عرض مشاركة واحدة
  #1  
قديم 27-11-2020, 07:52 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 134,464
الدولة : Egypt
افتراضي إنا كفيناك المستهزئين

إنا كفيناك المستهزئين


همام محمد الجرف




تمهيد
بسم الله الرحمن الرحيم، وبه نستعين.

أمَّا بعد:
فأحسن الكلام كلام الله، وأحسن الهدي هَدي محمد - صلى الله عليه وسلم - وأشهد ألا إله إلا الله، وأن محمدًا رسول الله، بلَّغ الأمانة وأدَّى الرسالة ونصح الأمة.

قال الله - تعالى -: ﴿ وَلَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ فَصَبَرُوا عَلَى مَا كُذِّبُوا وَأُوذُوا حَتَّى أَتَاهُمْ نَصْرُنَا وَلَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ وَلَقَدْ جَاءَكَ مِنْ نَبَإِ الْمُرْسَلِينَ ﴾ [الأنعام: 34].

فهذا دأب أهل الكفر مع كلِّ الأنبياء والمرسلين قبل النبي محمد - صلى الله عليه وسلم - وذلك بتكذيبهم والاستهزاء منهم، وحتى مكايد القتل والغدر.

ولقد تتالت مكايد الشيطان وأعوانه من أهل الكفر بصور شتَّى تختلف من عصر إلى عصر؛ لمحاربة هذا الدين القويم متمثلاً بشخص النبي - صلى الله عليه وسلم - منذ فجر الرسالة الأولى، وهذه الحرب الشعواء لم تنكفئ ولن تنكفئ حتى يرث الله الأرض ومَن عليها، وذلك بنص القرآن الكريم؛ قال الله - تعالى -: ﴿ وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدَى وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ بَعْدَ الَّذِي جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ ﴾ [البقرة: 120].

وما دام النبي - صلى الله عليه وسلم - حيٌّ في حياة المسلمين: في معاملاتهم وأخلاقهم وطاعاتهم، فالحرب مستمرة من شُذَّاذِ الآفاق، وهل يضير السماء نبح الكلاب؟!

قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((أُمَّتي كالمطر لا يُدْرى الخير في أوله أم في آخره))[1].

ولكنَّ نور الهداية الربَّانيَّة في هذه الرسالة الخاتمة، ولن يضيرها من يهاجمها أو يهاجم نبيَّها؛ قال الله - تعالى -: ﴿ يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ ﴾ [الصف: 8].

فكم تعرَّض سيد الخلق وقدوة العالمين إلى مكايد الكفار والمشركين واليهود والنصارى، ولكنها ارتدت على أصحابها، وذلك بعصمة الله لنبيه - صلى الله عليه وسلم - قال الله - تعالى -: ﴿ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ ﴾ [المائدة : 67].

ولذلك قام هذا الرسَّام الخبيث برسم هذه الصور المسيئة لرسول العالمين محمد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وقد استكبرت دول الغرب الملحدة ونشرت ما نشرت من هذه الرسوم.

و أبلغ ردٍّ على ذلك الفعل الشنيع ما قاله الله - سبحانه وتعالى - في محكم التنزيل، قال الله - تعالى - : ﴿ إِلَّا تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلَى وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ﴾ [التوبة:40].

حَارَ فِكْرِي لَسْتُ أَدْرِي مَا أَقُولْ
أَيُّ طُهْرٍ ضَمَّهُ قَلْبُ الرَّسُولْ

أَيُّ نُورٍ تَهْتَدِي فِيهِ الْعُقُولْ
أَنْتَ مِشْكَاةُ الْهُدَى أَنْتَ نِبْرَاسُ الْوُصُولْ

أَيُّ مَدْح ٍكَانَ كُفْوًا فِي الْمَحَافِلْ
يَا رَسُولاً بَشَّرَتْ فِيهِ الرَّسَائِلْ

أَيُّ كَوْنٍ نَبَوِيٍّ فِي الشَّمَائِلْ
أَنْتَ نُورٌ أَنْتَ طُهْرٌ أَنْتَ حَقٌ هَدَّ بَاطِلْ[2]


كيف تنصر الأمَّة نبيَّها؟
إن هذه الأمة هي الأمة التي شهد الله لها بالخيريَّة في القرآن، وإن أصابها شيء من الوهن، فهي لا تلبث إلا أن تعود لربِّها وتتبع هدي النبي - صلى الله عليه وسلم - في شؤون الحياة كلها عملاً وجوارحًا؛ قال الله - تعالى -: ﴿ وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا ﴾ [البقرة: 143].

ولكن هل تنال هذه الأمة هذه الخيريَّة دون العمل والاتِّباع؟! فعليها إذًا الاتِّباع الكامل للهدي النبوي والنهج القرآني المحكم.

قال الله - تعالى -: ﴿ كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ ﴾ [آل عمران: 110].

فهذا منوطٌ بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والإيمان بالله ورسوله على مراد الله ورسوله، وكما علَّمنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم.

وعن أبى هريرة - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: ((كل أُمَّتى يدخلون الجنة إلا من أَبَى، قالوا يا رسول الله: ومن يأبى، قال: من أطاعني دخل الجنة، ومَن عصاني فقد أبى))[3].

قال الله - تعالى -: ﴿ وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُبِينًا ﴾ [الأحزاب : 36].

وقد خطَّ لنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - هذه الطريق على هدي النجاة في الدنيا والآخرة؛ فعن العرباض بن سارية - رضي الله عنه – قال: وعظنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - موعظة وجلت منها القلوب وذرفت منها العيون، فقلنا يا رسول الله: كأنها موعظة مودِّع فأوصنا، قال: ((أوصيكم بتقوى الله والسمع والطاعة وإن تأمَّر عليكم عبدٌ، وإنه مَن يعش منكم، فسيرى اختلافًا كثيرًا؛ فعليكم بسنَّتي وسُنَّة الخلفاء الراشدين المهديين عَضوا عليها بالنواجذ، وإياكم ومحدثات الأمور؛ فإن كلَّ بدعةٍ ضلالة))[4].

صور من ضغائن الكفار والمشركين لأشرف خلق الله أجمعين ونصر الله - عز وجل - له:
ليس الغرض من سرد هذه المواقف التي تعرَّض لها أشرف الخلق رسول الله محمد - صلى الله عليه وسلم - إلا لإثبات أنها كانت سببًا في هداية مَن قام بها أو عقابًا شديدًا مِن الله لمن استكبر، وفي هذه المواقف كلها كان يقيّض الله من صفوة الخلق من ينصره.

وكلٌّ من هذه الصور لا تحتاج إلى شرح؛ فليس هناك من كلام أبلغ من كلام الوَحْيَين.

ففي الحديث الذي رواه أبو هريرة - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((إن الله - تعالى – قال: من عادى لي وليًّا، فقد آذنته بالحرب))[5].

فكيف بمن ينصب العداء إلى رسول الله؟!
فعن عمرو بن ميمون، قال: حدَّثنا عبدالله في بيت المال، قال: "كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يصلي عند البيت وملأ من قريش جلوس وقد نحروا جزورًا، فقال بعضهم: أيُّكم يأخذ هذا الفرث بدمه ثم يمهله حتى يضع وجهه ساجدًا فيضعه - يعني على ظهره؟ قال عبدالله: فانبعث أشقاها فأخذ الفرث فذهب به ثم أمهله، فلمَّا خرَّ ساجدًا، وضعه على ظهره فأخبرت فاطمة بنت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهي جارية، فجاءت تسعى فأخذته من ظهره، فلمَّا فرغ من صلاته، قال: ((اللهم عليك بقريش ثلاث مرات، اللهم عليك بأبي جهل بن هشام، وشيبة بن ربيعة، وعتبة بن ربيعة، وعقبة بن أبي معيط)) حتى عدَّ سبعةً من قريش، قال عبدالله: فوالذي أنزل عليه الكتاب لقد رأيتهم صرعى يوم بدر في قليب واحد[6].

وعن ابن عباس، قال: "صعد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ذات يوم على الصفا، فنادى: يا صباحاه! فاجتمعت إليه قريش، فقال: ((إني نذير لكم بين يدي عذاب شديد، أرأيتم لو أني أخبرتكم أن العدو ممسيكم أو مصبحكم أكنتم تصدقوني؟)) فقال أبو لهب: ألهذا جمعتنا؟! تبًّا لك، فأنزل الله: ﴿ تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ ﴾ [المسد : 1][7].

وعن أبى هريرة - رضي الله عنه - قال: قال أبو جهل: هل يعفر محمد وجهه بين أظهركم؟ قال: فقيل: نعم، فقال: واللات والعُزَّى لئن رأيته يفعل ذلك، لأطأنَّ على رقبته أو لأعفرنَّ وجهَه في التراب، قال: فأتى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو يصلِّي، زَعَمَ لَيَطَأ على رَقَبته، قال: فما فجئهم منه إلا وهو ينكص على عقبيه ويتقي بيديه، قال: فقيل له: ما لك؟ فقال: إن بيني وبينه لخندقًا من نار وهولاً وأجنحة، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((لو دنا منِّي لاختطفته الملائكة عضوًا عضوًا))[8].

وعن ابن عباس - رضي الله عنهما - في قول الله - عز وجل -: ﴿ إِنَّا كَفَيْنَاكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ ﴾ [الحجر : 95].

قال: المستهزئون: الوليد بن المغيرة، والأسود بن عبد يغوث الزهري، والأسود بن المطلب، وأبو زمعة من بني أسد بن عبدالعزى، والحارث بن عيطل السهمي، والعاص بن وائل، فأتاه جبريل - عليه السلام - شكاهم إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأراه الوليد أبا عمرو بن المغيرة، فأومأ جبريل إلى أبجله، فقال: ما صنعت؟ قال: كفيته، ثم أراه الأسود بن المطلب، فأومأ جبريل إلى عينيه، فقال: ما صنعت؟ قال: كفيته، ثم أراه الأسود بن عبد يغوث الزهري، فأومأ إلى رأسه، فقال: ما صنعت؟ قال: كفيته، ومرَّ به العاص بن وائل، فأومأ إلى أخمصه، فقال: ما صنعت؟ قال: كفيته، فأمَّا الوليد بن المغيرة فمرَّ برجل من خزاعة وهو يريش نبلاً له، فأصاب أبجله فقطعها، وأمَّا الأسود بن المطلب فعمي، فمنهم من يقول: عمي هكذا، ومنهم من يقول: نزل تحت سمرة، فجعل يقول: يا بني ألا تدفعون عني؟! قد قتلت، فجعلوا يقولون: ما نرى شيئًا، وجعل يقول: يا بني ألا تمنعون عني؟! قد هلكت، ها هو ذا أُطْعَن بالشوك في عيني، فجعلوا يقولون: ما نرى شيئًا، فلم يزل كذلك حتى عميت عيناه، وأما الأسود بن عبد يغوث الزهري، فخرج في رأسه قروح فمات منها، وأمَّا الحارث بن عيطل، فأخذه الماء الأصفر في بطنه حتى خرج خرؤه من فِيه فمات منها، وأما العاص بن وائل فبينما هو كذلك يومًا إذ دخل في رأسه شبرقة حتى امتلأت منها فمات منها، وقال غيره: فركب إلى الطائف على حمار، فربض به على شبرقة فدخلت في أخمص قدمه شوكة فقتلته[9].

وعن أبي سلمة - رضي الله عنه – قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقبل الهدية ولا يأكل الصدقة، زاد: فأهدتْ له يهوديَّة "بخَيْبَر" شاة مصلية سمَّتَها، فأكل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - منها وأكل القوم، فقال: ارفعوا أيديكم؛ فإنها أخبرتني أنها مسمومة، فمات بشر بن البراء بن معرور الأنصاري، فأرسل إلى اليهودية: ما حملك على الذي صنعت؟ قالت: إن كنت نبيًّا لم يضرك الذي صنعت، وإن كنت ملكًا، أرحت الناس منك، فأمر بها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقتلت، ثم قال في وجعه الذي مات فيه: ما زلت أجد من الأكلة التي أكلت بخيبر، فهذا أوان قطعت أبهري[10].

و عن جابر بن عبدالله - رضي الله عنهما - أنه غزا مع النبي - صلى الله عليه وسلم - فأدركتهم القائلة في وادٍ كثير العضاه، فتفرَّق الناس في العضاه يستظلون بالشجر، فنزل النبي - صلى الله عليه وسلم - تحت شجرة فعلَّق بها سيفه، ثم نام فاستيقظ وعنده رجل وهو لا يشعر به، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((إن هذا اخترط سيفي، فقال: مَن يمنعك؟ قلت: الله، فشام السيف فها هو ذا جالس))، ثم لم يعاقبه[11].
شام السيف: جعله في غمده، اخترط: سلَّ السيف من غمده.
يتبع



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 28.36 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 27.74 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (2.21%)]