عرض مشاركة واحدة
  #1  
قديم 25-09-2022, 12:04 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 134,788
الدولة : Egypt
افتراضي أضواء على ملحمة بدر لأحمد الخاني

أضواء على ملحمة بدر لأحمد الخاني
د. أحمد الخاني








عرفنا أن تعريف الملحمة:



قصيدة تصف المعارك الحربية بأسلوب قصصي، موضوعي، مصور.



فلنلق الضوء على هذه الملحمة الصغيرة، لنتعرف إلى خصائص الملحمة.







الموضوع: هنا هو معركة بدر.



بدأت الملحمة بتمهيد للحدث وهو أن الخلد قد أبدع لحن الحب والحرب، فتجوهر هذا اللحن، وغدا معركة بدر.



غدا هذا اللحن بالسيوف والرماح..



بدأ التمهيد للموضوع بالقافلة وقد جاءت من الشام، وفيها رجال منهم نوفل وعمر بن العاص.. بقيادة أبي سفيان صخر بن حرب.







بدء تفجير الحدث:



بدأت القصة بتعريف القارئ على الموضوع تحت عنوان: القافلة. وسارت في طريقها غير بعيد. وفي الرباعية الرابعة؛ تطلعنا القصة على أن الندى كان في الفجر، في البكور حيث النسيم العليل، ولما ارتفعت الشمس، تغيرت الحال، فالأوان صيف، وصيف الصحراء جمر العيون وللنفوس مما دعا نوفلاً أن يقول:



هكذا العيش، دوام على حال، بل دوام الحال من المحال، كنا فجراً وفي البكور في نعيم، وفي الضحى غدت الصحراء جحيماً لا يطاق، كان النعيم يشبه حال الضيف، والضيف مرتحل.







كلام منطقي، ولكن أبا سفيان، بنفسيته المرهفة، وفي هذا الموقف الحساس، فهم شيئاً آخر، فهم أن ارتحال النعيم سوف يتلوه الجحيم... إذاً سوف يلاقي المتاعب؛ ربما يأتي فرسان محمد؛ فطريق القافلة ستمر قريباً من حماه، من يثرب، وقد قامت فيها دولة لمحمد، وصار لهذه الدولة جيش وسلطان.. كل هذه الأخيلة السوداء قد طافت بخيال أبي سفيان لما سمع مقالة تشاءم منها، فما كان منه إلا أن انفجر في وجه نوفل صائحاً بملء فمه: ماذا تعني بقولك هذا؟ هل أنت غراب شؤم تنذر بالفراق؟ لقد أخفتني بمقالك، بل روعتني. كان يجب عليك والحال هذه؛ أن تقول كلاماً مبشراً، أن تتكلم عن النجاة مثلاً لا أن تتكلم عن ارتحال النعيم، وماذا بعد ارتحال النعيم إلا الشر المقيم؟.







وطبعاً لا يفقه جو أبي سفيان النفسي، ولا يحس به، لأنه فرد عادي، وأبو سفيان زعيم، والزعيم مسؤول، يحس بما لا يحس به الإنسان البعيد عن المسؤولية، لذلك تابع كلامه وهو ما يزال على موقفه:



يا احتراقي، وشاط خف بعيري ♦♦♦ ضاق صدري كأنني جوف قبر







فكلامه في المرة الثانية أشد وقعاً على النفس من المرة الأولى، وقد تساءل: إذا دهتنا داهية فهل سأكون أسيراً؟. لكنه طمأن نفسه أنه سيكون في منجاة إذا وصل ماء بدر. وقد بدأت خيوط الشكوك تنسج بُردها في أخيلة رجال القافلة.. نوق ترود القفار، ترصد الدروب.. وقد خاف رجال القافلة من صارخ يصيح: هيا إلى اللطيمة. وقد كان.







بقية السيف هاجروا من مكة إلى المدينة المنورة فراراً بدينهم، تاركين ديارهم وأموالهم، وقد استقروا في المدينة، وقريش تمر في رحلتها الصيفية في تجارتها من مكة إلى الشام، فهل يتركونها آمنة؟ هل يتركون قريشاً تسجد للأصنام، وتخيف ما حولها من القبائل؟ وتقوي سلطتها وسلطانها لتصد عن سبيل الله؟ وماذا بعد الهجرة وقد أذن الله بالقتال؟.







نقلت المخابرات الإسلامية النبأ: قافلة لأبي سفيان، ألف بعير تحمل القمح والزبيب وزيت الشام، والسيوف وأنواع الطيب..



وينقل الخبر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فيستنفر أصحابه ويخرجون للقائها.







أبو سفيان لما سمع من نوفل ما سمع، صار كله عيناً تبصر وأذناً تسمع، صار عيناً تبصر الوهم على الأديم الأسود، وأذناً تسمع الهمس الغائب إذا تحدث عن القافلة بما يعكر صفوها.. وقد بث العيون لهذه المهمة في هذه الرحلة المصيرية.







يا للهول خرج محمد لملاقاة القافلة؟ قافلتي أنا هيا يا ضمضم يا بن عمرو الغفاري، هيا إلى مكة على جناح الطائر أنذر قريشاً.. استعجلهم على الخروج لحماية شرف قريش وسمعتها وهيبتها.. وحماية القافلة.



ويميل أبو سفيان بقافلته نحو ساحل البحر وتخرج قريش بحدِّها وحديدها..



ولأمر يريده الله تعالى؛ تنجو القافلة، ويتقابل الفريقان عند ماء بدر.



رشحت قريش بطلها الأسود المخزومي، فخرج مدلِّاً بقوته، وصار يختال بين الصفين: أنا الفارس الكرار، والبطل المغوار.. من يبارز..







برز له حمزة بن عبد المطلب أسد الله ورسوله صلى الله عليه وسلم (ولنتصور أن جيشين متقابلين في معركة مصيرية بالنسبة إلى المسلمين، إن هزمهم المشركون فلن يرضوا بكسرهم، لا يرضون إلا بإحراقهم بالسيف واستئصالهم من الوجود، وبين جيش المشركين الذين علقوا آمالهم كلها على بطلهم الأسود المخزومي.







وتقاربت خُطى المتبارزين، وكل منهما بطل، فرماه حمزة بنظرة ثاقبة في عينيه أحرق بها قلبه، وشاطت نفسه في داخله، وهزمه معنوياً قبل أن تبدأ الحرب، وقبل أن تدور رحاها على أحد البطلين... ويدوران بحذر شديد حول نفسيهما، وعيون الجيشين مسمرة فيهما، والدنيا كلها تنظر إلى حركة البطلين.







انقض حمزة على الأسود فضربه بسيفه على ساقه فقطعها، ثم زحف الأسود إلى الحوض وحمزة يمهله، حتى ورد الماء، فقتله حمزة في الحوض.







هذه المعركة، مع أنها فردية؛ واحد لواحد، لكنها وضعت نهاية المعركة في بدايتها، فاهتز قلب جيش قريش لهذا المصاب الجلل، ولم يجدوا في صفوفهم وتعدادهم الألف مقاتل مقابل ثلثهم تقريباً، لم يجدوا بديلاً عنه يخلفه في موقفه فرشحوا ثلاثة كي يؤازر بعضهم بعضاً، الثلاثة، والداً وولده وشقيق الوالد)[1].







وكان من شيم العرب أن يمهلوا الصيد الظامئ حتى يشرب ويرتوي وقد مر بنا في قصة كرم للحطيئة:



فأمهلها حتى تروت عطاشها ♦♦♦ فأرسل فيها من كنانته سهما







والأسود هنا ظمآن فلما قطع الحمزة ساقه وطارت عنه كأنها نواة التمر وقد خبطت بمرضاخ، زحف الجريح ليشرب، فسمح له الشهم بأن يروى قبل ذبحه، ولم يقل الحمزة: هذا عدو الله ورسوله، جاء ليستأصل الإسلام وأهله.. يجب أن يموت ظمآن.. لم يقل ذلك، ذلك شرف الخصومة، يعلمها الحمزة للأجيال على مدار التاريخ.








على مسرح بدر، على صعيد المعركة بين عُدوتيها فُقد من جيش المشركين واحد، فكأنما فقد قلب الجيش، فما كان من أبي جهل إلا أن طلب الخمرة ليتوازن بعد هذا المشهد، وكأنه فيلم سينمائي يُرى فيه زعيم العصابة يشرب من زجاجة الخمر مرة بعد مرة زاعماً أن يعود وعيه بالخمرة.








يتبع


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 21.31 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 20.69 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (2.95%)]