عرض مشاركة واحدة
  #16  
قديم 30-07-2022, 05:48 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 134,074
الدولة : Egypt
افتراضي رد: التنبيهات في التصحيفات والتحريفات

التنبيهات في التصحيفات والتحريفات (15/ 18)
الشيخ فكري الجزار



الفصل الثاني: جهد المُحدَثين في تحديد وبيان مواضع استعمال علامات الترقيم الحديثة في لغتنا




2- الوصل بين أجزاء الكلام
قاعدة عامة
الوصل بيْن أجزاء الكلام يكون فيما عدَا المواضع المذكورة قبلُ؛ فلا يصحُّ الوقف على جزء جملة لا يكمل به المعنى. ولذلك يجوز الوصلُ في بعضِ الأحوال التي توضَع فيها الشَّوْلة، دون ما عداها مِن العلامات التي سبَق شرحُها.

3- علامات
النَّبَرات الصوتية وتمييز الأغراض الكلامية
تُوجد علامات تتردَّد بين الأقسام السابقة، ولكنَّها تمتاز بأحوال مخصوصة مِن الكلام.

وهذه العلامات هي:
(أ) علامة الاستفهام للدَّلالة على الجمل الاستفهامية. وعلامتها ؟ في آخر الجملة، سواء كانت مبدوءةً بحرف مِن حروف الاستفهام أم لا.

مثال ذلك:
﴿ هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ؟ ﴾ [الغاشية: 1]
﴿ أَئِنَّكَ لَأَنْتَ يُوسُفُ؟ ﴾ [يوسف: 90]
الجاهل عدوُّ نفسه. فكيف لا يكون عدوَّ غيره؟
(حكمة)

أنتَ أيضًا لا تدري مزايا الآداب العربية، ووجوب التعاون على إحيائها، لاستعادةِ مجدِنا أولاً ولمسابقة الأُمم الحاضرة في ميادين الحضارة؟

صديقي هو الذي يرْميني بهذه المسبَّة؟
سمعتُ أبا علي بن البناء ببغداد قال: ذَكَرني أبو بكر الخطيب في التاريخ بالصِّدق أو بالكذب؟ فقالوا: ما ذكَرَك في التاريخ أصلاً.
(معجم الأدباء لياقوت)


حُكي لابن بشر الآمدي أنَّ ابنَ علاَّن قاضي القضاة بالأهواز ذَكَر أنه رأى قَبَجة[1] وزنها عشرة أرطال. فقال: هذا مُحال. فقيل له: تردُّ قول ابن علاَّن؟ قال: فإن قال ابن علان: إن على شاطئ جيحون نخلاً يحمل غضارًا صينيًّا[2] مجزعًا بسواد، أقْبَل؟
(معجم الأدباء لياقوت)

ملاحظة:
يُشترط أن لا يكون الاستفهام معلَّقًا، أو معمولاً لعاملٍ نحوي.
مثال ذلك:
(1) لا أدري، أسافَر الأميرُ أم بقي في قصْره.
(2) استفهمتُ منه كيف تعلم المنطق، وما هي الغايةُ التي قصدها.
(ففي أمثال هاتين الحالتين لا تُوضَع علامة الاستفهام).

(ب) علامة الانفعال ! وتُوضَع في آخرِ كل جملة تدلُّ على تأثر قائلها وتهيج شعوره ووجدانه، مثل الأحوال التي يكون فيها التعجبُ والاستغراب والاستنكار (ولو كان استفهاميًّا) والإغراء والتحذير والتأسف والدعاء ونحو ذلك.
مثاله:
﴿ إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ! ﴾ [ص: 5].

حَذَارِ حَذَارِ مِنْ بَطْشِي وَفَتْكِي!
(مقامات الحريري)

هَيْهَاتَ أَنْ يَأْتِي الزَّمَانُ بِمِثْلِهِ!
إِنَّ الزَّمَانَ بِمِثْلِهِ لَبَخِيلُ



ما أجملَ السماء!
إليك عنِّي!
عليكم بتقوى الله!
يا حسرتاه! والهفاه! يا أبتاه!

(وتوضع هذه العلامة أيضًا في آخر الجمل المبدوءة بنِعم وبئس وحبَّذا، ونحوها).

(ج) التضبيب: وعلامته [؟] « » أي ضبَّتان توضع بينهما الجمل والعبارات المنقولة بالحرْف.
مثال ذلك:
(1) قال محمَّد بن عمر المدائنيُّ في كتاب القلم والدواة: "يجب على الكاتب أن يَتعلَّم الهندية وغيرها من الخطوط العجميَّة، ويؤيد ذلك... أنَّ النبي - صلَّى الله عليه وآله وسلَّم - أمَر زيد بن ثابت أن يتعلَّم كتابة السريانية. فتعلَّمها... وكان يقرأ بها على النبي - صلَّى الله عليه وآله وسلم - كُتبَهم"[3].
(صبح الأعشى).

(2) جاء في الجزء الأوَّل من صبح الأعشى في صناعة الإنشا ما نصه:
قال صاحب نهاية الأرب: "... دخَل في الكتابة مَن لا يعرفها ألبتَّة، وزادوا عن الإحصاء... وصار الآن حدُّ الكاتب عندَ هؤلاء الجهَّال أن يكتب على المجوَّد مُدَّة، ويتقن بزعمه: أسطرًا؛ فإذا رأى من نفسِه أنَّ خطَّه قد جاد أدْنى جودة، أصلح بَزَّتة وركِب بِرْذَونه أو بغلتَه، وسعى في الدخول إلى ديوان الإنشاء والانضمام إلى أهلِه".

(د) النقطتان:
تُوضَع هذه العلامات قبل الكلام المقول، أو المنقول، أو المقسَّم، أو المُجْمل بعدَ تفصيل، أو المفصَّل بعد إجمال؛ وفي بعض المواضع المهمَّة للحال والتمييز.
مثال ذلك:
(1)
قَالَتِ الضُّفْدَعُ قَوْلاً
فَسَّرَتْهُ الحُكَمَاءُ:

" فِي فَمِي مَاءٌ وَهَلْ يَنْ
طِقُ مَنْ فِي فِيهِ مَاءُ!



(2) رُوي عن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - أنه قال: ((إذا لَمْ تَسْتَحِ فاصنعْ ما شئت))[4].

(3) تنقسم الدنيا إلى خمسةِ أقسام: إفريقية، وآسية، وأوربة، وأمريكة، والأقيانوسية.

(4) العقل، والصحَّة، والعِلم، والمال، والبنون: تلك هي النِّعم التي لا يُحصَى شكرها.

(هـ) نقط الحذف والإضمار... وتُوضَع هذه النقط الثلاث للدَّلالة على أنَّ في موضعها كلامًا محذوفًا أو مُضمرًا، لأيِّ سبب من الأسباب. كما لو استشهد الكاتبُ بعبارة وأراد أن يحذف منها بعضَ ألفاظ لا حاجةَ له بها؛ أو كان الناقِل لكلام غيره لم يعثرْ على جزء منه في وسط الجملة: ففي هاتين الحالين وأشباههما تُوضَع محل الجزء الناقص هذه النقط للدَّلالة على موضع النقص. وذلك أفضلُ كثيرًا من ترْك البياض، لأنه لا يُؤمَن إغفاله عند النقْل مرة ثانية أو عند الطبع. وفي ذلك إخلالٌ بالأمانة.

مثال ذلك:
إنما العملُ على أهل النظر والتأمُّل الذين أعطوا كلَّ شيء حقَّه من القول ووفوه قسطَه من الحق... فلمثلِ هؤلاء تُصنَّف العلوم وتدوَّن الكتب.
(التنبيه والإشراف للمسعودي)

(و) الشَّرْطة وعلامتها - وهي لفصل كلام المتخاطبين في حالةِ المحاورة، إذا حصَل الاستغناء عن الإشارة إلى أسماء المتخاطبين، ولو بطريق الدَّلالة، بمثل: قال، أجاب، رد عليه، وهكذا.

وقد توضع أيضًا في أول الجملة المعترضة وآخرِها إذا كانت تتخلَّلها شولة فأكثر، أو جملة معترضة أخرى.

مثال ذلك:
(1) طلَب بعض الملوك كاتبًا لخدمته. قال للملك: أصحَبك على ثلاثِ خلال.
ما هي؟
لا تَهتِكْ لي سِترًا، ولا تَشتُم لي عِرضًا، ولا تقبل فيَّ قول قائل.
هذه لك عندي. فما لي عندك؟
لا أُفشي لك سِرًّا. ولا أؤخر عنك نصيحة، ولا أُوثر عليك أحدًا.
نِعم الصاحب المستصحب، أنت!
(صبح الأعشى)

(2) أذاهبٌ أنت إلى المدرسة؟
نعم.
قل لأُستاذ العربية إنَّني راغب في لقائه.
على العين والرأس.
وعرِّفه أنني مرتاحٌ للطريقة الجديدة في الترقيم.
لقدْ أفادتنا، يا سيِّدي، وسهَّلت علينا القِراءة العربية بعدَ أن كنَّا نتخبط فيها على الدوام.
ولذلك سأطلُب منه أن يعمِّم نشرَها بين الناس، لتتم بها الفائِدة.

(3) دخل معنُ بن زائدة على أبي جعفر، أمير المؤمنين. فقارب في خُطاه، فقال له أبو جعفر:
كَبِرَتْ سِنُّك، يا معن!
في طاعتك، يا أمير المؤمنين.
وإنك لَجَلْدٌ؟
على أعدائِك.
وإن فيك لبقية!
هي لك
(عن كتاب الأذكياء)

(4) مِن حدِّ هذا الدَّرَج إلى السور الغربي - وهو الذي فيه البابُ الجديد المعروف الآن بباب القيسارية، وفيه باب الميضأة وسائِر الأبواب الآتي ذِكرُها، إن شاء الله، عندَ أبواب الحرَم الخليلي بمدينة حبرون - خمسة وثمانون ذراعًا وثُلث ذراع.
(عن مسالك الأبصار)

(ح) القوسان[5] () يُوضَع بينهما كلُّ كلمة تفسيريَّة أو كل عبارة يُراد لفتُ النظر إليها. وكذلك الجملة المعترضة الطويلة التي يكون لها معنًى مستقل، خصوصًا إذا كثرُت فيها الشولات.
مثال ذلك:
(1) الجُحْفة (بضم الجيم وسكون الحاء المهملة) موضِع على ثلاث مراحل مِن مكة.
(عن مسالك الأبصار)

(2) إنَّ اللغة العربية (وهي مِن أوسع اللُّغات انتشارًا وأغزرهنَّ مادَّة) قدِ اتَّسع صدرُها لجميع العلوم والمعارف في أيَّامِ العناية بها وبعلمائها.

(3) للمجلس الذي بناه سليمان (عليه السلام) مِن داخل الخانقاه الصلاحية (أعني المجاورة لمقصورة الخطابة، وبها الآن شيخٌ من الصوفية، وبه تُعرَف في أيامنا هذه) سُلَّمان ينزلان إلى أقسام المجلس المذكور.
(عن مسالك الأبصار)

(4) بين جُور وشِيراز (وهي قصبة فارس) عشرون فرسخًا.
(عن مسالك الأبصار)

تذييل:
الوقف في الكلام المسجع:
لما كان السَّجعُ من خصائص اللغة العربية، رأينا من اللازم وضْعَ علامةٍ خاصَّة به لتنبيه نظر القارئ إليه، أثناء التلاوة. وهذه العلامَة هي شَوْلة مثنَّاة (.؛) أي شولة تحتها نقطتان. وتوضَع هذه العلامة بعد السَّجعات، ولكن في الحالة التي يكون الكلام فيها مُسجَّعًا كله، دون سائرِ الأحوال الأخرى، كما هو الشأنُ في مقامات الحريري مثلاً.

مِثال ذلك:
"أسْعَد الله بوزارة سيِّدي الدنيا والدين.؛ وأجْرى إليها الغُرَّ الميامين.؛ ووصل بها التأييد والتمكين. والحمد لله على أمل بلَّغه.؛ وجذل سوَّغَه.؛ وظن حقَّقه.؛ ورجاء صَدَّقه. وله المِنَّة في ظلامٍ كان (أعزَّه الله) صبَّحه.؛ ومستبهمٍ غدا شرحه.؛ وعَطَل نحرٍ أمسى حَلْيَه.؛ وضلال دهر صار هَدْيه."
(قلائد العقيان للفتْح بن خاقان)

وأما السَّجْع المرصَّع، فعلامتُه شولة معتادة تُوضَع بعدَ كلمة الترصيع.
مثال ذلك:
عالم الأوان، ومصنِّفه.؛ ومقرِّط البيان، ومشنِّقه؛ بتآليف، كأنَّها الخرائد.؛ وتصانيف، أبْهى من القلائد."
(قلائد العقيان أيضًا)

أمَّا الترصيع في كلِّ لفظة مِن ألفاظ الجملة المسجَّعة، فيلحق بالسَّجع المعتاد.
مثال ذلك:
"يَطْبَع الأسجاع بجواهرِ لفْظه.؛ ويقْرَع الأسماع بزواجرِ وعْظِه".
(مقامات الحريري)

مزايا الترقيم
لا تقتصرُ فوائد الترقيم على بيانِ مواضع الوقْف أو السُّكوت التي يَنبغي للقارئ مراعاتُها في أثناء التلاوة، ولكنَّه يَرْمي إلى غاية أبعدَ وإلى غرض أكبر. فهو خيرُ وسيلة لإظهار الصَّراحة وبيان الوضوح في الكلام المكتوب، لأنَّه يدلُّ الناظرَ إلى تلك العلامات الاصطلاحية على العلاقات التي تربط أجزاءَ الكلام بعضها ببعض بوجهٍ عام، وأجزاء كلِّ جملة بنوعٍ خاص.

نعمْ إنَّنا لو نظرْنا إلى هذه المسألة بطريق الحصْر، لأقرَرْنا بأنَّ كل أقسام الكلام المنتظم ترتبط بعضُها ببعض، وأنَّ فكرة الكاتب لا يتأتَّى الوصول إلى إدراكها بجميعِ تفاصيلها إلا عند بلوغ نهاية ذلك الكلام. غير أنَّ هنالك أمرًا لا يَنبغي إغفالُ الإشارة إليه، وذلك أنَّ الكاتب ليس من مصلحتِه أن يُتعِب ذهنَ القارئ ولا بصرَه، لئلاَّ يدركه الملال، فتضيع الفائدةُ المقصودة، كلها أو بعضها. لذلك كان مِن الواجب عليه أن يلفتَ نظر القارئ في كثيرٍ من المواضع بعلامات تحمِلُه على الوقوف قليلاً أو السكوت طويلاً. وذلك بأن يعرِض عليه فِكرتَه العامَّة، مفصَّلة ومقسَّمة، بحيث يتأتَّى له تفهُّم أجزائها واحدًا فواحدًا، بصرْف النظرِ عن العلاقة العامَّة التي تربط هذه الأجزاء كلها، بعضها ببعض.

وعلى هذا الحُكم تكون الجُملة، باعتبار الترقيم، عبارةً عن سلسلة من الكلمات يدلُّ مجموعها على جزءٍ من أجزاء تلك الفِكرة العامَّة التي سبقتِ الإشارة إليها، بحيث إنَّ هذه السلسلة تؤدِّي - ولو بصِفة وقتية - إلى فَهم معنًى مستقل بنفسه وكامل في حدِّ ذاته. فهذا الموضِع هو الذي يجب وضْعُ النقطة (.) عَقِبَه، للفصل بين كلِّ جملة وما يَليها مِن أخواتها، حتى يصحَّ القول بأنَّ الكاتب أراد الدَّلالة بهذه الوسيلة على أنَّه قد فرغ مِن عرْض فِكرته الجزئية، وأنه يطلب مِن القارئ أن يقِف قليلاً عندَ هذا الموضع ليعلق بذِهنه ما وقَع عليه بصرُه.

وكلَّما كثُرَت النُّقط في الكلام المكتوب، كان أكثرَ صراحةً وأشد وضوحًا؛ ولكنه يكون في الحقيقة مفكَّكًا. وكلما كانت نادرةً كان الإنشاء متماسكًا؛ ولكنَّه يكون موجبًا للتراخي وداعيًا لتبرُّم القارئ والتثقيل عليه في سُهولة فَهْم ما بين يديه. فالإفراط في كلٍّ من الحالين مذموم، وخير الأمور الوسَط على ما هو معلوم. والكاتب القدير والمنشِئ النِّحرير هما اللَّذان يكون في وُسعهما اتِّباع الطريقة المُثلَى للجمْع بين المزيتين، وهما: الوضوح، وتسلسل الأفكار وأخْذ بعضها برِقاب بعض على أسلوب معقول ومقبول.

حكمٌ عامٌّ
تلك هي القواعدُ الواجبُ مراعاتُها في كلِّ حال. ولكنَّ للكاتِب مندوحةً في الإكثار أو الإقلال من وضْع هذه العلامات، بحسب ما ترمي إليه نفسه من الأغراض ولفْت الأنظار والتوكيد في بعضِ المحالِّ ونحو ذلك ممَّا يُريد التأثير به على نفوس القرَّاء. فكما يختلف الناس في أساليب الإنشاء، وكما تختلف مواضعُ الدَّلالات كما هو مقرَّر في علم المعاني، فكذلك الشأن في وضْع هذه العلامات. ولكن الترقيم إذا كان يختلف باختلافِ أساليب الإنشاء، فليس في ذلك دليلٌ على جواز الخروج عن قواعده الأساسية التي شرحْناها.

وإنما يكون ذلك بمثابة تكثيرٍ لبيان الأحوال التي تُستعمل علامته فيها.

ومِلاك الأمر كله راجعٌ لذوق الكاتب، وللوجدان الذي يريد أن يؤثِّر به على نفس القارئ ليشاركَه في شعوره وفي عواطفه.

والممارسة هي خيرُ دليل، يَهدي إلى سواء السبيل.

• • •
ثالثًا:

قرار وزارة المعارف بشأن علامات الترقيم

وهاك قرار وزارة المعارف بشأن علامات الترقيم مُصدَّرًا بتقديم للدكتور/ رمضان عبدالتواب[6]، ومنتهيًا بتعليق له.

سبَق أن ذَكَرْنا، أنَّ علامات الترقيم التي نعرِفها اليوم لم تكُن معروفةً عندَ القدماء، باستثناء النُّقطة التي كانوا يرسُمونها على شكلِ دائرة صغيرة للفصل بين الكلاميْن.

وقد تأثَّر الكتَّاب والمؤلِّفون، مع بداية انتشار المطبوعات العربيَّة في العصر الحديث، بما في كتابات اللُّغات الأجنبية من علاماتٍ مختلفة للترقيم، غير أنَّهم لم يكونوا في استعمالهم لهذه العلامات في الكتابة العربيَّة، متَّبعين لقواعدَ دقيقة، كتلك التي تُتبع في كتابات اللُّغات الأجنبية.

ومِن أجلِ هذا صدَر قرار بتاريخ (26/7/1930م) مِن وزارة المعارف المصريَّة آنذاك، بتنظيمِ هذا الأمر، وطُبِع هذا القَرار في كرَّاسة بعنوان: "حروف التاج وعلامات الترقيم ومواضع استعمالها" في المطبعة الأميرية بالقاهرة سنة (1931م)[7].

وتقول هذه الكرَّاسة في الصفحة الثالثة منها: "وممَّا لا جدالَ فيه أنَّ طريقةَ الكتابة العربية في مجموعها مضطرِبة. وقد أراد كثيرٌ من كتَّابنا معالجة هذا النقْص بمحاكاة اللُّغات الأجنبية؛ فاستعاروا منها علاماتِ الترقيم، وأسْرفوا في استعمالها إسرافًا يُعمِّي على القارئ مقصده، أو قل: إنهم ينثرون علامات الترقيم في ثنايا الكتابة لتكون حلية وزخرفًا، بدلاً من أن تكون وسيلةً لإيضاح المعنَى، وتذليل مصاعب القراءة؛ إذن فما أحوج الكتابة العربية إلى نظام واحد يلم شملها، ويرفع ذكرها!".

ونظر[8] لنُدرة وجودِ هذه الكراسة في الوقت الحاضِر، ولجهل عددٍ غير قليل من الباحثين والمحقِّقين بالقواعد التي اتُّفق عليها آنذاك لاستعمالِ علامات الترقيم، بعدَ دراسة وتمحيص، ننقُل هنا نص القرار في هذا الشأن[9].

الترقيم
الترقيم وضْع علامات بين أجزاء الكلام المكتوب؛ لتمييز بعضه من بعض أو لتنويع الصوتِ به عندَ قراءته، وأشهر علاماته العلامات الآتية:

اسم العلامة
صورتها
1- الفصلة
2- الفصلة المنقوطة
3- النقطة أو الوقفة
4- النقطتان
5- علامة الاستفهام
6- علامة التأثر
7- القوسان
8- علامة التنصيص
9- الشرطة أو الوصلة
10- علامة الحذف
،
؛
.
:
؟[10]
!
()
" "
-
...

مواضع استعمال هذه العلامات
أولاً- الفصلة:
والغرَض مِن وضْعها أن يسكتَ القارئ عندها سكتةً خفيفة جدًّا، لتمييزِ بعض أجزاء الكلام عن بعض.

وتُوضَع في المواضع الآتية:
أ- بين الجمل التي يتركَّب مِن مجموعها كلام تامُّ الفائدة؛ مثل: إنَّ محمدًا تلميذٌ مهذَّب، لا يؤذي أحدًا، ولا يكذب في كلامِه، ولا يُقصِّر في دروسه.

ب- بيْن الكلمات المفرَدة المتصلة بكلماتٍ أخرى تجعلها شبيهةً بالجملة في طولها؛ مثل: ما خاب تاجرٌ صادق، ولا تلميذٌ عامل بنصائحِ والديه ومعلميه، ولا صانع مجيد لصناعته، غير مُخلِف لمواعيده.

ج- بيْن أنواع الشيء وأقسامه؛ مثل: إنَّ التبكير في النوم وفي الاستيقاظ منه، يكسب الإنسان ثلاثَ فوائد: صحة البدن، وصفاء العقل، وسَعَة الرزق.

د- بعدَ لفظة المنادَى؛ مثل: يا علي، أحضرِ الكتاب.

ثانيًا- الفصلة المنقوطة:
والغرَض منها أن يقِف القارئ عندَها وقفة متوسِّطة، أطول بقليل من سكْتة الفصل، وأكثر استعمالها في موضعين:
أ- بيْن الجمل الطويلة التي يتركَّب من مجموعها كلامٌ مفيد، وذلك لإمكان التنفس بين الجمل عندَ قراءتها، ومنع خلط بعضها ببعض بسببِ تباعدها، مثل: إنَّ الناس لا ينظرون إلى الزمن الذي عُمِل فيه العمل؛ وإنما ينظرون إلى مقدار جودته وإتقانه.

ب- بين جملتين تكون الثانية منهما سببًا في الأولى، مثل: طردتِ المدرسة خليلاً؛ لأنَّه غشَّ في الامتحان. أو تكون مسبَّبة عن الأولى، مثل: محمد مجدٌّ في كلِّ دروسه؛ فلا غرابةَ أن يكون أوَّلَ فصله.

ثالثًا- النقطة أو الوقفة:
وتوضَع في نهاية الجملة التامَّة المعنى، المستوفية كلَّ مكملاتها اللفظية، مثل: خير الكلام ما قلَّ ودلَّ، ولم يطلْ فيُملّ.

رابعًا- النقطتان:
وتستعملان لتوضيحِ ما بعدهما وتمييزه ممَّا قبله، وأكثر استعمالها في ثلاثةِ مواضع:
أ- بين القول والكلام المقول أي المتكلَّم به، أو ما يُشبههما في المعنى، مثل: قال حكيم: العِلم زَيْن، والجهل شَيْن. ومثل: مِن نصائح أبي لي كل يوم: لا تؤخِّرْ عمل يومِك إلى غدِك.

ب- بيْن الشيء وأقسامه أو أنواعه، مثل: أصابع اليد خمس: الإبهام، والسبَّابة، والوُسطى، والبنصر، والخنصر.

ج- قبل الأمثلة التي تُوضِّح قاعدة، وقبل الكلام الذي يوضِّح ما قبله، مثل: بعض الحيوان يأكل اللحْم: كالأسد، والنمر، والذئب. وبعضه يأكل النبات: كالفيل، والبقر، والغنم. ومثل: أجزاء الكلام العربي ثلاثة: اسم، وفعل، وحرف.

خامسًا- علامة الاستفهام:
وتُوضَع في نهاية الجملة المستفَهم بها عن شيء، مثل: أهذا خطُّك؟ متى حضرت؟ ما عندك مِن الأخبار؟ كيف ترسُم هذا الشكل؟ لِمَ تكرهُ الألعاب الرياضية؟ مَن هذا القادم؟ أي ساعتك؟ أي الفريقين بارِعٌ في اللعب؟

سادسًا- علامة التأثر:
وتُوضَع في آخر الجُملة التي يُعبَّر بها عن فرَح أو حزن أو تعجُّب أو استغاثة أو دعاء، نحو: يا بُشراي! نجحت في الامتحان! واأسفاه! ما أجملَ هذا البستانَ! النارَ النارَ! ويل للظالِم! مات فلان! رحمة الله عليه!

سابعًا- القوسان:
ويُوضعانِ في وسط الكلام مكتوبًا بينهما الألفاظ التي ليستْ مِن أركان هذا الكلام، كالجُمل المعترضة، وألفاظ الاحتراس والتفسير، مثل: القاهرة (حرَسها الله) أكبر مدينة في إفريقية. ومثل: حُلْوان (بضم فسكون) مدينة جنوبي القاهرة، طيِّبة الهواء، بها حمامات كبريتية.

ثامنًا- علامة التنصيص:
ويُوضَع بين قوسيها المزدوجتَين كل كلام يُنقَل بنصه وحرفه، مثل: حُكي عن الأحنف بن قيس أنَّه قال: «ما عاداني أحدٌ قط إلا أخذتُ في أمره بإحدى ثلاث خِصال: إن كان أعلى مني عرفتُ له قدْرَه، وإن كان دوني رفعتُ قدري عنه، وإنْ كان نظيري تفضلتُ عليه».

تاسعًا- الشرطة أو الوصلة:
وتُوضَع في الأماكن التالية:
أ- بين رُكنَي الجملة إذا طال الرُّكن الأول، لأجلِ تسهيل فَهْمها، مثل: إنَّ التاجر الصغير الذي يُراعي الصِّدق والأمانة مع جميع مَن يعامله من كل الطبقات - يصير بعدَ سنوات قليلة من أكبرِ التجَّار.

ب- بين العدد والمعدود إذا وقَع عنوانًا في أول السطر، مثل: التبكير في النوم واليقظة يكسب:
أولاً- صحة البدن.
ثانيًا- وفور المال.
ثالثًا- سلامة العقل.

عاشرًا- علامة الحذف:
وتُوضَع مكان المحذوف من الكلام للاقتصار على المهمِّ منه، أو لاستقباح ذِكْر بعضه، مثل: جبل المقطم أشهر جبال مصر... بنَى عليه صلاحُ الدين الأيوبي قلعتَه المشهورة.

ملحوظة: لا يُوضَع من هذه العلامات في أول السطر إلا القوسان وعلامة التنصيص.

ومع أنَّ "برجشتراسر" يرَى أنَّ استعمال علاماتِ الترقيم في الكتابة العربية لا فائدةَ له إلا في الأحوال النادِرة، فإنَّه استخدم هذه العلامات استخدامًا كاملاً في كلِّ ما نشره من النصوص العربية[11].

يقول برجشتراسر: "ويتبع مسألةَ الإملاء مسألةُ الترقيم، أي استعمال العلامات للفصل بين الجُمل وبعضها. وما يوجد في الكُتب الخطيَّة من ذلك قليل، للتفريق بين الفصول الطويلة والمتن والشَّرْح. فلا شكَّ أنَّنا عند طبع الكتاب، نحافظ على كلِّ هذا ونكمل الناقص في المواضع الموازية. وأمَّا غير هذا فيختلف فيه العلماء. وأكثرُهم حتى في الشرق يَذهب إلى إدخال النقط وغيرها في الكُتب القديمة. ولا أرى في ذلك فائدة إلا في الأحوال النادِرة، ذلك أنَّ الناس تعوَّدوا على قِراءة الكتب الشرقية بدون ترقيم، ولا يجدون مشقَّة إلا في بعض المواضِع الصَّعْبة. وفي زيادة الترقيم خطَرُ الخطأ؛ إذ رأيتُ في بعض الكتب العربية التي نُشرت أخيرًا، بعضَ الجمل قُطِّعت قسمين بنقطة دالَّة على نهاية الجملة؛ لأنَّ الناشر لم يَفْهَم تركيب الجملة، فظنَّها تامَّة قبل تمامها"[12].

ومن علامات الترقيم التي لم تُذكَر في قرار وزارة المعارف السابق:
الأقواس المزهَّرة أو التي تُسمَّى بالأقواس العزيزية، وهي التي تُستعمل عادةً لحصر نصوص القرآن الكريم على هذا النحو: ﴿ ﴾. وكذلك الأقواس المعكوفة أو المعكَّفة، وهي التي تحصر الزيادات اللازمة لإقامةِ النص وليستْ في مخطوطاته، على هذا النحو: [ ].

وإنَّ الخطأ في استخدام علاماتِ الترقيم، قد يُؤدِّي إلى خطأ في المعنى، كالنص الذي أشرنا إليه مِن قبل في "قواعِد الشِّعر" لثعلب، بتحقيق الشيخ محمد عبدالمنعم خفاجي: "وقال المعَذَّل مِن أبياتٍ:.... [أبلغُ] الشِّعر ما اعتدَلَ شطراه". والصواب فيه: "وقال: المعَدَّل مِن أبيات الشِّعر ما اعتدَلَ شطراه".

ومثاله ما وقَع في تحقيق "نور القبس المختصر من المقتبس" من قوله (7/15): "فألقى إلي صحيفةً فيها الكلام كله: اسم وفعل وحرف". والصواب: "فألقى إليَّ صحيفة فيها: الكلام كلُّه اسم وفِعْل وحرف". وفيه أيضًا (330/15): "فناداني ابن أبي خميصة القيِّم: عليهم إياك إياك"، والصواب: "فناداني ابن أبي خميصة القيِّم عليهم: إيَّاكَ إيَّاكَ".

[1] أي حَجَلة وهي طائر اسمه عند الفرنسيين Perdrix.

[2] أي يثمر آنية صينيَّة.

[3] رواه الترمذي: الجزء 7 تحفة ص: 497 وهو صحيح. (فكري)

[4] الحديث في صحيح البخاري (6120) كتاب الأدب، وانظر المقدمة. (فكري)

[5] أشرْنا في المقدمة إلى ثلاثِ علامات لم يذكرها المؤلِّف، وهي: الأقواس المزهَّرة، والأقواس المعكوفة أو المعكَّفة، والخطَّان العموديان. فلتراجع. (فكري)

[6] انظر: "مناهج تحقيق التراث" (204-212). فكري. تنبيه: وكل ما كان زيادةً مني كتبتُ بعده: "فكري".

[7] ومِن عجب أنَّ الدكتور/ عبدالمجيد دياب مع ذكره لكتاب "الترقيم وعلاماته" لم يتعرَّض لهذا القرار، مع العلم بأنه يكاد يكون نقَلَه كاملاً في كتابه إلا أنَّه قدَّم وأخَّر، وغيَّر الأمثلة انظر: "تحقيق التراث العربي - منهجه وتطوره" (264-279). فكري.

[8] تحريف، والصَّواب: "ونظرًا". فكري.

[9] "حروف التاج" (ص11-16) وقد أفاد منها كذلك مؤلف كتاب: "الإملاء والترقيم" (ص97-105).

[10] كانت علامة الاستفهام بالقرار الوارد بالكراسة هي: (؟) وهو نقل حرْفي لعلامة الاستفهام في كتابات اللغات الأوربية. وما هنا هو الشائِع الآن في المطابع والكتابات العربية.

[11] مثل: "غاية النهاية في طبقات القراء"، لابن الجزري.

[12] "أصول نقد النصوص" (104).

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 40.59 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 39.96 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (1.55%)]