عرض مشاركة واحدة
  #26  
قديم 21-07-2021, 03:22 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 134,084
الدولة : Egypt
افتراضي رد: الموافقات - أبو إسحاق الشاطبي -----متجدد إن شاء الله


الموافقات
أبو إسحاق إبراهيم بن موسى بن محمد اللخمي الشاطبي
الجزء الاول
الحلقة (26)
صـ369 إلى صـ 380


فصل

- ومنها : أن المسببات قد تكون خاصة ، وقد تكون عامة ، ومعنى كونها خاصة : أن تكون بحسب وقع السبب ، كالبيع المتسبب به إلى إباحة الانتفاع بالمبيع ، والنكاح الذي يحصل به حلية الاستمتاع ، والذكاة التي بها يحصل حل الأكل ، وما أشبه ذلك ، وكذلك جانب النهي ، كالسكر الناشئ عن شرب الخمر ، وإزهاق الروح المسبب عن حز الرقبة .

وأما العامة ; فكالطاعة التي هي سبب في الفوز بالنعيم ، والمعاصي التي هي سبب في دخول الجحيم ، وكذلك أنواع المعاصي التي يتسبب عنها فساد في الأرض ، كنقص المكيال والميزان المسبب عنه قطع الرزق ، والحكم بغير الحق الناشئ عنه الدم ، وختر العهد الذي يكون عنه تسليط العدو ، والغلول الذي يكون عنه قذف الرعب ، وما أشبه ذلك ، ولا شك أن أضداد [ ص: 369 ] [ ص: 370 ] [ ص: 371 ] هذه الأمور يتسبب عنها أضداد مسبباتها .

فإذا نظر العامل فيما يتسبب عن عمله من الخيرات أو الشرور ، اجتهد في اجتناب المنهيات ، وامتثال المأمورات ، رجاء في الله وخوفا منه ، ولهذا جاء الإخبار في الشريعة بجزاء الأعمال ، وبمسببات الأسباب ، والله أعلم بمصالح عباده ، والفوائد التي تنبني على هذه الأصول كثيرة .
فصل

فإن قيل : تقرر في المسألة التي قبل هذه أن النظر في المسببات يستجلب مفاسد ، والجاري على مقتضى هذا أن لا يلتفت إلى المسبب في التسبب ، وتبين الآن أن النظر في المسببات يستجر مصالح ، والجاري على مقتضى هذا أن يلتفت إليها ; فإن كان هذا على الإطلاق كان تناقضا ، وإن لم يكن على الإطلاق ; فلا بد من تعيين موضع الالتفات الذي يجلب المصالح ، من الالتفات الذي يجر المفاسد بعلامة يوقف عندها أو ضابط يرجع إليه .

فالجواب : أن هذا المعنى مبسوط في غير هذا الموضع ، ولكن ضابطه أنه إن كان الالتفات إلى المسبب من شأنه التقوية للسبب والتكملة له والتحريض على المبالغة في إكماله ; فهو الذي يجلب المصلحة ، وإن كان [ ص: 372 ] من شأنه أن يكر على السبب بالإبطال أو بالإضعاف أو بالتهاون به ; فهو الذي يجلب المفسدة .

وهذان القسمان على ضربين :

أحدهما : ما شأنه ذلك بإطلاق ; بمعنى أنه يقوي السبب أو يضعفه بالنسبة إلى كل مكلف ، وبالنسبة إلى كل زمان ، وبالنسبة إلى كل حال يكون عليها المكلف .

والثاني : ما شأنه ذلك لا بإطلاق ، بل بالنسبة إلى بعض المكلفين دون بعض أو بالنسبة إلى بعض الأزمنة دون بعض أو بالنسبة إلى بعض أحوال المكلف دون بعض .

وأيضا ; فإنه ينقسم من جهة أخرى قسمين :

أحدهما : ما يكون في التقوية أو التضعيف مقطوعا به .

والثاني : مظنونا أو مشكوكا فيه ; فيكون موضع نظر وتأمل ; فيحكم بمقتضى الظن ، ويوقف عند تعارض الظنون ، وهذه جملة مجملة غير مفسرة ، ولكن إذا روجع ما تقدم وما يأتي ; ظهر مغزاه ، وتبين معناه بحول الله .

ويخرج عن هذا التقسيم نظر المجتهدين ; فإن على المجتهد أن ينظر في الأسباب ومسبباتها لما ينبني على ذلك من الأحكام الشرعية ، وما تقدم من التقسيم راجع إلى أصحاب الأعمال من المكلفين ، وبالله التوفيق .
فصل

[ ص: 373 ] وقد يتعارض الأصلان معا على المجتهدين ; فيميل كل واحد إلى ما غلب على ظنه : فقد قالوا في السكران إذا طلق أو أعتق أو فعل ما يجب عليه الحد فيه أو القصاص : عومل معاملة من فعلها عاقلا اعتبارا بالأصل الثاني ، وقالت طائفة : بأنه كالمجنون اعتبارا بالأصل الأول على تفصيل لهم في ذلك مذكور في الفقه ، واختلفوا أيضا في ترخص العاصي بسفره بناء على الأصلين أيضا ، واختلفوا في قضاء صوم التطوع ، وفي قطع التتابع بالسفر [ ص: 374 ] الاختياري إذا عرض له فيه عذر أفطر من أجله ، وكذلك اختلفوا في أكل الميتة إذا اضطر بسبب السفر الذي عصى بسببه ، وعليهما يجري الخلاف أيضا في المسألة المذكورة قبل هذا بين أبي هاشم وغيره ، فيمن توسط أرضا مغصوبة .
المسألة الحادية عشرة

الأسباب الممنوعة أسباب للمفاسد لا للمصالح ، كما أن الأسباب المشروعة أسباب للمصالح لا للمفاسد ، مثال ذلك : الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ; فإنه أمر مشروع لأنه سبب لإقامة الدين ، وإظهار شعائر الإسلام ، وإخماد الباطل على أي وجه كان ، وليس بسبب ـ في الوضع الشرعي ـ لإتلاف مال أو نفس ، ولا نيل من عرض ، وإن أدى إلى ذلك في الطريق ، وكذلك الجهاد موضوع لإعلاء كلمة الله ، وإن أدى إلى مفسدة في المال أو النفس ، ودفع المحارب مشروع لرفع القتل والقتال وإن أدى إلى القتل والقتال ، والطلب بالزكاة مشروع لإقامة ذلك الركن من أركان الإسلام ، وإن أدى إلى القتال ، كما فعله أبو بكر ـ رضي الله عنه ـ ، وأجمع عليه الصحابة ـ رضي الله عنهم ـ ، وإقامة الحدود ، والقصاص مشروع لمصلحة الزجر عن الفساد ، وإن أدى إلى إتلاف النفوس وإهراق الدماء ، وهو في نفسه مفسدة ، وإقرار حكم الحاكم مشروع لمصلحة فصل الخصومات ، وإن أدى إلى [ ص: 375 ] الحكم بما ليس بمشروع هذا في الأسباب المشروعة .

وأما في الأسباب الممنوعة ; فالأنكحة الفاسدة ممنوعة ، وإن أدت إلى إلحاق الولد ، وثبوت الميراث وغير ذلك من الأحكام وهي مصالح ، والغصب ممنوع للمفسدة اللاحقة للمغصوب منه ، وإن أدى إلى مصلحة الملك عند تغير المغصوب في يد الغاصب أو غيره من وجوه الفوت .

فالذي يجب أن يعلم أن هذه المفاسد الناشئة عن الأسباب المشروعة ، [ والمصالح الناشئة عن الأسباب الممنوعة ] ليست بناشئة عنها في الحقيقة ، وإنما هي ناشئة عن أسباب أخر مناسبة لها .

والدليل على ذلك ظاهر ; فإنها إذا كانت مشروعة ; فإما أن تشرع للمصالح أو للمفاسد أو لهما معا أو لغير شيء من ذلك ، فلا يصح أن تشرع للمفاسد ; لأن السمع يأبى ذلك ، فقد ثبت الدليل الشرعي على أن [ تلك ] [ ص: 376 ] الشريعة إنما جيء بالأوامر فيها جلبا للمصالح ، وإن كان ذلك غير واجب في العقول فقد ثبت في السمع ، وكذلك لا يصح أن تشرع لهما معا بعين ذلك الدليل ، ولا لغير شيء لما ثبت من السمع أيضا ; فظهر أنها شرعت للمصالح .

وهذا المعنى يستمر فيما منع ، إما أن يمنع لأن فعله مؤد إلى مفسدة أو إلى مصلحة أو إليهما أو لغير شيء ، والدليل جار إلى آخره ; فإذا لا سبب مشروع إلا وفيه مصلحة لأجلها شرع ; فإن رأيته وقد انبنى عليه مفسدة ; فاعلم أنها ليست بناشئة عن السبب المشروع .

وأيضا ; فلا سبب ممنوع إلا وفيه مفسدة لأجلها منع ; فإن رأيته وقد انبنى عليه مصلحة فيما يظهر ، فاعلم أنها ليست بناشئة عن السبب الممنوع ، وإنما ينشأ عن كل واحد منها ما وضع له في الشرع إن كان مشروعا ، وما منع لأجله إن كان ممنوعا ، وبيان ذلك أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر مثلا ، لم يقصد به الشارع إتلاف نفس ولا مال ، وإنما هو أمر يتبع السبب المشروع لرفع الحق ، وإخماد الباطل ، كالجهاد ليس مقصوده إتلاف النفوس ، بل إعلاء الكلمة ، لكن يتبعه في الطريق الإتلاف من جهة نصب الإنسان نفسه في محل يقتضي تنازع الفريقين ، وشهر السلاح ، وتناول القتال ، والحدود وأشباهها يتبع المصلحة فيها الإتلاف ، من جهة أنه لا يمكن إقامة المصلحة إلا بذلك ، وحكم الحاكم سبب لدفع التشاجر وفصل الخصومات بحسب الظاهر ، حتى تكون المصلحة ظاهرة ، وكون الحاكم مخطئا راجع إلى أسباب أخر ، من تقصير في النظر أو كون [ ص: 377 ] الظاهر على خلاف الباطن ، ولم يكن له على ذلك دليل ، وليس بمقصود في أمر الحاكم ، ولا ينقض الحكم إذا كان له مساغ ما بسبب أمر آخر ، وهو أن الفسخ يؤدي إلى ضد ما نصب له الحاكم من الفصل بين الخصوم ، ورفع التشاجر ; فإن الفسخ ضد الفصل .

وأما قسم الممنوع ; فإن ثبوت تلك الأحكام إنما نشأ من الحكم بالتصحيح لذلك النكاح بعد الوقوع ، لا من جهة كونه فاسدا حسبما هو مبين في موضعه ، والبيوع الفاسدة من هذا النوع ، لأن لليد القابضة هنا حكم الضمان شرعا ، فصار القابض كالمالك للسلعة بسبب الضمان لا بسبب العقد ، فإذا فاتت عينها تعين المثل أو القيمة ، وإن بقيت على غير تغير ، ولا وجه من وجوه الفوت ، فالواجب ما يقتضيه النهي من الفساد فإذا حصل فيها تغير أو نحوه مما ليس بمفيت للعين ; تواردت أنظار المجتهدين هل يكون ذلك في حكم الفوت جملة بسبب التغير أم لا ؟ فبقي حكم المطالبة بالفسخ ، إلا أن في المطالبة بالفسخ حملا على صاحب السلعة إذا ردت عليه متغيرة مثلا ، كما [ ص: 378 ] أن فيها حملا على المشتري ، حيث أعطى ثمنا ، ولم يحصل له ما تعنى فيه من وجوه التصرفات التي حصلت في المبيع ، فكان العدل النظر فيما بين هذين ، فاعتبر في الفوت حوالة الأسواق ، والتغير الذي لم يفت العين ، وانتقال الملك ، وما أشبه ذلك من الوجوه المذكورة في كتب الفقهاء ، وحاصلها أن عدم الفسخ وتسليط المشتري على الانتفاع ليس سببه العقد المنهي عنه ، بل الطوارئ المترتبة بعده ، والغصب من هذا النحو أيضا ; فإن على اليد العادية حكم الضمان شرعا ، والضمان يستلزم تعين المثل أو القيمة في الذمة ، فاستوى في هذا المعنى مع المالك بوجه ما ، فصار له بذلك شبهة ملك فإذا حدث في المغصوب حادث تبقى معه العين على الجملة ; صار محل اجتهاد ، نظرا إلى حق صاحب المغصوب ، وإلى الغاصب ; إذ لا يجني عليه غصبه أن يحمل عليه في الغرم عقوبة له ، كما أن المغصوب منه لا يظلم بنقص حقه ، فكان في [ ص: 379 ] ذلك الاجتهاد بين هذين ، فالسبب في تملك الغاصب المغصوب ليس نفس الغصب ، بل التضمين أولا ، منضما إلى ما حدث بعد في المغصوب ، فعلى هذا النوع أو شبهه يجري النظر في هذه الأمور .

والمقصود أن الأسباب المشروعة لا تكون أسبابا للمفاسد ، والأسباب الممنوعة لا تكون أسبابا للمصالح ; إذ لا يصح ذلك بحال .
فصل

وعلى هذا الترتيب يفهم حكم كثير من المسائل في مذهب مالك وغيره .

ففي المذهب أن من حلف بالطلاق أن يقضي فلانا حقه إلى زمان كذا ، ثم خاف الحنث بعدم القضاء فخالع زوجته حتى انقضى الأجل ووقع الحنث وليست بزوجة ثم راجعها ، أن الحنث لا يقع عليه ، وإن كان قصده مذموما وفعله مذموما ; لأنه احتال بحيلة أبطلت حقا ، فكانت المخالعة ممنوعة ، وإن أثمرت عدم الحنث لأن عدم الحنث لم يكن بسبب المخالعة ، بل بسبب أنه حنث ، ولا زوجة له فلم يصادف الحنث محلا .

وكذلك قول اللخمي فيمن قصد بسفره الترخص بالفطر في رمضان أن له أن يفطر ، وإن كره له هذا القصد ; لأن فطره بسبب المشقة اللازمة للسفر لا بسبب نفس السفر المكروه ، وإن علل الفطر بالسفر فلاشتماله على المشقة لا لنفس السفر ، ويحقق ذلك أن الذي كره له السفر الذي هو من كسبه ، والمشقة خارجة عن كسبه ، فليست المشقة هي عين المكروه له بل سببها ، والمسبب هو السبب في الفطر .

[ ص: 380 ] فأما لو فرضنا أن السبب الممنوع لم يثمر ما ينهض سببا لمصلحة أو السبب المشروع لم يثمر ما ينهض سببا لمفسدة ، فلا يكون عن المشروع مفسدة تقصد شرعا ، ولا عن الممنوع مصلحة تقصد شرعا ، وذلك كحيل أهل العينة في جعل السلعة واسطة في بيع الدينار بالدينارين إلى أجل ، فهنا طرفان وواسطة : طرف لم يتضمن سببا ثابتا على حال كالحيلة المذكورة ، وطرف تضمن سببا قطعا أو ظنا كتغيير المغصوب في يد الغاصب ، فيملكه على التفصيل المعلوم ، وواسطة لم ينتف فيها السبب ألبتة ، ولا ثبت قطعا ، فهو محل أنظار المجتهدين .



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 24.46 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 23.84 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (2.57%)]