عرض مشاركة واحدة
  #10  
قديم 18-06-2021, 12:35 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 134,259
الدولة : Egypt
افتراضي رد: الموافقات - أبو إسحاق الشاطبي -----متجدد إن شاء الله


الموافقات

أبو إسحاق إبراهيم بن موسى بن محمد اللخمي الشاطبي
الجزء الاول
الحلقة (10)
صـ126 إلى صـ145

فإن قيل : هذا مشكل من أوجه : الأول : أن هذا الرأي هو رأي الظاهرية ; لأنهم واقفون مع ظواهر النصوص من غير زيادة ولا نقصان ، وحاصله عدم اعتبار المعقول جملة ، ويتضمن نفي القياس الذي اتفق الأولون عليه .

والثاني : أنه قد ثبت للعقل التخصيص حسبما ذكره الأصوليون في نحو : والله على كل شيء قدير [ البقرة : 284 ] ، و " والله على كل شيء وكيل [ الأنعام : 102 ] ، و خالق كل شيء [ الرعد : 16 ] ، وهو نقص من مقتضى العموم ; فلتجز الزيادة لأنها بمعناه ، ولأن الوقوف دون حد النقل كالمجاوز [ ص: 132 ] له ، فكلاهما إبطال للحد على زعمك ، فإذا جاز إبطاله مع النقص ، جاز مع الزيادة ، ولما لم يعد هذا إبطالا للحد ; فلا يعد الآخر .

والثالث : أن للأصوليين قاعدة قضت بخلاف هذا القضاء ، وهي أن المعنى المناسب إذا كان جليا سابقا للفهم عند ذكر النص ، صح تحكيم ذلك المعنى في النص بالتخصيص له ، والزيادة عليه ، ومثلوا ذلك بقوله عليه السلام : لا يقضي القاضي وهو غضبان فمنعوا - لأجل معنى التشويش - القضاء مع جميع المشوشات ، وأجازوا مع ما لا يشوش من الغضب ; فأنت تراهم تصرفوا بمقتضى العقل في النقل من غير توقف ، وذلك خلاف ما أصلت ، وبالجملة ; فإنكار تصرفات العقول بأمثال هذا إنكار للمعلوم في أصول الفقه .

فالجواب : أن ما ذكرت لا إشكال فيه على ما تقرر .

[ ص: 133 ] أما الأول فليس القياس من تصرفات العقول محضا ، وإنما تصرفت فيه من تحت نظر الأدلة ، وعلى حسب ما أعطته من إطلاق أو تقييد ، وهذا مبين في موضعه من كتاب القياس ; فإنا إذا دلنا الشرع على أن إلحاق المسكوت عنه بالمنصوص عليه معتبر ، وأنه من الأمور التي قصدها الشارع وأمر بها ، ونبه النبي - صلى الله عليه وسلم - على العمل بها - فأين استقلال العقل بذلك ؟ بل هو مهتد فيه بالأدلة الشرعية ، يجري بمقدار ما أجرته ، ويقف حيث وقفته .

وأما الثاني ; فسيأتي في باب العموم والخصوص إن شاء الله أن الأدلة المنفصلة لا تخصص ، وإن سلم أنها تخصص ; فليس معنى تخصيصها أنها تتصرف في اللفظ المقصود به ظاهره ، بل هي مبينة أن الظاهر غير مقصود في الخطاب بأدلة شرعية دلت على ذلك ، فالعقل مثلها فقوله : والله على كل شيء قدير [ البقرة : 284 ] خصصه العقل بمعنى أنه لم يرد في العموم دخول ذات البارئ وصفاته ، لأن ذلك محال ، بل المراد جميع ما عدا ذلك ; فلم [ ص: 134 ] يخرج العقل عن مقتضى النقل بوجه ، وإذا كان كذلك ; لم يصح قياس المجاورة عليه .

وأما الثالث : فإن إلحاق كل مشوش بالغضب من باب القياس ، وإلحاق المسكوت عنه بالمنطوق به بالقياس سائغ ، وإذا نظرنا إلى التخصيص بالغضب اليسير ، فليس من تحكيم العقل ، بل من فهم معنى التشويش ، ومعلوم أن الغضب اليسير غير مشوش ؛ فجاز القضاء مع وجوده بناء على أنه غير مقصود في الخطاب .

هكذا يقول الأصوليون في تقرير هذا المعنى . وأن مطلق الغضب يتناوله اللفظ ، لكن خصصه المعنى .

والأمر أسهل من غير احتياج إلى تخصيص ; فإن لفظ غضبان ، وزنه فعلان ، وفعلان في أسماء الفاعلين يقتضي الامتلاء مما اشتق منه ، فغضبان إنما يستعمل في الممتلئ غضبا ، كريان في الممتلئ ريا ، وعطشان في الممتلئ عطشا ، وأشباه ذلك ; لا أنه يستعمل في مطلق ما اشتق منه ، فكأن الشارع إنما نهى عن قضاء الممتلئ غضبا ; حتى كأنه قال : لا يقضي القاضي وهو شديد الغضب ، أو ممتلئ من الغضب ، وهذا هو المشوش ، فخرج المعنى عن كونه مخصصا ، وصار خروج يسير الغضب عن النهي بمقتضى اللفظ لا بحكم [ ص: 135 ] المعنى ، وقيس على مشوش الغضب كل مشوش ؛ فلا تجاوز للعقل إذا .

وعلى كل تقدير ; فالعقل لا يحكم على النقل في أمثال هذه الأشياء ، وبذلك ظهرت صحة ما تقدم .
[ ص: 136 ] [ ص: 137 ] لما ثبت أن العلم المعتبر شرعا هو ما ينبني عليه عمل ; صار ذلك منحصرا فيما دلت عليه الأدلة الشرعية ، فما اقتضته فهو العلم الذي طلب من المكلف أن يعلمه في الجملة ، وهذا ظاهر ; غير أن الشأن إنما هو في حصر الأدلة الشرعية ، فإذا انحصرت ; انحصرت مدارك العلم الشرعي ، وهذا مذكور في كتاب الأدلة الشرعية حسبما يأتي إن شاء الله .
[ ص: 138 ] [ ص: 139 ] من أنفع طرق العلم الموصلة إلى غاية التحقق به أخذه عن أهله المتحققين به على الكمال والتمام .

وذلك أن الله خلق الإنسان لا يعلم شيئا ، ثم علمه ، وبصره ، وهداه طرق مصلحته في الحياة الدنيا ; غير أن ما علمه من ذلك على ضربين :

ضرب منها ضروري ، داخل عليه من غير علم من أين ولا كيف ، بل هو مغروز فيه من أصل الخلقة ، كالتقامه الثدي ، ومصه له عند خروجه من البطن إلى الدنيا - هذا من المحسوسات - وكعلمه بوجوده ، وأن النقيضين لا يجتمعان من جملة المعقولات .

وضرب منها بوساطة التعليم ، شعر بذلك أو لا ، كوجوه التصرفات الضرورية ، نحو محاكاة الأصوات ، والنطق بالكلمات ، ومعرفة أسماء الأشياء - في المحسوسات ، وكالعلوم النظرية التي للعقل في تحصيلها مجال ونظر - في المعقولات .

[ ص: 140 ] وكلامنا من ذلك فيما يفتقر إلى نظر وتبصر ; فلا بد من معلم فيها ، وإن كان الناس قد اختلفوا هل يمكن حصول العلم دون معلم أم لا ، فالإمكان مسلم ، ولكن الواقع في مجاري العادات أن لابد من المعلم ، وهو متفق عليه في الجملة ، وإن اختلفوا في بعض التفاصيل كاختلاف جمهور الأمة والإمامية - وهم الذين يشترطون المعصوم - والحق مع السواد الأعظم الذي لا يشترط العصمة من جهة أنها مختصة بالأنبياء عليهم السلام ، ومع ذلك فهم مقرون بافتقار الجاهل إلى المعلم ، علما كان المعلم أو عملا ، واتفاق الناس على ذلك في الوقوع وجريان العادة به - كاف في أنه لا بد منه ، وقد قالوا إن العلم كان في صدور الرجال ، ثم انتقل إلى الكتب ، وصارت مفاتحه بأيدي الرجال ، وهذا الكلام يقضي بأن لا بد في تحصيله من الرجال ; إذ ليس وراء هاتين المرتبتين مرمى عندهم ، وأصل هذا في الصحيح : إن الله لا يقبض العلم انتزاعا ينتزعه من الناس ، ولكن يقبضه بقبض العلماء الحديث ، فإذا كان كذلك ; فالرجال هم مفاتحه بلا شك .

فإذا تقرر هذا ; فلا يؤخذ إلا ممن تحقق به ، وهذا أيضا واضح في نفسه ، وهو أيضا متفق عليه بين العقلاء ; إذ من شروطهم في العالم بأي علم اتفق ؛ أن يكون عارفا بأصوله وما ينبني عليه ذلك العلم ، قادرا على التعبير عن مقصوده فيه ، عارفا بما يلزم عنه ، قائما على دفع الشبه الواردة عليه فيه ، فإذا نظرنا إلى ما اشترطوه ، وعرضنا أئمة السلف الصالح في العلوم الشرعية ; وجدناهم قد اتصفوا بها على الكمال .

غير أنه لا يشترط السلامة عن الخطأ ألبتة ، لأن فروع كل علم إذا انتشرت ، [ ص: 141 ] وانبنى بعضها على بعض - اشتبهت ، وربما تصور تفريعها على أصول مختلفة في العلم الواحد ، فأشكلت أو خفي فيها الرجوع إلى بعض الأصول ، فأهملها العالم من حيث خفيت عليه ، وهي في نفس الأمر على غير ذلك ، أو تعارضت وجوه الشبه فتشابه الأمر ، فيذهب على العالم الأرجح من وجوه الترجيح ، وأشباه ذلك ; فلا يقدح في كونه عالما ، ولا يضر في كونه إماما مقتدى به ; فإن قصر عن استيفاء الشروط نقص عن رتبة الكمال بمقدار ذلك النقصان ; فلا يستحق الرتبة الكمالية ما لم يكمل ما نقص .
فصل

وللعالم المتحقق بالعلم أمارات وعلامات تتفق مع ما تقدم ، وإن خالفتها في النظر ، وهي ثلاث : إحداها : العمل بما علم حتى يكون قوله مطابقا لفعله ; فإن كان مخالفا له ; فليس بأهل لأن يؤخذ عنه ، ولا أن يقتدى به في علم ، وهذا المعنى مبين على الكمال في كتاب الاجتهاد ، والحمد لله .

[ ص: 142 ] والثانية : أن يكون ممن رباه الشيوخ في ذلك العلم لأخذه عنهم ، وملازمته لهم ، فهو الجدير بأن يتصف بما اتصفوا به من ذلك ، وهكذا كان شأن السلف الصالح .

فأول ذلك ملازمة الصحابة - رضي الله عنهم - لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأخذهم بأقواله وأفعاله ، واعتمادهم على ما يرد منه كائنا ما كان ، وعلى أي وجه صدر ، فهم فهموا مغزى ما أراد به أولا حتى علموا ، وتيقنوا أنه الحق الذي لا يعارض ، والحكمة التي لا ينكسر قانونها ، ولا يحوم النقص حول حمى كمالها ، وإنما ذلك بكثرة الملازمة ، وشدة المثابرة .

وتأمل قصة عمر بن الخطاب في صلح الحديبية ; حيث قال : يا رسول الله ألسنا على حق ، وهم على باطل ؟ قال : بلى .

قال : أليس قتلانا في الجنة وقتلاهم في النار ؟

قال : بلى .

قال : ففيم نعطي الدنية في ديننا ونرجع ولما يحكم الله بيننا وبينهم ؟

قال : يا ابن الخطاب ، إني رسول الله ، ولن يضيعني الله أبدا
.

[ ص: 143 ] فانطلق عمر ولم يصبر ، متغيظا ، فأتى أبا بكر ; فقال له مثل ذلك .

فقال أبو بكر : إنه رسول الله ، ولن يضيعه الله أبدا .

قال : فنزل القرآن على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالفتح فأرسل إلى عمر فأقرأه إياه ; فقال : يا رسول الله أوفتح هو ؟ قال نعم . فطابت نفسه ، ورجع .

فهذا من فوائد الملازمة ، والانقياد للعلماء ، والصبر عليهم في مواطن الإشكال حتى لاح البرهان للعيان .

وفيه قال سهل بن حنيف يوم صفين : " أيها الناس اتهموا رأيكم ، والله لقد رأيتني يوم أبي جندل ، ولو أنى أستطيع أن أرد أمر رسول الله لرددته " ، وإنما قال ذلك لما عرض لهم فيه من الإشكال ، وإنما نزلت سورة [ ص: 144 ] الفتح بعد ما خالطهم الحزن والكآبة ، لشدة الإشكال عليهم ، والتباس الأمر ، ولكنهم سلموا ، وتركوا رأيهم حتى نزل القرآن ، فزال الإشكال والالتباس .

وصار مثل ذلك أصلا لمن بعدهم ; فالتزم التابعون في الصحابة سيرتهم مع النبي - صلى الله عليه وسلم - حتى فقهوا ، ونالوا ذروة الكمال في العلوم الشرعية ، وحسبك من صحة هذه القاعدة أنك لا تجد عالما اشتهر في الناس الأخذ عنه إلا وله قدوة واشتهر في قرنه بمثل ذلك ، وقلما وجدت فرقة زائغة ، ولا أحد مخالف للسنة إلا وهو مفارق لهذا الوصف ، وبهذا الوجه وقع التشنيع على ابن حزم الظاهري ، وأنه لم يلازم الأخذ عن الشيوخ ، ولا تأدب بآدابهم ، وبضد ذلك كان العلماء الراسخون ، كالأئمة الأربعة وأشباههم .

والثالثة : الاقتداء بمن أخذ عنه ، والتأدب بأدبه ، كما علمت من اقتداء الصحابة بالنبي - صلى الله عليه وسلم - واقتداء التابعين بالصحابة ، وهكذا في كل قرن ، وبهذا [ ص: 145 ] الوصف امتاز مالك عن أضرابه ، أعني بشدة الاتصاف به ، وإلا فالجميع ممن يهتدى به في الدين ، كذلك كانوا ، ولكن مالكا اشتهر بالمبالغة في هذا المعنى ، فلما ترك هذا الوصف ; رفعت البدع رءوسها ، لأن ترك الاقتداء دليل على أمر حدث عند التارك ، أصله اتباع الهوى ، ولهذا المعنى تقرير في كتاب الاجتهاد بحول الله تعالى .

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 24.63 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 24.00 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (2.55%)]