروضة.
أما صيام التطوع فلا يمنع في ظاهر الرواية، وصلاة التطوع لا تمنع قولا واحدا.
ومثال المانع الطبيعي أن يوجد معهما ثالث يمنع الخلوة. وقد يقال: إن هذا مانع مشاهد. فهو من المانع الحسي. وقد مثل للمانع الحسي بعضهم به وعندي أنه يصح أن يراد من المانع الطبيعي ما كان راجعا إلى الخلقة. سواء كان عارضا أو كان موجودا في الأصل، وحينئذ فيصح أن يمثل للمانع الطبيعي بالقرن، والرتق، والعقل والمرض.
فهذا هو المانع الطبيعي المنسوب للطبيعة. وهي الخلقة. وكونه محسا مشاهدا لا ينافي تسميته طبيعيا. أما وجود ثالث معهما. فإنه مانع حسي فقط. لأنه غير متعلق بالخلقة، فالأولى أن يعكس المثيل.
ويشترط في الثالث الذي يمنع الخلوة أن يكون كبيرا يعقل. أم إذا كان صغيرا لا يعقل. بحيث يمكنه أن يعبر عما وقع بينهما. فإنه يمنع الخلوة. وإذا كان الكبير الذي يعقل أعمى. أو نائما فإنه يمنع صحة الخلوة لأن النائم يخشى تنبهه. والأعمى يشعر ويحس. لا فرق بين أن يكون ذلك بالليل. أو بالنهار على التحقيق. إلا إذا عرف الزوج حالهما أنهما لا يعرفان. كما إذا كان بالأعمى صمم أو كان النائم ثقيل النوم لا يدرك شيئا أو لا يستيقظ فإن الخلوة في هذه الحالة تصح مع وجودهما وإذا كانت معهما جارية أحدهما. فإنها لا تمنع الخلوة، وإذا كان معهما كلب فإن كان عقورا، فإنه يمنع الخلوة، سواء كان كلب الرجل أو المرأة لعدم قدرتها عليه حال الوطء أما إذا كان غير عقور.
فإنه يمنع إذا كان للزوجة. لأنها هي التي تفترش فيظن الكلب أن ذلك اعتداء عليها فيمنعها وقال بعض المحققين إن كلب الرجل لا يمنع مطلقا. سواء كان عقورا أو غيره وذلك لأن صاحبه هو الأعلى. فلا يهيجه شيء. أما أنا فأقول: إن كلبيهما لا يمنعان مطلقا. لأن كلا منهما يستطيع إسكاته بانتهاره. فإذا لم يستطيعا انتهاره لا فرق بين أن يكون للرجل أو للمرأة فإن كلب الرجل يهيج على المرأة انضماما لصاحبه. وكلبها يهيج على الرجل انضماما لصاحبته، بصرف النظر عن كون صاحبه غالبا، أو مغلوبا، فالذي أراه أن الكلب إذا كان لا يمكن زجره، منع من صحة الخلوة، وإلا فلا، سواء كان للرجل أو للمرأة.
فالخلوة بهذه الشروط يتقرر بها جميع المسمى من الصداق، وجميع مهر المثل عند عدم التسمية، وكذلك يثبت بها النسب. ولو من المجبوب، وتلزم بها النفقة، والسكنى، والعدة، وحرمة نكاح أختها. فهي تقوم مقام الوطء، إلا في حق زوال البكاوة، فإن الخلوة دون الوطء تجعل المرأة بكرا تتزوج كالأبكار، وكذا في حق الإحصان، فإن الخلوة لا تجعلهما محصنين، وكذا في حق حرمة البنات، فإن الرجل إذا خلا بالزوجة لا تحرم عليه بنتها. وكذا إذا كانت مطلقة ثلاثا وخلا بها بدون وطء، فإنها لا تحل للأول كما تقدم، وكذا في حق الميراث، ولا تورث بالخلوة.
هذا، وهل تجب العدة بالخلوة الفاسدة، أو لا؟ خلاف، والصحيح أنها تجب احتياطا، وذلك لأن المرأة سلمت نفسها، ولكن وجد مانع من جهته، مثل إذا خلا الرجل بالمرأة في مكان، وكانت حائضا، أو نفساء، أو كان أحدهما صائما رمضان، أو كان أحدهما مريضا مرضا ثقيلا، أو كان بها مانع حسي، فإن خلوته بها توجب الظن على أي حال، فيجب أن تعتد منه في الجميع.
وبعضهم يرى أنها تعتد إذا كان المانع شرعيا، كالحيض، والنفاس، والصيام، لأن هذا يتأتى معه الوطء، بخلاف ما إذا كان المانع طبيعيا، كالمرض الشديد الذي لا يتأتى معه الوطء، وكما إذا كان بالمرأة مانع طبيعي يمنع الوطء، فإن الخلوة في هذه الحالة لا قيمة لها مطلقا، ولكن المذهب الأول، لأن العدة ليست مبنية على الوطء، وإنما هي مبنية على تسليم المرأة نفسها للوطء في مكان صالح له، فإذا تحقق هذا المعنى، وجبت العدة ظاهرا، وهل تجب ديانة؟ والجواب، أن لا فرق في هذا السؤال بين أن تكون العدة صحيحة أو فاسدة، فقد قالوا: إذا كانت المرأة موقنة بأنه لم يطأها. حل لها أن تتزوج بدون عدة، ديانة لا قضاء.
وبعد فقد ذكرنا لك ثلاثة أمور، يتأكد بها جميع الصداق، وهي الوطء، والخلوة الصحيحة. وفصلنا لك الكلام في الخلوة، لتكون على بينة منها.
والثالث: موت أحد الزوجين، وموت الرجل قبل الدخول: مثل الوطء في حق العدة، والمهر، وموت أحدهما، مثل الوطء في حق المهر.
أما الأمر الرابع الذي يتأكد به جميع الصداق، فهو ما إذا طلق امرأته طلاقا بائنا بعد الدخول بها، ثم رجع إليها ثانيا وهي في عدتها منه بمهر جديد، فإن المهر المسمى لها في العقد الثاني يثبت جميعه بمجرد العقد بدون دخول، أو خلوة، لأن وجودها في العدة قائم مقام الخلوة وزيادة، وقد اعترض بعضهم على الزيادة بأنها استحقت الصداق جميعه بناء على الوطء الأول، والعدة أثر من آثاره، فكأنه دخل بها، فلم يترتب استحقاقها الصداق كله على مجرد العقد الثاني، بل على الوطء الأول، ويجاب على هذا بأن هذه الصورة لا وطء فيها على كل حال. وسواء ترتب كل المهر على المهر الحاصل في عدتها منه، أو على الوطء الأول قبل طلاقها. فإنه ينبغي أن تبين هذه الصورة، ويلفت النظر لها، فلا يصح إهمالها لما فيها من اشتباه واضح، فلا معنى للاعتراض على عدها.
وزاد بعضهم سببا خامسا يتقرر به كل المهر، وهو أن يزيل بكارتها بأصبع ونحوه، ولكن هذا ليس بشيء، وذلك لأنه إذا أزال بكارتها بأصبعه في خلوة تأكد لها المهر كله بالخلوة الصحيحة، وإلا فلا شيء عليه، ولهذا قالوا: إذا دفع امرأته في غير خلوة دفعة شديدة فأزال بكارتها، ثم طلقها قبل الدخول لا يلزم إلا بنصف المهر، ولا يلزم بتعويض عن إزالة البكارة، أما إذا لم تكن امرأته فدفعها دفعة شديدة أزال بكارتها، تزوجها وكان لها عليه مهر مثلها بسب إزالة البكارة، والمهر الذي سماه لها، فتحصل أن الأسباب التي يتأكد بها الصداق عند الحنفية ينبغي عدها أربعا لا خمسا، مع مراعاة أن كل المهر في الصورة الرابعة إما مرتب على العقد الثاني في عدتها منه أو على الوطء الأول قبل طلاقها، لأنه باق ببقاء أثره، وهي العدة.
فهذه الأمور يتأكد المهر بواحد منها، ولا يحتمل السقوط بعد ذلك إلا بالإبراء، فلو جاءت الفرقة من قبلها بأن ارتدت. أو طاوعت ابن زوجها بعدما دخل بها أو خلا بها ابن زوجها أو قبلته بشهوة، التي يتأكد بها الصداق، فإن فعلت شيئا من ذلك فإن مهرها جميعه يسقط لمجيء الفرقة من قبلها.
الشافعية - قالوا: يتأكد المهر، ولا يحتمل السقوط بأمرين:
أحدهما: الوطء، وهو إيلاج الحشفة، أو قدرها في قبل المرأة، أو دبرها، وإن كانت صغيرة لا يوطأ مثلها في العادة، ويصدق بيمينه إذا نفى الوطء، ولا يشترط الخلو من الموانع الشرعية، فإذا وطئها وهي حائض، أو نفساء، أو كان أحدهما صائما، أو غير ذلك، فإن المهر جميعه يتأكد بذلك.
ثانيهما: موت أحدهما قبل الوطء، سواء كان الموت طبيعيا، أو قتلت الزوجة الحرة نفسها. أو قتلها زوجها، أما إذا قتلت هي زوجها فإن مهرها يسقط. وكذا إذا كانت أمة وقتلت نفسها أو قتلها سيدها قبل الدخول، أو قتلت هي، أو سيدها زوجها، فإن مهرها يسقط في هذه الأحوال فلا يتقرر المهر إلا بهذين، فلا يتقرر باستدخال ماء الزوج إلى داخل الفرج بغير الذكر، كما إذا وضعته في أنبوبة فأفرغته في فرجها، كما لا يتقرر بالخلوة الصحيحة والمباشرة في غير الفرج، حتى لو طلقها بعد ذلك، فلا يجب إلا نصف المهر.
الحنابلة - قالوا: يتأكد المهر بأربعة أمور:
أحدها: الوطء في قبل، أو دبر، ولو كان ممنوعا، بأن وقع في حيض، أو نفاس، أو غيرهما.
ثانيها: الخلوة.
ثالثها: اللمس بشهوة، والنظر إلى فرجها بشهوة، وتقبيلها ولو بحضرة الناس.
رابعها: موت أحد الزوجين، فإذا كان بالزوج عيب يوجب الفسخ ومات أحدهما قبل الفسخ كان لها الصداق كاملا، لأنه يتقرر بالموت، ولا يرجع به الزوج على أحد. لأن سبب الرجوع الفسخ وهو لم يحصل، أما إذا فسخ قبل الموت، وقبل الدخول، فلا شيء لها. فزاد الحنابلة اللمس بشهوة، والقبلة بحضور الناس. فجعلوا ذلك من الأسباب التي تؤكد المهر وترفع احتمال سقوطه)



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 43.91 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 43.28 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (1.43%)]