عرض مشاركة واحدة
  #82  
قديم 01-08-2022, 10:29 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,534
الدولة : Egypt
افتراضي رد: المحرر في أسباب نزول القرآن ___ متجدد



المحرر في أسباب نزول القرآن
المؤلف: خالد بن سليمان المزيني
المجلد الاول

سورة المائدة
من صــ 453 الى صـ 471
الحلقة (82)

وقال ابن عطية في سورة النساء: (ثم نزلت (وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى) إلى آخر الآية بسبب عدم الصحابة الماء في غزوة المريسيع حين أقام على التماس العقد، هكذا قال الجمهور) اهـ.
وقال في سورة المائدة عند آية الوضوء: (لا يختلف أن هذه الآية هي التي قالت عائشة - رضي الله عنها - فيها نزلت آية التيمم وهي آية الوضوء لكن من حيث كان الوضوء متقرراً عندهم مستعملاً فكأن الآية لم تزدهم فيه إلا تلاوته، وإنما أعطتهم الفائدة والرخصة في التيمم، وآية النساء إما نزلت معها أو بعدها بيسير، وكانت قصة التيمم في سفر رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في غزوة المريسيع، وفيها وقع حديث الإفك). اهـ.
وبعد أن ذكرت أقوال المفسرين في المسألة تفصيلاً سأذكر حجج كل قول باختصار ثم أُناقشها.

فأما القائلون بأن آية النساء نزلت أولاً وكانت مشروعية التيمم بها فحجتهم:
1 - أن آية النساء تقدمت في نزولها على آية المائدة لأنها نزلت قبل أن تحرم الخمر.
2 - أن المائدة من آخر القرآن نزولاً لا سيما صدرها.
3 - أن التيمم شرع في غزوة المريسيع.

أما قولهم: إن آية النساء تقدمت في نزولها على آية المائدة، فهذا صحيح لأن آية النساء نهت عن قربان الصلاة حال السكر وفي هذه المرحلة لم يُحرّم الخمر بعد، وإنما حرم الخمر بقوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (90)، وكان ذلك بعد غزوة أحد ودليل ذلك ما روى البخاري عن أنس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: كنت ساقيَ القوم في منزل أبي طلحة فنزل تحريم الخمر، فأمر منادياً فنادى، فقال أبو طلحة: اخرج فانظر ما هذا الصوت؟ قال: فخرجت فقلت: هذا منادٍ ينادي: ألا إن الخمر قد حرمت، فقال لي: اذهب فأهرقها قال: فجرت في سكك المدينة. قال: وكانت خمرهم يومئذٍ الفضيخ، فقال بعض القوم: قتل قوم وهي في بطونهم قال فأنزل اللَّه: (لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جُنَاحٌ فِيمَا طَعِمُوا).
فإن قيل: ما الدليل على أن ذلك كان بعد أحد؟
فالجواب: أمران:
الأول: ما روى البخاري عن جابر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: صَبَّح أُناس غداةَ أُحد الخمر، فقتلوا من يومهم جميعاً شهداء. وذلك قبل تحريمها.
الثاني: قول بعض الصحابة في حديث أنس السابق: (قتل قوم وهي في بطونهم) وإنما عنوا بهم شهداء أحد.
وأما قولهم: إن المائدة من آخر القرآن نزولاً لا سيما صدرها فهذا صحيح في الجملة وإلا فمن المائدة ما تقدم نزولها كتحريم الخمر، ورفع الجناح عمن مات وهو يشربها قبل التحريم، فإن هذا نزل بعد أحد.
أما صدرها فقد دلَّ على تأخر نزوله أمران:

الأول: نزول قوله تعالى: (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ ... ) الآية.
فقد روى البخاري عن عمر ابن الخطاب - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أن رجلاً من اليهود قال له: يا أمير المؤمنين، آية في كتابكم تقرؤنها، لو علينا معشر اليهود نزلت لاتخذنا ذلك اليوم عيداً. قال: أيُّ آية؟ قال: (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا) قال عمر: قد عرفنا ذلك اليوم، والمكان الذي نزلت فيه على النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وهو قائم بعرفة يوم جمعة.
الثاني: ما روى الشيخان واللفظ للبخاري عن همام بن الحارث قال: رأيت جرير بن عبد الله بال ثم توضأ ومسح على خفيه ثم قام فصلى فسئل فقال: رأيت النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صنع مثل هذا.
قال إبراهيم: فكان يعجبهم لأن جريراً كان من آخر من أسلم.
ولفظ مسلم: لأن إسلام جريرٍ كان بعد نزول المائدة.
وذلك لأن بعض من أنكر المسح على الخفين تأول أن مسح النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان قبل نزول آية الوضوء التي في المائدة فيكون منسوخاً فذكر جرير في حديثه أنه رآه يمسح بعد نزول المائدة.
وجه الدلالة من هذا الحديث على مسألتنا (أي تأخر نزول المائدة) أنه إذا كان يقع الاشتباه إلى هذا الحد بين سبق إسلام جرير - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - ونزول المائدة مع أنه من آخر من أسلم كما تقدم حتى لقد جزم الواقدي بأنه وفد على النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سنة عشر في شهر رمضان، وحتى جزم ابن عبد البر وأخطأ أنه أسلم قبل وفاة النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بأربعين يوماً، أقول إذا كان يقع الاشتباه إلى هذا الحد؛ فإن هذا يدل على تأخر نزول آية الوضوء كثيراً واللَّه أعلم.
أما قولهم: إن التيمم شرع في غزوة المريسيع فهذا قول مرجوح، وغزوة المريسيع لم يأت للتيمم ذكر فيها كما ثبت في الصحيحين من حديث عائشة - رضي الله عنها - قالت: كان رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذا أراد أن يخرج أقرع بين أزواجه، فأيتهن خرج سهمها خرج بها رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - معه، قالت عائشة: فأقرع بيننا في غزوة غزاها فخرج سهمي، فخرجت مع رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بعد ما نزل الحجاب، فأنا أُحمل في هودجي، وأُنزل فيه، فسرنا حتى إذا فرغ رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - من غزوته تلك وقفل، ودنونا من المدينة قافلين، آذَن ليلة بالرحيل فقمت حين آذنوا بالرحيل، فمشيت حتى جاوزت الجيش، فلما قضيت شأني أقبلت إلى رحلي، فإذا عقد لي من جزع ظفار قد انقطع، فالتمست عقدي، وحبسني ابتغاؤه، وأقبل الرهط الذين كانوا يرحلون لي فاحتملوا هودجي فرحلوه على بعيري الذي كنتُ ركبت وهم يحسِبون أني فيه، وكان النساء إذ ذاك خفافًا لم يثقلهن اللحم، إنما تأكل العُلقة من الطعام، فلم يستنكر القوم خفة الهودج حين رفعوه وكنت جارية حديثة السن، فبعثوا الجمل وساروا، فوجدت عقدي بعدما استمر الجيش فجئت منازلهم وليس به دلّ ولا مجيب فأممت منزلي الذي كنت به وظننت أنهم سيفقدونني فيرجعون إليًّ ... الحديث).
فهذا حديث عائشة - رضي الله عنها - في غزوة المريسيع ليس فيه ذكر للتيمم مطلقاً وليس فيه نزول آيات تتعلق بالتيمم، وإنما الذي أوجب الاشتباه عند العلماء فقد العقد في القصتين فظنوا أنها واحدة وليس الأمر كذلك فبين القصتين فروق من وجوه:

الأول: أن في الحديث الأول فأنزل الله آية التيمم، وليس في الثاني ذكر لذلك.
الثاني: أن في الحديث الأول احتباسهم طلبًا للعقد، وفي الثاني احتباسها وحدها.
الثالث: أن في الحديث الأول شكوى الناس أمرها لأبيها ومعاتبته إياها وليس ذلك في الثاني.
الرابع: أن في الحديث الأول أنهم وجدوا العقد تحت بعيرها الذي كانت عليه، وفي الثاني أنها وجدت عقدها هي بعدما استمر الجيش.
الخامس: أن في الأول أن رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أقام على التماس العقد وفي لفظ: أن رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أرسل ناساً من أصحابه في طلب القلادة، وفي الثاني لم يشعروا أنهم تركوا عائشة - رضي الله عنها - فضلاً عن عقدها الذي لم يعلموا به.
السادس: أن الحديث الأول ليس فيه أنها مشت حتى جاوزت الجيش لقضاء شأنها كما في الحديث الثاني، بل كانت مع رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - واضعاً رأسه على فخذها.
السابع: أن في الحديث الأول أن أُناساً طلبوا القلادة فأدركتهم الصلاة فصلَّوا بغير وضوء وليس ذلك في الحديث الثاني.
الثامن: أن الحديث الثاني ليس فيه ذكر للماء وجوداً أو عدماً بخلاف الحديث الأول. فالفرق بين الحديثين كبير.
فإن قال قائل: هل قال بفقد العقد مرتين أحد من العلماء؟

فالجواب: نعم فابن قيم الجوزية - رحمه الله - لما ذكر حديث نزول آية التيمم في سياق قصة المريسيع قال: (وهذا يدل على أن قصة العقد التي نزل التيمم لأجلها بعد هذه الغزوة وهو الظاهر ولكن فيها (يعني المريسيع) كانت قصة الإفك بسبب فقد العقد والتماسه فالتبس على بعضهم إحدى القصتين بالأخرى) اهـ.
ومرادي من نقل كلام ابن القيم - رحمه الله - أن العقد فقد مرتين بغض النظر عن السابق منهما - نزول آية التيمم، أو غزوة المريسيع فأوان الترجيح لم يحن بعد.
وبهذا تم الكلام على حجج المقدمين لسورة النساء في نزول آية التيمم ومناقشتها.
أما القائلون بأن التيمم شرع في آية المائدة فاحتجوا بما يلي:
1 - أن المفسرين بالمدينة اتفقوا على أن المراد بقوله: (إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ) يعني من النوم وكان ذلك في قصة عائشة - رضي الله عنها -.
2 - ويستدل لهم بأن البخاري روى عن عائشة - رضي الله عنها - فنزلت: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ) فهذا صريح في أن المقصود آية المائدة.
أما قول ابن العربي إن المفسرين بالمدينة اتفقوا على أن المراد بالآية القيام من النوم فهذا مروي عن زيد بن أسلم والسدي.
ولا أدري ماذا يريد ابن العربي بهذا الاتفاق إن أراد أن قوله: (إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ) لا ينصرف إلا إلى حال واحدة، حال القيام من النوم فهذا مشكل، ولا أظنه يقول به، وإن كان لفظه يدل عليه.
وإن أراد أن قوله: (إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ) عام في القيام لها من النوم أو غيره، صار اللفظ محتملاً وعند الاحتمال يسقط الاستدلال.
ثم أيضًا أكثر المفسرين على خلاف قول زيد بن أسلم والسدي، فلماذا الاحتجاج بقولهما على من سواهما، وفي ظني أن الذي ألجأه إلى هذا استشكاله البيّن للمسألة فقد قال عنها:
(وهي معضلة ما وجدت لدائها من دواء عند أحد)، وقوله: (خبأه الله ولم يتيسر بيانه على يدي أحد).
وأما الحجة الثانية وهو ما رواه البخاري عن عائشة فنزلت: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ) فالجواب عنها من وجهين:
الأول: أن هذه الزيادة انفرد بها عمرو بن الحارث وخالف فيها الثقات الأثبات ثم هو وإن كان ثقة إلا أن له مناكير كما ذكر الإمام أحمد. فهذه الزيادة لا يصح نزولها، وقد تقدم بحث الطرق وبيان الوهم عند ذكر الحديث في الحاشية.
الثاني: أن بين الآيتين مشابهة فاحتمال الخطأ في ذكر إحدى الآيتين وارد من جهة الألفاظ ففي سورة النساء: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ) وفي المائدة - (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ) فاتفقت الآيتان في أربعة ألفاظ، واختلفتا في لفظ واحد، مع وجود تشابه وتماثل في حرفي: القاف، والتاء مما يقرب من احتمال الخطأ.
وقد نبّه على هذين الوجهين باختصار ابن عاشور كما تقدم.
وبهذا تم الكلام على من احتج بتقديم آية المائدة في مشروعية التيمم.
وسأذكر خلاصة ما تقدم ليتبين أرجح القولين وأسعدهما بالصواب.
1 - أن آية التيمم في سورة النساء تقدمت في نزولها على آية التيمم في سورة المائدة لأنها نزلت قبل أن تحرم الخمر.
2 - أن سورة المائدة من آخر القرآن نزولاً لا سيما صدرها ومنه آية الوضوء فقد تأخر نزولها كثيراً.
3 - أن التيمم لم يكن في غزوة المريسيع قط لعدم الدليل الصحيح على ذلك، كيف وقد خالف ذلك الدليل الصحيح.
4 - أن إحدى روايات البخاري التي فيها التصريح بنزول قوله: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ) قد وقع الوهم في سندها واشتبهت مع غيرها في لفظها.
وبناء على ما تقدم يتبين أن الراجح أن التيمم شرع في آية سورة النساء بسبب فقد أم المؤمنين عائشة - رضي الله عنها - لعقدها فأقاموا على التماسه جميعًا فلم يجدوه حتى أنزل الله آية التيمم، وكان ذلك قبل غزوة المريسيع بزمن بل قبل تحريم الخمر أيضًا واللَّه أعلم.
* النتيجة:
أن سبب نزول آية التيمم في سورة النساء فقد عائشة - رضي الله عنها - لعقدها حين كانت مع النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في بعض أسفاره، وذلك لأن نفس الآية من سورة المائدة تأخر نزولها كثيرًا مع تعدد القرائن الدالة على تقدم سورة النساء في النزول والله أعلم.
* * * * *

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 32.91 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 32.29 كيلو بايت... تم توفير 0.62 كيلو بايت...بمعدل (1.89%)]