عرض مشاركة واحدة
  #239  
قديم 05-08-2022, 12:31 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,928
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير "محاسن التأويل"محمد جمال الدين القاسمي متجدد إن شاء الله




تفسير "محاسن التأويل"

محمد جمال الدين القاسمي
سُورَةُ النِّسَاءِ
المجلد الخامس
صـ 1419 الى صـ 1426
الحلقة (239)


[ ص: 1419 ] القول في تأويل قوله تعالى:

من يشفع شفاعة حسنة يكن له نصيب منها ومن يشفع شفاعة سيئة يكن له كفل منها وكان الله على كل شيء مقيتا [85]

من يشفع شفاعة حسنة أي: يتوسط في أمر فيترتب عليه خير من دفع ضر أو جلب نفع؛ ابتغاء لوجه الله تعالى، ومنه حمل المؤمنين على قتال الكفار يكن له نصيب منها وهو ثواب الشفاعة والتسبب إلى الخير الواقع بها.

ومن يشفع شفاعة سيئة وهي ما كانت بخلاف الحسنة، بأن كانت في أمر غير مشروع يكن له كفل منها أي: نصيب من وزرها الذي ترتب على سعيه، مساو لها في المقدار من غير أن ينقص منه شيء.

فوائد:

الأولى: قال السيوطي في "الإكليل": في الآية مدح الشفاعة وذم السعاية وهي الشفاعة السيئة وذكر الناس عند السلطان بالسوء، وهي معدودة من الكبائر.

الثانية: روي في فضل الشفاعة أحاديث كثيرة، منها:

ما أخرجه الشيخان عن أبي موسى الأشعري - رضي الله عنه - قال: كان النبي - صلى الله عليه وسلم - إذا أتاه طالب حاجة أقبل على جلسائه فقال: اشفعوا تؤجروا ويقضي الله على لسان نبيه ما أحب .

وعن ابن عباس - رضي الله عنهما - في [ ص: 1420 ] قصة بريرة وزوجها قال: قال لها النبي - صلى الله عليه وسلم -: لو راجعته! قالت: يا رسول الله تأمرني؟ قال: إنما أنا أشفع قالت: لا حاجة لي فيه، رواه البخاري.

الثالثة: قال مجاهد والحسن والكلبي وابن زيد: نزلت هذه الآية في شفاعات الناس بعضهم لبعض، فما يجوز في الدين أن يشفع فيه فهو شفاعة حسنة، وما لا يجوز أن يشفع فيه فهو شفاعة سيئة.

ثم قال الحسن: من يشفع شفاعة حسنة كان له فيها أجر، وإن لم يشفع؛ لأن الله يقول: (من يشفع)ولم يقل: (من يشفع) ويتأيد هذا بقوله عليه الصلاة والسلام: اشفعوا تؤجروا نقله الرازي .

الرابعة: قال الزمخشري : الشفاعة الحسنة هي التي روعي بها حق مسلم، ودفع بها عنه شر، أو جلب إليه خير، وابتغي بها وجه الله، ولم تؤخذ عليها رشوة، وكانت في أمر جائز، لا في حد من حدود الله، ولا في حق من الحقوق، يعني الواجبة عليه، والسيئة ما كان بخلاف ذلك، وعن مسروق: أنه شفع شفاعة فأهدى إليه المشفوع جارية فغضب وردها، وقال: لو علمت ما في قلبك لما تكلمت في حاجتك، ولا أتكلم فيما بقي منها. انتهى.

[ ص: 1421 ] وروى أبو داود: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: من شفع لأخيه بشفاعة فأهدى له هدية عليها، فقبلها، فقد أتى بابا عظيما من أبواب الربا .

وهذا الحديث أورده أيضا المنذري في "كتاب الترغيب والترهيب" في ترجمة (الترغيب في قضاء حوائج المسلمين وإدخال السرور عليهم، وما جاء فيمن شفع فأهدي إليه) ثم ساق حديث الشيخين وغيرهما، عن ابن عمر أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: المسلم أخو المسلم، لا يظلمه ولا يسلمه، ومن كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته، ومن فرج عن مسلم كربة فرج الله عنه كربة من كرب الدنيا يوم القيامة، ومن ستر مسلما ستره الله يوم القيامة .

وروى الطبراني بإسناد جيد، عن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ما من عبد أنعم الله عليه نعمة فأسبغها عليه ثم جعل من حوائج الناس إليه فتبرم، فقد عرض تلك النعمة للزوال .

وروي نحوه عن عائشة ، وابن عمر، وابن عمرو.

وروى الطبراني وابن حبان في "صحيحه" عن عائشة - رضي الله عنها - قالت: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: من كان وصلة لأخيه المسلم إلى ذي سلطان في مبلغ بر، أو تيسير عسير - أعانه الله على إجازة الصراط يوم القيامة عند دحض الأقدام .

وفي رواية للطبراني عن أبي الدرداء: رفعه الله في الدرجات العلا من الجنة .

وروى الطبراني ، عن الحسن بن علي - رضي الله عنهما - عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: إن من موجبات المغفرة إدخالك السرور على أخيك المسلم .

ورواه عن عمر مرفوعا بلفظ: أفضل الأعمال إدخال السرور على المؤمن .

ورواه بنحو ذلك أيضا عن ابن عمر وابن عباس وعائشة وغيرهم، انظر الترغيب.

[ ص: 1422 ] الخامسة: نكتة اختيار النصيب في (الحسنة) والكفل في (السيئة) ما أشرنا إليه، وذلك أن النصيب يشمل الزيادة؛ لأن جزاء الحسنات يضاعف، وأما الكفل فأصله المركب الصعب، ثم استعير للمثل المساوي، فلذا اختير؛ إشارة إلى لطفه بعباده، إذ لم يضاعف السيئات كالحسنات، ويقال: إنه وإن كان معناه المثل لكنه غلب في الشر وندر في غيره، كقوله تعالى: يؤتكم كفلين من رحمته [الحديد: 28] فلذا خص به السيئة تطرية وهربا من التكرار.

و(من) بيانية أو ابتدائية، أفاده الخفاجي.

وكان الله على كل شيء مقيتا أي: مقتدرا من (أقات على الشيء) إذا اقتدر عليه كما قال:


وذي ضغن كففت النفس عنه وكنت على مساءته مقيتا


أي: رب ذي حقد علي كففت السوء عنه مع القدرة عليه، أو شهيدا حافظا، واشتقاقه من (القوت) فإنه يقوي البدن ويحفظه، وقوله تعالى:
[ ص: 1423 ] القول في تأويل قوله تعالى:

وإذا حييتم بتحية فحيوا بأحسن منها أو ردوها إن الله كان على كل شيء حسيبا [86]

وإذا حييتم بتحية أي: إذا سلم عليكم فدعي لسلامة حياتكم وصفاتكم التي بها كمال الحياة بتحية، فقيل: السلام عليكم فحيوا أي: أداء لحق المسلم عليكم بأحسن منها أي: بتحية أحسن منها، بأن تقولوا: وعليكم السلام ورحمة الله، ولو قالها المسلم زيد: وبركاته.

قال الراغب: أصل التحية الدعاء بالحياة وطولها، ثم استعملت في كل دعاء، وكانت العرب إذا لقي بعضهم بعضا يقول: حياك الله، ثم استعملها الشرع في السلام، وهي تحية الإسلام، قال الله تعالى: تحيتهم فيها سلام [إبراهيم: من الآية 23] وقال: تحيتهم يوم يلقونه سلام [الأحزاب: من الآية 44] وقال: فسلموا على أنفسكم تحية من عند الله [النور: من الآية 61].

[ ص: 1424 ] قالوا: في السلام مزية على (حياك) لما أنه دعاء بالسلامة من الآفات الدينية والدنيوية، وهي مستلزمة لطول الحياة، وليس في الدعاء بطول الحياة ذلك، ولأن السلام من أسمائه تعالى، فالبداءة بذكره مما لا ريب في فضله ومزيته.

أو ردوها أي: أجيبوها بمثلها، ورد السلام ورجعه: جوابه بمثله؛ لأن المجيب يرد قول المسلم ويكرره.

إن الله كان على كل شيء حسيبا أي: فيحاسبكم على كل شيء من أعمالكم التي من جملتها ما أمرتم به من التحية، فحافظوا على مراعاتها حسبما أمرتم به، وفي الآية فوائد شتى:

الأولى: نكتة نظمها مع آيات الجهاد هو التمهيد لمنع المؤمنين من قتل من ألقى إليهم السلام في الحرب الآتي قريبا، ببيان أن لكل مسلم حقا يؤدى إليه، وذلك لأن السلام نوع من الإكرام، والمكرم يقابل بمثل إكرامه أو أزيد.

قال الرازي : إن الرجل في الجهاد كان يلقاه الرجل في دار الحرب أو ما يقاربها فيسلم عليه، فقد لا يلتفت إلى سلامه عليه ويقتله، وربما ظهر أنه كان مسلما، فمنع الله المؤمنين عنه، وأمرهم أن كل من يسلم عليهم ويكرمهم بنوع من الإكرام يقابلونه بمثل ذلك الإكرام أو أزيد، فإنه إن كان كافرا لا يضر المسلم إن قابل إكرام ذلك الكافر بنوع من الإكرام، أما إن كان مسلما وقتله ففيه أعظم المضار والمفاسد.

ولذا قال: إن الله كان على كل شيء حسيبا أي: هو محاسبكم على كل أعمالكم، وكاف في إيصال جزاء أعمالكم إليكم، فكونوا على حذر من مخالفة هذا التكليف، فهذا يدل على شدة العناية بحفظ الدماء، والمنع من إهدارها.

وقد روى ابن أبي حاتم ، عن عكرمة، عن ابن عباس قال: [ ص: 1425 ] من سلم عليك من خلق الله فاردد عليه، وإن كان مجوسيا ذلك بأن الله يقول: فحيوا بأحسن منها أو ردوها

وقال قتادة: (فحيوا بأحسن منها) يعني للمسلمين (أو ردوها) يعني لأهل الذمة، ومن هنا حكى الماوردي وجها: أنه يقول في الرد على أهل الذمة إذا ابتدؤوا: وعليكم السلام، ولا يقول: ورحمة الله، نقله عنه النووي.

وروى الزمخشري عن الحسن أنه يجوز أن يقال للكافر: وعليك السلام، ولا تقل: ورحمة الله؛ فإنها استغفار.

وعن الشعبي أنه قال لنصراني سلم عليه: وعليك السلام ورحمة الله، فقيل له في ذلك، فقال: أليس في رحمة الله يعيش؟ انتهى.

والظاهر أنه لحظ الأخبار بذلك ولم يرد مضمون التحية، ومع هذا فالثابت في الصحيحين عن أنس مرفوعا: إذا سلم عليكم أهل الكتاب فقولوا: وعليكم كما يأتي.

قال السيوطي في "الإكليل": في هذه الآية مشروعية السلام ووجوب رده، واستدل بها الجمهور على رد السلام على كل مسلم، مسلما كان أو كافرا، لكن مختلفان في صيغة الرد.

الثانية: ورد في إفشاء السلام أحاديث كثيرة، منها:

قول البراء بن عازب - رضي الله عنهما -: أمرنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بسبع، منها: وإفشاء السلام، رواه الشيخان.

وعن أبي هريرة [ ص: 1426 ] - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: لا تدخلوا الجنة حتى تؤمنوا ولا تؤمنوا حتى تحابوا، ألا أدلكم على شيء إذا فعلتموه تحاببتم؟ أفشوا السلام بينكم رواه مسلم.

وعن عبد الله بن سلام - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: أيها الناس! أفشوا السلام، وأطعموا الطعام، وصلوا الأرحام، وصلوا والناس نيام تدخلوا الجنة بسلام قال الترمذي : حديث صحيح.

الثالثة: في كيفية السلام، قال الرازي : إن شاء قال: سلام عليكم، وإن شاء قال: السلام عليكم.

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 36.06 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 35.43 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (1.74%)]