عرض مشاركة واحدة
  #4  
قديم 20-01-2022, 03:50 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 134,788
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد


تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن
الإمام محمد بن جرير الطبري
الجزء الاول
الحلقة (4)
صــ 43إلى صــ 67




39 - حدثنا محمد بن عبد الأعلى الصنعاني ، قال : حدثنا المعتمر بن سليمان ، قال : سمعت عبيد الله بن عمر ، عن سيار أبي الحكم ، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى ، رفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم : ذكر أن رجلين اختصما في آية من القرآن ، وكل يزعم أن النبي صلى الله عليه وسلم أقرأه ، فتقارآ إلىأبي ، فخالفهما أبي ، فتقارءوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، فقال : يا نبي الله ، اختلفنا في آية من القرآن ، وكلنا يزعم أنك أقرأته . فقال لأحدهما : اقرأ . قال : فقرأ ، فقال : أصبت . وقال للآخر : اقرأ . فقرأ خلاف ما قرأ صاحبه ، فقال : أصبت . وقال لأبي : اقرأ . فقرأ فخالفهما ، فقال : أصبت . قال أبي : فدخلني من الشك في أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم ما دخل في من أمر الجاهلية ، قال : فعرف رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي في وجهي ، فرفع يده فضرب صدري ، وقال : استعذ بالله من الشيطان الرجيم ، قال : ففضت عرقا ، وكأني أنظر إلى الله فرقا . وقال : إنه أتاني آت من ربي فقال : إن ربك يأمرك أن تقرأ القرآن على حرف واحد . فقلت : رب خفف عن أمتي . قال : ثم جاء فقال : إن ربك يأمرك أن تقرأ القرآن على حرف واحد . فقلت : رب خفف عن أمتي . قال : ثم جاء الثالثة فقال : إن ربك يأمرك أن تقرأ القرآن على حرف واحد . فقلت : رب خفف عن أمتي . قال : ثم جاءني الرابعة فقال : إن ربك يأمرك أن تقرأ القرآن على سبعة أحرف ، ولك بكل ردة مسألة . قال : قلت : رب اغفر لأمتي ، رب اغفر لأمتي ، واختبأت الثالثة شفاعة [ ص: 43 ] لأمتي ، حتى إن إبراهيم خليل الرحمن ليرغب فيها .





40 - حدثنا أبو كريب ، قال : حدثنا زيد بن الحباب ، عن حماد بن سلمة ، عن علي بن زيد ، عن عبد الرحمن بن أبي بكرة ، عن أبيه ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : قال جبريل : اقرءوا القرآن على حرف . فقال ميكائيل : استزده . فقال : على حرفين . حتى بلغ ستة أو سبعة أحرف ، فقال : كلها شاف كاف ، ما لم يختم آية عذاب برحمة ، أو آية رحمة بعذاب . كقولك : هلم وتعال .

41 - حدثني يونس بن عبد الأعلى ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : أخبرني سليمان بن بلال ، عن يزيد بن خصيفة ، عن بسر بن سعيد : أن أبا جهيم الأنصاري أخبره : أن رجلين اختلفا في آية من القرآن ، فقال هذا : تلقيتها من رسول الله صلى الله عليه وسلم . وقال الآخر : تلقيتها من رسول الله صلى الله [ ص: 44 ] عليه وسلم ، فسألا رسول الله صلى الله عليه وسلم عنها ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إن القرآن أنزل على سبعة أحرف ، فلا تماروا في القرآن ، فإن المراء فيه كفر .

42 - حدثنا يونس ، قال : أخبرنا سفيان ، عن عمرو بن دينار ، قال : قال [ ص: 45 ] النبي صلى الله عليه وسلم : أنزل القرآن على سبعة أحرف ، كلها شاف كاف .

43 - حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، أخبرني سليمان بن بلال ، عن أبي عيسى بن عبد الله بن مسعود ، عن أبيه ، عن جده عبد الله بن مسعود : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : أمرت أن أقرأ القرآن على سبعة أحرف ، كل كاف شاف .

44 - حدثنا أحمد بن حازم الغفاري ، قال : حدثنا أبو نعيم ، قال : حدثنا أبو خلدة ، قال : حدثني أبو العالية ، قال : قرأ على رسول الله صلى الله عليه وسلم من كل خمس رجل ، فاختلفوا في اللغة ، فرضي قراءتهم كلهم ، فكان بنو تميم أعرب القوم .

45 - حدثنا عمرو بن عثمان العثماني ، قال : حدثنا ابن أبي أويس ، قال : حدثنا أخي ، عن سليمان بن بلال ، عن محمد بن عجلان ، عن المقبري ، عن أبي [ ص: 46 ] هريرة رضي الله عنه : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : إن هذا القرآن أنزل على سبعة أحرف ، فاقرءوا ولا حرج ، ولكن لا تختموا ذكر رحمة بعذاب ، ولا ذكر عذاب برحمة .

46 - حدثنا محمد بن مرزوق ، قال : حدثنا أبو معمر عبد الله بن عمرو بن أبي الحجاج ، قال : حدثنا عبد الوارث قال : حدثنا محمد بن جحادة عن الحكم بن عتيبة ، عن مجاهد ، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى ، عن أبي بن كعب ، قال : أتى النبي صلى الله عليه وسلم جبريل ، وهو بأضاة بني غفار ، فقال : إن الله يأمرك أن تقرئ أمتك القرآن على حرف واحد . قال : فقال : أسأل الله مغفرته ومعافاته - أو قال : ومغفرته - سل الله لهم التخفيف ، فإنهم لا يطيقون ذلك . فانطلق ثم رجع ، فقال : إن الله يأمرك أن تقرئ أمتك القرآن على حرفين . قال : أسأل الله مغفرته ومعافاته - أو قال : معافاته ومغفرته - إنهم لا يطيقون ذلك ، فسل الله لهم التخفيف . فانطلق ثم رجع ، فقال : إن الله يأمرك أن تقرئ أمتك القرآن على ثلاثة أحرف . فقال : أسأل الله مغفرته ومعافاته - أو قال : معافاته ومغفرته - إنهم لا يطيقون ذلك ، سل الله لهم التخفيف . فانطلق ثم رجع ، فقال : إن الله يأمرك أن تقرئ أمتك القرآن على سبعة أحرف ، فمن قرأ منها بحرف فهو كما قرأ .

قال أبو جعفر صح وثبت أن الذي نزل به القرآن من ألسن العرب [ ص: 47 ] البعض منها دون الجميع ، إذ كان معلوما أن ألسنتها ولغاتها أكثر من سبعة ، بما يعجز عن إحصائه .

فإن قال : وما برهانك على أن معنى قول النبي صلى الله عليه وسلم : "نزل القرآن على سبعة أحرف " ، وقوله : "أمرت أن أقرأ القرآن على سبعة أحرف " ، هو ما ادعيت - من أنه نزل بسبع لغات ، وأمر بقراءته على سبعة ألسن - دون أن يكون معناه ما قاله مخالفوك ، من أنه نزل بأمر وزجر وترغيب وترهيب وقصص ومثل ونحو ذلك من الأقوال ؟ فقد علمت قائل ذلك من سلف الأمة وخيار الأئمة .

قيل له : إن الذين قالوا ذلك لم يدعوا أن تأويل الأخبار التي تقدم ذكرناها ، هو ما زعمت أنهم قالوه في الأحرف السبعة التي نزل بها القرآن دون غيره ، فيكون ذلك لقولنا مخالفا ، وإنما أخبروا أن القرآن نزل على سبعة أحرف ، يعنون بذلك أنه نزل على سبعة أوجه . والذي قالوه من ذلك كما قالوا .

وقد روينا - بمثل الذي قالوا من ذلك - عن النبي صلى الله عليه وسلم ، وعن جماعة من أصحابه ، أخبارا قد تقدم ذكرنا بعضها ، ونستقصي ذكر باقيها ببيانه ، إذا انتهينا إليه ، إن شاء الله .

فأما الذي تقدم ذكرناه من ذلك ، فخبر أبي بن كعب ، من رواية أبي كريب ، عن ابن فضيل ، عن إسماعيل بن أبي خالد ، الذي ذكر فيه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : "أمرت أن أقرأ القرآن على سبعة أحرف ، من سبعة أبواب من الجنة " .

والسبعة الأحرف : هو ما قلنا من أنه الألسن السبعة . والأبواب السبعة من الجنة : هي المعاني التي فيها ، من الأمر والنهي والترغيب والترهيب والقصص والمثل ، التي إذا عمل بها العامل ، وانتهى إلى حدودها المنتهي ، استوجب به الجنة . وليس والحمد لله في قول من قال ذلك من المتقدمين ، خلاف لشيء مما قلناه . [ ص: 48 ]

والدلالة على صحة ما قلناه - من أن معنى قول النبي صلى الله عليه وسلم "نزل القرآن على سبعة أحرف " ، إنما هو أنه نزل بسبع لغات ، كما تقدم ذكرناه من الروايات الثابتة عن عمر بن الخطاب ، وعبد الله بن مسعود ، وأبي بن كعب ، وسائر من قدمنا الرواية عنه ، عن النبي صلى الله عليه وسلم في أول هذا الباب - أنهم تماروا في القرآن ، فخالف بعضهم بعضا في نفس التلاوة ، دون ما في ذلك من المعاني ، وأنهم احتكموا فيه إلى النبي صلى الله عليه وسلم فاستقرأ كل رجل منهم ، ثم صوب جميعهم في قراءتهم على اختلافها ، حتى ارتاب بعضهم لتصويبه إياهم ، فقال صلى الله عليه وسلم للذي ارتاب منهم عند تصويبه جميعهم : "إن الله أمرني أن أقرأ القرآن على سبعة أحرف " .

ومعلوم أن تماريهم فيما تماروا فيه من ذلك ، لو كان تماريا واختلافا فيما دلت عليه تلاواتهم من التحليل والتحريم والوعد والوعيد وما أشبه ذلك ، لكان مستحيلا أن يصوب جميعهم ، ويأمر كل قارئ منهم أن يلزم قراءته في ذلك على النحو الذي هو عليه . لأن ذلك لو جاز أن يكون صحيحا ، وجب أن يكون الله جل ثناؤه قد أمر بفعل شيء بعينه وفرضه ، في تلاوة من دلت تلاوته على فرضه - ونهى عن فعل ذلك الشيء بعينه وزجر عنه ، في تلاوة الذي دلت تلاوته على النهي والزجر عنه ، وأباح وأطلق فعل ذلك الشيء بعينه ، وجعل لمن شاء من عباده أن يفعله فعله ، ولمن شاء منهم أن يتركه تركه في تلاوة من دلت تلاوته على التخيير!

وذلك من قائله إن قاله ، إثبات ما قد نفى الله جل ثناؤه عن تنزيله وحكم كتابه فقال : ( أفلا يتدبرون القرآن ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا ) [ سورة النساء : 82 ] . [ ص: 49 ]

وفي نفي الله جل ثناؤه ذلك عن حكم كتابه ، أوضح الدليل على أنه لم ينزل كتابه على لسان محمد صلى الله عليه وسلم إلا بحكم واحد متفق في جميع خلقه ، لا بأحكام فيهم مختلفة .

وفي صحة كون ذلك كذلك ، ما يبطل دعوى من ادعى خلاف قولنا في تأويل قول النبي صلى الله عليه وسلم : " أنزل القرآن على سبعة أحرف " للذين تخاصموا إليه عند اختلافهم في قراءتهم . لأنه صلى الله عليه وسلم قد أمر جميعهم بالثبوت على قراءته ، ورضي قراءة كل قارئ منهم - على خلافها قراءة خصومه ومنازعيه فيها - وصوبها . ولو كان ذلك منه تصويبا فيما اختلفت فيه المعاني ، وكان قوله صلى الله عليه وسلم : " أنزل القرآن على سبعة أحرف " إعلاما منه لهم أنه نزل بسبعة أوجه مختلفة ، وسبعة معان مفترقة - كان ذلك إثباتا لما قد نفى الله عن كتابه من الاختلاف ، ونفيا لما قد أوجب له من الائتلاف . مع أن في قيام الحجة بأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يقض في شيء واحد في وقت واحد بحكمين مختلفين ، ولا أذن بذلك لأمته - ما يغني عن الإكثار في الدلالة على أن ذلك منفي عن كتاب الله .

وفي انتفاء ذلك عن كتاب الله ، وجوب صحة القول الذي قلناه ، في معنى قول النبي صلى الله عليه وسلم : " أنزل القرآن على سبعة أحرف " ، عند اختصام المختصمين إليه فيما اختلفوا فيه من تلاوة ما تلوه من القرآن ، وفساد تأويل قول من خالف قولنا في ذلك .

وأحرى أن الذين تماروا فيما تماروا فيه من قراءتهم فاحتكموا إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، لم يكن منكرا عند أحد منهم أن يأمر الله عباده جل ثناؤه في كتابه وتنزيله بما شاء ، وينهى عما شاء ، ويعد فيما أحب من طاعاته ، ويوعد على معاصيه ، ويحتم لنبيه ويعظه فيه ويضرب فيه لعباده الأمثال - فيخاصم [ ص: 50 ] غيره على إنكاره سماع ذلك من قارئه . بل على الإقرار بذلك كله كان إسلام من أسلم منهم . فما الوجه الذي أوجب له إنكار ما أنكر ، إن لم يكن كان ذلك اختلافا منهم في الألفاظ واللغات ؟

وبعد ، فقد أبان صحة ما قلنا الخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم نصا . وذلك الخبر الذي ذكرنا :

47 - أن أبا كريب حدثنا قال : حدثنا زيد بن الحباب ، عن حماد بن سلمة ، عن علي بن زيد ، عن عبد الرحمن بن أبي بكرة ، عن أبيه ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : قال جبريل : اقرأ القرآن على حرف . قال ميكائيل عليه السلام : استزده . فقال : على حرفين . حتى بلغ ستة أو سبعة أحرف ، فقال : كلها شاف كاف ، ما لم يختم آية عذاب بآية رحمة ، أو آية رحمة بآية عذاب ، كقولك : هلم وتعال .

فقد أوضح نص هذا الخبر أن اختلاف الأحرف السبعة ، إنما هو اختلاف ألفاظ ، كقولك "هلم وتعال " باتفاق المعاني ، لا باختلاف معان موجبة اختلاف أحكام .

وبمثل الذي قلنا في ذلك صحت الأخبار عن جماعة من السلف والخلف .

48 - حدثني أبو السائب سلم بن جنادة السوائي ، قال : حدثنا أبو معاوية - وحدثنا محمد بن المثنى قال حدثنا ابن أبي عدي عن شعبة - جميعا عن الأعمش ، عن شقيق ، قال : قال عبد الله : إني قد سمعت إلى القرأة ، فوجدتهم متقاربين فاقرءوا كما علمتم ، وإياكم والتنطع ، فإنما هو كقول أحدكم : هلم وتعال . [ ص: 51 ]

49 - وحدثنا محمد بن المثنى ، قال : حدثنا أبو داود ، قال : حدثنا شعبة ، عن أبي إسحاق ، عمن سمع ابن مسعود يقول : من قرأ منكم على حرف فلا يتحولن ، ولو أعلم أحدا أعلم مني بكتاب الله لأتيته .

50 - وحدثنا ابن المثنى ، قال : حدثنا عبد الرحمن بن مهدي ، قال : حدثنا شعبة ، عن عبد الرحمن بن عابس ، عن رجل من أصحاب عبد الله ، عن [ ص: 52 ] عبد الله بن مسعود ، قال : من قرأ على حرف فلا يتحولن منه إلى غيره .

فمعلوم أن عبد الله لم يعن بقوله هذا : من قرأ ما في القرآن من الأمر والنهي فلا يتحولن منه إلى قراءة ما فيه من الوعد والوعيد ، ومن قرأ ما فيه من الوعد والوعيد فلا يتحولن منه إلى قراءة ما فيه من القصص والمثل . وإنما عنى رحمة الله عليه أن من قرأ بحرفه - وحرفه : قراءته ، وكذلك تقول العرب لقراءة رجل : حرف فلان ، وتقول للحرف من حروف الهجاء المقطعة : حرف ، كما تقول لقصيدة من قصائد الشاعر : كلمة فلان - فلا يتحولن عنه إلى غيره رغبة عنه . ومن قرأ بحرف أبي ، أو بحرف زيد ، أو بحرف بعض من قرأ من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ببعض الأحرف السبعة - فلا يتحولن عنه إلى غيره رغبة عنه ، فإن الكفر ببعضه كفر بجميعه ، والكفر بحرف من ذلك كفر بجميعه يعني بالحرف ما وصفنا من قراءة بعض من قرأ ببعض الأحرف السبعة .

51 - وقد حدثنا يحيى بن داود الواسطي ، قال : حدثنا أبو أسامة ، عن الأعمش ، قال : قرأ أنس هذه الآية : ( إن ناشئة الليل هي أشد وطئا وأصوب قيلا ) فقال له بعض القوم : يا أبا حمزة ، إنما هي "وأقوم " فقال : أقوم وأصوب وأهيأ ، واحد . [ ص: 53 ]

52 - حدثني محمد بن حميد الرازي ، قال : حدثنا حكام ، عن عنبسة ، عن ليث ، عن مجاهد : أنه كان يقرأ القرآن على خمسة أحرف .

53 - حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا حكام ، عن عنبسة ، عن سالم : أن سعيد بن جبير كان يقرأ القرآن على حرفين .

54 - حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا جرير ، عن مغيرة ، قال : كان يزيد بن الوليد يقرأ القرآن على ثلاثة أحرف .

أفترى الزاعم أن تأويل قول النبي صلى الله عليه وسلم : "أنزل القرآن على سبعة أحرف " ، إنما هو أنه أنزل على الأوجه السبعة التي ذكرنا ، من الأمر والنهي والوعد والوعيد والجدل والقصص والمثل - كان يرى أن مجاهدا وسعيد بن جبير لم يقرآ من القرآن إلا ما كان من وجهيه أو وجوهه الخمسة دون سائر معانيه ؟ لئن كان ظن ذلك بهما ، لقد ظن بهما غير الذي يعرفان به من منازلهما من القرآن ، ومعرفتهما بآي الفرقان!

55 - وحدثني يعقوب بن إبراهيم ، قال : حدثنا ابن علية ، قال حدثنا أيوب ، عن محمد ، قال : نبئت أن جبرائيل وميكائيل أتيا النبي صلى الله عليه وسلم فقال له جبرائيل : اقرأ القرآن على حرفين . فقال له ميكائيل : استزده . فقال : اقرأ القرآن على ثلاثة أحرف . فقال له ميكائيل : استزده . قال : حتى بلغ سبعة أحرف ، قال محمد : لا تختلف في حلال ولا حرام ، ولا أمر ولا نهي ، [ ص: 54 ] هو كقولك : تعال وهلم وأقبل ، قال : وفي قراءتنا ( إن كانت إلا صيحة واحدة ) [ سورة يس : 29 53 ، ] ، في قراءة ابن مسعود ( إن كانت إلا زقية واحدة ) .

56 - وحدثني يعقوب قال : حدثنا ابن علية ، قال : حدثنا شعيب - يعني ابن الحبحاب - قال : كان أبو العالية إذا قرأ عنده رجل لم يقل : "ليس كما يقرأ " وإنما يقول : أما أنا فأقرأ كذا وكذا . قال : فذكرت ذلك لإبراهيم النخعي ، فقال : أرى صاحبك قد سمع : "أن من كفر بحرف منه فقد كفر به كله " .

57 - حدثنا يونس بن عبد الأعلى ، قال : أنبأنا ابن وهب ، قال : حدثنا يونس ، عن ابن شهاب ، قال : أخبرني سعيد بن المسيب : أن الذي ذكر الله تعالى ذكره [ أنه قال ] ( إنما يعلمه بشر ) [ سورة النحل : 103 ] إنما افتتن أنه كان يكتب الوحي ، فكان يملي عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم : سميع عليم ، أو عزيز حكيم ، أو غير ذلك من خواتم الآي ، ثم يشتغل عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو على الوحي ، فيستفهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فيقول : أعزيز حكيم ، أو سميع عليم أو عزيز عليم ؟ فيقول له رسول الله صلى الله عليه وسلم : أي ذلك كتبت فهو كذلك . ففتنه ذلك ، فقال : إن محمدا وكل ذلك إلي ، فأكتب ما شئت . وهو الذي ذكر لي سعيد بن المسيب من الحروف السبعة . [ ص: 55 ]

58 - حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا جرير ، عن مغيرة ، عن إبراهيم ، عن عبد الله ، قال : من كفر بحرف من القرآن ، أو بآية منه ، فقد كفر به كله .

قال أبو جعفر : فإن قال لنا قائل : فإذ كان تأويل قول النبي صلى الله عليه وسلم : "أنزل القرآن على سبعة أحرف " عندك ، ما وصفت ، بما عليه استشهدت ، فأوجدنا حرفا في كتاب الله مقروءا بسبع لغات ، فنحقق بذلك قولك . وإلا فإن لم تجد ذلك كذلك : كان معلوما بعدمكه - صحة قول من زعم أن تأويل ذلك : أنه نزل بسبعة معان ، وهو الأمر والنهي والوعد والوعيد والجدل والقصص والمثل - وفساد قولك . أو تقول في ذلك : إن الأحرف السبعة لغات في القرآن سبع ، متفرقة في جميعه ، من لغات أحياء من قبائل العرب مختلفة الألسن - كما كان يقوله بعض من لم ينعم النظر في ذلك . فتصير بذلك إلى القول بما لا يجهل فساده ذو عقل ، ولا يلتبس خطؤه على ذي لب .

وذلك أن الأخبار التي بها احتججت لتصحيح مقالتك في تأويل قول النبي صلى الله عليه وسلم : "نزل القرآن على سبعة أحرف " ، هي الأخبار التي رويتها عن عمر بن الخطاب ، وعبد الله بن مسعود ، وأبي بن كعب ، رحمة الله عليهم ، وعمن رويت ذلك عنه من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم - بأنهم تماروا في تلاوة [ ص: 56 ] بعض القرآن ، فاختلفوا في قراءته دون تأويله ، وأنكر بعض قراءة بعض ، مع دعوى كل قارئ منهم قراءة منها : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أقرأه ما قرأ بالصفة التي قرأ . ثم احتكموا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فكان من حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم بينهم ، أن صوب قراءة كل قارئ منهم ، على خلافها قراءة أصحابه الذين نازعوه فيها ، وأمر كل امرئ منهم أن يقرأ كما علم ، حتى خالط قلب بعضهم الشك في الإسلام ، لما رأى من تصويب رسول الله صلى الله عليه وسلم قراءة كل قارئ منهم على اختلافها . ثم جلاه الله عنه ببيان رسول الله صلى الله عليه وسلم له : أن القرآن أنزل على سبعة أحرف .

فإن كانت الأحرف السبعة التي نزل بها القرآن ، عندك - كما قال هذا القائل - متفرقة في القرآن ، مثبتة اليوم في مصاحف أهل الإسلام ، فقد بطلت معاني الأخبار التي رويتها عمن رويتها عنه من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم : أنهم اختلفوا في قراءة سورة من القرآن ، فاختصموا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فأمر كلا أن يقرأ كما علم . لأن الأحرف السبعة إذا كانت لغات متفرقة في جميع القرآن ، فغير موجب حرف من ذلك اختلافا بين تاليه لأن كل تال فإنما يتلو ذلك الحرف تلاوة واحدة على ما هو به في المصحف ، وعلى ما أنزل .

وإذ كان ذلك كذلك ، بطل وجه اختلاف الذين روي عنهم أنهم اختلفوا في قراءة سورة ، وفسد معنى أمر النبي صلى الله عليه وسلم كل قارئ منهم أن يقرأه على ما علم . إذ كان لا معنى هنالك يوجب اختلافا في لفظ ، ولا افتراقا في معنى . وكيف يجوز أن يكون هنالك اختلاف بين القوم ، والمعلم واحد ، والعلم واحد غير ذي أوجه ؟ وفي صحة الخبر عن الذين روي عنهم الاختلاف في حروف القرآن على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم - بأنهم اختلفوا وتحاكموا إلى [ ص: 57 ] رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذلك ، على ما تقدم وصفناه - أبين الدلالة على فساد القول بأن الأحرف السبعة إنما هي أحرف سبعة متفرقة في سور القرآن ، لا أنها لغات مختلفة في كلمة واحدة باتفاق المعاني .

مع أن المتدبر إذا تدبر قول هذا القائل - في تأويله قول النبي صلى الله عليه وسلم : " أنزل القرآن على سبعة أحرف " ، وادعائه أن معنى ذلك أنها سبع لغات متفرقة في جميع القرآن ، ثم جمع بين قيله ذلك ، واعتلاله لقيله ذلك بالأخبار التي رويت عمن روى ذلك عنه من الصحابة والتابعين أنه قال : هو بمنزلة قولك تعال وهلم وأقبل; وأن بعضهم قال : هو بمنزلة قراءة عبد الله "إلا زقية " ، وهي في قراءتنا "إلا صيحة " وما أشبه ذلك من حججه - علم أن حججه مفسدة في ذلك مقالته ، وأن مقالته فيه مضادة حججه .

لأن الذي نزل به القرآن عنده إحدى القراءتين - : إما "صيحة " ، وإما "زقية " وإما "تعال " أو "أقبل " أو "هلم " - لا جميع ذلك . لأن كل لغة من اللغات السبع عنده في كلمة أو حرف من القرآن ، غير الكلمة أو الحرف الذي فيه اللغة الأخرى .

وإذ كان ذلك كذلك ، بطل اعتلاله لقوله بقول من قال : ذلك بمنزلة "هلم " و "تعال " و " أقبل " ، لأن هذه الكلمات هي ألفاظ مختلفة ، يجمعها في التأويل معنى واحد . وقد أبطل قائل هذا القول الذي حكينا قوله ، اجتماع اللغات السبع في حرف واحد من القرآن . فقد تبين بذلك إفساد حجته لقوله بقوله ، وإفساد قوله لحجته .

قيل له : ليس القول في ذلك بواحد من الوجهين اللذين وصفت . بل الأحرف السبعة التي أنزل الله بها القرآن ، هن لغات سبع ، في حرف واحد ، وكلمة واحدة ، [ ص: 58 ] باختلاف الألفاظ واتفاق المعاني ، كقول القائل : هلم ، وأقبل ، وتعال ، وإلي ، وقصدي ، ونحوي ، وقربي ، ونحو ذلك ، مما تختلف فيه الألفاظ بضروب من المنطق وتتفق فيه المعاني ، وإن اختلفت بالبيان به الألسن ، كالذي روينا آنفا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وعمن روينا ذلك عنه من الصحابة ، أن ذلك بمنزلة قولك : "هلم وتعال وأقبل " ، وقوله "ما ينظرون إلا زقية " ، و "إلا صيحة " .

فإن قال : ففي أي كتاب الله نجد حرفا واحدا مقروءا بلغات سبع مختلفات الألفاظ ، متفقات المعنى ، فنسلم لك صحة ما ادعيت من التأويل في ذلك ؟

قيل : إنا لم ندع أن ذلك موجود اليوم ، وإنما أخبرنا أن معنى قول النبي صلى الله عليه وسلم : " أنزل القرآن على سبعة أحرف " ، على نحو ما جاءت به الأخبار التي تقدم ذكرناها . وهو ما وصفنا ، دون ما ادعاه مخالفونا في ذلك ، للعلل التي قد بينا .

فإن قال : فما بال الأحرف الأخر الستة غير موجودة ، إن كان الأمر في ذلك على ما وصفت ، وقد أقرأهن رسول الله صلى الله عليه وسلم أصحابه ، وأمر بالقراءة بهن ، وأنزلهن الله من عنده على نبيه صلى الله عليه وسلم ؟ أنسخت فرفعت ، فما الدلالة على نسخها ورفعها ؟ أم نسيتهن الأمة ، فذلك تضييع ما قد أمروا بحفظه ؟ أم ما القصة في ذلك ؟

قيل له : لم تنسخ فترفع ، ولا ضيعتها الأمة وهي مأمورة بحفظها . ولكن الأمة أمرت بحفظ القرآن ، وخيرت في قراءته وحفظه بأي تلك الأحرف السبعة شاءت . كما أمرت ، إذا هي حنثت في يمين وهي موسرة ، أن تكفر بأي الكفارات الثلاث شاءت : إما بعتق ، أو إطعام ، أو كسوة . فلو أجمع جميعها على التكفير بواحدة من الكفارات الثلاث ، دون حظرها التكفير بأي الثلاث شاء المكفر ، كانت مصيبة حكم الله ، مؤدية في ذلك الواجب عليها من حق الله . فكذلك الأمة ، أمرت بحفظ القرآن وقراءته ، وخيرت في قراءته بأي الأحرف السبعة شاءت : فرأت [ ص: 59 ] - لعلة من العلل أوجبت عليها الثبات على حرف واحد - قراءته بحرف واحد ، ورفض القراءة بالأحرف الستة الباقية ، ولم تحظر قراءته بجميع حروفه على قارئه ، بما أذن له في قراءته به .

فإن قال : وما العلة التي أوجبت عليها الثبات على حرف واحد دون سائر الأحرف الستة الباقية ؟

59 - قيل : حدثنا أحمد بن عبدة الضبي ، قال : حدثنا عبد العزيز بن محمد الدراوردي ، عن عمارة بن غزية ، عن ابن شهاب ، عن خارجة بن زيد بن ثابت ، عن أبيه زيد ، قال : لما قتل أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم باليمامة ، دخل عمر بن الخطاب على أبي بكر رحمه الله فقال : إن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم باليمامة تهافتوا تهافت الفراش في النار ، وإني أخشى أن لا يشهدوا موطنا إلا فعلوا ذلك حتى يقتلوا - وهم حملة القرآن - فيضيع القرآن وينسى . فلو جمعته وكتبته ! فنفر منها أبو بكر وقال : أفعل ما لم يفعل رسول الله صلى الله عليه وسلم! فتراجعا في ذلك . ثم أرسل أبو بكر إلى زيد بن ثابت ، قال زيد : فدخلت عليه وعمر محزئل فقال أبو بكر : إن هذا قد دعاني إلى أمر فأبيت عليه ، وأنت كاتب الوحي . فإن تكن معه اتبعتكما ، وإن توافقني لا أفعل . قال : فاقتص أبو بكر قول عمر ، وعمر ساكت ، فنفرت من ذلك وقلت : نفعل ما لم يفعل رسول الله صلى الله عليه وسلم! إلى أن قال عمر كلمة : "وما عليكما لو فعلتما ذلك ؟ " قال : فذهبنا ننظر ، فقلنا : لا شيء والله! ما علينا في ذلك شيء! قال زيد : فأمرني أبو بكر فكتبته في قطع الأدم وكسر الأكتاف والعسب . [ ص: 60 ]

فلما هلك أبو بكر وكان عمر كتب ذلك في صحيفة واحدة ، فكانت عنده . فلما هلك ، كانت الصحيفة عند حفصة زوج النبي صلى الله عليه وسلم . ثم إن حذيفة بن اليمان قدم من غزوة كان غزاها بمرج أرمينية فلم يدخل بيته حتى أتى عثمان بن عفان فقال : "يا أمير المؤمنين : أدرك الناس! فقال عثمان : "وما ذاك ؟ " قال غزوت مرج أرمينية ، فحضرها أهل العراق وأهل الشام ، فإذا أهل الشام يقرءون بقراءة أبي بن كعب ، فيأتون بما لم يسمع أهل العراق ، فتكفرهم أهل العراق . وإذا أهل العراق يقرءون بقراءة ابن مسعود ، فيأتون بما لم يسمع به أهل الشام ، فتكفرهم أهل الشام . قال زيد : فأمرني عثمان بن عفان أكتب له مصحفا ، وقال : إني مدخل معك رجلا لبيبا فصيحا ، فما اجتمعتما عليه فاكتباه ، وما اختلفتما فيه فارفعاه إلي . فجعل معه أبان بن سعيد بن العاص ، قال : فلما بلغنا ( إن آية ملكه أن يأتيكم التابوت ) [ سورة البقرة : 248 ] قال : زيد فقلت : "التابوه " وقال أبان بن سعيد : "التابوت " ، فرفعنا ذلك إلى عثمان فكتب : "التابوت " قال : فلما فرغت عرضته عرضة ، فلم أجد فيه هذه الآية : ( من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلا ) [ سورة الأحزاب : 23 ] قال : فاستعرضت المهاجرين أسألهم عنها ، فلم أجدها عند أحد منهم ، ثم استعرضت الأنصار أسألهم عنها ، فلم أجدها عند أحد منهم ، ، حتى وجدتها عند خزيمة بن ثابت ، فكتبتها ، ثم عرضته عرضة أخرى ، فلم أجد فيه هاتين الآيتين : [ ص: 61 ] ( لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم بالمؤمنين رءوف رحيم فإن تولوا فقل حسبي الله لا إله إلا هو عليه توكلت وهو رب العرش العظيم ) [ سورة التوبة : 128 129 ، 129 فاستعرضت المهاجرين ، فلم أجدها عند أحد منهم ، ثم استعرضت الأنصار أسألهم عنها فلم أجدها عند أحد منهم ، حتى وجدتها مع رجل آخر يدعى خزيمة أيضا ، فأثبتها في آخر "براءة " ، ولو تمت ثلاث آيات لجعلتها سورة على حدة . ثم عرضته عرضة أخرى ، فلم أجد فيه شيئا ، ثم أرسل عثمان إلى حفصة يسألها أن تعطيه الصحيفة ، وحلف لها ليردنها إليها فأعطته إياها ، فعرض المصحف عليها ، فلم يختلفا في شيء . فردها إليها ، وطابت نفسه ، وأمر الناس أن يكتبوا مصاحف . فلما ماتت حفصة أرسل إلى عبد الله بن عمر في الصحيفة بعزمة ، فأعطاهم إياها فغسلت غسلا .

60 - وحدثني أيضا يونس بن عبد الأعلى ، قال : حدثنا نعيم بن حماد قال : حدثنا عبد العزيز بن محمد ، عن عمارة بن غزية ، عن ابن شهاب ، عن خارجة بن زيد ، عن أبيه زيد بن ثابت ، بنحوه سواء .

61 - حدثني يعقوب بن إبراهيم ، قال : حدثنا ابن علية ، قال : حدثنا أيوب ، عن أبي قلابة ، قال : لما كان في خلافة عثمان ، جعل المعلم يعلم قراءة [ ص: 62 ] الرجل ، والمعلم يعلم قراءة الرجل ، فجعل الغلمان يلتقون فيختلفون ، حتى ارتفع ذلك إلى المعلمين - قال أيوب : فلا أعلمه إلا قال - : حتى كفر بعضهم بقراءة بعض . فبلغ ذلك عثمان ، فقام خطيبا فقال : "أنتم عندي تختلفون فيه وتلحنون ، فمن نأى عني من أهل الأمصار أشد فيه اختلافا وأشد لحنا . اجتمعوا يا أصحاب محمد ، فاكتبوا للناس إماما " . قال أبو قلابة ، فحدثني أنس بن مالك قال : كنت فيمن يملى عليهم ، قال : فربما اختلفوا في الآية فيذكرون الرجل قد تلقاها من رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولعله أن يكون غائبا أو في بعض البوادي ، فيكتبون ما قبلها وما بعدها ، ويدعون موضعها ، حتى يجيء أو يرسل إليه . فلما فرغ من المصحف ، كتب عثمان إلى أهل الأمصار : "إني قد صنعت كذا وكذا ، ومحوت ما عندي ، فامحوا ما عندكم " .

62 - حدثني يونس بن عبد الأعلى ، قال : حدثنا ابن وهب ، قال : أخبرني يونس قال : قال ابن شهاب : أخبرني أنس بن مالك الأنصاري : أنه اجتمع في غزوة أذربيجان وأرمينية أهل الشام وأهل العراق ، فتذاكروا القرآن ، واختلفوا فيه حتى كاد يكون بينهم فتنة . فركب حذيفة بن اليمان - لما رأى اختلافهم في القرآن - إلى عثمان ، فقال : "إن الناس قد اختلفوا في القرآن ، حتى إني والله لأخشى أن يصيبهم مثل ما أصاب اليهود والنصارى من الاختلاف " . قال : ففزع لذلك فزعا شديدا ، فأرسل إلى حفصة فاستخرج الصحف التي كان أبو بكر أمر زيدا بجمعها ، فنسخ منها مصاحف ، فبعث بها إلى الآفاق . [ ص: 63 ]

63 - حدثني سعيد بن الربيع ، قال : حدثنا سفيان بن عيينة ، عن الزهري ، قال : قبض النبي صلى الله عليه وسلم ولم يكن القرآن جمع ، وإنما كان في الكرانيف والعسب .

64 - حدثنا سعيد بن الربيع قال : حدثنا سفيان ، عن مجالد ، عن الشعبي ، عن صعصعة أن أبا بكر أول من ورث الكلالة وجمع المصحف .

قال أبو جعفر : وما أشبه ذلك من الأخبار التي يطول باستيعاب جميعها الكتاب ، والآثار الدالة على أن إمام المسلمين وأمير المؤمنين عثمان بن عفان رحمة الله عليه ، جمع المسلمين - نظرا منه لهم ، وإشفاقا منه عليهم ، ورأفة منه بهم ، حذار الردة من بعضهم بعد الإسلام ، والدخول في الكفر بعد الإيمان ، إذ ظهر من بعضهم بمحضره وفي عصره التكذيب ببعض الأحرف السبعة التي نزل عليها القرآن ، مع سماع أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم من رسول الله صلى الله عليه وسلم النهي عن التكذيب بشيء منها ، وإخباره إياهم أن المراء فيها كفر - فحملهم رحمة الله عليه ، إذ رأى ذلك ظاهرا بينهم في عصره ، ولحداثة عهدهم بنزول القرآن ، وفراق رسول الله صلى الله عليه وسلم إياهم بما أمن عليهم معه عظيم البلاء في الدين من تلاوة القرآن - على حرف واحد .

وجمعهم على مصحف واحد ، وحرف واحد ، وخرق ما عدا المصحف الذي [ ص: 64 ] جمعهم عليه . وعزم على كل من كان عنده مصحف مخالف المصحف الذي جمعهم عليه ، أن يخرقه . فاستوسقت له الأمة على ذلك بالطاعة ورأت أن فيما فعل من ذلك الرشد والهداية ، فتركت القراءة بالأحرف الستة التي عزم عليها إمامها العادل في تركها ، طاعة منها له ، ونظرا منها لأنفسها ولمن بعدها من سائر أهل ملتها ، حتى درست من الأمة معرفتها ، وتعفت آثارها ، فلا سبيل لأحد اليوم إلى القراءة بها ، لدثورها وعفو آثارها ، وتتابع المسلمين على رفض القراءة بها ، من غير جحود منها صحتها وصحة شيء منها ولكن نظرا منها لأنفسها ولسائر أهل دينها . فلا قراءة للمسلمين اليوم إلا بالحرف الواحد الذي اختاره لهم إمامهم الشفيق الناصح ، دون ما عداه من الأحرف الستة الباقية .

فإن قال بعض من ضعفت معرفته : وكيف جاز لهم ترك قراءة أقرأهموها رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وأمرهم بقراءتها ؟

قيل : إن أمره إياهم بذلك لم يكن أمر إيجاب وفرض ، وإنما كان أمر إباحة ورخصة . لأن القراءة بها لو كانت فرضا عليهم ، لوجب أن يكون العلم بكل حرف من تلك الأحرف السبعة ، عند من تقوم بنقله الحجة ، ويقطع خبره العذر ، ويزيل الشك من قرأة الأمة . وفي تركهم نقل ذلك كذلك أوضح الدليل على أنهم كانوا في القراءة بها مخيرين ، بعد أن يكون في نقلة القرآن من الأمة من تجب بنقله الحجة ببعض تلك الأحرف السبعة . [ ص: 65 ]

وإذ كان ذلك كذلك ، لم يكن القوم بتركهم نقل جميع القراءات السبع ، تاركين ما كان عليهم نقله ، بل كان الواجب عليهم من الفعل ما فعلوا . إذ كان الذي فعلوا من ذلك ، كان هو النظر للإسلام وأهله . فكان القيام بفعل الواجب عليهم ، بهم أولى من فعل ما لو فعلوه ، كانوا إلى الجناية على الإسلام وأهله أقرب منهم إلى السلامة ، من ذلك .


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 49.49 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 48.86 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (1.27%)]