عرض مشاركة واحدة
  #1  
قديم 03-07-2021, 03:01 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 134,074
الدولة : Egypt
افتراضي نظريات في دراسة المنهج الأدبي

نظريات في دراسة المنهج الأدبي


أ. د. السيد عبدالحليم محمد حسين






المتأمل في مناهج الدراسة الأدبية في البلاد العربية في مختلف مراحلها، يجدها لا تخرج عن إِطار واحد مكرر، هو إِطار ربط الأدب وفنونه ومدارسه بالتقسيم التاريخي السياسي للأمة العربية من لدن الجاهلية حتى يوم الناس هذا. وهي مناهج لا تربي ذوقًا ولا تنمي إِحساسًا ولا تبعث موهبة، نماذجها ابتذلها التكرار، حتى لكأنما الأدب العربي لا يعرف غيرها، أو أنه أصيب بالعقم بعدها.

ولقد عرف الأدب الحديث في البلاد العربية تطورات كثيرة، وتغذَّى بثمار متنوعة من آداب العالم وفنونه ونظرياته النقدية، وشهدت دوائر البحث الأكاديمي والمؤتمرات والندوات ودور النشر كثيرًا جدًا من الأعمال التي تناولت الأدب قديمه وحديثه، تأريخه ونقده، هذا على حين ظلت مناهج الدراسة الأدبية في المؤسسات التعليمية العربية على اختلاف مستوياتها في واد منعزل، كأنها في صمم عما يدور حولها من تلك التطورات وما فيها من إِضافات وتجديد في الأحكام والمعايير النقدية.

إِن نظرية مثل: النظرية المدرسية التقليدية لا تزال مهيمنة على مناهج الدراسة الأدبية والنقدية، على الرغم من قدمها وأخطائها الكثيرة واستحداث نظريات كثيرة بعدها. وقد غدت تلك النظرية اتجاهًا أوشك أن يكون ((مقدسًا)) لا يجرؤ أحد على كسره والخروج عنه. وبقيت كل الأصوات الصادقة التي نادت بالإِصلاح وقدَّمت البديل عنه، بعيدة، لم تجد استجابة، ولم تلق تنفيذًا لما تدعو إِليه.

ولقد شهدت المجامع اللغوية والمؤتمرات الأدبية والحلقات الدراسية والمجلات الجادة اللامعة منذ العقد الثاني من هذا القرن كثيرًا جدًا من المحاولات والأصوات التي عالجت موضوع الدراسة الأدبية واجتهدت للوصول به إِلى تصور ناضج أمثل. والتفت البحث العلمي العالي إِلى هذه المشكلة، فكان أول عمل علمي في هذا المجال هو أطروحة الدكتور شكري فيصل التي حصل بها على درجة ((الماجستير)) بإِشراف أمين الخولي سنة 1948 من جامعة القاهرة، وكانت بعنوان ((مناهج الدراسة الأدبية في الأدب العربي: عرض، ونقد، واقتراح)).

إِن الأدب - أدب أي أمة من الأمم - هو مرآة صادقة لحياتها. وعلى الرغم من نسبية هذه العبارة، فإِن تقديم الأدب وعرضه العرض الصادق الدقيق الحي من خلال المقررات الدراسية يقتضي منهجًا متكاملاً يهيئه ليكون تلك المرآة الصافية الصادقة ذاتها. وإذا لم نتجاوز الأسلوب التقليدي السائد الذي يهتم بالتقسيمات التاريخية المجردة وربط الأدب بعجلتها، دون العناية بالعناصر الحضارية في النص المدروس، ودون الاستضاءة بتيارات عصر النص وبيئته المكانية والثقافية العامة، إِذا لم نتجاوز ذلك فإِن تلك المرآة ستظل مضطربة غائمة، والحقيقة وراءها ضائعة مجهولة.

لقد كان من بين ما ارتفعت به تلك الأصوات في علاجها لهذه المشكلة أسئلة منها:
كيف نفرق مثلاً بين العصر الأموي والعباسي؟

وكيف تم تقسيم العصور العباسية على امتدادها وتداخلها؟

وهل تتماشى الخصائص الفنية مع الأحداث الزمنية؟

أيها التابع، وأيها المتبوع، وأيها المؤثر الفاعل وأيها المؤثَّر فيه؟

وهل يجوز أن نفهم أدبنا العربي بتاريخه الطويل ومدارسه وتياراته الفنية وبمختلف صوره وألوانه، من زاوية واحدة أو زاويتين، ونهمل سائر الزوايا؟

ثم ما بال الذين يتوَّلون تأليف المناهج الدراسية يضربون حول أنفسهم أسوارًا عالية فلا يتابعون الحياة المتطورة وما فيها من ثراء نقدي وبحث علمي وعطاء إِبداعي؟!

إِن جميع الدراسات الإِنسانية الأجنبية ومن بينها الأدب والنقد تتقدم بخطى واسعة، وتزداد علمية وغناء، على حين لم تزل دراسة الأدب لدينا، ولاسيما في مؤسساتنا التعليمية، مضطربة بين التعميم والسطحية والعجلة في البحث وعدم وضوح الرؤية.

وكان من بين مظاهر النهضة العربية الحديثة، محاولة خدمة الأدب وتقديمه إِلى الأجيال الجديدة من خلال فهم يخالف الفهم التقليدي الموروث للأدب ورسالته في الحياة. وقد وُجِدَت نتيجة المراجعة النقدية والتفتح الفكري على طرائق البحث المنهجي في دراسة الأدب الغربي.. وُجِدَت عدة نظريات في دراسة المنهج الأدبي وربطه بالحياة الحديثة وتقديمه ضمن المقررات الدراسية.

ويمكن حصر تلك النظريات فيما يأتي:
النظرية المدرسية أو التقليدية.
نظرية الفنون الأدبية.
نظرية الخصائص الجنسية.
نظرية الثقافات.
نظرية المذاهب الفنية.
النظرية الإِقليمية.

ونختار هنا من هذه النظريات ثلاثًا فقط ندرسها ونوضح في إِيجاز شديد أصولها وأبرز ملامحها ومزاياها وعيوبها.

1- النظرية المدرسية أو التقليدية:
وهي أثر من آثار المزاوجة بين لونين من ألوان التأريخ الأدبي: اللون العربي بكل خصائصه القديمة التي عَلِقَتْ بها السياسة وشغلتها حياة القصور والصراع على السلطة. واللون الذي أرخ الأدب الغربي في أوربا، والذي تجاوز حياة الحاكم وحاشيته إِلى حياة العامة والتجارب الذاتية للشعراء والصدق في التجربة والتعبير. وقد سادت هذه النظرية مؤلفات أولئك الرواد في التأليف الأدبي المدرسي مثل: حسن توفيق العدل، والمرصفي، والإِسكندري، وجرجي زيدان، وأحمد حسن الزيات، وأحمد أمين. وقد التزم هؤلاء - على تفاوت فيما بينهم - بتقسيم الأدب إِلى عصور خمسة. يقول أحدهم - وهو الزيات - في كتابه المدرسي ((تاريخ الأدب العربي)): ((التاريخ الأدبي وثيق الصلة بالتاريخ السياسي والاجتماعي لكل أمة، لذلك اصطلحوا على أن يقسموه على حسب العصور التاريخية والانقلابات الاجتماعية، واتفق أكثر كتابنا على أن يقسموا تاريخ أدبنا إِلى خمسة أعصر: عصر الجاهلية - عصر ابتداء الإِسلام - عصر الدولة الأموية - عصر الدولة العباسية والأندلسية - عصر الدول المتتابعة إِلى هذا العهد)). ونتجت عن تطبيق هذا المنهج في معظم المؤسسات التعليمية حتى الآن آثار سيئة في فهم معنى الأدب ورسالته، لارتباطه في أذهان الطلاب دائمًا بالحاكم والتيارات السياسية المصطرعة في كل عصر.

وامتد تأثير هذه المدرسة إِلى كثير من المؤلفات التي أرخت للحياة الفكرية، والحضارية بعامة، مثل سلسلة أحمد أمين: فجر الإِسلام، وضحى الإِسلام، وظهر الإِسلام، ومثل تاريخ الإِسلام السياسي للدكتور حسن إِبراهيم.. وازداد التيار اشتدادًا فامتد إِلى كثير من الدراسات الأكاديمية في الجامعات العربية.. وبات ذلك التقسيم وكأنه قانون لا يُنقَض، وبديهة لا تُناقَش.

وكان من أوائل الذين ناقشوا هذا الاتجاه وتعقبوه بكثير من الملاحظات، طه حسين في كتابه ((تجديد ذكرى أبي العلاء)) وفي مقدمة كتابه ((في الأدب الجاهلي)) الذي أثار زوبعة كبيرة على امتداد سنوات طويلة. ولم يكتف طه حسين بزلزلة أركان النظرية المدرسية، ومضى يحاول إِقامة بنيان آخر تبدو فيه العناية الأولى بالظواهر الأدبية، بغضِّ النظر عن توافقها مع الأحداث السياسية أو تنافرها معها. وقد طرح أفكاره تلك من خلال مقاييس ثلاثة هي: المقياس السياسي، والمقياس العلمي، والمقياس الأدبي.

أما الأستاذ أحمد أمين، فعلى الرغم من تقسيمه لعصور الحياة العقلية في سلسلته المذكورة على نمط التقسيم الزمني في هذه النظرية، فإِنه كان ينبِّه إِلى كثير من الملاحظات القيِّمة التي انتقد من خلالها هذه النظرية التقليدية في أسلوب هادئ ودراسة متزنة.

كذلك أسهم الأستاذ أمين الخولي في الكشف عن مساوئ النظرية المدرسية، وأثار عددًا من الملاحظات الواعية العميقة، ثم حاول هو أيضًا إِيجاد تصور جديد: ((انظر كتابه: في الأدب المصري)).

وهكذا تعرضت هذه النظرية لانتقادات هؤلاء الأعلام، وإِن كانوا قد سُبِقُوا بنوع من التشكيك الهادئ لها على يد جرجي زيدان في مقدمته لكتابه ((تاريخ آداب اللغة العربية 1911م)).

أما أهم المآخذ التي تمخضت عنها تلك الانتقادات وفطن إِليها بعض الدارسين في العقود التالية، فهي كالآتي:
1- أن هذه النظرية - كما رأينا - درست الأدب العربي على أساس قسمة العصور قسمة تاريخية لا أدبية. وعلى الرغم من شدة الارتباط بين الأدب والتاريخ، فإِن منهج هذه النظرية لا يؤدي مهمته المطلوبة مهما كانت وشائج ذلك الارتباط، كما أن مقاييسها تظل رهن المعايير التاريخية القديمة المتوارثة، التي تحتاج هي نفسها إِلى إِعادة تقنين ليمكن إِعادة كتابة تاريخ أمتنا كتابة علمية موضوعية دقيقة.

2- أنها وضعت حدودًا فاصلة بين الآداب طبقًا لحدود العصور، على حين أن العصور تتداخل والآداب تتشابك والنماذج تختلط. ثم إِنها أهملت إِلى حد كبير الأساس المكاني وتأثير البيئة في النتاج الأدبي. وقد أدى هذا الإِهمال فيما بعد إِلى بروز الاتجاه الإِقليمي في الدراسة الأدبية، وتباين الأحكام الأدبية تباينًا غريبًا هو أقرب إِلى التناقض، وأدنى إِلى التضاد.

3- أنها أهملت النوازع الفردية وخصائص الإِبداع الذاتي عند الأدباء، وذلك بسبب طغيان المقياس الزمني الأفقي. وقد جنى هذا على مئات من الأدباء الذين أغرقتهم هذه النظرية في تيار التعميم السطحي الذي لا يثبت عند التحقيق والفحص العميق وتطبيق بعض المناهج الأخرى على أولئك الأدباء.

4- توجيه كل العناية إِلى مشاهير الأدباء، وتركيز الاهتمام فقط على اللامعين عبر كل العصور، ثم إِصدار الأحكام النقدية من خلال أعمالهم. أما الأصوات الفنية الأخرى - على اختلاف ألوانها ودرجاتها - فقد تجوهلت وكأنها لم توجد على الإِطلاق، على الرغم من اتسام كثير منها بالعبقرية والخصوبة والتفرد في الإِبداع.

5- لحق هذه النظرية كثير من الجمود، واستحالت الدراسة إِلى أداة حكم وتقويم بالرقي والانحطاط والرفعة والتردي والازدهار والاضمحلال، بدلاً من أن تكون أداة وصف ورصد للحياة الأدبية بكل ألوانها وأنماطها.

وعلى كل حال، فالذي لاشك فيه أن هذه النظرية لها دور الريادة بما للريادة عادة من مآخذ التجربة والمحاولة الأولى. كما أنها مهدت تمهيدًا طيبًا لدراسة الأدب العربي، وكانت هي المنطلق والحافز من خلال نقدها وتتبع عيوبها، بحثًا عن مناهج جديدة وأساليب أشمل وأدق. ولقد تفتح الفكر الأدبي فوجد أن النظرية المدرسية هذه لم تعد تفي بحق الدراسة، فتمرد عليها، وسعى نحو نظرية أخرى بديلة.

2- نظرية الفنون الأدبية:
وجدت البذور الأولى لهذه النظرية عند جرجي زيدان في مقدمة كتابه ((تاريخ آداب اللغة العربية)). وهي نظرية ترصد تطور الفنون الأدبية منفصلة فنًا فنًا، وتبرز ظواهرها عبر العصور رقيًا وانحطاطًا، استقامة والتواء، قوة وضعفًا، كما تتبع منابع كل فن والروافد التي غذته، والقنوات التي اتصل من خلالها بغيره فترك آثاره فيه. إِنها بصورة أخرى رسم بياني دقيق لتاريخ كل فن، أو كل غرض، ورصد صادق لسيرته الذاتية وعلاقته بسائر أشقائه في الأسرة الأدبية.

إِن هذه النظرية تمكننا من الاستفادة من التسلسل الزماني والعامل الإِقليمي ومعرفة تأثيرهما في تطور أي غرض شعري أو فن أدبي، كما تجعلنا على اتصال مباشر بالنصوص المدروسة ذاتها وفحصها فحصًا حيًا فيه معاناة ومعايشة. إِنها نظرية تنتهج الاستقراء منهجًا لتجلية المغمورين الموهوبين من الأدباء، وتناولهم بالقدر الذي يُتناول به الأعلام اللامعون في مختلف الأعصر والبيئات.

وهذه الطريقة تفيد أكبر فائدة في الموازنة بين النماذج الأدبية من حيث الشخصية والأسلوب، وترهف الحس النقدي عند الدارس لإِدراك دقائق الظاهرة الفنية وتحديد الخصائص المشتركة بين الأطراف المقارن بينهم.

وأسلوب هذه النظرية يُعود على التريث والتدقيق والتقصي ويعمل على تبرئة الأحكام الأدبية - قدر الإِمكان - من السذاجة والسطحية والتعميم. إِنها ترفض الأحكام العامة الفضفاضة التي تستغرق عصرًا بأسره، بجميع كتابه وشعرائه وخطبائه وتتجه نحو التناول الفردي، بل تتخصص في تناولها فتقصره على غرض واحد فقط، أو فن مستقل بذاته من فنون الأديب.

وإِذا كانت بعض النظريات تقيم من نفسها قاضيًا يتكلف إِصدار الأحكام، أو وصيًا يصدر الإِرشادات ويحدُّ الحدود، فإِن نظرية الفنون الأدبية لا تسعى إِلى ذلك ولا تؤمن به؛ وإِنما تتمخض أحكامها النقدية بعد طول فحص وتحليل، ووصف عفوي دقيق. وهي أيضًا لا ترتبط بالتاريخ السياسي ذلك الارتباط السلبي الدائم، بل تعتبره عنصرًا من بين عناصر كثيرة متعددة، تتداخل وتتفاعل لتكيف أدب كل أديب وتطبعه بطابعه المميز الخاص.

وأخيرًا فهذه النظرية ذات أثر طيب في نفوس المتلقين من دارسين وقراء عاديين على السواء. فهي باستعراضها لحياة أي فن أدبي أو غرض فني بصورة متسلسلة دقيقة، تجلو جوانب الكمال وملامح الجمال، كما ترصد نقاط الضعف والنقص. ثم هي فوق ذلك تكشف عن صلة ذلك الفن أو ذلك الغرض بسائر الفنون والأغراض في اللغة الأم وفي الآداب العالمية المعروفة.
يتبع


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 26.88 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 26.25 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (2.34%)]