عرض مشاركة واحدة
  #83  
قديم 01-08-2022, 10:37 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,974
الدولة : Egypt
افتراضي رد: المحرر في أسباب نزول القرآن ___ متجدد



المحرر في أسباب نزول القرآن
المؤلف: خالد بن سليمان المزيني
المجلد الاول

سورة المائدة
من صــ 472 الى صـ 480
الحلقة (83)



70 - قال الله تعالى: (إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلَافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ (33)
* سَبَبُ النُّزُولِ:

1 - أخرج النَّسَائِي وأحمد وأبو داود عن أنس بن مالك - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أن نفرًا من عُكْلٍ قدموا على النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فاجتووا المدينة فأمرهم النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أن يأتوا إبل الصدقة فيشربوا من أبوالها وألبانها ففعلوا فقتلوا راعيها، واستاقوها، فبعث النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في طلبهم، قال: فأُتي بهم، فقطع أيديهم وأرطم، وسمَّر أعينهم، ولم يحسمهم وتركهم حتى ماتوا فأنزل اللَّه - عَزَّ وَجَلَّ -: (إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ).
2 - وأخرج أبو داود والنَّسَائِي عن ابن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - أن ناساً أغاروا على إبل النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فاستاقوها، وارتدوا عن الإسلام، وقتلوا راعي رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مؤمناً، فبعث في آثارهم، فأخذوا، فقطع أيديهم وأرجلهم، وسمل أعينهم، قال: ونزلت فيهم آية المحاربة، وهم الذين أخبر عنهم أنس بن مالك الحجاج حين سأله.
3 - وأخرج أبو داود والنَّسَائِي عن ابن عبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - قال: إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلَافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ .. ) إلى قوله (غَفُورٌ رَحِيمٌ) نزلت هذه الآية في المشركين، فمن تاب منهم قبل أن يقدر عليه لم يمنعه ذلك أن يقام فيه الحد الذي أصابه.
* دراسة السبب:
هكذا جاء في سبب نزول الآية. وقد أورد المفسرون هذه الأحاديث وغيرها في سبب نزول الآية منهم الطبري والبغوي وابن العربي وابن عطية والقرطبي وابن كثير وابن عاشور.
واختار الطبري بعد سياق الأقوال أن الآية تتحدث عن بني إسرائيل وأن حكمها يتناول أهل الإسلام فقال: (وإنما قلنا ذلك أولى الأقوال بالصواب في ذلك لأن القصص التي قصها اللَّه جل وعز قبل هذه الآية وبعدها من قصص بني إسرائيل وأنبائهم، فأن يكون ذلك متوسطاً منه يعرف الحكم فيهم وفي نظرائهم أولى وأحق فذكر كلامًا ... إلى أن قال: فتأويلها: من أجل ذلك كتبنا على بني إسرائيل أنه من قتل نفساً بغير نفس أو سعى بفساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعاً ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعاً، ولقد جاءتهم رسلنا بالبينات ثم إن كثيرًا منهم بعد ذلك في الأرض لمسرفون يقول: لساعون في الأرض بالفساد، وقاتلوا النفوس بغير نفس، وغير سعي في الأرض بالفساد حربا للَّه ولرسوله فمن فعل ذلك منهم يا محمد فإنما جزاؤه أن يقتلوا أو يصلبوا أو تقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف أو ينفوا من الأرض.
فإن قال لنا قائل: وكيف يجوز أن تكون الآية نزلت في الحال التي ذكرت من حال نقض كافر من بني إسرائيل عهده، ومن قولك: إن حكم هذه الآية حكم من الله في أهل الإسلام دون أهل الحرب من المشركين؟.
قيل: جاز أن يكون ذلك كذلك؛ لأن حكم من حارب اللَّه ورسوله وسعى في الأرض فسادًا من أهل ذمتنا وملتنا واحد، والذين عُنوا بالآية كانوا أهل عهد وذمة وإن كان داخلاً في حكمها كل ذمي وملي، وليس يبطل بدخول من دخل في حكم الآية من الناس أن يكون صحيحاً نزولها فيمن نزلت فيه) اهـ.
وقال ابن العربي: (ومن قال إنها نزلت في المشركين أقرب إلى الصواب؛ لأن عكلا وعرينة ارتدوا وقتلوا وأفسدوا، ولكن يبعد لأن الكفار لا يختلف حكمهم في زوال العقوبة عنهم بالتوبة بعد القدرة كما يسقط قبلها وقد قيل للكفار: (قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ) وقال في المحاربين: (إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ) وفي الآية النفي لمن لم يتب قبل القدرة، والمرتد لا ينفى، وفيها قطع اليد والرجل والمرتد لا تقطع له يد ولا رجل فثبت أنها لا يراد بها المشركون ولا المرتدون) اهـ.
وقال ابن عطية: (ويشبه أن تكون نازلة في بني قريظة حين هموا بقتل النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وقال عكرمة والحسن نزلت الآية في المشركين، وفي هذا ضعف لأن توبة المشرك نافعة بعد القدرة عليه وعلى كل حال). اهـ ثم ذكر من قال إنها نزلت في عكل وعرينة.
وقال القرطبي: (اختلف الناس في سبب نزول هذه الآية فالذي عليه الجمهور أنها نزلت في العرنيين ثم ساق الحديث.
ونقل قول من قال: إنها نزلت في المشركين، وقال: وهذا ضعيف يرده قوله تعالى: (قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ)، وقوله - عليه الصلاة والسلام -: (الإسلام يهدم ما قبله) أخرجه مسلم، والصحيح الأول لنصوص الأحاديث الثابتة في ذلك، وقال مالك والشافعي وأبو ثور وأصحاب الرأي: الآية نزلت فيمن خرج من المسلمين يقطع السبيل، ويسعى في الأرض بالفساد. قال ابن المنذر: قول مالك صحيح، قال أبو ثور محتجاً لهذا القول: وفي الآية دليل على أنها نزلت في غير أهل الشرك، وهو قوله جل ثناؤه: (إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ) وقد أجمعوا على أن أهل الشرك إذا وقعوا في أيدينا فأسلموا أن دماءهم تحرم فدل ذلك على أن الآية نزلت في أهل الإسلام) اهـ.
وقال ابن كثير: (والصحيح أن هذه الآية عامة في المشركين وغيرهم ممن ارتكب هذه الصفات) اهـ.
وقال ابن عاشور: (نزلت هذه الآية في شأن حكم النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في العرنيين وبه يشعر صنيع البخاري إذ ترجم بهذه الآية من كتاب التفسير وأخرج عقبه حديث أنس بن مالك في العرنيين) اهـ.
وسأذكر حجج المفسرين وأقوالهم باختصار ثم أتحول إلى مناقشتها.
الأول: قول الطبري ومن تبعه أن الآية نزلت في اليهود لأن سياق الآيات قبل الآية وبعدها تتحدث عن بني إسرائيل.
الثاني: أن الآية نزلت في المشركين، وحجتهم حديث ابن عبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - عند أبي داود والنَّسَائِي قال: نزلت هذه الآية في المشركين فمن تاب منهم قبل أن يقدر عليه لم يمنعه ذلك أن يقام فيه الحد الذي أصابه.
الثالث: أنها نزلت في العرنيين لنصوص الأحاديث الثابتة في ذلك - هكذا قال القرطبي وأضافه إلى الجمهور -.
الرابع: أنها نزلت فيمن خرج من المسلمين يقطع السبيل ويسعى في الأرض بالفساد، قال هذا مالك والشافعي وأبو ثور وأصحاب الرأي.
أما قول الطبري: إن الآية نزلت في اليهود، فقد قال ابن العربي معقباً على هذا القول: (وهذا ما لم يصح فإنه لم يبلغنا أن أحدًا من اليهود حارب ولا أنه جوزي بهذا الجزاء) اهـ.
وعندي - والله أعلم - أن احتجاج الطبري بالسياق ليس بظاهر لأن الآيات تتحدث عن الفساد في الأرض عموماً ابتداء بابني آدم حيث قتل أحدهما أخاه، ثم ذكر بني إسرائيل وفسادهم ثم حذرنا من الحرابة والفساد في الأرض، ثم عقب ذلك بعقوبة السرقة وحد القطع فالآيات تتحدث عن الفساد في الأرض انتقالاً من طائفة إلى أخرى ومن أمة إلى أمة ومن نوع إلى نوع حيث بدأ بالقتل وختم بالسرقة.
وأما القول بأن الآية نزلت في المشركين فإسناده حسن إلى ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - لكن يعكر عليه أمور:
أولاً: قوله تعالى: (قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ) قال القرطبي: (وقد أجمعوا على أن أهل الشرك إذا وقعوا في أيدينا فأسلموا أن دماءهم تحرم) اهـ.
وأقول: هذا الإجماع الذي ذكره القرطبي في الإسلام بعد القدرة، فكيف قال ابن عبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -: (فمن تاب منهم قبل أن يقدر عليه لم يمنعه ذلك أن يقام فيه الحد الذي أصابه) هذا خلاف الآية ابتداء وانتهاء. وإذا كان الإجماع منعقدا على قبول التوبة بعد القدرة فقبلها من باب أولى.
ثانياً: قول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (الإسلام يهدم ما قبله) وهذا قاله رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لعمرو بن العاص عند البيعة حين أراد اشتراط مغفرة ما سلف مع أن عمراً لا يرتاب أحد أنه قد نال من المسلمين كثيرًا قبل إسلامه، ومع هذا فقد أُخبر بأن الإسلام يهدم ما كان قبله، ولم يطالب بضمان ما أتلف من الدماء والأموال قبل ذلك.
ثالثاً: ثبت في الصحيح عن أسامة بن زيد - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - قال: بعثنا رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في سرية فصبحنا الحُرُقات من جهينة فأدركت رجلاً فقال: لا إله إلا اللَّه فطعنته فوقع في نفسي من ذلك فذكرته للنبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (أقال لا إله إلا اللَّه وقتلته) قال: قلت: يا رسول اللَّه إنما قالها خوفاً من السلاح. قال: (أفلا شققت عن قلبه حتى تعلم أقالها أم لا).
الشاهد من الحديث: أن الرجل أسلم بعد القدرة عليه ولما قتله أُسامة عوتب على ذلك عتابًا شديداً.
فالحديثان المتقدمان والآية قبلهما نصوص ثابتة في أن توبة الكافر مقبولة سواء أكان ذلك قبل القدرة عليه أم بعدها، وهذا لا يتفق مع قوله تعالى في سياق آية الحرابة (إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) فإن المفهوم من الآية، والمستقر عند العلماء أن التوبة بعد القدرة لا تغير من الأمر شيئاً.
قال السعدي: (ودل مفهوم الآية على أن توبة المحارب - بعد القدرة عليه - أنها لا تسقط عنه شيئاً) اهـ.
وإذا كان الأمر كذلك فكيف يقال: إن آية الحرابة نزلت في المشركين مع ما بينهما من الفروق.
رابعاً: أني مع قصوري وتقصيري لا أعلم أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فعل هذه العقوبة، وأنزل هذا الجزاء بأحد من المشركين الأصليين، بل كان - عليه الصلاة والسلام - حين تقتضي المصلحة قتلهم لا يتجاوز القتل المعتاد.
أما القول بأن الآية نزلت في العرنيين لنصوص الأحاديث الثابتة في ذلك، فإنه قد تبين من دراسة أسانيد هذه الأحاديث أن ذكر نزول الآية فيها وهم، وبناءً على هذا فلا دليل حينئذٍ على أن الآية نازلةٌ بسببهم، وإذا كان الأمر دائراً بين وجود السبب وعدمه فالأصل العدم حتى يقوم دليل صحيح صريح على ذلك.
فلم يبق إلا القول الرابع وأنها نزلت فيمن خرج من المسلمين يقطع السبيل ويسعى في الأرض بالفساد وهذا هو الصحيح.
قال ابن أبي عمر: (وهذه الآية في قول ابن عبَّاسٍ وكثير من العلماء نزلت في قطاع الطريق من المسلمين وبه يقول مالك والشافعي وأبو ثور وأصحاب الرأي) اهـ.
وليس المراد بقولنا: نزلت أن لها سببًا نزلت عليه، بل المراد أن لفظها يتناول أحكام قطاع الطريق، وإلا فالزمن بعيد بين قصة العرنيين حيث دارت أقوال العلماء حولها في سنة ست، وبين نزول سورة المائدة الذي تأخر كثيرًا. والله أعلم.
* النتيجة:
أن حديث العرنيين المذكور ليس سببًا لنزول الآية حيث لم يثبت من جهة الإسناد ذكر النزول، مع ما بين القصة، ونزول آية المائدة من الزمن الطويل واللَّه أعلم.
* * * * *

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 32.38 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 31.76 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (1.94%)]